في خضم أحداث جائحة كورونا الخانقة، يمكننا القول إنه لم تسلم دولةٌ، كبيرةً كانت أم صغيرة، من التداعيات السلبية المُؤثرة، التي ربما أتت على المُدخلات والمُخرجات، ناهيك عن البنية الصحية التي انهارت أو قريبة من الانهيار، والناظر من بعيدٍ يرى الواقع المتأزم، خاصة في الدول التي تعتمد مواردها على نوعية دخلٍ محددة، كالسياحة أو الصناعة أو استخراج البترول من أسفل أراضيها، وهو ما كان بحاجةٍ لتنويع مصادر الدخل والبحث خارج الصندوق، وقد أخذ كلٌ يُدلي بدلوه، للهروب من عنق الزجاجة المُحكم، والوقوف على مساحة أكثر رحبًا؛ لتجاوز الأزمة.
وإذا كنا في معرض الحديث عن دولٍ ذهبت ببرامجها بعيدًا عن الحلول التقليدية، وتركًا للموروث القديم، للدفع باقتصادها قُدمًا للحد من التداعيات السلبية الناتجة عن أزمة كوفيد 19، التي ضربت العالم، العام قبل الماضي، فليس هناك نموذجٍ أكثر محاكاةً للواقع من دول التعاون الخليجي، حيث إن هذه الدول كانت تعتمد في دخلها على النفط الذي عزَّز موقعها طويلًا بين دول العالم بأفضل ما يكون، لكن ومع الجائحة، فقد تهاوت أسعار النفط بشكلٍ غير مسبوقٍ، لتبلغ أدنى مستوياتها، لسياسة الإغلاق التي تفرضها الأزمة منذ بدايتها على العالم أجمع، وهو ما دعا تلك الدول لتنويع مصادر الدخل، عن طريق اتخاذ حزمة من الإجراءات الإصلاحية، رغم أن دول مجلس التعاون الخليجي فعلت الكثير، العام الماضي؛ لاحتواء آثار الجائحة على اقتصاداتها، فضلاً عن شراء اللقاحات في مرحلةٍ مبكرة، فإنه كان لزامًا عليها أن تستمر في إصلاح الأوضاع المالية لقطاعها العام، وتقوية سياساتها المتصلة بالمنافسة من أجل الاستفادة من مزايا الاتصالات السلكية واللاسلكية ورقمنة النشاط الاقتصادي. اليوم، وبعد عناءٍ دام لعامٍ ونصف العام، بدايةً من 2019 مولد الجائحة، وحتى منتصف عام 2020، ركزت دول الخليج، على الإيرادات المالية العامة والإصلاحات الهيكلية؛ ومنها الاستثمارات الإستراتيجية في التحوُّل الرقمي والاتصالات السلكية واللاسلكية؛ والتي تُعد عوامل أساسية لتعزيز النشاط الاقتصادي ونجاته من كبوته التي ألمت به، وتُمثل أيضًا نشاطًا اقتصاديًا جديدًا أكثر تنوعًا، كما أن تعزيز تنمية القطاع الخاص ما زال محور الجهود الوطنية والإقليمية لتنويع النشاط الاقتصادي بالشراكات والإسهامات في هذه الدول، إذ تستحوذ القطاعات العامة فيها على نصيب الأسد من المعاملات والتصرفات المالية والإدارية.
إن تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية مبادرة أمل للمستقبل، إذ ضخت دول المجلس حزمًا تحفيزية ضخمة؛ لدعم اقتصاداتها المتعثرة، ففي السعودية، تم تدشين شركة نقل وتقنيات المياه، وهي هيئة مملوكة للدولة، ستدير نقل وتوزيع وتخزين المياه المحلاة في أنحاء البلاد على نحو أكثر شمولاً، كما استحدثت قواعد تنظيمية جديدة لنظام المساعدة الاجتماعية يشمل حدًا أدنى للمدفوعات المحولة إلى الأسر المستحقة؛ لزيادة كفاءة الإنفاق والتشغيل، كما أسَّست البحرين صندوق الأمل؛ لدعم رواد الأعمال الشبان والشركات، بغرض تقديم استثمار أولي لأفكار أنشطة الأعمال للشباب البحريني، وسنَّت الكويت قانون حماية المنافسة؛ لمنح جهاز حماية المنافسة الكويتي المزيد من الاستقلالية، ما يحوِّله إلى هيئة فنية واحترافية بحتة؛ لتقليل الضغوط السياسية في أدائه لمهمته، وفي قطر أقر مجلس الوزراء المناطق التي بمقدور غير القطريين تملك العقارات فيها والاستفادة منها، والبنود والشروط والمنافع وإجراءات تملك تلك العقارات واستخدامها، وفي الإمارات العربية المتحدة يسمح مرسوم جديد بالملكية الأجنبية الكاملة للشركات داخل الدولة، كما شملت الإصلاحات الرئيسية فيها، الخدمات الاجتماعية، كما في سلطنة عمان، حيث تم توجيه دعم المياه والكهرباء حاليًا على نحو أفضل إلى الفئات الأشد فقراً من السكان؛ لزيادة الأثر وخفض العبء المالى.
بإمكان دول التعاون الخليجي الريادة، إذا ما سارت على نهج خططها الإصلاحية كما رسمتها، وعنونت لها بالتنويع.