فى حياتك قد تصل لسرها.. وقد تتوه فى متاهتها.. قد تكتشف أنك مت مرات عديدة لأنك غرقت فى تفاصيلها المادية.. وقد تكتشف أنك أعيدت لك الحياة بعدما خلعت لباس التعلق بالأمور المادية.. وارتديت لباس عبودية خالقها فوصلت لسر الحياة.. فأعيدت لك الحياة أو أنك تحيا من جديد.. ولكنك حينما وصلت لهذا السر علمت أن بإمكانك أن تموت مرات عديدة.. وتخرج للحياة مرة أخرى.. وقد تكتشف أنك أردت لنفسك الموت الذى لا يستحق أن تصل ذاتك له فهو الشعور القاسى المؤلم الذى لا ترتضيه نفسك الآن.. فترغب فى حياة تعلم سرها بعدما تعلمت أن الحياة للأقوياء ويكفى لك أنك عرفت متى تموت ومتى تحيا.. وربما لا تسمح لك الظروف أن فرضت على نفسك الموت بأن تعود للحياة مرة أخرى.. فلسنا أحرارا على طول المدى فالحياة قصيرة.. صحيح التجربة هى سنتها لكن تظل رفاهية توقيت الخروج منها ليست ملك للجميع.. فالحياة قصيرة والتعلم مسؤوليتك.. صحيح ليس كل السقوط فى تجاربها أمن العواقب، ولكن مرارته تجعلك تصل لسر الحياة فلا تسقط فى متاهتها!!
قليل منا من توقف ليعتبر ليصل لسر وجوده وحياته فمعظمنا يشكو من أعراض الدنيا.. يشكو من عدم توفيقه مع الآخرين.. يشكو من الظلم.. الخيانة.. الغدر.. ضيق الرزق.. ويشكو ويشكو!! جميعنا باحثين عن السعادة يطمع فى كل المكاسب طوال الوقت لذلك فالكثير يتوه فى متاهات الحياة.. ربما لأنه فقد البحث عن ماهية الأشياء.. وربما لأنه فقد الفطرة السليمة التى خلقنا الله عليها.. وربما لأن الأشياء استعبدته فنسى الإيمان بخالقها.. وربما لأنه لم ينتبه لفكرة تغير الأشياء والأشخاص حوله.. فلا يستطيع أن يحيا حياته التى من الصعب أن تستمر على حالها.. فيشكو من تغير معالم الأمور.. وقد يتوقف للتفهم والتدبر ويستطيع أن يلحق بركب التغيير أو يرضى الموت لنفسه فلا يشعر به الآخرون.. فسر الحياة أن تتطور فلا تربط نفسك بأمور متغيرة.. فقط عليك أن ترتبط بأفكار وقيم مطلقة لا تؤثر التغييرات الظاهرة فى أعماقها.. وهذا التغيير سر من أسرارها الذى يتبعه منك أن تتواكب لتشترك وتتناغم مع المشهد المتغير لأن الحياة لا تسير بمعزل عن الإنسان، فإن لم يكن هو نفسه صانع التغيير فعليه تقبل التغيير الحادث باعتباره سنة الحياة فسبحان الله الذى يغير ولا يتغير..
وهنا يتوقف الإنسان مع نفسه مع ذلك الإنسان الذى يعيش داخله بعقله وقلبه.. وما حاله؟! وماذا يشعر هل هو دافعه للأمام أم سبب تأخره؟! وهل يسمعه أم يكبته؟! وهل هو إنسان صالح أم شرير؟! ملاك أم شيطان أم الجلاد الذى لا يرحمه؟!.. هل يسير معه أم عكسه؟! وكأننا نحيا بذلك الإنسان الذى ينعكس على وجوهنا وهيئتنا مهما خبأناه داخلنا فهو الأقوى والأشرس.. وإلا لماذا نفعل السيئ فى الخفاء.. لنصبح أمام أنفسنا لنقرر هل نحن بحاجة للانتصار على أنفسنا الشريرة أو بحاجة لإخراج أنفسنا الطيبة البريئة لنعرف سر الحياة.
فلكل إنسان لحنا يعزفه منفردا أو يود أن يشاركه أحد.. فهو أغنية قلبه وشفرة عقله الذى يجب ألا ينفصل عن لحن حياته وأن يتناغم مع الحياة التى يعيشها فلا هو باللحن النشاز أو المحرم وسط جموع من ألحان غيرنا فى صور متعددة من التشابك أو التصارع أو التناغم.. وكونه اللحن الجماعى يجعله سر الحياة.
فقد يرى كل واحد منا أنه مختلف عن الآخرين ولا أحد يفهمه وقد يرى فى نفسه أنه الأفضل دائما!! حتى ولو تظاهر بعكس ذلك ويصبح سر اختلافه وربما تفوقه هو سبب أزمته فى الحياة لأنه حينما نظر لنفسه بحث عن سعادتها فقط ولم ينظر حوله بشكل مجمل ونسى أن اختلافه جزء مكمل لاختلاف الآخرين.. فسر الحياة يكمن فى الاختلاف الذى قد يخلق توافقا.. فلا منتصر يعيش وحده بدون مهزوم يفرض عليه شروطه، ولا مهزوم يرضى الشروط أبدا طوال الوقت فمن الممكن أن يستجمع قواه ليصبح منتصرا غدا.. فيكمن سر الحياة فى ألا تتحول لغابة.. فقانون الحياة هو التوافق حتى ولو كان نسبيا.. وإلا استمرت الحياة بشكل واحد يقتل كل منا غريمه على عكس ما نراه فى الحياة فنجد حرص الآخر على وجود غريمه حتى يقوم بدور لا يستطيع أن يستغنى عنه فى ظل التفوق ليكون هناك أرقام فى سلسلة طويلة لأدوار البشر ودرجات من ألوان العيش فتكون الحياة فى شكلها الكلى وليست جزر منعزلة!!
فنسير مع الحياة وليس ضدها أو عكسها فقانون الحياة أن من يسير عكسها يتحطم ويدفن مع الموتى وليس معنى ذلك أن تخون نفسك وتحيا حياة القطيع ولكن سرها أن تعرف من أنت وأن تحترمها لكى تحترم غيرك فتتفرد وتعتز بتفرد غيرك الذى يسير مع تفرد الحياة.
سر الحياة هو عقلك وقلبك وحدك الذى يتميز بالفطرة السليمة التى خلقنا الله عليها لتتمتع بروح نقية تتواءم مع روح الحياة فيدفعك تمسكك بالفطرة السليمة ألا تلوثها بفساد يعكر صفوها ويهدم جمالها أو حتى باشتراكك مع الآخرين فى إفسادها فنجنى العذاب كما قال الله «ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس»..
وكثير منا من يهمل فهمه لذاته فيشكو من عدم قدرته على فك شفرة من حوله من الناس فيتحول الجميع إلى مهرجين فيتعامل بعضنا البعض باللهو والضحك فنفقد تواصلنا مع أنفسنا وقد نموت كل يوم فى متاهة الحياة!!
فإذا أردت أن تصل لسر الحياة عليك أن تستخلص نفسك وتعززها بالحرية بعيدا عن الخوف والقلق الذى يجعلها تستسلم لجموع الآخرين فتتحطم فى متاهة الحياة.. لتصل لماهية الأشياء وليست الأمور المادية القابلة للتغيير فلتؤمن بفكرة أو قيمة مطلقة لتغدو معك الأمور المادية لا تساوى شيئا.. لتصبح إنسانا حرا يحترم حريات الآخرين.. وبذلك تتواصل مع ذاتك ومع الأشخاص والأشياء من حولك بعيدا عن الخوف والقلق لأنك أصبحت لا تخاف سوى من خالق هذه الأشياء والأشخاص.. وهنا يصبح الحزن والفرح منهم غير ذات قيمة لأن سعادتك الحقيقية هى وصولك لسر الحياة.. لحياة العابد لله مالك الملك والخير والشر كله فتصبح حياتك بسرها الذى آمنت به مختلفة عن حياة الجماد والحيوانات فى دنيانا.
وإذا استخلصت نفسك المؤمنة فإنك ستعلم أن كل ما فى السموات والأرض مسخر لأجلك بإذن الله وبالإمكان أن تحقق ما تريد فى رحلة الحياة فى صعود وهبوط على قدر تمسكك بسرها.. فقط عليك إعادة تدوير أفكارك ونفسك لتتأمل الجديد الذى يحل محل القديم رغما عنا الذى تسبب رحيله فى إصابة أنفسنا بالألم والحزن أو حتى بزلزال يدفع بها إلى متاهة الحياة.. لتستمر الحياة بكل جديد قد نجهله ونخافه لكن حتما يجب أن نتعامل معه.. وتستمر معنا فى حياة لا فراغ لأشيائها أو شخوصها.
ونؤمن بالقضاء والقدر خامس درجات الإيمان بعد الله وملائكته وكتبه ورسله.. ونكف عن الشكوى من أقدار لا نرى غير سوؤها بسبب طمعنا.. على الرغم أن حال المسلم كله خير.. وإنكار خيرها جحود برب كريم جعل لك من شرها الظاهر خيرا فى باطنها واشترط منك أن تصبر وترضى حتى تكشف لك حقائق الأمور وتعلم انك تطلب الخير الجزئى ولكن إرادة الله هى الخير الكلى الذى قد لا يستوعبه عقلك البشرى المحدود.. فإيمانك بقدر الله كله خيره وشره سر من أسرار الحياة السعيدة التى تبحث عنها.
فتتعلق بالحياة وليس بالدنيا.. فالدنيا حتما إلى زوال.. لتقوم بواجباتك الحياتية وتعيشها بروحك المتفائلة القوية وتأخذ أجمل ما فيها وتعلم أنك زائل وكل من عليها فان.. تحياها بقلب وعقل مؤمن لا ميت على قيد الحياة فاليأس قنوط من رحمة الله.. فتعلقك بالله سبحانه وتعالى يجعلك تحيا حياة سوية أما تعلقك بالأمور المادية يجعلك عبدا لها وليس لخالقها الذى يعطى ويهب.. فسر الحياة عقل وقلب مفعم بحب الخالق وحده وليس المخلوق.
استعدل فكرك وارض بما قسمه الله لك.. لتنعم بسر الحياة.. فأمر الله نافذ لأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما فاتك لم يكن ليصيبك.. وأن الله أقوى منك لأن ربك هو القوى المستعان.. وإن كان الإنسان محبا للخير الكثير وجازعا من الشر كما قال الله تعالى «خلق الإنسان هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين».. فعليك أن تهذب نفسك بالصلاة التى تخلق نفسا راضية..
ليكون الإيمان بالقضاء والقدر أهم أسرار حياتك التى تجعلك لا تصطدم بها، بل تسير معها فى تناغم ورضا وتسليم.