باختصار تعرف التنمية المستدامة هي الاستعمال المثالي الفعال لجميع المصادر البيئية ، والحياة الاجتماعية والاقتصاد للمستقبل البعيد مع التركيز على حياة أفضل ذات قيمة عالية لكل فرد من أفراد المجتمع في الحاضر والمستقبل.
وتدعو التنمية المستدامة إلى تضافر الجهود من أجل بناء مستقبل الناس ولكوكب الأرض يكون شاملاً للجميع ومستداماً وقادراً على الصمود. ولا بد لتحقيق التنمية المستدامة من التوفيق بين ثلاثة عناصر أساسية وهي : النمو الاقتصادي والإدماج الاجتماعي وحماية البيئة. وهذه العناصر مترابطة ومتشابكة وكلها حاسمة لرفاه الأفراد والمجتمعات. ولا شك في أن القضاء على الفقر بجميع أشكاله وأبعاده شرط لازم ولا غنى عنه لتحقيق التنمية المستدامة. ولبلوغ هذه الغاية لا بد من تعزيز النمو الاقتصادي المستدام والعادل والشامل للجميع ، وتوفير المزيد من الفرص للجميع ، والحد من عدم المساواة، ورفع مستويات المعيشة الأساسية، وتعزيز التنمية الاجتماعية العادلة والإدماج، وتعزيز الإدارة المتكاملة والمستدامة للموارد الطبيعية والنظم الإيكولوجية.
وفي الأول من كانون الثاني/يناير 2016، بدأ رسميا تنفيذ أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر لخطة التنمية المستدامة لعام 2030، التي اعتمدها قادة العالم في أيلول/سبتمبر 2015 في قمة أممية تاريخية. وستعمل البلدان خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة — واضعة نصب أعينها هذه الأهداف الجديدة التي تنطبق عالميا على الجميع — على حشد الجهود للقضاء على الفقر بجميع أشكاله ومكافحة عدم المساواة ومعالجة تغير المناخ، مع كفالة اشتمال الجميع بتلك الجهود.
” ولقد أخذ مجتمعنا العربي بهذا المفهوم للتنمية على استحياء، في محاولة منه لسد الفجوة الهائلة التي تفصله عن الأمم المتقدمة، وخلق ثقافة تربوية شاملة تتفهم عملية التنمية وتجسدها في مشاريع إنتاجية تتناسب وثرواته القومية الدفينة، وتتجاوب مع تطلعات شعوبنا في تأمين ما تحتاج إليه حتى تتحقق حريتها الاقتصادية التي هي المقدمة الضرورية لحريتها الاجتماعية والسياسية. وعلى هذا الأساس، فقد جاء في تقرير استراتيجية تطور العلوم والتقانة في الوطن العربي، أن التنمية مشروع مجتمعي يقتضي بالضرورة إحداث تغييرات بنيوية في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تهدف إلى الارتقاء بالمجتمع إلى مستوى حضارة العصر، إنتاجا وإبداعا واستمتاعا، وإلى المشاركة الفعالة في صنع هذه الحضارة.”
وعلى الرغم من التحديات الهائلة التي واجهتها ولا تزال تواجهها المنطقة العربية منذ عقود، تبذل العديد من الدول العربية جهودا ملحوظة لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال تنفيذ مختلف التوصيات العالمية. وعلى الرغم من ذلك، فان تحقيق خطة 2030 للتنمية المستدامة واهدافها السبعة عشر يتطلب معالجة قضايا التنمية بطرق جديدة تتلاءم مع التحديات الوطنية والاقليمية، خصوصا تلك المتعلقة بآثار النزاعات التي ضربت وتضرب العالم العربي منذ عام 2011. وقد التزمت الدول العربية، كبقية دول العالم، بتنفيذ أجندة التنمية لما بعد عام 2015 وأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر. وهي أهداف واسعة وطموحة وذات رؤيا يتوجب تحقيقها على مدى فترة خمسة عشر عاماً، على أن تكون سنة 2030 الموعد النهائي لتحقيقها. وتسعى تلك الأهداف في مجملها إلى استئصال الفقر والجوع، من دون استثناء أي دولة أو فرد، وذلك من خلال إطار إنمائي يأخذ في الاعتبار التداخل بين أبعاد التنمية المستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
كما ثمن مؤتمر القمة العربي الثامن والعشرين الذي عقد في عمان نهاية شهر آذار الماضي ما تحقق من انجازات في مجال التنمية المستدامة التي يجب ان تسعى السياسات الاقتصادية العربية الى تعظيمها .وبالتالي فإن كل السياسات الإقتصادية والإجتماعية العربية يجب أن تركز على تحقيق التنمية المستدامة وتجعل كل خططها وبرامجها واستراتيجياتها التنموية موجهة لخدمة تحقيق أهداف خطة التنمية المستدامة 2030 .
وعلى الصعيد العربي عموماً فان مؤشرات التنمية المستدامة العربية وركائزها الأساسية تضع الدول العربية أمام واقع اقتصادي صعب، وتحديات غير مسبوقة، لاسيما مع ما تشهده المنطقة من عدم استقرار سياسي وأمني واجتماعي، الذي أدى الى ارتفاع درجة المخاطر، وزيادة حالة عدم التأكد واليقين في منطقة تعاني من ارتفاع معدلات النمو السكاني، وانخفاض المشاركة الاقتصادية، وتراجع الإستثمار، وانخفاض معدلات النمو الإقتصادي، وتزايد معدلات الفقر والبطالة، وتزايد اعداد اللاجئين العرب خارج وداخل أوطانهم.
ب – الوضع الراهن للإقتصادات العربية وتوجهها نحو الإقتصاد القائم على المعرفة
ما زالت الاقتصادات العربية توسم بكونها اقتصادات تقليدية. الأمر الذي يتطلب إجراء تغييرات جذرية في البنى الاقتصادية والسياسية والقانونية بقصد التحوّل إلى اقتصاد قائم على المعرفة الذي يبنى على أعمدة تتوافر على نظام فعّال للتعليم، والحوافز الاقتصادية، والحوكمة، ونظام مؤسسي كفء، والإبداع، وتقنية المعلومات والاتصالات.
وفيما يلي أهم التحديات التنموية الشاملة والمستدامة التي تواجه الوطن العربي :
1- ” إعادة إعمار إقتصادات عربية دمرتها إما الإعتداءات والحروب الغربية على العراق وليبيا أو الحروب الداخلية وهجمة الإرهاب كما في سوريا واليمن ومصر. واستمرار الإحتلال الصهيوني لفلسطين، وتحتاج هذه الدول إلى إعادة الإعمار في جميع القطاعات والتي تقدر كلفتها بأكثر من 3 تريليون من الدولارات.”
2- 2- ولكن هذه التقديرات متحفظة لاستمرار أعمال العنف والتدمير والإحتراب الداخلي بعد عام 2014 حتى الآن، مما يرفع هذه الكلفة على اقل تقدير إلى 4 تريليون دولار. حيث تقدر المصادر الغربية كلفة إعمار العراق وسوريا لوحدهما بحوالي 3 تريليون دولار.
3- “الحاجة إلى تدفق الاستثمارات الأجنبية والأموال العربية المستثمرة في الخارج لمعالجة النمو المنخفض في الناتج المحلي الإجمالي وتطوير البنى التحتية والفوقية للاقتصادات العربية.
4- ضرورة تنويع مصادر الدخل القومي من خلال القطاعات الاقتصادية المختلفة والصادرات المتنوعة وعدم الاعتماد على النفط والموارد الطبيعية الناضبة فقط.
5- ضآلة نسبة التجارة العربية البينية في مجمل التجارة العربية الخارجية وبحدود 10%.
6- لا تزال القيود غير الجمركية (الفنية والإدارية والمالية) تشكل عقبة في تسهيل دخول السلع بين الدول العربية.
7- ضرورة اكتساب المعرفة واستيعابها ونشرها وتشجيع المبدعين والباحثين وضمان تعليم أساسي عالي الجودة.
8- التباين بين الدول العربية في مستويات الدخل وكذلك في مستوى التنمية البشرية والفقر وخاصة الفقر البشري (فقر القدرة وليس فقر الدخل).
9- انتشار الفساد الإداري يؤدي إلى قتل روح المبادرة والمنافسة الشريفة.
10- نقص الحرية وضيق الهامش الديمقراطي (الحقوق السياسية – استقلال الإعلام – الأمن الاجتماعي).
11-عدم تمكين المرأة ومساواتها بالرجل في الكثير من الحقوق (الانتخاب – الترشيح – حق التعليم)” 12-انخفاض مستوى الاستثمارات العربية البينية وتراجعها خلال السنوات القليلة الماضية.
13- تخلف نظام التعليم الحالي بمراحله المختلفة وضعف البحث العلمي والإختراعات التي كلها لا تشجع على التقدم.
14- ارتفاع نسبة اللاجئين العرب في الدول العربية.
15- تزايد اتساع الفجوة الغذائية العربية سنة بعد اخرى.
16- ضعف الوحدة الوطنية و الاستقرار والسلم الأهلي في بلدان عربية عديدة
17- عدم تحقق التكامل الاقتصادي العربي وسيادة القطرية العربية في مواجهة التكتلات العالمية.
18- عدم تحقق المنافع الإقتصادية من اتفاقات الشراكة ومناطق التجارة الحرة المعقودة مع دول وتكتلات خارجية.
19- “يشير صندوق النقد العربي أن نسبة السكان البالغين في الدول العربية الذين لا تتوفر لهم فرص الوصول للخدمات المالية والتمويلية الرسمية، تصل إلى نحو 71%. وتصل هذه النسبة لنحو 78% على صعيد النساء، و93% على صعيد الفئات محدودة الدخل،
20- يصل معدل البطالة على مستوى الشباب في الدول العربية إلى نحو 28% ، مقابل نسبة 12% فقط على مستوى العالم. وترتفع هذه النسبة إلى 43% عند النساء في الدول العربية في مقابل 13% على مستوى العالم.”
21- كما تواجه الدول العربية تحديات جمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، تعود إلى القيود الناجمة عن ندرة المياه ومحدودية الأراضي، وارتفاع الإنفاق العسكري، بالإضافة إلى عدم كفاءة الاستخدام، وانخفاض الإنتاجية، والأثر الكبير في القدرات الحيوية لتلك الموارد على تجديد خدماتها للتنمية المستدامة.
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير امن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
Virus-free. www.avast.com