دعانى بعض الأصدقاء إلى الرد على خزعبلات الدعى الجهول الذى تردد اسمه مؤخرا، ويزعم أصدقاؤه من العلمانيين المخربين أنه شهيد الحرية، وأنه مجتهد مجدد، والله يعلم، ونحن أيضا نعلم، أنه وأنهم أدوات فى يد من يحركهم ويمولهم، وأنه وأنهم مجرد مقلدين ناقلين لشبهات المستشرقين دون فهم وتمحيص، وأن افتراءاتهم وخزعبلاتهم لاتصمد أمام نور الحقيقة.
وكنت قد أشرت فى مقال الأسبوع الماضى إلى بعض هذه الخزعبلات، التى تحدث بها ذلك الدعى فى قنوات فضائية عديدة، فتحت له أبوابها وميكروفوناتها، رغم أن هناك توافقات بين الأزهر الشريف والأجهزة المسئولة عن الإعلام حول الشخصيات المؤهلة للحديث فى الدين وعن الدين عبر القنوات، حتى تنتهى الفوضى الدينية المقيتة، لكننا رأينا كيف يظهر المذيع ـ أو المذيعة ـ مبهورا أمام الأكاذيب التى ينطق بها هذا الأخرق وأمثاله، متصورا لقلة خبرته وضعف أدواته أنهم يقولون دررا ماسبقهم إليها أحد من العالمين.
وهنا يجب أن نسأل: أين العلماء الحقيقيون الثقات الغيورون على دينهم ؟ أين الأزهر المؤسسة المرجعية الدستورية ؟ لماذا يتركون هذا الجهول وأمثاله إلى أن يستفحل أمرهم ؟ لماذا لاتخمد الفتنة فى مهدها ؟
ويهمنى أن أثبت أن هذه ليست أسئلة لوم وعتاب، وإنما أسئلة المحبين، فكلنا يعرف أن إعلامنا فيه تيارات متلاطمة، وأن العلماء الثقات يعانون من التضييق والتهميش، لأنهم لايجيدون الثرثرة والإثارة ولعبة التريندات، ولا يلهثون وراء الإعلانات، كما يهمنى أن أثبت أننى ضد جريمة التكفير تماما، فنحن لانحكم على الضمائر مهما بلغ بالبعض الشطط فى قول أو فعل، ماداموا لم ينطقوا كلمة الكفر صريحة، وغاية ما نقول فى ضلالهم أنهم شركاء متشاكسون، كاذبون مخادعون جهلاء، يجب أن يخضعوا من جديد للتربية والتعليم.
لقد أفزعنى ماقاله هذا الدعى الأخرق، وأدركت من كلامه أن قدراته العقلية واللغوية لاتحسن استقبال العلوم الشرعية، ناهيك عن استيعاب النصوص وتأويلها والوقوف على دلالاتها الصحيحة ومقاصدها، وأيقنت أن جهة ما تقف وراءه، تتلصص على تراثنا الممتد عبر مئات السنين، فتتصيد له الغريب والشاذ من الآراء ليعرضها كأنها اكنتشاف جديد، رغم أن هذا الغريب والشاذ اندثر ولم يعد له وجود فى الواقع، ورغم أن الشبهات المثارة حوله طرحت من قبل آلاف المرات وتم دحضها.
لكنه حين يتجاوز حدود المعقول وينكر الآيات التى تتحدث عن الوحدانية، مثل قول الله تعالى : ” لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد “، وقوله سبحانه :”وما قتلوه وماصلبوه ولكن شبه لهم “، يجب أن نقول له قف عند حدك، هذه جرأة على الله لاتليق بمسلم، وعليك أن تعود إلى صوابك، وعندما يصل إلى مرحلة ” العك ” الطائفى، ويدعى أن فى القرآن تثليثا يشبه التثليث المسيحى، وأن قولنا ” بسم الله الرحمن الرحيم “، يماثل قول إخواننا المسيحيين:”بسم الآب والإبن والروح القدس “، فالواجب أن نوقف هذا الهراء الفتان، ونطالب الأجهزة المختصة بالتدخل، لأن الرجل انحدر إلى منطقة حساسة فى العقيدة لاتقبل الجدل العقيم، فالرحمن الرحيم صفتان لله الواحد الأحد، وليست “أقانيم” مستقلة مندمجة كما يتصور.
وأما تطاوله على مقام النبى صلى الله عليه وسلم، وقوله :” من أراد أن يقلد النبى فليذهب إلى جبلاية القرود”، ودعوته إلى حرق البخارى وكتب السنة، فهذا لايدخل فى دائرة الرأى والحوار، وإنما هو نقص فى التأدب بأدب الإسلام، ودعوة فاجرة لاجتثاث شجرة الأمة الإسلامية من جذورها، فالأمة التى تحرق تراثها أولى بها أن تنتحر.
ولا أدرى أين ذهب عقله وهو يصف مفهوم المرأة فى الإسلام بأنه ” أحط مفهوم للاضطهاد البشرى للبشر”، ألم يقرأ كيف كرم الإسلام المرأة أما وأختا وزوجة وبنتا؟ كيف حماها من الوأد وفرض لها نصيبا فى الميراث بعد أن كانت تورث ضمن تركة زوجها، وجعل لها ذمة مالية مستقلة لتكون حرة تنفق وتتاجر وتدخر دون وصى، وجعل نفقتها الشخصية حقا على الرجل ( الأب والزوج والإبن والأخ والجد والعم) دون أن تكون مسئولة عن نفقة أي منهم، ورد إليها كرامتها بإقرار خلقها من ذات النفس التى خلق منها الرجل، وساوى بينها وبين الزوج فى الحقوق والواجبات، ” ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف “، وأعطاها حق الخلع مثلما أعطى الزوج حق الطلاق. وقد صح عن إمامنا الشيخ الغزالى ـ رحمه الله ـ قوله إن الإسلام دلل المرأة.
نعم .. الإسلام أحدث ثورة حضارية تقدمية فيما يتعلق بمفهوم ومكانة المرأة منذ أكثر من 1400عام، بينما كانت المرأة فى أوروبا ـ حسبما قرأت مؤخرا ـ ملكا لزوجها، يسربلها بحزام العفة الحديدى ويأخذ المفتاح معه فى سفره ليطمئن على سلامتها، وفى بعض مناطق ألمانيا كان الرجل يبيع زوجته إن شاء حتى أواخر القرن العشرين.
ثم .. لماذا يعتذرالأزهرعن الفتوحات الإسلامية، ولمن ؟ ليته يقرأ كتاب المؤرخ الإنجليزى الشهير ألفريد بتلرعن ” الفتح العربى لمصر”، ليعرف كيف كان الفاتحون المسلمون يعاملون أبناء البلاد التى فتحوها، و لم يعتمد الكاتب بالمناسبة على مصدر عربى أو إسلامى، وإنما اعتمد على الوثائق التى كتبها القساوسة والرهبان الأقباط أثناء الفتح وتركوها فى كنائسهم.
هل يعتذر الأزهر للدولة الرومانية التى كانت تحتل جميع البلدان المطلة على البحر المتوسط، من الإسكندرونة فى الشمال الشرقى إلى طنجة فى الغرب، تأكل خيرات الأرض وتستعبد أصحابها؟ أم يعتذر لجيوش كسرى وفرسان مالطة والبرابرة والمغول عبدة النار وقراصنة البحار وغيرهم من الهمج، الذين دمروا الحضارات وأذاقوا الشعوب ويلات الحروب والدمار؟
من يعتذر لمن ؟