هوجة الغناء الهابطة الحالية ليست الا موجة وستمر مثل موجات عديدة سبقتها تبددت على صخور شواطئ الوعي واحترام القيم والتشبث بالاصول.وهي حتما ستنتهي اما بالسكتة الفنية اوبالمقاومة الواعية لكل رديء ومتسلل يحاول التسلق على اعمدة وقواعد راسخة للجمال والابداع الحقيقى والرقي الحضاري والانساني.
ورغم انها ليست الامجرد انذار وتنبيه بان عربة الذوق العام ترجع الى الخلف وان اصابع العبث تمتد الى ركائز صناعة الوجدان العام
امعانا في التشوية ورغبة في رفع معدل سرعة الانحدار نحو الهاوية..الا ان هذه الموجة اكتسبت زخما غيرعادي للعديد من الاسباب في مقدمتها:
وسائل التواصل الاجتماعي التى منحت فرصا متزايدة لسكب المزيد من الزيت على النار وتأجيج الصراع اوقل الخلاف ودق الاسافين لتظل الساحة ساخنة.
ودخول لاعبين على الخط كشفوا صراحة عن وجوههم القبيحة واهدافهم الخبيثة في نشر القبح وتعرية المجتمع من كل ما هوجميل لاعبون يتبنون حملات التغريب والانسلاخ الحضاري والتخلي عن القيم والاصول والمبادئ سواء كانت اجتماعية او دينية مقدسة وهذا الدخول السافر يؤشر لمرحلة مهمة خاصة وانه مصاحب لموجات اخرى من الخلاعة والانحلال والتحلل تحت دعاوى الحرية والابداع والفن وترك الحبل على الغارب وسيادة الغوغائية في كل شيء بلاضابط او رابط من قانون اواخلاق.
والاخطر ان تاتي في ظل موجة كاسحة من الشيطنة لكل ما هو ديني واخلاقي بصفة عامة وهجوم واضح وصريح على الدين والمتدينين ومن يحاولون التمسك باهداب الدين جانب اخر من موجات الانسلاخ والتحلل والانحلال هو بالفعل اشد خطرا من تطرف والمتطرفين سواء بالفكر او بالقوة الاهابية؟
يضاف الى ذلك ان قائمة الممنوعين هذه المرة غريبة وعجيبة ومثيرة للاهتمام لطبيعة دورها وحقيقة اسمائها ودلالاتها المادية والمعنوية وانها تجاوزت كل الخطوط المتعارف عليها فيما امكن تصنيفه او تعريفه بالفن الهابط اوالانحطاط الغنائي فلا اسماء مغنين او مطربين معروفين او مشهورين ولا حتى كلمات ولا اداء موسيقي تفاهات بعضها فوق بعض.
ولايمكن باي حال غض الطرف عن موجات القبح المتصاعدة في المشهد العام ابتداء من زبالة الشوارع الى هوس التعري تحت اسم صيحات الموضة للبنات في الشارع العام والبناطيل المقطعة والكاسيات العاريات في المهرجانات الخليعة والمناسبات اياها.
لذا لم يكن غريبا عجيبا ان يصاحب موجات الشيطنة للدين والمتدينين والرغبة في الخلاعة والحرص على التعري موجة من الاسفاف والركاكة في التعبير والتدني في الغناء والهبوط في مراكز صناعة الوجدان العام على وجه الخصوص.
السيل الهادر من موجات الغناء الهابط وانحدار الذوق العام في السنوات اوالعقود الاخيرة ينذر بخطر كبير لابد من التحرك لتداركه قبل ان يتسع الخرق على الراتع بفعل عوامل كثيرة من اهمها التطور الرهيب في عالم الاتصالات والذي ساهم بصورة كبيرة في تدهور الاوضاع ووصل بها الى حافة الهاوية.. صحيح ان الفن الهابط كان موجودا حتى في ايام الكبار اوما يطلق عليه الزمن الجميل لكنه كان محدودا ومحصورا وعلى استحياء وكان الوصول الى مثل تلك الاعمال مسالة صعبة وتحتاج الى مجهود كبير وصلات واتصالات وفي جلسات خاصة وما شابه ويتم التلصص على تلك الاخبار ومتابعتها كما لو كانت احد الاسرار العسكرية ويمكن ان يسبب كشفها وانتشارها الى حدوث ازمات وتدخلات جهات عليا وسفلى وتحدث اعتذارت واعدامات لبعض تلك الاعمال كما حدث مع سيدة الغناء العربي ام كلثوم والفنان محمد عبد الوهاب في بعض الاغاني والطقطوقات اياها وهي مشهورة في وقتها..ولم تكن بذات الفجاجة المنتشرة حاليا.
الان الوضع اختلف الهبوط يعانق الفجور في كل مكان ويصل اليك بسهولة شديدة هوبين يدييك على مدار الساعة بلا حسيب او رقيب بل اصبح الجمهور هو الاكثر انتاجا للمواد الخليعة ويتقاضى عليها حوافز وكلما زاد المجون والفجور زادت حصيلة الدولارات.
موجات الهبوط السابقة لم تدم طويلا لانها كانت تحمل في طياتها بذور فنائها او كانت تولد بحالة غرغرينا ملتهبة تعجل باستئصالها او دفنها حية ابتداء من اغاني علب الليل والمواخير اياها واغاني الميكروباص والتوك توك والفيديو كليب واغاني المهرجانات وغيرها.كانت اشبه بالفرقعات التى لاتدوم طويلا ولا يجمعها رابط سوى المشاركة في الانحدار والمزاحمة على سلم الهبوط باصرار عنيد. الطريف انه لم يكن يعجبنا السح دح امبو ولا بحبك ياحمار حتى فوجئنا بمن يصيح هات .. يا بت!! والبانجو دا مش بتاعي “ركبني المرجيحة” و“سيب إيدي” و“عندي ظروف” و“يا واد يا تقيل”و“الكمون و”..الشبشب ضاع”!
يحدث هذا فيما كانت اصوات الغناء الاصيل تتوارى او تترنح فمن حالة غياب اوهجران للساحة الى الاكتفاء باغاني التتر في المسلسلات الجادة على ندرتها وغياب الحفلات الخاصة بالكبار وخاصة التى ترعاها المؤسسات الفنية اوالثقافية..
ولعل هذا الغياب للفن الراقى هو مافتح كل الطرق على مصاريعها للفن الهابط ومنحها قبلات الحياة.
هناك تفسيرات كثيرة للظاهرة واستمراريتها على مر العقود وضعها اهل الفن وعلماء الاجتماع وايضا المهتمون بالشان العام والذوق العام ومجريات الحياة وتاثير ما يحدث على القيم والاخلاق وعلى الهوية الوطنية والقومية وقواعد القيم والاخلاق في المجتمعات عامة.
هناك اسباب متعلقة بعمليات التغريب والغزو الثقافي وسيطرة الفكر الرأسمالي واقتصاد السوق على حركة الفكر والابداع وترك الامور للقطاع الخاص واصبح الحبل على الغارب في تطبيق نظرية السوق عايز كده اوالجمهور للهروب من الواقع ومواجهة الاحباط المتزايد.
تبع ذلك الاستغراق في مسالة الترفيه بحجة تخفيف الضغوط الناشئة من حركة الحياة السريعة وحركة اقتصاد السوق واصبحنا في مواجهة قاعدة لا شيء يعلو على صوت الترفيه والمسخرة وغرق الجميع في بحور بلا شطآن من الكوميديا والتهريج الماسخ والاسفاف وكثرت الافلام التجارية وبرامج الفكاهة الماجنة.
وباتت قضية الترفيه محورية يضحى من اجلها بالغالي والنفيس ولا ابالغ اذا قلت بان المقدسات اصبحت على المحك ولم يعد يهم كثيرا الاحتجاجات اوالاعتراضات بسبب الخروقات المستمرة وحالات التطاول والتعدى على القيم والاخلاق حتى في بعض المناطق التى احدث فيها هوس الترفيه ما يشبه الزلزال الاجتماعي الذي لايعوقه شيء ولا يقدر على ان يوقف تطلعاته اي شيء مهما بلغت درجة وقوة وحماقة الشطحات.
لكن اهم ما يستوقف المرء في العلل والاسباب وراء الانحطاط الفنى والغناء الهابط تلك التى ارجعها العلماء الى سيطرة نظرية التفاهة في كل شيء حولك.اذ يرى أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية الكندي ألان دونو فى كتابه “نظرية التفاهة” أن التافهين قد سيطروا على عالمنا وباتوا يتحكمون فيه واعتبر ان شيوع الفن الهابط مرحله من مراحل تطور النظام الاقتصادي الراسمالى العالمي.
حيث يبسط التافهون نفوذهم في كافة المجالات ليس هذا فقط فلنظرية التفاهة رموز تافهة ولغة تافهة وشخصيات وأدوات تافهة خاصة بهم.
اعجبني ماانتهى اليه الفيلسوف الكندي بالقول:أعتقد أنه يمكن تدنيس العقل بشكل دائم من خلال عادة الاهتمام بأشياء تافهة..
والله المستعان..
Megahedkh@hotmail.com