كتب ياسر عبد ربه
بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي اقرته الامم المتحدة عام 1977 نظم التجمع الأكاديمي في لبنان لدعم فلسطين ندوة في 29 تشرين الثاني 2021 في قرية الساحة التراثية. وجاءت الندوة بعنوان “دور النخب المثقفة في مواجهة التطبيع” وبمشاركة سيادة المطران عطالله حنا من القدس، وسماحة المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان والدكتور عباس اسماعيل من بيروت، والدكتورة سنية الحسيني من فلسطين، بالإضافة إلى مشاركة رؤساء مراكز أبحاث وجمعيات أكاديمية ونخب مثقفة، ونخب إعلامية.
أجمع المشاركون ان دولة الاحتلال ما زالت تمعن في انتهاكاتها على الحقوق الاساسية للشعب الفلسطيني وتمارس الانتهاكات الخطيرة من جرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية كما صنّفتها الامم المتّحدة، في ظل عدم وجود وجوب محاسبة على تلك الانتهاكات.
وختمت الندوة بمجموعة من التوصيات لتِبيانِ الواقعِ الحاليِ المأزومِ في فِلَسطينَ والمِنطقة، مستعرضينَ سُبُلَ المواجهةِ والرؤى المستقبلية.
أولا: فيما يخصُ الحقَ في المقاومة:
أ. التأكيدُ على أنَّ الصراعَ العربيَ الإسرائيليَ هوَ صراعٌ وجوديٌّ، نظراً إلى مخطّطِ الصِهيونيةِ بالسيطرةِ على جميعِ مقدِّراتِ المِنطقَة، والتخلّصِ من رموزِها كافّةً. الأمرُ الذي يستوجبُ العملَ على منعِ طمسِ الذاكرةِ، وضمانِ استمرارِ استنهاضِ الوعيِ حِيالَ هُويةِ فِلَسطينَ العربية.
ب. إنَّ الجرائمَ التي قامَ بها الإسرائيليونَ من قتلِ أطفالٍ ونساءٍ، وتدميرِ سبعينَ في المئةِ من القرى، أعطى شرعيةً للمقاومة، وأصبحت مشروعاً تحرّرياً وطنياً، هدفُهُ ليسَ فقط استرجاعَ الأرضِ والحقوق، بل أيضاً حمايةُ أبناءِ الشعبِ الفِلَسطيني، اطفالاً كانوا أو شيوخًا وشبابًا أو نساءً ورجالا. مّا أدّى إلى تحوُّلٍ استراتيجيٍ لمقاومةِ المشروعِ الاستيطانيِ الاستعماريِ على أرضِ فِلَسطين.
ثانيا: فيما يخُصُّ استنهاضَ الوعيِ العربيّ:
أ. ضرورةُ التركيزِ على أنَّ ما يحصُلُ اليومَ، وما حصلَ تاريخيًا في فِلَسطينَ، ليس حربًا بينَ فريقين، بل هوَ استمرارٌ لفِعلِ استعمارٍ واحتلال. ما يوجِبُ عدمَ التحدّثِ عن السلام، بل عن الفصلِ العنصريِ والإبادةِ الجَماعيةِ التي يتعرَّضُ لها الشعبُ الفِلَسطيني.
ب. ما يُروَّجُ له إعلاميًاً ودبلوماسيًا ليسَ اتفاقياتِ تطبيع، لأنَّ “التطبيعَ” يفترضُ عَلاقةً متوازيةً بين فريقين، أمّا ما يحصُلُ فيترجِمُ عملياتِ تبعيةٍ وتحصيلِ مكاسبَ للإسرائيليينَ فقط.
ج. يسعى العدوُ إلى قنصِ الوعيِ العربيِ، ولا بدَّ من تفعيلِ دورِ المقاومةِ الشعبية، ووضعِ مشروعٍ وطنيٍ يهدِفُ إلى إقامةِ دولةٍ فِلَسطينيةٍ على أرضِ فِلَسطين.
د. ضرورةُ العملِ على بناءِ الوعيِ الجَماعيِ عبرَ التركيزِ على ممارساتِ إسرائيلَ التي تنتهكُ مبادئَ حقوقِ الإنسانِ كافَّة.
ثالثًا: مقترحاتٌنا
أمام هذا الواقعِ نقترحُ وضعَ آلياتٍ تنفيذية للمساراتِ التالية:
أ. وجوبُ تفعيلِ حركاتٍ ثقافيةٍ تسعى إلى مناهضةِ “التطبيع” في الدولِ العربيةِ ودسترتهِ على أُسُسِ تجريمِ عملياتِ “التطبيع”.
ب. إعادةُ الاعتبارِ للكفاحِ الشعبي الفِلَسطينيِ بدعمٍ ثقافيِ عربيٍ وعالمي، متّخذًا أهدافًا عدّة: الكفاحَ السياسيَ الدبلوماسي، الكفاحَ القانونيَ، الكفاحَ الاقتصاديَ التنموي، الكفاحَ الإعلاميَ، الكفاحَ المعرفيَ، والحقَ في المقاومة، وهذا من أساسياتِ تصويرِ آلياتِ المواجهة.
ج. مواجهةُ القراراتِ الهادفةِ إلى توسيعِ سيطرةِ الإسرائيليينَ على القدسِ حتى البحرِ المَيِّتِ من الشرقِ، وحتى مدينةِ الجليلِ من الجَنوب، والسيطرةِ على المسجدِ الأقصى.
د. إنشاءُ لوبياتٍ من المفكّرينَ لمطالبةِ الحكوماتِ بالسعيِ الى إلغاءِ القراراتِ التي تدعو الى تمويلِ الضمِ وخاصّةً في بلداتِ الشيخ جرّاح وسلوان في القدس، والمطالبةِ بإعادةِ حقِ الكنيسةِ الأرثوذوكسيةِ في القدس، والسعيِ الى رفضِ فرضِ الضرائبِ على كنيسةِ القيامة.
ه. التركيزُ على إيصالِ الصورةِ الحقيقيةِ لما يتعرّضُ لهُ الشعبُ الفلسطيني، الأمرُ الذي كانَ لهُ الدورُ الأساسُ في تحفيزِ الشارعِ الأوروبي والعالمي، للقيامِ بتحرّكاتٍ ونشاطاتٍ لدعمِ القضيةِ الفِلَسطينية.
و. العملُ على ربطِ المؤسّساتِ الأكاديميةِ في العالمِ العربيِ والعالمِ بالمؤسّساتِ الفِلَسطينية، بهدفِ تحقيقِ تواصلٍ أكاديميٍ، يسعى الى القيامِ بعمليةِ توثيقٍ مبرمجةٍ للتاريخِ من جهة، ولتاريخِ المقاومةِ من جهةٍ أخرى.
ز. السعيُ الى إلغاءِ مفاعيلِ “الالتواءاتِ الانحرافيةِ” التي رافقت الحِقبةَ الاستعماريةَ والتي ادت الى تشويهِ شخصيتِنا الوطنيةِ ومحاولةِ الالتفافِ على تجلياتِها السياديةِ، والتي عُرِفَت ذِروتُها في فِلَسطين. إنّ عمليةَ التسمية، (ومنها التسمياتُ الجغرافية) هي جزءٌ لا يتجزأُ من عمليةِ بناءِ الوعيِ لدى الشعوبِ المتيقنةِ لهُوِيَتِها. أخطرُ ما في الامرِ هو استبطانُ هذهِ التسمياتِ الملتويةِ او المفتعَلَةِ في يقينِ الشعوبِ العربيةِ ونُخَبِها المجتمعيةِ، ما يؤدي الى عمليةِ تشويهٍ وتزويرٍ شديدةِ الخطورة. وأكثرُ تجلياتِها فَجاجةً ما تعرَّضَ لهُ اهلُ فِلَسطينَ ممن بَقَوا في ارضِ فِلَسطينَ المحتلة عامَ ثمانيةٍ وأربعينَ، وأيضا عمليةُ التهويدِ المُبرمجةُ التي تعرضَت لها، وما زالت، الأسماءُ والمعالمُ في القدسِ خصوصّاً وفلسطينُ عمومّا. لذا يوصي الأكاديميونَ من أجلِ فِلَسطينَ بالتنبُّه لهذهِ المسألةِ وإطلاقِ وًرشةٍ دائمةٍ ومستدامةٍ، من أجلِ تصحيحِ ومَنعِ التشويهِ والتزوير.
ح. نحنُ أمام حربِ الكلماتِ / المفاهيم، لذا نرى أنّ هناكَ ضرورةً لتفعيلِ أبحاثٍ تَرصُدُ وتحدّدُ هذه المفاهيمَ بشكلٍ علمي. فالمفاهيمُ هيَ حربٌ مُهمّةٌ لأنها تؤرّخُ للصراع، وتسميةُ الأمورِ بدقّةٍ تفرِضُ تحوّلاً في الرأيِ العام، ومن ينتصرُ في حربِ الكلامِ سيكونُ هوَ المنتصر. على سبيلِ المثال، لأوّلِ مرّةٍ نجدُ أنَّ وسائلَ الإعلامِ الغربيةِ استعملت تعبيرَ الإرهابِ لوصفِ ما تقومُ بهِ إسرائيلُ، وكلماتٍ مثلَ GÉNOCIDE / إبادة وغيرها.
ط. ما تقومُ بهِ إسرائيلُ من هيمنةٍ تَحرِمُ الشعبَ الفِلَسطينيَ من حقّهِ في التطوّرِ وفي الدفاعِ عن نفسِهِ، فهي تُقصيه عن مُحيطِهِ، وتُمارسُ سياساتِ انتزاعِ الأرضِ والتضييقِ على إمكاناتِ الفِلَسطينيين للزراعةِ والصناعةِ والتجارة، وهو ما يُعرَفُ عالميّاً بسياساتِ الترهيبِ أو آلياتِ الإرهاب. وبذلكَ تكونُ نتيجتُهُ تحويلَ فِلَسطينَ إلى “سوقٍ مسجون”.
وبما أنَّ الكرامةَ الإنسانيةَ التي تعني احترامَ وتقديرَ الإنسانِ وحقَّهُ في العيشِ اللائقِ، مبدأٌ ومنطلَقٌ ثابتٌ في المواثيق والاتفاقيات الدولية كافّة والصادرة عن المنظمات الدولية التي تُعنى بجميعِ مبادئِ حقوقِ الإنسان؛ لذا نتوجّه إليها بهذهِ التوصياتِ التي تضمَنُ حقوقَ الشعبِ الفِلَسطيني في مواجهةِ الانتهاكاتِ التي يتعرّضُ لها من قِبَلِ العدوِ الإسرائيلي.