الوجل هو الخوف وهو الارتعاشة الوجدانية التي تنتاب القلب المؤمن حين يذكره أحد أو أمر ما بالله فيتملكه جلال الله ويتمثل عظمته ومهابته أمام شعوره بالتقصير وهو وجل باعث على الاجتهاد والعمل
وقد ذكر الوجل في القرآن الكريم خمس مرات إثنان منهما يتعلقان بسيدنا إبراهيم حين فاجأته الملائكة على هيئة بشر لكنهم يتصرفون على غير طبيعة البشر خاصة بعد أن قدم لهم الطعام حيث يقول تعالى: إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ” .
أما الثلاث مواضع الأخرى فتعلقت بشعور المؤمن عندما يذكره أمر ما بجلال المنعم المعطي في مقابلة تقصيره وبقوة الله أمام ضعفه وهي حاله تختلف عن اطمئنان القلب بذكر الله لأن الإطمئنان يأتى لرجل أفزعه أمر لا طاقة له به فيذكر الله الذي خلقه وله الأمر من قبل ومن بعد ويعرف عظمته فيطمئن لأن له منقذ ومعين ومفرج للكربات مهما كانت هذه الكربات هنا يهدأ قلبه الخائف الوجل.
أول حديث في سور القرآن الكريم عن القلوب الوجل كان وصفا للمؤمنين الذين آمنوا بالله حق الإيمان في سورة الانفال وجاءت تعقيبا على الآية الأولى فيها والتي يعلن فيها الله سبحانه أن الغنائم في الحرب التي – هي الانفال – لله والرسول يتصرف فيها رسول الله بما يراه وكان بعض المؤمنين قد طلبوا من رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أن يسمح لهم أن يأخذوا ما حصلوا عليه ممن قتلوهم أو أسروهم في الحرب فور نصر بدر ليس لأنهم يطمعون في الغنائم لكن لأنها كانت علامه على حسن بلاء المقاتل ودليل على إنجازاته وإلا كيف يفعل هذا قوم وصفهم رب العزة بقوله: ” ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”
وقد ذكر سعيد بن مالك رضي الله عنه أنه فور انتصار بدر ذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: قد شفاني الله من المشركين فهب لي هذا السيف “وكان سيف من قتله سعيد “فقال له الرسول صلوات الله وسلامه عليه :” إن هذا السيف لا لى ولا لك،ضعه أي أتركه فوضعه في الغنائم ثم رجع فقال في نفسه عسى أن يعطي هذا السيف من لا يبلى بلائي ” فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه من ورائه فالتفت سعيد قائلا وجلا : قد أنزل الله في شيئا” ؟ – لأنه قد تردد في نفسه مالايجوز لمؤمن أن يتردد وتصور أن ما تردد في نفسه جريمة كبرى سينزل فيها قرآن يلومه أو يتوعده بعذاب- فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كنت قد سألتني السيف وليس هو لي” أي أن الرسول كان ينتظر حكم الله في الغنائم “وإنه قد وهب لي فهو لك ” قال سعيد : وأنزل الله قوله تعالى :”يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ؛إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾
فالصحابي وغيره من المؤمنين بمجرد شعوره بتقصير ولو مجرد ما يتردد في النفس يرتعش قلبه ويفزع لأنه مؤمن حق الإيمان كما جاء في الآيات ويريد ألا يشوب إيمانه شائبه ولو مجرد تصور غير حقيقي
والوجل لا يكون في المذنبين العاصين الذين تنتبه قلوبهم إلى تفريطهم في حق الله واسرافهم في حق أنفسهم فقط وإنما الوجل يلاحق المؤمنين دائما الحريصين على إيمانهم العارفين لجلال الله وهو وما نراه في قوله تعالى في سورة المؤمنين : “إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ” حيث نجد أن أم المؤمنين السيدة عائشه رضي الله عنها تقول يا رسول الله :الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة”. هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل؟قال لا يابنت الصديق لكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل”
إذن قلب المؤمن يستشعر يد الله عليه إذا ما واجه ظلمًا أو غبنا أو قلة في الرزق أقلة حيلة فيطمئن إلى عدل الله وفضله فيهدأ قلبه بذكره ولجوئه إليه كما يستشعر المؤمن أيضا يد الله ونعمه فيستصغر عبادته ويستقبل طاعته أمام هذا العطاء والجلال الإلهي فتملؤه هيبة ربه ويشعر بالوجل والإشفاق أن يلقى الله وهو مقصر “