إن النظام الضريبي ليس مجرد شريعة يبدأ من إصدار الأحكام التشريعية, وينتهي بالتطبيق, إنما هو ظاهرة اجتماعية مرتبطة بغيرها من الظواهر, والنظام الضريبي في أية دولة من الدول يتشكل من ثلاثة مكونات تتمثل في الإدارة الضريبية والمكلف والتشريعات الضريبية والعلاقة التي تربط هذه المكونات يعبر عنها بالنظام الضريبي والنظام الضريبي الأمثل يعبر عن حالة انسجام بين هذه المكونات الثلاث. أولا- مفهوم النظام الضريبي: لا يوجد تعريف واحد للنظام الضريبي فالبعض قال إن مفهوم النظام يتراوح بين مفهومين ضيق وواسع فالمفهوم الضيق يعني مجموعة القواعد القانونية والفنية التي تمكن من الاستقطاع الضريبي في مراحله المتتالية،
من التشريع إلى الربط والتحصيل. أما المفهوم الواسع فهو مجموعة العناصر الأيديولوجية والاقتصادية والفنية والتي يؤدي تركيبها إلى كيان ضريبي معين، ذلك الكيان الذي يمثل الواجهة الحسية للنظام والذي تختلف ملامحه بالضرورة في مجتمع متقدم اقتصاديًا عن صورته في مجتمع متخلف. كما يرى البعض أن النظام الضريبي يتمثل في هيكل ضريبي ذي ملامح وطريقة عمل محددة وملائمة للنهوض بدوره في تحقيق أهداف المجتمع.
ثانيا- مقومات النظام الضريبي: 1- الإدارة التشريعية: تختص بإصدار القانون الضريبي الذي يحدد الأشخاص والأموال الخاضعة للضريبة أي تحديد الوعاء الضريبي والسعر الضريبي ، وإجراءات ربط الضريبة وتحصيلها .
2- الإدارة التنفيذية: وتختص هذه الإدارة بتطبيق القانون الضريبي الصادر عن الإدارة التشريعية، وإصدار التفسيرات والتعليمات في حالة عدم وضوح الأنظمة والقرارات.
3- الجهاز القضائي: ويتولى الفصل في المنازعات التي قد تنشأ بين المكلفين والإدارة التنفيذية وذلك فيما يتعلق بتقدير الضرائب واجبة الدفع على المكلفين.
4- المكلفون: يعتبر المكلفون من أهم مقومات النظام الضريبي , لذلك يجب أن يتمتعوا بوعي ضريبي
مفهوم التهرب الضريبي: لكي نفهم التهرب الضريبي لابد لنا أن نحدد مضمون لفظ التهرب، وأن نقرر المعنى الدقيق له فالمعنى اللغوي مشتق من الفعل الثلاثي هرب وقد جاء في المعجم تحت كلمة هرب ما يلي , هرب، هربا، هروبا , ويقال هرب فلانا جعله يهرب، وهرب البضاعة الممنوعة من بلد إلى بلد خفية، والمهرب من يحترم إدخال الأشياء الممنوعة أو إخراجها من البلاد أما مفهوم التهرب الضريبي باللغة الإنكليزية فمن الواضح هناك تباين واختلاف بالمصادر وتعددها, فقد أطلق عليه Tax Evasion”” وتعني الغش الضريبي, أما “””Tax Dodging
وتعني الإفلات من الضريبة. علماً أن التهرب الضريبي آفة تحرم القطاع العام من الواردات, وهذا بدوره ينعكس على الخدمات العامة التي تقدمها الدولة للمواطن فتهدد كرامته وتضعف انتمائه بالوطن مما ينعكس على مستوى العدل ويولد شعورا بالإحباط واليأس الاجتماعي. وقد عرف التهرب الضريبي بأنه تخلص المكلف كليًا أو جزئيًا من أداء الضريبة، دون نقل عبئها إلي غيره، مما يؤثر في حصيلة الدولة من الضريبة ويضيع عليها حقها
الفرع الثالث – أصناف المكلفين المتهربين من دفع الضريبة: تم تصنيف المكلفين المتهربين من دفع الضريبة على ثلاث أصناف وهم:
الصنف الأول: مكلفين لديهم الاستعداد والرغبة للالتزام بالقانون, ولكن محدودية معرفتهم بأحكام القانون الضريبي لا تساعدهم على ذلك.
الصنف الثاني: مكلفين يفهمون القانون الضريبي ولكنهم يختارون عدم الالتزام بكامل أحكامه.
الصنف الثالث: المكلفين الذين لا يلتزمون بأحكام القانون عن عمد وان الطريقة الصحيحة لمعالجة هذا الصنف هو السعي لنقلهم من مجموعة إلى أخرى صعودا
التهرب الضريبي – أسبابه – أثاره
المطلب الأول- أسباب التهرب الضريبي
أن انتشار أي ظاهرة في مجتمع ما هي ألا انعكاس لمحيط توافرت فيه الشروط الملائمة والتي ساعدت في نموها واتساعها, والتهرب الضريبي واحد من هذه الظواهر التي تفشت في اغلب المجتمعات والتي اقترن وجودها بوجود الضريبة, علما إن التهرب الضريبي له أسباب عديدة ومتنوعة. وفيما يلي أهم الأسباب التي تؤدي إلى التهرب من الضرائب:
الفرع الأول- الأسباب التشريعية: تتركز هذه الأسباب في عدم وضوح التشريعات الضريبية، ووجود بعض الثغرات القانونية مما يثير المشاكل للإدارة الضريبية ويزيد من احتمالات التهرب الضريبي, علما أن التشريعات تصدر عموما لتعبر عن حاجة المجتمع وظروفه الخاصة, فالتشريعات الضريبية بوجه خاص تحتاج إلى مهارة خاصة من جانب المشرع في صياغتها كي لا تأتي مشوبة بالغموض الذي لن يسفر إلا عن أمرين محتملين, لا ثالث لهما فهو يفتح الطريق أمام تعسف الإدارة الضريبية بالتوسع في تفسير نصوص التشريع أو تأويلها بما يسفر في النهاية عن إلحاق الظلم بالمكلفين, كما يتيح الغموض وسوء صياغة الثغرات التي ينفذ منها المكلفون لممارسة كل صنوف التهرب الضريبي, فيما يعرف بالنفاذ من خلال النص.
الفرع الثاني- الأسباب ألإدارية: تعتبر الإدارة الضريبية أداة لتنفيذ النظام الضريبي فكلما كانت هذه الإدارة ضعيفة الكفاءة والنزاهة كلما سهل التهرب الضريبي, كما أنها تعتبر الوسيط بين السلطة التشريعية والمكلف بالضريبة فهي الجهاز المنفذ للسياسة الضريبية المقررة في التشريع الضريبي للدولة فسياسة الإدارة الضريبية تؤثر بشكل كبير في مستوى العلاقة القائمة بينها وبين المكلف من جهة، وفي مستوى التحصيل والجباية من جهة أخرى ويرى البعض أن الإدارة الضريبة ذات الكفاية العالية لا يمكنها أن تحول ضريبة سيئة إلى ضريبة حسنة, على العكس فأن الإدارة الضريبية غير الكفوءة يمكنها أن تحول أحسن الضرائب إلى أسوئها, فتصبح النصوص التشريعية حبراً على ورق أو مادة بلا روح الفرع الثالث- الأسباب الأخلاقية: يقصد بالمستوى الأخلاقي هو درجة الوعي الوطني والثقافي السائد في الدولة, فكلما كان هذا المستوى مرتفعا لدى الأفراد كلما كان هؤلاء الأفراد يتمتعون بشعور عال بالمسؤولية, وبحب متنام للمصلحة العامة وسعي حثيث نحو أداء واجباتهم التي تحددها الأنظمة والقوانين نحو الجماعة, والتي تأتي في مقدمتها قبولهم بأداء واجب الضريبة باعتبار إن ذلك إحدى طرق المحافظة على كيان الدولة والمساهمة في رقيها وتقدمها بل ومساعدتها في تقديم أفضل الخدمات إلى كل أفراد المجتمع فالمستوى الأخلاقي في أي مجتمع هو السبب الأهم في التهرب من الضريبة , فإذا ضعف هذا المستوى قل الوعي الضريبي لدى المكلفين وأدى إلى عدم اهتمامهم بالمصلحة العامة وقل إحساسهم بالمسؤولية اتجاه خزانة الدولة وقل إيمانهم بأهمية القطاع العام وما يقدمه من خدمات.
الفرع الرابع- الأسباب سياسية: تلعب السياسة التي تتبعها الدولة دورا هاما في التهرب الضريبي فإذا أنفقت الدولة الحصيلة الضريبية التي تجبيها في وجوه نافعة فان الإفراد يشعرون إن ما يدفعونه يعود عليهم بالفائدة وبالتالي يقل تهربهم من الضرائب. أما أذا تم استخدام الحصيلة الضريبية في أغراض غير مالية أو اقتصادية يجعل الطبقات التي تتحمل الجزء الأكبر من الضرائب تشعر بالظلم مما قد يدفعها إلي التهرب كوسيلة لمقاومة هذا الظلم.
الفرع الخامس- لأسباب الاقتصادية: تؤدي مجموعة من الظروف الاقتصادية الخاصة بالمكلف والظروف الاقتصادية العامة إما للتهرب من الضريبة أو عدم قيامه بواجبه الضريبي كاملا فمستوى المعيشة والوضع الاقتصادي العام يفرض دورا في الالتزام بالضريبة, فالوضع الاقتصادي الجيد ووفرة رؤوس الأموال تؤدي إلى عدم التهرب الضريبي والعكس صحيح
المطلب الثاني – أثار التهرب الضريبي
إن ظاهرة التهرب من الضريبة في الأساس ظاهرة سلبية وغير صحيحة وذات أثار بالغة الخطورة سواء كانت على الناحية الاقتصادية أو الناحية المالية أو الناحية الاجتماعية. فالضرائب تعد أداة هامة من أدوات السياسة المالية التي تدخل ضمن أطار السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة حيث يشكل التهرب الضريبي تقويضاً لفعالية تلك السياسات في تحقيق أغراضها المالية والاقتصادية والاجتماعية ومن المعلوم أنه كلما زاد حجم التهرب الضريبي زادت أثاره السلبية على كافة النواحي.