إن الإبداع هو عملية اجتماعية بامتياز، وللتأكيد على ذلك يمكننا الإشارة إلى كتاب ستيفن جونسون “من أين تأتي الأفكار الجيدة” عندما سأل فيه عن القاسم المشترك بين مبنى 20 الشهير في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (الذي أصبح يعرف بمبنى الاختراعات، لأنه جمع معاً مزيجاً من نخبة العلماء النوويين والمهندسين الكهربائيين وعلماء الكمبيوتر ومهندسي الصوت وحتى علماء لغة) والساحات اليونانية القديمة (الأغورا)، وصالونات الشاي البريطانية في القرن الثامن عشر والمقاهي الباريسية في أوائل القرن العشرين؟ فقد كانت جميعها بعضاً من أكثر الأماكن إبداعاً في العالم،
حيث كان يتجمع عباقرة من أمثال سقراط وجون بول سارتر ونعوم تشومسكي (الفيلسوف والعالِم اللغوي الأمريكي) ويحتكُّوا مع أشخاص آخرين ليناقشوا الأفكار والآراء ويشاركوا في خطاب غير رسمي مدفوع بمشاركة عاطفية، فكانت نتيجة ذلك الاحتكاك البشري تطاير شرر الأفكار الخلاقة المبدعة.
تلتزم مدن اليونسكو المبدعة بوضع الثقافة في صميم استراتيجياتها الإنمائية، وتبادل أفضل الممارسات فيما بينها. وكان هناك 4 مدن ألمانية مدرجة بالفعل من قبل في الشبكة، وهي هانوفر عن فئة الفنون، وهايدلبرج عن الأدب، ومانهايم عن الموسيقى والعاصمة الألمانية برلين عن التصميم. وشملت المدن المبدعة الجديدة مدنا من دول أوروبية أخرى غير ألمانيا، وكذلك مدناً من الهند والصين والبرازيل وأستراليا ودول أخرى. وتلتزم مدن اليونسكو المبدعة بوضع الثقافة في صميم استراتيجياتها الإنمائية، وتبادل أفضل الممارسات فيما بينها.
ومن محدِّدات المدينة المبدعة أيضاً ابتكار رمز للمدينة يكون بمثابة العلامة التجارية لها مما يساعد على تحفيز روابط ذهنية إيجابية لصورة المدينة، بحيث يمكن لهذا الرمز أن يقدِّم حافزاً مرئياً فورياً لمجموعة من المشاعر والأفكار التي تضع المدينة في أفضل ضوء ممكن.
ومن الأمثلة على رموز المدن الناجحة شعار مدينة مدريد الذي يظهر ذراعين تحتضنان كلمة “مدريد” مما يشير إلى انفتاح المدينة وترحيبها بكل من يزورها، وشعار مدينة ساو باولو الذي يصوِّر كلمة “ساو بولو” وسط مجموعة مبهجة من الخطوط الملوَّنة ليرمز إلى الجو الاحتفالي في المدينة، وشعار مدينة ملبورن الذي يتضمَّن عدداً كبيراً من حرف الـ “M” في جميع الألوان وتدرجاتها مما يشير إلى مدينة ديناميكية وتقدمية منفتحة على التفكير المستقبلي.
بالإضافة إلى كل ذلك هناك أفكار أخرى لجأت إليها المدن المبدعة حول العالم مثل إعادة الأحياء القديمة فيها التي تتميز عادة بصورة نمطية واحدة من الشوارع الضيقة والمباني التراثية والمقاهي القديمة. ولأنها كذلك، وبسبب ضيق المساحات فيها، فقد سمحت بالتفاعل التلقائي بين البشر وتحوَّلت في كثير من الأحيان إلى روح المدينة الإبداعية النابض بالحياة، ناهيك عن الاهتمام بفن الشارع الذي يجعل الفن متاحاً للجميع وغيرها من الأفكار الأخرى المحفزة للإبداع والابتكار. أخيراً، إذا ما علمنا أنه حسب إحصاءات منظمة اليونسكو فإن الصناعات الثقافية والإبداعية أصبحت من بين القطاعات الأسرع نمواً في العالم، إذ باتت تحقق عائدات سنوية تبلغ نحو 2250 مليار دولار وتولِّد 30 مليون وظيفة وتسهم بنحو %10 من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يمكننا القول إن الإبداع كنز دفين في المدن، إذا تم اكتشافه بكل خباياه الثمينة لا شك بأن المكافآت ستكون عديدة ومتشعبة.
«في يقيني أن السينما المصرية لم تنل حتى الآن ما تستحقه من دراسات متعمقة، باعتبارها فنًا أو باعتبارها عنصرًا ثقافيًا فاعلًا ومتفاعلًا في المجتمع، ومن ثم فإن دراستها لا تقتصر على مجال الدراسات الفنية فقط، وإنما تمتد لتشمل مجالات علوم الاجتماع والنفس والسياسة والتاريخ والاقتصاد والأنثروبولوجيا وغيرها من الدراسات الإنسانية».
السينما، تلك الأداة الجبارة! على مر التاريخ استعمل العديد من القادة قوة السينما لتمهد لهم طريق تحقيق أهدافهم، فعلى سبيل المثال، قام كلٌ من هتلر وستالين في أثناء الحرب العالمية الثانية باستخدام الفيلم كأداةٍ للدعاية ونشر الأكاذيب، وقد نجحوا في ذلك نجاحًا منقطع النظير! فالسينما بإمكانها أن تغير آراء الحشود وتوقعاتهم للمستقبل بسهولة، حيث أنَّ الأفلام الجيدة لها -بشكلٍ شبه دائم- وقعٌ تأثيريٌ ساحق على المشاهد الذي يكوِّن علاقةً مع السينما. وكان لا بُّد للمشاهدين -كلٌ بشكلٍ منفرد- أن يتأثروا بالسينما، كون الغرض الرئيسي من صناعتها هو التأثير عليهم وإيصال رسالةٍ معينة لهم.
هناك العديد من الطرق التي تمكن الأفلام من التأثير على المجتمع والعالم الذي نعيشه اليوم، البعض منها إيجابي والآخر سلبي. لكن الأفلام في النهاية، وبسبب الإنتاج السينمائي الضخم، أصبحت تمثل جزءًا كبيرًا من حياتنا وأضحت ذات تأثيرٍ عامٍ كبير ونافذ على مجتمعاتنا! إحدى الطرق التي تؤثر بها الأفلام على حياتنا هي توسيع معرفتنا بالتاريخ والثقافة، فبعض الأفلام هي بمثابة دروس تاريخ للمشاهد، لأنها ترينا أحداث الحياة الماضية.
مثالٌ على ذلك، الفيلم الفائز بجائزة الأوسكار لأحسن فيلم لعام 2001 “المصارع”، وكفيلمٍ فائزٍ بخمس جوائز للأوسكار ومرشحٍ لسبعٍ أخريات، يمكننا اعتباره مثال الإنتاج الجيد الذي يقترب من الكمال، بدرجةٍ وصل إليها فقط عددٌ قليلٌ من الأفلام! بالرغم من ذلك، فإن أغلب حبكات الفيلم هي حبكاتٌ خيالية. على سبيل المثال، قصة الحب وحكاية الانتقام هي حبكاتٌ لم يعطنا الفيلم التوصيف الحقيقي لها، بينما اهتم بأن يرينا حياة المصارعين والمشهد السياسي في روما ذلك الوقت، والحالة التي كان عليها العالم بشكلٍ عام، فنجد أن مُشاهد هذا الفيلم اكتسب بالتأكيد بعض القيم المعرفية، التي قامت بتوسيع مداركه عن الثقافة الرومانية.
كما تصف لنا الأفلام أيضًا الثقافات المختلفة حول العالم، ومثالٌ ممتاز لهذا هو فيلم ترشيحات الأوسكار الأربعة “مدينة الرب” الذي يدور في العالم الأسفل من مدينة “ريو دي جانيرو”، وهو فيلمٌ استطاع بالتأكيد أن يؤثر على مشاهده، إذ يريه مواقف واقعية وحقائق عن الحياة في “ريو دي جانيرو” لم يعرفها أحدٌ من قبل! لذا يمكننا في المجمل استنتاج أن الأفلام تمكن الناس من توسيع مداركهم ومعارفهم عن العالم من حولهم، كما تكسبهم البصيرة التي يرون بها مختلف الثقافات الجديدة (لارتر-226).
طريقةٌ أخرى واسعة الانتشار تؤثر بها السينما في المجتمع هي “الإعلانات” باختلاف المنتج، ففي أحيانٍ كثيرة تتحمل الشركات نفقات إنتاج الأفلام فقط لتدرج منتجاتها ضمن هذه الأفلام! فإذا قام الكثيرون بمشاهدة الفيلم سيرغب البعض بالتأكيد بشراء عبوة المياه الغازية التي كان بطلهم المفضل يشربها طوال الفيلم. المثال الأكثر حداثةً والذي يقفز لمخيلتنا هو فيلم “جرأة” من بطولة “دين فرانكو” و”إيما روبيرتس”، ويظهر للعيان أن الفيلم تقريبًا هو إعلان لشركة “آبل”! فإذا قلنا أن خمسة ملايين شخص قد شاهدوا الفيلم، ستنبت لدى بعضهم الرغبة في شراء المنتجات الجديدة لـ”آبل” بعد رؤيته مدى جودتها عند استعمال الأبطال لها على مدار الفيلم، ونرى أن منتجات “آبل” قد عرضت بشكل إعلاني واضح ومستمر طيلة الفيلم.
على أن للمنتجين طرقًا تمكنهم من الإعلان عن منتجاتهم دون دفعها بشكلٍ مباشر للناس، فالأبحاث تشير إلى أن الجمهور ميالٌ لتقليد نجومه المفضلين، لذا فإن المنتجين الذين يستخدمون المشاهير يفعلون ذلك بغرض وحيد هو الإعلان! فإذا كان الممثل المفضل لأحدهم -على سبيل المثال- هو “جوني ديب” فسيحاول محاكاته وتقليده بشكل لا شعوري، فإذا قام بارتشاف رشفةٍ واحدة من عبوة المياه الغازية، فإن الرغبة في شراء عبوةٍ ستتملك معجبيه لا إراديًا، فقط ليشعروا أنهم مثله، بالرغم من أنه مجرد دورٍ يقوم به وبرغم أنها مجرد رشفة!
باستمرار، وبمختلف الطرق، يحاول الناس تقليد ما يرونه في الأفلام. كمثال، يتأثر الكثير من المشاهدين الشباب بالعنف في الأفلام ويحاولون أن يصبحوا مثل الشخصيات التي يرونها فيها دون وعيٍ منهم، حتي مع كونها شخصيات شريرة النوايا! في العام 2012 في “اورورا-كولورادو” قام “جيمس هولمز” بقتل اثني عشر شخصا و جرح سبعين آخرين في محاكاةٍ لفيلم “نهوض فارس الظلام”! فقد كان “جيمس” لمدةٍ طويلة أحد محبي أفلام الأبطال الخارقين وبخاصة “الرجل الوطواط”.
لازال الخبراء النفسيون غير مدركين للأسباب الحقيقية التي حرضته على القيام بفعلٍ كهذا، لكن إحدى النظريات تدعم أنه كان منفعلًا بـ”نهوض فارس الظلام” الذي يشوه صورة بطله المفضل! نظريةٌ أخرى تقول أن دور “الجوكر” -شرير الفيلم- كان مصدر إلهامه، الجوكر الذي أراد نشر الفوضى والإرهاب عن طريق العنف، والذي لا يرى العامة كأناسٍ حقيقين، حيث قال جيمس هولمز نصًا: ” هولاء ليسوا في الحقيقة بشرًا”! ورغم كون هذا مثالًا مبالغًا فيه، إلا أنها تظل حقيقة أن العنف الذي يشاهده المراهقون حول العالم يعطيهم سببًا للعنف ورغبةً فيه! علي سبيل المثال في العام 1971 وهو ذات العام الذي صدر فيه فيلم “برتقالة إليه”، زاد معدل الجريمة في الولايات المتحدة الأمريكية، لذا يمكننا أن نحزر أن الكثيرين قد تأثروا بالمرضى النفسيين في الفيلم والشنائع التي كانوا يرتكبونها، وأثرت فيهم على نحوٍ جعلهم يتوقفون عن قمع رغباتهم الإجرامية (ال10 أفلام التي.).
وليس العنف وحسب هو الطريق الذي يسعى فيه الناس لتقليد أبطالهم، فالأفلام التي تتضمن شخصياتٍ مدخنة تجعل الشباب في العادة يريد التدخين، لذا فإن معظم استديو هات الإنتاج الضخمة تتبع قسرًا سياساتٍ خاصة بالتبغ، تنص على أن الأفلام المصنفة تحت سن ثلاثة عشر عامًا يشترط ألا تحتوي على مشاهد تدخين أو استعمالٍ للتبغ قد تكون ذا تأثيرٍ على المشاهدين من المراهقين يوحي لهم ألا بأس من التدخين. بأي حال فإن حوالي نصف الأفلام المصنفة تحت سن الثالثة عشر وتحتوي على مشاهد تدخين أو استعمال للتبغ يقوم بإنتاجها استديو هات الأفلام الكبيرة التي تتبع السياسات ما يضطرها لدفع غرامةٍ في المقابل.
بالرغم من ذلك فإن هنالك أيضًا جانبًا إيجابيًا لهذه الرغبة في التقليد، فأحيانًا يحصل الناس على إلهامٍ من شخصياتٍ يحبونها، فيدفعهم ذلك للعمل على أنفسهم، فالقاعدة القائلة بأننا عندما نرى على الشاشة شخصًا نحبه نقوم بمحاولة تقليده، هي قاعدةٌ يخضع لها الجانبان، السلبي والإيجابي معًا، لذا يجب على المرء توخي الحذر عند اختيار شخصياتٍ أو ممثلين يحبهم أو يسعى لأن يكون مثلهم.
طريقةٌ أخرى تؤثر بها الأفلام على عالمنا الحديث هي مشاركتها في الازدهار والنمو الاقتصادي. لدينا مثال “الشخصيات المجسمة” فكل حملة دعائية كبيرة يتم ابتكار وتوزيع مجسمات لها يقوم الجمهور بشرائها بغرض التجميع أو للقيمة الجمالية لها.
وليس للمجسمات أي استخدامٍ حقيقي أو تأثيرٍ في حياة الناس و إنما هي للهو فقط! والمجسمات غير مكلفة في صناعتها فهي تعتمد بالأساس على البلاستيك أو المطاط أو كليهما، لكن ولأن لها أغراضًا تجميعية، يقوم المعجبون بشرائها بأسعار مرتفعة بشكلٍ باعث على السخرية، وبهذا الطريق يتم ضخ السيولة في الدولة، الشركات وأصحاب المصانع (تأثير الفيلم على المجتمع الحديث)
لا يقتصر الأمر على المجسمات فقط وإنما أي شكل من أشكال الكماليات يتصل بالفيلم، فمثلًا الأموال التي تكسبها المسارح من بيع المسليات قبل كل عرض يمثل 85% من إجمالي أرباح هذه المسارح، وهذا المال يذهب بعضه للدولة على هيئة ضرائب. مثالٌ أبسط لذلك هو التذاكر المباعة للعرض، بالرغم من أن عائدها يذهب بشكل مباشر للأستوديو الذي قام بإنتاج الفيلم فإن بعضه يذهب للدولة، ما يجعل الأفلام ذات تأثير مباشر على اقتصاد الدولة، ويعطي الصناعة بذاتها أهميةً وثقل.
يجد الكثيرون مجالًا واسعًا للعمل في صناعة السينما خصوصًا في الولايات المتحدة الأمريكية التي يعمل 0.1% من سكانها في صناعة السينما، ورغم أنها تبدو نسبةً بسيطة إلا أنها في الحقيقة أكبر من نظيراتها في المجالات الأخرى. لهذا ونظرًا لضخامة الإنتاج، ليست فقط الأموال التي تذهب للدولة هي المساهم في تطوير الاقتصاد وإنما الشركات المصنعة والقطاعات الخاصة أيضًا تزدهر، ما يستدعي عددًا أكبر من العاملين في هذا المجال (روزمارك)
على صعيدٍ آخر، بإمكان السينما تدمير الصحة أو تحسينها! ترينا الدراسات أن مدمني الأدرينالين يحبون مشاهدة أفلام الرعب لأن شعورهم بالخوف يعطيهم نشوةً حقيقية، لكن أغلبهم لا يعرف أن مشاهدته لأفلام الرعب يرفع معدل نبضات قلبهم وضغط دمهم، ربما يتسبب في أزمة قلبية تؤدي للوفاة (بنجامين). مثلًا، توفيت سيدةٌ إثر أزمةٍ قلبية أثناء مشاهدتها لفيلم “آلام الإنسان”. بالطبع يمكنها التأثير إيجابًا على صحتك حيث تساعد عروض الكوميديا في خفض ضغط الدم وتمديد الأوعية الدموية، فتوضح دراساتٌ أن خمس عشرة دقيقة من الضحك أثناء مشاهدة فيلم تعطي نفس تأثير ممارسة التمارين الرياضية على القلب والأوعية الدموية، في النهاية وباختلاف نوع التأثير، فإن للسينما تأثيرًا على صحة الإنسان.
ربما أكثر طرق الأفلام تأثيرًا على المجتمع هي طريق إعطاء الفرد فرصًا للخيال والحصول على الإلهام عما يريد أن يكونه، رغم أن ذلك قد يبدو عظيمًا إلا أن له جوانب سيئة، نأخذ على سبيل المثال الفيلم ذا الخمس ترشيحات للأوسكار “ذئب وول ستريت” ونري فيه “جوردان بلفورت” المليونير الأناني المتغطرس الشرير المهتم بذاته، الفيلم مبنيٌ على قصةٍ حقيقية ويصور قصة حياة وسيط أسهمٍ في “وول ستريت”، في مشاهد كثيرة من الفيلم نرى “جوردان” ينفق أمواله على أغراضٍ تبعث على السخرية، ويفعل أيًا كان ما يريده، لأنه يمتلك المال ويستمتع بحياته. عند رؤية نظام حياته المترف قد يحب المشاهدون أن يكونوا مثله، على أي حال في هذا الفيلم بالتحديد، فإن الشخصية لا تشعر فعليًا بأي ندم تجاه تصرفاتها، فجوردان يشعر بشعورٍ هائل عندما ينفق أمواله وبعكس معظم الأفلام التي تتناول قضية الجشع، ليست هناك أي دروس مستفادة من “ذئب وول ستريت” فجوردان لن يذهب للسجن، علاوةً علي شعوره بالسلام فإنه لم يتعلم من أخطاءه الكثيرة، كما أن الفيلم ليس آسفًا حيال جشعه، لذا فإن أي شخصٍ يشاهد الفيلم سيشعر كم أنه شيءٌ عظيمً أن تكون غنيًا بهذا القدر، وبشكلٍ لا إرادي سيفكر ألا جوانب سلبيةً لذلك بل وربما يسعى له أيضا!
على أي حال برغم أن مثال فيلم “ذئب وول ستريت” يرينا كيف تدفعنا الأفلام لأن نكون أكثر جشعًا وأنانية، فإن الجانب الإيجابي لهذا ربما يفوق السلبي! فالأفلام تمنحنا الإلهام لبناء أحلامنا والدخول في السينما كمجال. أغلب الممثلين، المخرجين ومصوري السينما، إلخ. كانت مشاهدتهم لأفلامٍ مصنوعة بشكل جيد هي ما دفعهم لدخول المجال السينمائي، وهذا جانب غاية في الأهمية (الأفلام تلهم).
تلهم الأفلام الناس ليعملوا على أحلامهم، كما تعلمهم دروسًا قيمة، وتستطيع التأثير على المشاهد وإيصال رسائل له، وينتج عن ذلك تغيير قناعات المشاهد أو مبادئه أو حتى تغيير حالته النفسية ومساعدته على التطور كإنسان، حتى لو لم يكن دائمًا بشكل إيجابي!
تعتبر السينما في عصرنا الحالي الصورة الأكثر فعالية وقوة في الفن، رغم أنها تُدعى “الفن السابع” إلا أنها بالتأكيد أكثر الصور الفنية تأثيرًا، فالعامة لا يتابعون المنحوتات أو العمارة ولا يتأثرون بالمعمار أو التماثيل الجديدة، بينما الأفلام في كل مكان، يشاهدها كثيرون كل يوم، وصناعة السينما بقدر ضخامتها بقدر تأثيرها، وبناءً على ذلك يمكن للأفلام التأثير على المجتمع سلبًا وإيجابًا، ومساعدة الاقتصاد على النمو، وإلهام العامة وتوسيع قواعدهم المعرفية عن العالم، وخلق العنف والعادات السيئة وجعل الناس أكثر طمعًا وإيصال رسائل سيئة المغزى للجمهور…
لذا ولكون السينما هائلة التأثير على المجتمع ولكون هذا التأثير ذي حدين، وجب على استديو هات الأفلام الكبيرة أن تكون حريصةً على ما تتضمنه أفلامها، لأن أصغر الأشياء قد تؤثر على المشاهد، كما أنه على الجمهور أن يكون حريصًا بصدد ما يتعلمه من الأفلام التي بإمكانها أن تغيره أو تدفعه لأعمالٍ غير مشروعة، في النهاية وبعد إيضاح التأثير الهائل للسينما على عالمنا الحديث وعلى تكويننا كأشخاص، ربما قد يكون من المبكر قول هذا، لكن كل ما على العامة فعله هو أن يفكروا بدقه وألا يسمحوا للأفلام أن تغير شخصياتهم بالكامل.