تزايد في وقتنا المعاصر تعلق الأشخاص بغيرهم من الأشخاص في تحقيق مطالبهم وأمنياتهم . وأصبح الأغلبية للأسف يعتقدون أن رؤسائهم في العمل يملكون المنح والمنع ، وبالتالي يسعون للتقرب إليهم بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة .
والبعض يتزلف لكبار المسئولين حتى ولو على حساب كرامته . وشاهدنا نماذج كثيرة تجسد هذا الواقع المرير ، فسمعنا أن أحدهم قال عن رئيسه في العمل أنه لا يخطئ أبدا ، وأنه بلا ذنوب . ناسين أو متناسين أن من طبيعة الإنسان الوقوع في الخطأ والذنب، كما جاء في الحديث الشريف (كل بني آدم خطاء، وخير الخطّائين التوابون) رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم.
وللأسف فان حصول المنافقين على كثير من المزايا التي لا يستحقونها تدفعهم لتقديم المزيد من جرعات النفاق . وكثيرا ما يفتن الآخرين بالمزايا التي يحصل عليها المنافقين فيسعون للانضمام إلى شلة النفاق . وهكذا نجد أن غالبية المسئولين في معظم الدوائرالحكومية والمؤسسات والهيئات محاطين بشلة المنافقين الذين يزيَنون لهم سوء أعمالهم .
والمصيبة الأكبر أن غالبية المسئولين يفتنون بإشادات المنافقين الكاذبة والتي تصور لهم أن كل قراراتهم صائبة ، وبالتالي يرفضون الأخذ بأي رأي معارض حتى ولو كان صائبا . بل انهم يناصبون كل صاحب رأي معارض العداء .
وقد كتب منذ اكثر من 10 أعوام مقال بعنوان ( أهل الكهف ) ، وهو مكان في غالبية الدوائر والهيئات والمؤسسات يحشر فيه أصحاب الرأي المعارض ، دون تكليفهم بأي عمل رغم أنه في العادة يكونون من أصحاب الكفاءة والإخلاص ، مما يحرم بلدنا من مجهودهم .
وبمناسبة شهر رمضان المبارك ، أدعو شلة المنافقين لمراجعة أنفسهم . والوقوف وقفة صادقة مع النفس ويحسبون بكل دقة المكاسب والخسائر في الصحة والمال والولد وفي السمعة من جراء هذا السلوك المشين. ومن خلال التجارب العملية التي يمكننا جميعا أن نراها رأي العين نجد أن الخسائر ستكون أكبر . ومن العقل أن يتراجع المنافقين ويعودون إلى رشدهم ، وتصحيح عقيدتهم بالتأكد أن المنح والمنع من الله وحده ، وأن التعلق بالله وحده دون سواه عبادة .
ومن المفيد أن نذكر أنفسنا وكل القراء بواقعة تاريخية موثقة والتي سجلها الإمام السيوطي في كتابه ( تاريخ الخلفاء ) . فقد جاء في الكتاب: ” أخرج البيهقي وأبي عساكر عن أبي المنذر بن هشام عن أبيه قال: أضاق الحسن بن علي (ضائقة مالية ) ،وكان عطائه في كل سنة مائة الف ( راتبه السنوي) ،فحبسها عنه معاويه بن أبي سفيان في احدى السنين، فأضاق ضائقة شديدة . فقال الحسن : فدعوت بدواة لأكتب إلى معاوية لأذكره بنفسي ثم امسكت ( تراجعت) ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام .فقال: كيف أنت يا حسن فقلت: بخير يا أبت وشكوت إليه تأخر المال عني. فقال :أدعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلك تذكره ذلك . فقلت نعم يا رسول الله فكيف أصنع. فقال قل: اللهم اقذف في قلبي رجاءك واقطع رجائي عمن سواك ،حتى لا أرجو أحد غيرك . اللهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر عنه عملي ،ولم تنته إليه رغبتي ولم تبلغه مسألتي ولم يجر على لساني مما أعطيت أحد من الأولين والاخرين من اليقين فخصني به يا رب العالمين. قال الحسن فوالله ما الححت به أسبوعاً حتى بعث إلي معاويه بالف الف وخمسمائة الف ( مليون و نصف) فقلت الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يخيب من دعاه . فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: يا حسن كيف أنت .فقلت بخير يا رسول الله فحدثته بحديثي فقال : يا بني هكذا من رجا الخالق و لم يرج مخلوق “.
أما المسئولين المفتونين بشلة النفاق المحيطة به ، فنذكرهم يخطورة المسئولية التي يتحملونها ، وأن الله مطلع على أعمالهم الظاهرة والباطنة وسيحاسبهم عليها. ونذكرهم بالحديث النبوي الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ …… ). ونذكرهم أيضا بالحديث الشريف وعن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يقُولُ في بيتي هَذَا: “اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ” رواه مسلم.
Aboalaa_n@yahoo.com