يمنعنا القانون من التعليق على أحكام القضاء، لكنه لايمنعنا من أن نفرح بهذه الأحكام، ونستبشر بها خيرا، خصوصا إذا كانت تنطوى على مضامين اجتماعية، وإذا صدرت رادعة فى الوقت المناسب، لتنصف ضعيفا، أوتنصر مظلوما، أو ترد الحقوق لأصحابها، أو تصلح أوضاعا معوجة، هذا الشعور الإنسانى المبهج بالأحكام المنصفة هو الذى نترجمه تلقائيا إلى هتاف تاريخى، يخرج من القلب إلى اللسان بكلمتين : ” يحيا العدل “.
فى الأسبوع الماضى صدر حكم قضائى من هذا النوع الذى تنشرح له الصدور، وتطمئن به النفوس، يتعلق بإنقاذ مستقبل معيدة بكلية العلوم جامعة دمنهور، كانت على شفا الانهيار والضياع، بسبب اضطهاد أحد الأساتذة لها، وإصراره على عرقلة مسيرتها، فإذا بالقضاء يرد إليها حقها كاملا، ويوفر لها الحماية من أى تعسف أو اضطهاد فى قابل الأيام، وفى ذات الوقت يوجه رسالة حاسمة إلى من يتعسفون ويضطهدون تلاميذهم أو مرؤوسيهم، أو من هم دونهم فى العلم أو الوظيفة، لعلها توقظ ضمائرهم .
وكانت المعيدة غادة عبد العزيز الشوربجى قد تخرجت بامتياز فى كلية العلوم قسم الفيزياء، وحصلت على درجة الماجستير بامتياز أيضا، لكن الأستاذ المشرف على القسم رفض ترقيتها لأكثر من عام ونصف، وامتنعت الجامعة عن قيدها للحصول على الدكتوراة، فصار مستقبل الفتاة النابغة العلمى مهددا .
لم يكن أمامها من سبيل للحصول على حقها إلا أن تلجأ للقضاء، فرفعت دعوى أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية ضد الأستاذ رئيس القسم وضد الجامعة ممثلة فى رئيسها، وصدر الحكم لصالحها، لكن يبدو أن الجامعة ازدادت تعنتا ولم تكترث بالحكم، وامتنعت عن تنفيذه، مما دفع الفتاة إلى أن تحمل القضية إلى المحكمة الإدارية العليا التى أصدرت حكمها البات والنهائى برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، فكان خير ختام لهذه القضية الشائكة .
ويقضى الحكم حسب منطوقه ” بوقف تنفيذ قرار رئيس جامعة دمنهور السلبى بالامتناع عن الموافقة على طلب قيد المدعية بالتسجيل لدرجة الدكتوراة بذات تخصصها ـ فيزياء ـ بنظيرتها بكلية العلوم جامعة الإسكندرية، لعدم وجود أستاذ أو أستاذ مساعد فى تخصصها بكلية العلوم جامعة دمنهور، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إلزام رئيس جامعة دمنهور بإعمال الأثر القانونى لحصولها على درجة الماجستير، وتمتعها بحقها الدستورى فى البحث العلمى، وإلزام جامعة دمنهور بالموافقة على طلبها بقيدها بدرجة الدكتوراة بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية دون الاعتداد برأى الأستاذ المتفرغ الوحيد بالقسم بجامعة دمنهور، وإجباره على التنحى عن أى شأن علمى يخص المدعية لوجود خصومة بينه وبينها، بدت بيقين فى إساءة استعمال السلطة، وبما يخالف مبادئ العدالة وضمانات البحث العلمى من وجوب أن يكون القائم على تقويم أمور الشأن العلمى مجردا من شوائب الميل أو مظنة التحيز، باعتبار أن حرية البحث العلمى حق دستورى للباحثين “.
وفوق هذا الحكم الذى يجب أن يكتب بماء الذهب فى تاريخ القضاء وتاريخ البحث العلمى ألزمت المحكمة جامعة دمنهور بالمصروفات، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان .
لمثل هذا الحكم المهيب كان القضاء وساما على صدر المصريين، وكان هتافهم له : ” يحيا العدل “.
وفى الأسبوع الماضى أيضا أصدرت محكمة جنايات المنيا برئاسة المستشار سليمان عطا حكما بمعاقبة شاب يدعى ” يوسف ” بالحبس المشدد 15 سنة لتهديده إحدى الفتيات بنشر صور خاصة لها على شبكة الانترنت، وقد ثبت هذا التهديد فى مكاتبات بينه وبين الفتاة على مواقع التواصل الاجتماعى .
وكانت الفتاة قد حررت بلاغا ضد ” يوسف “، وقدمت المكاتبات بينهما دليلا على جدية وقوع التهديد والابتزاز، وهو ما أخذت به المحكمة فى حكمها التاريخى الذى جاء ليكون رادعا للشباب من ذوى النفوس الضعيفة، الذين يتفننون فى الإيقاع بالفتيات، ثم يستغلون الارتباط العاطفى فى ابتزازهن ومساومتهن دون وازع من ضمير .
وفى الشهر الماضى كان قد صدر حكم قضائي مشابه ضد شاب بنفس التهمة، ونفس القصة، وأراد القاضى أن يرسى بحكمه قاعدة قانونية رادعة ومهمة للغاية، الحبس 15 سنة لمجرد التهديد بنشر صور خاصة لفتاة، مع تأكيده على إدانة المتهم حتى لو أن الفتاة هى التى أرسلت له الصور برضاها، حتى تنتهى هذه اللعبة القذرة التى كانت سببا فى انتحار إحدى الفتيات خوفا من الفضيحة .
وفى القضيتين صدر الحكم فى غضون أيام من تقديم البلاغ، وأحيطت القضية بسرية بالغة، فلم يكشف عن اسم المدعية ولا أية تفاصيل تخصها، و كأن القضاء يوجه رسالة لكل فتاة : لا تخافى من أحد، ولا تستجيبى لأى ابتزاز من أى نوع، حتى لو كنت أخطأت، لا تسمحى لأحد بأن يدمر حياتك، ولا تعيشى تحت التهديد، لذلك وجب علينا هنا أن نهتف بحق:” يحيا العدل .
ولمساعدة الضحايا فى مثل هذه القضايا تم تشكيل (جروب) على شبكة الإنترنت باسم ” قاوم ” يتلقى البلاغات من الفتيات اللاتى تعرضن للابتزاز والتهديد، وعنده الأدوات والقنوات التى يتعامل من خلالها مع المتهم حتى تصل القضية إلى المحكمة، دون أن تظهر الفتاة فى الصورة، خاصة إذا كنت تخشى أهلها أو نظرة المجتمع .