حسبنا الله ونعم الوكيل كلمة عظيمة تحوى عظيم المعانى وروعة المضمون وذات تأثير قوى فهى تعنى توكيل الحلول والقوى له سبحانه من الموكل فى هذا الأمر المعنى .. قال القرطبى فى تفسيره : قوله تعالى : ( وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) أى كافينا الله وحسب مأخوذ من الإحساب ، وهو الكفاية . فالذى يقول : حسبنا الله ، يقول : إن الله كافينا ، ويجب أن يعتقد معنى هذه الكلمة ، فيعتقد أن الله كافيه كل ما أهمه ، وقول نعم الوكيل ، أى : نعم الحفيظ ، ومعنى الكلمة : إن الله كافينا ونعم الحفيظ .
هذه الكلمة قيلت من قبل الأنبياء .. ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) قالها سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين ألقى فى النار . ( قالوا حرقوه وانصروا الهتكم إن كنتم فاعلين * يا نار كونى برداً وسلاماً على إبراهيم ) . حسبنا الله ونعم الوكيل قالها موسى كليم الله عليه الصلاة والسلام حين قال أصحاب موسى إنا لمدركون فانفلق له البحر نصفين .
حسبنا الله ونعم الوكيل قالها خاتم الأنبياء والمرسلين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال له الناس : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) . هؤلاء هم الأنبياء صفوة الله لم يلجئوا إلا لله فى أمورهم وترديد هذه الكلمة !! .
وأما دعاء العبد على غيره فإن كان ظلمه فيجوز الدعاء عليه بقدر مظلمته ، وإن كان غير ظالم له فالأصل عدم جواز الدعاء عليه .
وإذا ضاقت بك السُبل وبارت الحياه ولم تجد من الناس أنيساً ولا مؤنساً فقل ( حسبى الله ونعم الوكيل ) وإذا كنت بريئاً وعجزت عن إظهار الحقيقة فقل ( حسبى الله ونعم الوكيل ) وإذا اجتمع القومُ ليؤذوك فقل ( حسبى الله ونعم الوكيل ) .
حسبنا الله ونعم الوكيل .. حين نرى ظلم الأشخاص لبعضهم .. وحين نرى التشرد والمجاعات .. وحين نرى الطغاة يسعون فى الأرض الفساد على البلاد الإسلامية .. وحين نرى الدخيل فى عقر دارنا ولم نحرك ساكنا .. وحين تتراكم علينا الهموم والكروب .. وحين نرى ضياع شباب المستقبل .. وحين نرى عقوق الوالدين .
وفضل هذا الدعاء .. هو من أعظم الأدعية مرتبة ، وأصدقها لهجة ؛ لأنه يتضمن حقيقة التوكل على الله عز وجل ، ومن صدق فى لجوءه إلى ربه سبحانه حقق له الكفاية المطلقة ، الكفاية من شر الأعداء ، والكفاية من هموم الدنيا ونكدها ، والكفاية فى كل موقف يقول العبد فيه الكلمة يكتب الله عز وجل له بسببها ما يريده ، ويكتب له الكفاية من الحاجة إلى الناس ، فهى اعتراف بالفقر إلى الله ، وإعلان الاستغناء عما فى أيدى الناس .
ومن توكل على الله حق التوكل ، وعده الله سبحانه وتعالى أن يكفيه ما أهمه ، ويكون حسيبه وحفيظه ، فلا يحتاج إلى شىء بعده ، وكفى بذلك فضلا وثوابا ؛ فإن من كفاه الله سعد فى الدنيا والآخرة بقدرة الله وعزته وحكمته .
وكلما كان القلب معلقاً بالله ، متوكلاً عليه ، مستيقناً بحكمة الله ، وقدرته مسلماً لأمره ، وقضائه ، كان الوكالة أصدق ، والتوكل أعظم ، والثمرة أطيب .
ولا ينبغى للمسلم العاقل أن يلتفت إلى النتائج ، مهما كانت فى نظره فى غير صالحة ، لأن الله يعلم والإنسان لا يعلم ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) ويفضل أن تتم ( حسبنا الله ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير ) .