ونعني بضمانات التحقيق الإداري هي تلك الإجراءات التي تجري بمواجهة الموظف المحال على اللجنة والتي من شأنها أن تحيطه علماً بما نسب إليه من أفعال ، وتمكنه من ممارسة حقه في الدفاع عن نفسه وإبداء الرأي.
وسنتولى بحث تلك الضمانات في المطالب التالية:
المطلب الأول: أن تكون اللجنة التحقيقية مشكلة وفق القانون .
المطلب الثاني: تنظيم محضر بإجراءات اللجنة.
المطلب الثالث: حق الموظف بأبداء دفاعه بحضور محام.
المطلب الرابع: حياد المحقق.
المطلب الخامس: حق الطعن في القرار الإداري.
المطلب الأول
أن تكون اللجنة التحقيقية مشكلة وفق القانون .
نصت المادة -10- أولاً من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام :على الوزير أو رئيس الدائرة تأليف لجنة تحقيقية من رئيس وعضوين من ذوي الخبرة على أن يكون أحدهم حاصلاً على شهادة جامعية أولية في القانون.
فإذا تبين أن اللجنة التحقيقية لم تشكل طبقاً لأحكام القانون المذكور فأن الإجراءات التي قامت بها اللجنة تصبح مخالفة للقانون ولا يمكن الاستناد إلى الإجراءات التي قامت بها في فرض العقوبة وبهذا قضى مجلس الانضباط العام في قرار له بأن اللجنة التي أوصت بفرض العقوبة المطعون بها بحق المعترض هي لجنة تدقيقية وليست لجنة تحقيقية وأن المعترض عليه إضافة لوظيفته لم يشكلها وفق أحكام الفقرة أولاً من المادة(10) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي رقم 14 لسنة 1991 مما تكون الإجراءات التي قامت بها اللجنة المذكورة لأغراض فرض العقوبة الانضباطية مخالفة لأحكام القانون المذكور التي أوجبت تشكيلة معينة ،
تعتبر ضمانة من ضمانات الموظف التي ينبغي تطبيقها في كل تحقيق أداري مع الموظف طبقاً لأحكام القانون المذكور وحيث أن عقوبة التوبيخ المطعون بها استندت إلى تلك الإجراءات التي قامت بها اللجنة التدقيقية مما تكون العقوبة المفروضة بحق المعترض مخالفة للقانون هي الأخرى
وقضى في قرار أخر بأنه” قد تبين من الأمر المذكور ان قوام اللجنة التحقيقية كان متكوناً من رئيس وأربعة أعضاء وحيث أن الفقرة ( أولاً) من المادة (10) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم(14) لسنة 1991، أوجبت وبنص آمر: على الوزير أو رئيس الدائرة تأليف لجنة تحقيقية من ثلاثة أعضاء مما يكون تأليف اللجنة التحقيقية بموجب الأمر المذكور قد حصل خلافاً للنص المشار إليه والذي يعتبر من النظام العام وبالتالي تكون الإجراءات التحقيقية التي قامت بها والتي بنيت عليها توصياتها في فرض العقوبة بموجب الأمر الإداري المطعون فيه باطلة
ومن الملاحظ أن مجلس الانضباط العام قد رتب في الحالة الأولى على القرار المعترض عليه جزاء مخالفة القانون في حين أعتبر الإجراءات التي قامت بها اللجنة غير المشكلة وفق القانون جزاءها البطلان وأجد أن ذلك هو الجزاء المناسب لمثل هذه الحالة .
أن تشكيل اللجنة التحقيقية وفقاً لما نصت عليه الفقرة أولا من المادة (10) من القانون أمر لا يمكن تجاوزه لأنه يعتبر من النظام العام وبتخلف مراعاة الشكلية المطلوب في اللجنة تصبح إجراءات اللجنة والقرار الذي بني على توصياتها باطلاً وفي ذلك ضمانة للموظف في مواجهة تعسف الإدارة.
المطلب الثاني
تنظيم محضر بإجراءات اللجنة
ألزمت الفقرة ثانياً من المادة (10) من القانون اللجنة التحقيقية على وجوب تحرير محضراً تثبت فيه ما اتخذته من إجراءات وما سمعته من أقوال مع توصياتها المسببة.
والغاية من ذلك لكي يكون الموظف على بينة من إجراءات اللجنة وما استندت إليه في توصياتها بفرض أحدى العقوبات المقررة قانوناً عليه، بالإضافة إلى ذلك فأن للموظف حق الاعتراض على قرارات فرض العقوبات المنصوص عليها في المادة من القانون أمام مجلس الانضباط العام ولكي يكون المجلس على بينة من تلك الإجراءات عند نظر دعوى المعترض فأنه لابد وأن تكون تلك الإجراءات قد تم تحريرها بأوراق رسمية وموثقة بتواقيع اللجنة.
إذ يجب على اللجنة أن تضمن محضر التحقيق أسماء اللجنة وعناوينهم الوظيفية ليتم التأكد من كون احدهم حاصلاً على شهادة جامعية في القانون، كما تذكر أسماء الشهود الذي استمعت إليهم وتواريخ تلك المحاضر، وخلاصة الادعاءات التي كانت سبباً في إجراء التحقيق مع الموظف وخلاصة ما توصلت إليه اللجنة سواء كان ذلك بفرض العقوبة أو عدم مساءلة الموظف.
المطلب الثالث
حق الموظف بإبداء دفاعه بحضور محام
أن حق الدفاع من الحقوق الدستورية التي نصت عليها الدساتير المعاصرة ومنها الدستور العراقي لعام 2005 حيث نصت المادة 19/رابعاً على أن حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة، وهنا لا يقتصر هذا الحق عند المثول أمام القضاء وإنما يتعدى ليشمل كل الإجراءات التحقيقية ومنها التحقيق الذي تجريه اللجان الانضباطية .
فإذا ما أحيل الموظف على اللجنة التحقيقية فأنه يجب على اللجنة أن تتيح له حق الدفاع عن نفسه عما نسب إليه من أفعال وان تعطيه الفرصة الكافية لتهيئة دفاعه وتقديم ما لديه من مستندات تؤيد براءته وأن لا تستعجل استجوابه إلا بعد أن يحصل على الوقت الكافي لتهيئة مستلزمات دفاعه، فإذا امتنعت الإدارة عن ذلك رغم طلب الموظف يكون قرارها المتخذ معيباً من حيث الشكل وبالتالي واجب الإلغاء
ولا يوجد ما يمنع حضور محام مع الموظف عند أجراء التحقيق معه من قبل اللجنة التحقيقية، ذلك أن المادة السابعة والعشرين / أولاً من قانون المحاماة رقم 73 لسنة 1965 قد أوجبت على المحاكم والسلطات الرسمية التي تمارس سلطة قضائية أو تحقيقية والمجالس والهيئات والمراجع الأخرى التي يمارس المحامي مهنته أمامها أن تأذن له بمطالعة أوراق الدعوى أو التحقيق والاطلاع على كل ماله صلة به قبل التوكل مالم يؤثر ذلك على سير التحقيق على أن يثبت ذلك كتابة في أوراق الدعوى.
ونرى أن حضور المحامي مع الموظف ليس إلزاميا ولا يترتب على عدم حضوره بطلان الإجراءات التي تتخذها اللجنة وإنما الأمر متروك للموظف فيما إذا كان يرغب بحضور محام عنه من عدمه.
المطلب الرابع
حياد المحقق
أن حياد ونزاهة المحقق من الضمانات الأساسية التي يجب أن تكون موضع عناية الإدارة عندما تشرع بتشكيل اللجنة التحقيقية، وإذا كان أعضاء اللجنة التحقيقية هم من بين موظفي الإدارة التي ينتسب إليها الموظف المخالف المحال عليها فأن ذلك لا يمنع من حيادهم عند أجراء التحقيق معه.
وأن القانون قد ألزم الإدارة بوجوب تشكيل لجنة تحقيقية من ثلاثة أعضاء وفقاً لمستوى الوظيفة التي يشغلها الموظف فالتحقيق مع المدير العام أو أصحاب الدرجات الخاصة لا يجوز أن يكون أعضاء اللجنة التحقيقية بوظيفة يقع مستواها أدنى من مستوى الموظف الذي يجرى التحقيق معه(18) وفي ذلك حفاظ على كرامة الموظف المحقق معه وحتى يكون المحقق في درجة أعلى وأكثر خبرة من الموظف المحقق معه.
كما أن اشتراط القانون أن يكون أحد أعضاء اللجنة التحقيقية حاصل على شهادة أولية في القانون فيما يحقق الحياد والضمان للموظف على اعتبار أن التحقيق يجري بمعرفة جهة متخصصة.
ولضمان الحياد يجب أن لا يكون أي من أعضاء اللجنة التحقيقية له سلطة فرض العقوبة على الموظف أي لا يجوز الجمع بين سلطة الاتهام والحكم. ولكن ما الحكم إذا كان أحد أعضاء اللجنة له خصومة أو عداوة مع الموظف المحال عليها؟
نرى في هذه الحالة أن بإمكان الموظف المحال أن يتقدم بطلب إلى الوزير المختص أو رئيس الدائرة الذي أصدر أمر تشكيل اللجنة التحقيقية يعرض فيه هذه الحالة ويثبت وجود مثل هذه الخصومة لكي تقوم الجهة الإدارية المختصة بإبداله بعضو آخر.
المطلب الخامس
حق الطعن في القرار الإداري
أن القرار الإداري الذي تصدره الإدارة بمواجهة موظفيها المخالفين يجب أن لا يكون بمنأى عن حق الطعن به أمام القضاء لفحص مدى مشروعيته وأن ذلك يشكل ضمانة للموظف من تعسف الإدارة وتأييد هذا المبدأ بنص المادة 100 من الدستور العراقي عام 2005 ،إذ يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار أداري من الطعن”. كما أن القانون رقم 27 لسنة 2005 نص على إلغاء النصوص القانونية المانعة من سماع الدعاوى الصادرة اعتبارا من 17/7/1968 ولغاية 9/4/2003.
فإذا ما اتخذت الجهة الإدارية قرارها بفرض أحدى العقوبات المنصوص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991المعدل فأن من حق الموظف الاعتراض على قرار فرض العقوبة لدى مجلس الانضباط العام بعد التظلم منه لدى الجهة الإدارية التي أصدرته وذلك خلال (30) يوماُ من تاريخ تبلغ الموظف بقرار فرض العقوبة وعلى الجهة المذكورة البت بهذا التظلم خلال (30) يوماً من تاريخ تقديمه وعند عدم البت به رغم انتهاء هذه المدة يعد ذلك رفضا للتظلم وعلى الموظف تقديم الطعن لدى مجلس الانضباط العام خلال (30) يوماً من تاريخ تبليغ الموظف برفض التظلم حقيقة أو حكماً( م15/ أولاً وثانياً وثالثاً من القانون).
كما يجوز الطعن في القرار الذي يصدره مجلس الانضباط العام لدى الهيئة العامة لمجلس شورى الدولة خلال(30) يوماً من تاريخ التبليغ به أو اعتباره مبلغاً، ويعتبر قرار الهيئة العامة الصادر نتيجة الطعن باتاً وملزماً.
وكانت الفقرة رابعاً من المادة (11) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام قد استثنت عقوبتي لفت النظر والإنذار من حق الطعن أذ بمجرد صدورهما من الجهة الإدارية تصبح باتة، إلا أن المحكمة الاتحادية العليا وفي دعوى بهذا المضمون أقيمت أمامها قررت بأن قرار فرض العقوبة الانضباطية هو من القرارات الإدارية وفقاً لما أستقر عليه الفقه الإداري
وحيث أن المادة(10) من دستور جمهورية العراق نصت على( يحضر النص في القوانين على تضمين أي عمل أو قرار أداري من الطعن) لذا فأن استثناء الفقرة(رابعا) من المادة (11) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 عقوبتي لفت النظر والإنذار المنصوص عليهما في المادة(من القانون المذكور من الطعن يخالف أحكام المادة (100) من دستور جمهورية العراق
ولما تقدم قررت المحكمة الاتحادية العليا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة( رابعا) من المادة (11) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم(14) لسنة 1991 وبقدر تعلق الأمر بعدم إخضاع عقوبتي لفت النظر والإنذار إلى الطعن حسب الاختصاص وإحلال فقرة جديدة محلها تخضع جميع العقوبات الانضباطية إلى الطعن تطبيقا لأحكام المادة(100) من دستور جمهورية العراق
والقضاء في رقابته على القرار الإداري يمتد ليشمل مدى تناسب العقوبة مع الجرم، أي مدى ملاءمة العقوبة الموقعة بالنظر إلى الذنب ( الجرم) الثابت في حق الموظف، ويجمع الفقه هنا والقضاء على أن هذا الأمر يندرج في نطاق السلطة التقديرية لسلطة التأديب بحيث لا يمكن محاسبتها على خطأ التقدير إلا في نطاق ” عيب الانحراف بالسلطة” أو ” التعسف باستعمال السلطة” ولكن مع هذا فأن المحكمة الإدارية العليا تراقب هذا التناسب بين العقوبة والجرم أو الذنب
وبهذا الصدد قرر مجلس الانضباط العام في قرار له “حيث ظهر للمجلس أن لجنة الانضباط قد أكتفت بتوجيه عقوبة الإنذار للمعترض عليه وحثه على عدم الإسراف بتناول الخمرة والاستقامة في حياته الاجتماعية والوظيفية،
وحيث أن هذا القرار لما احتواه من أسباب كان مصيباً وموافقا للقانون، كما أن العقوبة المفروضة بموجبه كانت ملائمة مع الغايات التي استهدفتها اللجنة في قرارها المعترض عليه لذا قرر المجلس تصديقه وفي قرار آخر لمجلس شورى الدولة جاء فيه ” لدى عطف النظر على القرار المميز وجد أنه صحيح وموافق للقانون ذلك أن مجلس الانضباط العام خفض عقوبة تنزيل الدرجة المفروضة على المعترض إلى التوبيخ لتتناسب مع الفعل المرتكب من المعترض لسبب كون الأفعال المرتكبة لا تمثل انتهاكات خطيرة لواجبات الموظف تستوجب تنزيل الدرجة وان التعارض بين فعل الموظف ورؤسائه لم يصل إلى حد التعدي على الإدارة لكي تفرض عقوبة تنزيل الدرجة الأمر الذي جعل المجلس يخفض العقوبة لتكون متناسبة وفعل المعترض
الخاتمة
يتبين مما تقدم أن التحقيق الإداري وسيلة من الوسائل التي تتبعها الإدارة في مواجهة موظفيها الذين يرتكبون فعلاً لا يتفق وشرف الوظيفة وكرامتها، وإن ما ينسب إلى الموظف من تلك الأفعال لا يمكن تحديدها مسبقاً، وإنما يجوز للإدارة وهي تملك سلطة التأديب أن ترى في أي عمل إيجابي أو سلبي يقع من الموظف عند ممارسته أعماله الوظيفية ذنباً تأديبياً إذا كان لا يتفق وواجبات الوظيفة.
إلا أن الإدارة في سلطتها هذه ليست مطلقة اليد وإنما تخضع قراراتها في هذا الجانب إلى رقابة القضاء للوقوف على مدى مشروعية هذه القرارات والحد من تعسف الإدارة وانحرافها عن سلطتها التقديرية، ولأن من شأن هذه الرقابة تعزيز مبدأ دوام حسن سير المرفق الوظيفي من خلال الموازنة بين حقوق الموظفين وواجباتهم.
وقد تعرضنا في هذا البحث إلى الإجراءات التي تقوم بها اللجنة التحقيقية المشكّلة وفقاً لقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14لسنة 1992 عند إحالة الموظف المخالف عليها ولعل من أبرز الأمور التي يجب على اللجنة مراعاتها هو منح الموظف فرصة الدفاع عن نفسه وتقديم ما يثبت براءته مما نسب إليه من أفعال وأن تتصف بالحيدة والنزاهة بعيداً عن تبعيتها للإدارة، وأن تفصح عن سبب العقوبة في صلب توصي عرض أقل