في خضم تباين ثقافة عن أخرى تتعدد آليات المعالجات التي تقدم من أجل قضية بعينها؛ فكل نمط ثقافي يمكنه أن يتبنى أو يبتكر من الحلول ما يتناسب مع طبيعة الإنسان الذي يعيش مفرداتها؛ ومن ثم نرى أن معالجتنا لقضايانا المختلفة ترتكز على ما نؤمن به من نسق قيمي ومنظومة الأخلاق التي نتبناها، وهذا ما يجعل العلاج ناجع والآثار يمكن التغلب عليها والتحديات والصعوبات يسهل تجاوزها بالعديد من الطرائق والاستراتيجيات التي يتم توظيفها.
وفي ظل ما نمر به من تغيرات في النسق التربوي نتيجة لتغير في الفكر جراء ما تعرض له الإنسان من فيض هائل لتضخم معلوماتي وتواصل مفرط مع كافة الثقافات الأخرى عبر قنوات ومواقع رقمية سريعة الانتشار؛ حيث نرصد ظواهر تبدو مستغربة ومستنكرة لطبيعة مجتمعاتنا النقية السريرة؛ فعندما نجد أن ظاهرة مثل العنف تأخذ مساحة وانتشارًا بين أبناءنا، بل وبين أطياف من المجتمع؛ فإن هذا يدعونا للبحث عن حلول ومعالجات ناجزة.
وجميعنا لا يتقبل أن يستخدم الإنسان قوته ويمارس عنفوانه ضد الأخر من قبيل التهديد أو إلحاق الأذى بأي صورة كانت، أو أن يعتدي على الممتلكات أو يمارس أي صورة من صور الضغط النفسي أو المعنوي على الغير؛ فقد تربينا على المحبة والتآخي والإيثار ونحقق ماهية التعايش السلمي فيما بيننا منذ فجر التاريخ على أرض مصر المباركة؛ حيث إن الضعيف فينا قوي حتى يأخذ حقه، والقوي فينا ضعيف حتى يؤخذ منه الحق، بل ويحاسب.
وهنا نعي دور الأسرة التي تمثل نواة المجتمع والتي تتربي في حضنها الأرواح وتستقر النفوس وتتيقظ الضمائر وتتشرب العادات الأصيلة المتسقة مع صحيح القيم وتحترم التقاليد التي لا تنفك عن خلق كريم؛ فتتم التنشئة البانية لإنسان يحمل بين جنباته وجدان راق محب يتسم بالصفاء والنقاء يتناغم مع السلوك القويم ويعتاده وينفر من السلوك غير المرغوب فيه، بل ويتصدى له؛ كونه تربى على الفضيلة.
وهذا ما يجعلنا نعاود الكرة لميدان وساحة الأسرة إذا ما انحرف الإنسان عن مساره بما يتعارض مع معايير ومبادئ المجتمع، ونحاول أن نيقظ راعي الأسرة من غفلته ليؤدي دوره المنوط به ويتحمل مسئولية تعديل السلوك ويتضافر مع كافة المؤسسات الأخرى حتى يحدث المراد والذي يتمثل في تقويم الأبن إذا ما مارس العنف أو أي صورة دالة على هذا المظهر غير المقبول إنسانيًا أو مجتمعيًا.
وفي هذا الإطار تُعد الأسرة مدعوة للتواصل والتعاون والتضافر مع العديد من المؤسسات المعنية بتعديل سلوك الإنسان؛ ومن نصل وبسرعة لنتائج ناجزة؛ حيث إن فلسفة تعديل السلوك معقدة وتحتاج لبيئة مواتية تساعد الفرد في أن يتخلى عن ممارسات غير مقبولة ويستبدلها بأخرى تتسق مع معايير وطبيعة التكوينة المجتمعية.
وإذا ما تمعنا في طبيعة التواصل بين الأسرة والمؤسسة التعليمية نرى هنالك تضافر في تعديل السلوك ومراقبته بصورة مستمرة، كما نجد أن هنالك تعاملات متكافئة تساعد في علاج السلوك غير السوي مثل العنف، كما أن هنالك برامج علاجية لها مراحل تبدأ من المؤسسة والتعليمية وتستكمل داخل الإطار الأسري أو العكس، وهذا في مجملة يؤكد صورة العلاقة الوطيدة بين المؤسستين اللتان تحملان على عاتقهما تحقيق تنشئة سليمة وبناء للإنسان بما يساعده في أن يكون مواطنًا صالحًا.
ويُعد التواصل بين الأسرة والمؤسسة التعليمية غاية في الأهمية؛ حيث لا يتوقف عند حد تقديم العلاج حالة المرض السلوكي، بل الأمر بمثابة سياج حماية ضد البوادر أو الارهاصات التي قد تؤدي لظاهرة مثل العنف، وهنا نتحدث عن الاكتشاف المبكر الذي يسهم بكل تأكيد في احتواء المشكلة بحلول تبدو بسيطة، ناهيك عن التكامل في تقديم الرعاية التي تتناسب مع طبيعة كل مرحلة عمرية والعمل سويًا على غرس القيم والخلق الحميد وتعزيز السلوك الحسن.
وتكامل عملية البناء لدى الإنسان من خلال الأسرة والمؤسسات المجتمعية الأخرى يساعد في القضاء على ظاهرة العنف بين أطياف المجتمع، وهنا نتحدث عن المؤسسات العقيدة والإعلامية وحتى الخدمية منها مثل النوادي الاجتماعية والأماكن الترفيهية وفق ما يتوافر بالأماكن وبيئاتها المختلفة؛ فالجميع يتوجب عليه أن يسير في اتجاه تعزيز النسق القيمي ومباركة السلوك المقبول، وفي المقابل التحذير والتنفير من السلوك العنيف ضد الآخرين بغض النظر على المبررات التي قد يرتكز عليها صاحب السلوك العنيف وبغض النظر أيضًا عن طبيعة المرحلة العمرية التي يمر بها.
إن تعديل السلوك أمر يمكن تحقيقه حال تبني فلسفة التكامل المشار إليها؛ لكن يصعب حدوثه إذا لم تتوافر مقومات هذا التكامل بشكل وظيفي؛ فالأسرة لوحدها أو المؤسسة التعليمية منفردة أو تقديم النصح والإرشاد عبر منابر المؤسسات الإعلامية والدعوية والاجتماعية فقط، كل ذلك لا يجدي نفعًا ما لم تتكامل الجهود بشأن علاج ظاهرة العنف التي نتحدث عنها.
ونؤكد أن المعالجات السريعة تجاه ظاهرة العنف أفضل بكثير من تجاهلها أو التغاضي عنها أو التأخير في تقديم علاجها والتصدي لها بصورة ممنهجة تقوم على فكر مستنير نستعين به بالخبراء والمتخصصين في المجال الاجتماعي والنفسي والتربوي، حتى لا نواجه مخاطر مستقبلية أصفها بكل وضوح بأنها جمة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر