حمل بايدن زيارته للمنطقة بهدفين رئيسيين: الأول هو إدماج الكيان الصهيوني اقتصاديا وسياسيا وعسكريا في المنطقة وتشكيل حلف عسكري مناهض لإيران. ولم يحصل بايدن سوى على حرية مرور الطائرات المدنية الصهيونية من الأجواء السعودية، مقابل إقرار ذلك الكيان بسيادة المملكة على جزيرتي تيران وصنافير المصريتين واللتين كانتا مشمولتين باتفاقية التسوية السياسية بين نظام السادات والكيان الصهيوني باعتبارهما جزيرتين مصريتين تشكلان جزءا أصيلا من التراب الوطني المصري. أما بناء حلف عربي-صهيوني في مواجهة إيران فلم يحصل بايدن سوى على قبض الريح فالسعودية لا يمكنها الدخول في هذا الحلف وهي تعلم أنها ستخسر كل شئ في العالمين العربي والإسلامي شعبيا على الأقل لو قبلت بتحالف يضم الكيان الصهيوني، وتعلم كذلك أنها ستُستنزف ماليا من هذا الحلف وستكون ضمن أكبر الخاسرين في حالة اندلاع أي صراع مسلح يمكن أن تشعله الولايات المتحدة وكيانها الصهيوني. وترتيبا على ذلك اكتفت السعودية بتوقيع الولايات المتحدة على وثيقة مع الكيان الصهيوني تتضمن التزام واشنطون بعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية وهو أمر تستفيد منه السعودية دون أن تتحمل تكلفة المشاركة فيه، بل وتمت إثارة مسألة ضمان خلو المنطقة من الأسلحة النووية. باختصار كانت السعودية أكثر حصافة من الانزلاق للفخ الأمريكي-الصهيوني، ودعت إلى علاقات حسن الجوار مع إيران شريطة عدم تدخلها في الشئون الداخلية للبلدان العربية. أما مصر فهي دولة لديها ميراث تاريخي في البعد عن الدخول في مثل تلك الأحلاف.
والهدف الأمريكي الثاني هو التوافق مع دول الخليج على زيادة إنتاج النفط لإزاحة روسيا من الأسواق والإضرار باقتصادها وإجبارها على تخفيض إنتاجها البالغ 11 مليون برميل يوميا حسب اتفاق أوبك+ والذي يشكل مع صادرات الغاز، الجانب الأكبر من صادراتها السلعية، وأيضا لتخفيض أسعار النفط قليلا، لكن ليس إلى الحد الذي يضر بإنتاج النفط الصخري الأمريكي المرتفع التكلفة والذي استفاد وانتعش من ارتفاع الأسعار، رغم تضرر المستهلكين والشركات المستهلكة للطاقة في الولايات المتحدة من ذلك الارتفاع. وحصل بايدن على تعهد سعودي بزيادة الإنتاج إلى 13 مليون برميل يوميا، أي بزيادة قدرها 2 مليون برميل عن متوسط إنتاجها اليومي في الوقت الراهن والبالغ 11 مليون برميل حسب الحصة المحددة لها في آخر اجتماع لدول أوبك +. وهذه الزيادة تشكل مكسب جزئي لبايدن يفيد في الدعاية وليس في الواقع، لأن تأثيره على روسيا سيكون هامشيا، حيث أدارت موسكو أزمة تحول المستهلكين الأوروبيين والأمريكيين عن استهلاك نفطها بشكل مرن وكفء وتمكنت من إيجاد أسواق بديلة في آسيا وبخاصة لدى العملاقين الصيني والهندي. ورغم أنه من المنطقي أن تتراجع أسعار النفط بعد تعهد السعودية بزيادة الإنتاج، إلا أن المصلحة الاقتصادية السعودية ستجعل التنفيذ بطيئا بصورة تمتص التأثير الفعلي والمعنوي لإعلانها عن زيادة الإنتاج بحيث تحافظ على تماسك سوق وأسعار النفط باعتبارها أكبر دولة مصدرة له وصاحبة المصلحة الأكبر في استمرار الأسعار عند مستوى مرتفع حتى لو انخفضت قليلا عن مستواها الراهن. ورغم أن قرار السعودية بزيادة الإنتاج يعد خرقا لاتفاق أوبك+ بشأن حصتها، إلا أن باقي دول أوبك+ سوف تتفهم الأمر على الأرجح معولة على بطء تحويل القرار إلى واقع عملي. لكن المملكة ستكون مضطرة لتخفيض إنتاجها وليس لرفعه لتفادي إنهيار أسعار النفط في حالة التوصل لاتفاق غربي مع إيران بشأن برنامجها النووي، لأن ذلك الاتفاق سيتبعه رفع العقوبات عن إيران وقيامها برفع إنتاجها من النفط ليتسق مع حجم احتياطياتها الضخمة البالغة 208,6 مليار برميل والتي تحل في المرتبة الثانية عالميا بعد السعودية التي تملك نحو 267,1 مليار برميل. وسوف تعمل إيران في تلك الحالة بمساندة شركات نفطية غربية كبرى، على زيادة إنتاجها وربما تستهدف الوصول إلى أكثر من 5 ملايين برميل يوميا بدلا من إنتاجها الحالي الذي يدور حول مستوى 2 مليون برميل يوميا.
وضمن كلمته أشار بايدن بسخافة خالية من اللياقة إلى أن الولايات المتحدة لن تنسحب من المنطقة لتترك فراغا تملأه روسيا أو الصين أو إيران وكأن المنطقة بلا إرادة أو سيادة وهي مجرد موضوع لتصارع القوى الخارجية على النفوذ والتسلط عليها. والحقيقة أن هناك أمور كثيرة تغيرت في النظام الدولي وتدرك دول الخليج أن مصلحتها تقتضي الحفاظ على التوازن في علاقاتها الدولية، بينما تستمر إدارة بايدن غارقة في أوهام القوة المسيطرة عالميا بشكل منفرد.
أما الربط الكهربائي بين دول الخليج والعراق والأردن ومصر فهي مصلحة عربية كبرى تتعاظم إذا تم ضم لبنان وسورية واليمن إليه عندما يكون من الممكن تسوية أو تجاوز العوامل السياسية المانعة. وصحيح أن الهدف هو جذب العراق إلى محيطه العربي بعيدا عن الاعتماد على إيران في هذا الشأن، لكنه هدف جيد ونبيل وفي صالح الاستقلال الوطني للعراق وتعزيز لحمته مع عالمه العربي.
أما دعوة رئس الوزراء العراقي لإنشاء صندوق أو بنك استثمار لتنمية المنطقة وتعزيز البنية الأساسية التي تربط بين دولها فهو مطلب جديد قديم لكل المعنيين بالتكامل الاقتصادي العربي، والمهم هو التنفيذ.
والحقيقة أن أكبر الرابحين هو ولي العهد السعودي الذي أجبر بايدن على زيارة المملكة والاجتماع معه بعد أن كان الأخير قد توعده بالويل والثبور وعظائم الأمور خلال حمليه الانتخابية بسبب قضية مقتل خاشوقجي. كما أن المملكة أعادت التأكيد على مبادرتها للتسوية مع الكيان الصهيوني أيا كان موقفنا منها وبالتالي لم تستجب لرغبته في إدماج الكيان الصهيوني في المنطقة بلا ثمن، واكتفى بايدن بمكسب جزئي هو السماح بمرور الطائرات الصهيونية من الأجواء السعودية مقابل اعتراف الكيان الصهيوني بسيادة السعودية على جزيرتي تيران وصنافير المصريتين. وحتى تعهد السعودية برفع حجم إنتاج النفط فإنه سيحقق لها عائدات نفطية أكبر، ولن يضر بعلاقاتها مع روسيا التي لا ينسى ولي العهد السعودي أنها استقبلته في ذروة أزمة خاشوقجي لكسر العزلة الدولية التي كانت تحيط به آنذاك. أما بايدن فعاد بالفعل بخفي حنين وكل ما ربحه هو تعهد السعودية بزيادة الإنتاج 2 مليون برميل يوميا، وهو تعهد قد يتم تنفيذه ببطء أو حتى بشكل جزئي ولن يفيد في اقتطاع جزء من حصة روسيا في السوق العالمية وهو الهدف الأساسي لبايدن. وحتى التسوية السياسية والطنطنة الفارغة بحل الدولتين الذي أصبح غير ممكن عمليا إذا لم تتم إزالة المستدمرات الصهيونية في الضفة الغربية ومحيط القدس، فإنه مجرد لغو يعلم هو نفسه أنه لا يملك أدوات فرضه وربما لا يريد فرضه أساسا. ومن المرجح أن يستخدم بايدن والإعلام المناصر له بعض نتائج الزيارة لتحسين صورة حزبه قبل انتخابات التجديد النصفي القادمة، لكن واقع التضخم الأعلى منذ أربعة عقود والذي بلغ 9% مؤخرا والذي يعاني منه الشعب الأمريكي ستجعله لا يلتفت لتلك الطنطة إذا لم تتحول نتائج الزيارة إلى نتائج ملموسة تؤثر على معيشتهم من خلال خفض معدل التضخم. وفوق كل ذلك فإن صورة الولايات المتحدة كقوة مسيطرة عالميا أصبحت شاحبة وخسرت كل ألوانها في ظل عجزها عن فرض تصوراتها حتى على دول الخليج المرتبطة بها بشكل وثيق تاريخيا.
أما مصر التي كانت دوما في موقع القيادة لهذا الإقليم طوال التاريخ الحديث منذ قرنين من الزمان فما كان لها أن تذهب للقاء بايدن في دولة أخرى وكان عليه أن يأتي إلى القاهرة أو ليذهب بزيارته إلى الجحيم فليس هناك من عائد من المشاركة في اجتماع يخصم من القيمة التاريخية لمصر كقوة قائدة في إقليمها ولا يمنحها أي شئ آخر.
أحمد السيد النجار