فى تاريخنا المعاصر أيام عظيمة كثيرة، أعظمها يوم السادس من اكتوبر 1973 الذى تحقق فيه لوطننا ولأمتنا العربية والإسلامية العزة والكرامة، ففيه انتصرنا على آلامنا، وهزمنا ضعفنا وخوفنا، وانطلقت فيه قواتنا المسلحة الباسلة تحرر أرضنا السليبة، وتحطم خط بارليف الحصين، وتكسر الغرور الإسرائيلى، وتقطع ذراعه الطويلة، وتقهر الجيش الذى ملأ الدنيا ضجيجا بأنه لايقهر، وتعبر قناة السويس إلى الشاطئ الشرقى، إلى سيناء الحبيبة، حاملة معها مشاعل النور وطاقات الأمل فى غد أفضل .
كان يوما مجيدا، امتزجت فيه دماء المصريين جميعا، واجتمعت فيه كل عناصر الوحدة والقوة والقدرة والنجاح، لذلك لم يكن النصر فيه مجرد انتصار عسكرى تحقق على أيدى رجال عظام، وإنما كان تحولا هائلا فى مجرى تاريخنا المعاصر، ونقطة فارقة للخروج من حالة الإحباط والانكسار والفرقة إلى مرحلة الأمل والطموح الكبير لبناء مصر الجديدة .
سيظل نصر أكتوبر مصدر إلهام للأجيال المتعاقبة ، وقوة دفع هائلة نستمد منها الإرادة الصلبة ونحن نخطط ونعمل لمستقبلنا، ونواجه التحديات الصعبة، لنحقق الأمن والسلام والاستقرار والرخاء لوطننا، وسط عالم يموج بالتقلبات السريعة، ويتسم بالتهور والاندفاع .
ويقينا فإن السادس من أكتوبر هو أفضل مناسبة نستطيع من خلالها أن نقول لأبنائنا وأحفادنا إننا قادرون على تحقيق المستحيل لنبنى بلدنا، ونصحح أوضاعنا، وننقى صفوفنا من الفاسدين والمنتفعين، ونبنى جسور النعاون والثقة مع عالمنا العربى، حتى نصل معا إلى المكانة التى تستحقها أمتنا العربية، وتستحقها مصر العظيمة بين الأمم، ونقول للعالم إننا قادرون على الصمود، وقادرون على مواجهة المؤامرات وكسر حاجز اليأس، وبروح أكتوبر سوف ننتصر ونرتقى .
إن استعادتنا لروح أكتوبر هى أفضل ما نقدمه لوطننا مصر، ولأمتنا العربية، فى ظل الظروف الحالية، حتى تستطيع بلادنا أن تنطلق مرة أخرى لتصنع أمجادا وانتصارات فى كافة ميادين الحياة .
لم يكن فى أكتوبر 1973 ما يعكر صفو وحدة شعوبنا العربية، فقد وقف العرب وقفة رائعة إلى جانب دول المواجهة العسكرية، وقدم كل بلد مايقدر عليه من إمكانيات، واستخدم لأول مرة سلاح البترول للضغط على الدول التى تمد العدو بالمال والسلاح، وتشكلت جبهة عربية قوية لضمان خطوط الإمداد والمساندة الدبلوماسية فى المنظمات والمحافل الدولية، فبدا العرب يدا واحدة وصوتا واحدا .
ولم يكن فى أكتوبر 1973 مايعكر صفو وحدتنا الوطنية، ولم تكن مصر تعرف ذلك الإرهاب المقيت، ولا تربص فئة لفئة، ولا طمع ولا جشع، كنا رجلا واحدا وقلبا واحدا وهدفا واحدا، لذلك انتصرنا .
لم يكن هناك عدوان على أراضى وأملاك الدولة، ولم يكن هناك استهتار بأرواح الناس، ولا جشع فى نفوس التجار والمستوردين يرفع الأسعار كل يوم، ولم تسجل محاضر الشرطة بلاغات للسرقة والنهب والقتل، فقد كانت أياما نورانية أخرجت أفضل مافى المصريين، وكأننا كنا نعيش فى حلم جميل .
إن النجاح يبعث على النجاح، ويبعث على الثقة فى النفس، ونحن اليوم إذ نعيش ذكرى أيام أكتوبرالمجيدة لا نريد أن نجتر الكلام المكرر، ولا نركن لخطب المناسبات الفخيمة، وإنما علينا أن نعمل على تحويل طاقة الفخار إلى خطط وبرامج يجرى تنفيذها على أرض الواقع، وهذا هو معنى الاحتفال الحقيقى، أن تكون ذكرى أكتوبر مفجرة لطاقات الطموح والبذل والعطاء الكبير لشعبنا وأمتنا .
إن من حقنا اليوم وكل يوم أن نفخر ونحتفل بنصرنا العزيز، ومن واجبنا أن نتواصى بالعودة إلى الروح التى صنعت النصر، لكى نقهر الفقر والجهل والمرض، ونحارب الرشوة وخراب الذمم والتعصب الأعمى والانقسام والفرقة، والتطرف والإرهاب وصراع الأيديولوجيات، ونعالج التفكك الأسرى والإنهيار الأخلاقى وتفشى الجريمة المنظمة وتدنى الذوق العام، وهى أمراض تشدنا إلى الوراء، وتنحدر بنا بعيدا عن مجد اكتوبر.
إن الأيام الخالدة فى تاريخ الأمم ليست مجرد ذكرى تأتى وتمر ، لكنها مناسبات ملهمة ، نأخذ منها العظة والعبرة ، ونتعلم منها الدروس لنبنى المستقبل على نحو أفضل من الماضى .