ارتفاع الحرارة .. يهدد الإنسان والحيوان والزرع والأحياء المائية ..!!
انخفاض غلة المحاصيل .. وانتشار الحشائش والآفات المدمرة ..!!
هجرة الكائنات إلى مواطن جديدة .. ومزاحمة نظيراتها على الغذاء!
نقص تركيزات البروتين والمعادن في القمح وفول الصويا والأرز
زيادة تكاثر الطفيليات والبكتيريا الضارة.. وتهديد الثروة الحيوانية ..!
تعرض المواشي للأمراض وتقليل الخصوبة وانخفاض إنتاج الحليب
تحمض المحيطات .. يقضي على الشعاب المرجانية ومصايد الأسماك
ارتفاع أعداد البعوض في إيطاليا .. تسبب في تفشي الإصابة بالملاريا
منع شراء المنتجات من مناطق إزالة الغابات .. ضرورة لإنقاذ الكوكب!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
يعكس انعقاد قمة المناخ 2022 بشرم الشيخ COP 27، يوم 6نوفمبر، مدى اهتمام العالم، بخطورة التغيرات المناخية وآثارها المدمرة على كوكب الأرض. وفي معظم الأحيان تركز وسائل الإعلام على مخاطر ارتفاع درجات الحرارة، فمن النادر أن تجد من يتناول تفاصيل هذه المخاطر، إلا في بعض الدراسات الأكاديمية. التقرير التالي يلقي الضوء على بعض تفاصيل هذه التهديدات على كوكبنا، والتي لا تقل خطورة عن أسلحة الدمار الشامل!!
يمكن للكائنات تحمل درجات الحرارة ضمن حدود معينة. تسمى درجات الحرارة العليا والدنيا. ولكن، مع تجاوز هذه الحدود، يجب على الحيوان إما التكيف أو الهجرة إلى مناخ أكثر برودة.
وبشكل عام، قد يجعل تغير المناخ من الصعب زراعة المحاصيل وتربية الحيوانات وصيد الأسماك بنفس الطرق وفي نفس الأماكن التي اعتدناها. وبالنسبة لأي محصول، هناك درجة حرارة مثلى لنموه وتكاثره. وإذا تجاوز ارتفاع الحرارة هذه الدرجة، فسوف تنخفض الغلة.
ويمكن للأحداث المتطرفة، وخاصة الفيضانات والجفاف، أن تضر بالمحاصيل وتقلل الغلات. في عامي 2010 و2012، أثرت درجات الحرارة المرتفعة ليلا على محصول الذرة بالولايات المتحدة، وتسبب التبرعم المبكر للكرز، بسبب الشتاء الدافئ، في خسائر بلغت قيمتها 220 مليون دولار في ميتشجان عام 2012.
كذلك يزداد مدى انتشار الحشائش والآفات، وتظهر أنواع جديدة من الآفات نتيجة لارتفاع الحرارة وزيادة الرطوبة. وقد يتسبب هذا، بسبب التغيرات المناخية، في مشاكل جديدة للمحاصيل التي لم تتعرض من قبل لهذه التغيرات.
ورغم أن ارتفاع ثاني أكسيد الكربون يمكن أن يحفز نمو النبات، فإنه يقلل أيضًا من القيمة الغذائية لمعظم المحاصيل، حيث تقل تركيزات البروتين والمعادن الأساسية في معظم النباتات، ومنها القمح وفول الصويا والأرز. هذا التأثير المباشر على القيمة الغذائية للمحاصيل يهدد صحة الإنسان، إلى جانب التهديد الناتج عن زيادة استخدام المبيدات بسبب تزايد الآفات وانخفاض فعالية المبيدات.
كما يمكن لموجات الحر، التي تزداد مع تغير المناخ، أن تهدد الثروة الحيوانية. في عام 2011، مثلًا، تسبب ارتفاع درجات الحرارة في خسائر تزيد على مليار دولار للمربين الأمريكيين. ويمكن أن يؤدي الإجهاد الحراري إلى زيادة التعرض للأمراض، وتقليل الخصوبة، وانخفاض إنتاج الحليب.
يؤدي تغير المناخ لزيادة انتشار الطفيليات والأمراض التي تصيب الثروة الحيوانية. وقد يسمح الربيع والشتاء الأكثر دفئًا لبعض الطفيليات ومسببات الأمراض بالبقاء على قيد الحياة بسهولة أكبر. ومع زيادة هطول الأمطار، يمكن أن تزدهر مسببات الأمراض التي تعتمد على الرطوبة.
ومع زيادة استخدام المبيدات والمضادات الحيوية، للحفاظ على صحة الماشية من الآفات والطفيليات والميكروبات بسبب التغيرات المناخية، تتزايد مخاطر دخول المبيدات للسلسلة الغذائية أو تتطور مقاومة الآفات للمبيدات، ويترتب على ذلك آثار سلبية على سلامة وتوزيع واستهلاك الماشية ومنتجاتها.
كذلك يواجه العديد من مصايد الأسماك ضغوطًا متعددة، كالصيد الجائر وتلوث المياه. وقد يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم هذه الضغوط. ويمكن أن تؤدي التغيرات المناخية إلى تأثيرات كبيرة.
قد تتغير نطاقات معيشة العديد من أنواع الأسماك والمحار، فمثلًا، في المياه المقابلة لشمال شرق الولايات المتحدة، انتقلت ثلاثة أنواع (جراد البحر الأمريكي، وسمك النازلي الأحمر، وقاروص البحر الأسود) شمالًا بمتوسط 190 كيلومترًا. والانتقال لمناطق جديدة يضع هذه الأنواع في منافسة مع الأنواع الأخرى على الغذاء والموارد.
ارتبطت بعض حالات تفشي الأمراض البحرية بتغير المناخ. يساهم الاحترار الشتوي بالقطب الشمالي في إصابة أسماك السلمون بأمراض في بحر بيرنج، وانخفاض أعدادها. كما تسبب ارتفاع درجات الحرارة في تفشي الأمراض بالشعاب المرجانية وحشائش البحر وقواقع أذن البحر.
ويمكن للتغيرات المناخية أن تؤثر على توقيت التكاثر والهجرة وتزيد من إصابة الكائنات البحرية بالأمراض وانخفاض أعدادها.
بالإضافة إلى الاحترار، أصبحت محيطات العالم أكثر حموضة بسبب زيادة ثاني أكسيد الكربون في الجو. قد تؤدي زيادة الحموضة إلى الإضرار بالمحار، حيث تضعف أصدافها بسبب نقص الكالسيوم من مياه البحر. يهدد التحمض أيضًا النظم البيئية الحساسة التي تعتمد عليها الأسماك والمحار.
ولدرجات الحرارة المرتفعة ونقص الأمطار تداعيات خطيرة، منها نقص المياه في الأنهار التي يُعتمد عليها في الملاحة والشحن، ويتسبب الجفاف في خسائر غذائية واقتصادية كبيرة بسبب انخفاض حركة السفن، وحجم البضائع المنقولة، وعدد العاملين في هذه الصناعة. ومثل هذه التغييرات في النقل تقلل قدرة المزارعين على تصدير حبوبهم إلى الأسواق الدولية، ويمكن أن تؤثر على أسعار الغذاء العالمية.
حدث ذلك مع موجة الجفاف التي اجتاحت أوروبا صيف هذا العام، حيث تأثرت حركة النقل والملاحة في نهر الراين، الأمر الذي أدى إلى اضطرابات عديدة في الأسواق والمنتجات.
كما يمكن أن يكون لتأثر الحشرات، بتغير المناخ، عواقب وخيمة على الإنسان، فبعض الحشرات تقوم بوظائف بيئية مهمة بينما يمكن أن تؤدي انتقال بعضها لأماكن جديدة لتعطيل توازن النظم البيئية.
في دراسة حديثة، على موقع ذا كونفرسيشن، تم تقييم مدى قدرة 102 نوع من الحشرات على تعديل حدودها الحرارية الحرجة للبقاء على قيد الحياة في درجات الحرارة القصوى. وثبت أن قدرة الحشرات ضعيفة، مما يجعلها عرضة للخطر بسبب تغير المناخ.
وضعف القدرة على التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة يدفع العديد من الحشرات للهجرة إلى مناخات أكثر برودة للبقاء على قيد الحياة. قد يتسبب انتقال الحشرات لبيئات جديدة في الإخلال بالتوازن الدقيق للنظم البيئية.
تتسبب الآفات الحشرية في خسارة 40٪ من إنتاج المحاصيل العالمي. مع تغير توزيعها الجغرافي، يمكن للآفات أن تهدد الأمن الغذائي بشكل أكبر. خلص تقرير للأمم المتحدة عام 2021 إلى أن أعداد دودة الحشد الخريفية، التي تتغذى على محصول الذرة والقصب والأرز والقطن بشراهة، قد وسعت بالفعل نطاقها الجغرافي بسبب تغير المناخ.
ولهجرة الحشرات أيضًا تأثيرات عميقة على صحة الإنسان. العديد من الأمراض، ومنها الملاريا، تنتقل عن طريق الحشرات. ويزيد انتقال الحشرات من إدخال الأمراض المُعدية إلى خطوط العرض العليا.
تم تسجيل أكثر من 770 حالة إصابة بفيروس غرب النيل في أوروبا هذا العام. ظهرت منطقة فينيتو الإيطالية، كموطن مثالي لبعوض كوليكس، الذي يمكنه إعالة الفيروس ونقله. وجد العلماء أن عدد البعوض في المنطقة زاد بنسبة 27٪.
قد تنقرض أنواع الحشرات غير القادرة على الهجرة. وهذا مصدر قلق لأن العديد منها يؤدي وظائف بيئية مهمة. يتم تخصيب ثلاثة أرباع المحاصيل المنتجة عالميًا بواسطة الحشرات التي تضطلع بعمليات التلقيح. ويمكن أن تؤدي خسارة هذه الملقحات إلى انخفاض حاد في إنتاج الغذاء العالمي.
كما قام مركز كلية لندن الجامعيةUCL للتنوع البيولوجي وأبحاث البيئة بدراسة، تم خلالها إجراء أحد أكبر التقييمات لانخفاض أعداد الحشرات في أنحاء العالم، وشمل التقييم ثلاثة أرباع المليون عينة من حوالي 6000 موقع.
وجدت الدراسة الجديدة، التي نُشرت بمجلةNatur، أن الأراضي الزراعية المجهدة بالتغير المناخي بها فقط نصف عدد الحشرات، في المتوسط، وأن أنواع هذه الحشرات أقل بنسبة 25٪ من مناطق الموائل الطبيعية.
والحشرات ضرورية لمستقبل كوكبنا. فهي تساعد على إبقاء أنواع الآفات تحت السيطرة وتفكيك المواد الميتة لإطلاق المغذيات في التربة. كما تعد الحشرات الطائرة أيضًا ملقحات رئيسية للعديد من المحاصيل الغذائية الرئيسية، ومنها الفواكه والتوابل، والكاكاو.
ولذلك، فإن تزايد التقارير، التي تشير للانخفاض الحاد في أعداد الحشرات، يمثل مصدر قلق عاجل. قد يؤدي فقدان التنوع البيولوجي للحشرات إلى تعريض هذه الوظائف البيئية الحيوية للخطر، مما يهدد سبل عيش الإنسان والأمن الغذائي.
ويُعتقد أن غالبية أنواع الحشرات، التي تُقدَّر بنحو 5.5 مليون نوع في العالم، تعيش في المناطق الاستوائية، ومعنى هذا أن أكبر وفرة من الحشرات على كوكب الأرض قد تعاني من انهيارات كارثية دون أن ندري.
أكبر مجموعات الحشرات الـ 29 الرئيسية هي الفراشات/ العث، الخنافس، النحل/ الدبابير/ النمل والذباب. ويُعتقد أن كل مجموعة من هذه المجموعات تحتوي على أكثر من مليون نوع. ومن شبه المستحيل مراقبة مثل هذا العدد الهائل، ولكن هناك حوالي 80 ٪ من الحشرات ربما لم يتم اكتشافها بعد، والعديد منها من الأنواع الاستوائية.
وتقول الدراسة إن الحشرات تواجه تهديدًا غير مسبوق بسبب عاملين مهمين ومترابطين، هما تغير المناخ وفقدان الموائل. سعي الباحثون إلى فهم كيفية تأثر التنوع البيولوجي للحشرات في المناطق التي تعاني من هذين التحديين بشدة.
اتضح أن الأراضي الزراعية في المناطق المجهدة بالمناخ، حيث تمت إزالة معظم الموائل الطبيعية القريبة، فقدت 63٪ من حشراتها، مقارنة بأقل من 7٪ للأراضي الزراعية التي لا تزال الموائل الطبيعية القريبة منها موجودة ومحفوظة إلى حد كبير.
يُعتقد أن 87 من المحاصيل الرئيسية في العالم تعتمد كليًا أو جزئيًا في تلقيحها على الحشرات، التي ينمو معظمها في المناطق الاستوائية.
ثبت أن التجارة الدولية هي المحرك الرئيسي لإزالة الغابات في جنوب شرق آسيا وشرق وغرب إفريقيا والأمازون. وتُعزى المستويات العالية من إزالة الغابات في البرازيل وإندونيسيا إلى إنتاج السلع للتصدير ومنها فول الصويا والبن وزيت النخيل والكاكاو.
ووجد أن نحل الأوركيد المعتمد على الغابات في البرازيل انخفض بنحو 50 ٪. ويعتبر نحل الأوركيد، الموجود فقط في الأمريكتين، ملقحات مهمة لزهور الأوركيد.
قيمت الدراسة ثلاثة أرباع مليون عينة من الحشرات في جميع أنحاء العالم. وستة آلاف موقع، ثلثها من المناطق الاستوائية. تضم العينات حوالي 20ألف نوع مختلف من الخنافس والنحل والدبابير والنمل والفراشات والعث والذباب والبق وغيرها من المجموعات الأقل شهرة.
وتظهر النتائج أن الأراضي الزراعية في هذه المناطق فقدت الكثير من التنوع البيولوجي للحشرات، مقارنةً بمناطق الغطاء النباتي الأساسي. وهذا يسلط الضوء على أن تغير المناخ قد يمثل تهديدًا كبيرًا للأمن الغذائي من خلال التأثير المباشر على المحاصيل، وكذلك بسبب فقدان الملقحات والحشرات المهمة الأخرى.
في بعض أنحاء العالم، يلجأ المزارعون إلى تقنيات التلقيح اليدوي باستخدام فرشاة. ويمكن أن تساعد هذه التقنيات في الحفاظ على المحصول أو زيادته، ولكنها تأتي بتكلفة عمالة عالية.
في 2020، تعامل العديد من البلدان الأفريقية -بما في ذلك كينيا وإثيوبيا والصومال -مع أحد أكثر حالات تفشي الجراد الصحراوي تدميراً. وجاء ذلك بعد غزو دودة الحشد الخريفية الأخيرة التي طالت أكثر من 44 دولة أفريقية. تتصارع الدول أيضًا مع المزيد من غزوات آفات النباتات مثل عثة الطماطم في أمريكا الجنوبية وحفار ساق الذرة.
وتعاني العديد من الدول من نقص الغذاء لأن الحشرات يمكن أن تستهلك أو تدمر كميات هائلة من المحاصيل. تشير التقديرات إلى أن خَمس آفات حشرية غازية (قادمة من مناطق أخرى) تكلف القارة الأفريقية 1.1 مليار دولار أمريكي سنويًا.
من المتوقع أن تزداد خسائر المحاصيل المرتبطة بالآفات الحشرية وغزوات الآفات مع تغير المناخ. تشمل التغييرات المتوقعة ارتفاع درجات الحرارة وكمية هطول الأمطار. تتكاثر الحشرات في درجات الحرارة الأكثر دفئًا وزيادة الرطوبة.
من هنا، يجب على الحكومات والمنظمات العامة والخاصة الأخرى النظر بعناية أكبر في تأثير إجراءاتها وسياساتها على الحشرات. يمكن أن يتراوح هذا من إيلاء الاهتمام المناسب للتنوع البيولوجي في السياسات والاتفاقيات التجارية، إلى ضمان منع شراء المنتجات من المناطق المرتبطة بمعدلات إزالة الغابات المرتفعة، حيث تسهم إزالة الغابات في تفاقم التغيرات المناخية.