ورقة بحثية مقدمة لمؤتمر شرم الشيخ تحدد مصير البشرية بالتعاون مع المنتدي الدولي للأعلام واستعداد لمؤتمر قمة المناخ العالمية والمنعقد يوم السبت الموافق 29/10/2022
تهتم هذه الدراسة بدراسة العلاقة بين التغير المناخي وأثرة على صحة وراحة الإنسان على المستوى العالمي والمحلي، اذ ان التركيب الغازي للغلاف الجوي بدأ يتغير، بسبب تراكم الغازات الحابسة للحرارة والذي أثر بدوره على تغير المناخ العالمي وعلى العديد من الأنظمة الطبيعية العالمية. الناس يعانون من تغير المناخ بطرق شتّى يمكن أن يؤثر تغير المناخ على صحتنا وقدرتنا على زراعة الأغذية والسكن والسلامة والعمل. البعض منا أكثر عرضة لتأثيرات المناخ، مثل الأشخاص الذين يعيشون في الدول الجزرية الصغيرة والبلدان النامية الأخرى. لقد ساءت الظروف مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وتسلل المياه المالحة إلى درجة اضطرت فيها مجتمعات بأكملها إلى الانتقال، كما أن فترات الجفاف الطويلة تعرض الناس لخطر المجاعة. في المستقبل، من المتوقع أن يرتفع عدد “اللاجئين بسبب المناخ”.
اعتمدت الدراسة على المعطيات المتوفرة عن معدلات التغير في درجات الحرارة وبعض الأنواء الجوية المتطرفة وآثرها على الراحة البايومناخية التي يمكن أن يشعر بها الإنسان في ظل هذه الزيادة المستمرة في درجات الحرارة، فضلا عن حالات الإصابات بالأمراض أو الموت الذي ثبت أنها انعكاس مباشر لحالات أو معدلات الارتفاع في درجات الحرارة.
توصلت الدراسة إلى جملة من النتائج التي من أهمها ان معدلات التغير المناخي التي تم تسجيلها ورصدها يمكن أن تكون بمثابة مؤشراً أو علاقة لبداية تأثيرات اشد في معدلات الحرارة وظهور أنماط متعددة من الحوادث الطقسية الشاذة، وبالتأكيد أن تلك التغيرات في المناخ العالمي سيرافقها تأثيرات واسعة النطاق على صحة وراحة البشرية ومعظم هذه التأثيرات سلبية وضارة.
تعتبر ظاهرة التغيرات المناخية ظاهرة عالمية (Global Phenomenon) إلا أن تأثيراتها محلية، أي تختلف من مكان إلى مكان على سطح الكرة الأرضية نظراً لطبيعة وحساسية النظم البيئية في كل منطقة.
ولا شك ان ظاهرة التغير المناخي اضحت أحد القضايا المطروحة دائما على المستوى العالمي، في ظل ما يمكن أن يترتب عليها من تغيرات خطيرة تهدد مستقبل الإنسان على الأرض. فقد أشارت إحدى الدراسات الصادرة عن المنظمة الدولية للأرصاد الجوية إلى ارتفاع في متوسط درجات الحرارة عالمياً بنحو أربع درجات مئوية بحلول عام 2060، ومن المحتمل أن يؤدي هذا الارتفاع السريع إلى تهديد استقرار العالم من خلال تعطيل إمدادات الغذاء والماء في أجزاء كثيرة من العالم، وبصفة خاصة في قارة أفريقيا. وتعتبر المفاوضات التي تتم تحت مظلة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ نقطة تحول هامة بالاتفاق العالمي بشأن المناخ بعد عام 2020، والذي من المقرر أن يتم في باريس في ديسمبر 2015، بهدف العمل على ضمان عدم تهديد إنتاج الغذاء في العالم.
مدخل :-
تواجه مصر تحديًا كبيرًا في مجابهة أزمة التغيرات المناخية وتداعياتها على العديد من القطاعات الرئيسية، والأكثر تأثيرًا في الاقتصاد المصري، والتي يأتي على رأسها قطاعي الزراعة والسياحة. ويُعد قطاع الزراعة من أكثر القطاعات تأثرًا بأزمة التغيرات المناخية في مصر، فقدرة القطاع على تجاوز ضغوطات التغيرات المناخية ضعيفة، خاصة بالنسبة للمجتمعات الريفية التي تعتبر من أكثر المجتمعات تضررًا من التغيرات المناخية لضعف البنية التحتية القادرة على التكيف مع تلك التقلبات أو مواجهة انعكاساتها السلبية، سواء عبر تبني سياسات استباقية ووقائية، أو من خلال مدى قدرتها على تنويع المحاصيل ومواسم الزراعة، أو عن طريق استحداث أساليب جديدة في الزراعة والري تكون أكثر تكيفًا وكفاءة في التعامل مع التحديات المناخية المتنوعة.
تُعد مصر، بصحاريها الشاسعة ودلتاها الخصبة وسواحلها الممتدة ومدنها الضخمة التي يمثل النيل شريان حياتها، وما تتسم به من قلة الأمطار وارتفاع في حرارة فصول الصيف، شديدة التعرض للتأثر بتغيّر المناخ. وتزداد حالة عدم اليقين بشأن توافر إمدادات المياه بشكل كبير في ظل تغير المناخ، وهو ما يحتم على مصر الاستعداد للتعامل مع هذا الوضع الجديد، وعليها أن تبدأ هذا الاستعداد من الآن. في واقع الأمر، لا يقتصر التصدي لتغيّر المناخ على إدارة المخاطر فحسب، بل يتعلق أيضاً باغتنام ما يُتاح من فرص جديدة – وحفز القطاع الخاص على المشاركة على نطاق واسع. فالأسواق في جميع أنحاء العالم تشهد تغيرات سريعة، وتفضل السلع منخفضة الكربون، وتتجه أيضاً نحو مسارات تنمية أكثر مراعاة للبيئة وقدرة على الصمود. وسيتطلب تمكين التحوّل نحو اقتصاد منخفض الكربون وقادر على الصمود في وجه تغير المناخ اتخاذ إجراءات لدعم القطاع الخاص للاضطلاع بدور أكبر في هذا المجال، حيث يمكنه أن يلعب دوراً مهماً – بوصفه ممولاً للسلع والخدمات غير الضارة بالمناخ، ومبتكراً لها، بل ومورّداً لها. وتبدي مصر التزامها بأجندة العمل المناخي، فهي تضع اللمسات الأخيرة على الاستراتيجية الوطنية لتغيّر المناخ بغية دعم خطة التنمية التي وضعتها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030. وأيضاً تعكف البلاد حالياً على التحضير لاستضافة الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
ويقدم البنك الدولي الدعم لمصر في مشاريع تهدف إلى تحسين مستوى حياة المواطنين، مع ضمان تقوية القدرة على تحمل آثار تغير المناخ والحد من الانبعاثات. وكان لمصر قصب السبق في إصدار أول سند سيادي أخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – بقيمة 750 مليون دولار – مغتنمة بذلك فرصة اهتمام المستثمرين بالعائدات المالية والبيئية. ويوضح أول تقرير لها عن تأثير تلك السندات أن 46% من حصيلتها مخصصة لقطاع النقل النظيف (مشروع مونوريل القاهرة)، و54% لإمدادات المياه المستدامة وإدارة مياه الصرف الصحي. وبوصفه رائداً في مجال السندات الخضراء، قدم البنك الدولي المشورة لوزارة المالية والوزارات التنفيذية في مصر. وتساعد السندات الخضراء في تمويل العمل المناخي، ويستخدمها المصْدِرون من القطاعين العام والخاص على نطاق واسع.
المقدمة:
يعد المناخ مكوناً جوهرياً وأساسياً للأنظمة الداعمة للحياة على سطح الكرة الأرضية، وقد كيّف الإنسان نفسه منذ وجوده على سطح الأرض ظروف مسكنه وطراز ملبسه ونوعية طعامه للتعايش مع الأحوال المناخية السائدة، إلاّ ان التغيرات المناخية الهامة خلال الفترتين الجليديتين الأخيرتين من عصر البلايوستوسين وما رافق هذا التغير من تدمير هائل للأنواع الحياتية وانقراض معظمها وضع الجنس البشري في تحدٍ هام مع الطبيعة، ومع بداية الثورة الصناعية بدأ الإنتاج الزراعي والصناعي بالتزايد، والذي اقترن بزيادة استخدام الوقود الأحفوري (النفط، الغاز، الفحم الحجري) ومن ثم ازدياد انبعاث الغازات الحابسة للحرارة التي ساهمت في رفع درجة حرارة الأرض معلنة بداية الخطر الذي يهدد حياة الإنسان والكائنات الحية الأخرى من خلال ارتفاع درجة حرارة الأرض، وميل المناخ نحو التغير، وهذا ما يمثل أساس مشكلة البحث.
وقد أكدت الدلائل إلى ان المناخ قد تغير في الماضي وهناك جملة من البيانات الرصدية تدعم هذا التأكيد وتمكننا من تفهم الكيفية والسرعة التي حدثت فيها هذه التغيرات والتي ساهمت في التأثير المباشر على حياة البشر وصحتهم من خلال تأثير عناصر المناخ في (موجات الحر والأشعة فوق البنفسجية وحوادث الطقس المتطرفة)، أو غير مباشر من خلال دور المناخ في إحداث تغيرات في الأنظمة البيولوجية والجيوكيميائية الأخرى، وهذا ما يمثل فرضية البحث.
منهج البحث وهيكليته:
لقد اعتمد الباحثان على المنهج التحليلي والأسلوب الكمي لتحليل البيانات المتوفرة عن مشكلة البحث وواقعها الجغرافي وتأثيراتها البيئية مع تحليل لطبيعة التحديات البشرية التي يمكن أن تواجه التغير المناخي. تضمن البحث على مقدمة وثلاثة مباحث، تناول الأول منها مؤشرات التغير في المناخ العالمي، أما الثاني فقد تطرق إلى مؤشرات ذلك التغير في مناخ مصر، فيما جاء المبحث الثالث ليبيّن أثر ذلك التغير في صحة وراحة الإنسان، فضلاً عن الخاتمة وقائمة المصادر.
المبحث الأول : مؤشرات التغير في المناخ العالمي
1- ما هو تغير المناخ؟
يقصد بتغير المناخ التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. قد تكون هذه التحولات طبيعية فتحدث، على سبيل المثال، من خلال التغيرات في الدورة الشمسية. ولكن، منذ القرن التاسع عشر، أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز. ينتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة. تشمل أمثلة انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب تغير المناخ ثاني أكسيد الكربون والميثان. تنتج هذه الغازات، على سبيل المثال، عن استخدام البنزين لقيادة السيارات أو الفحم لتدفئة المباني. يمكن أيضا أن يؤدي تطهير الأراضي من الأعشاب والشجيرات وقطع الغابات إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون. وتعتبر مدافن القمامة مصدرًا رئيسيًا لانبعاثات غاز الميثان. ويعد إنتاج واستهلاك الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي من بين مصادر الانبعاث الرئيسية.
2- تركيزات غازات الدفيئة بلغت أعلى مستوياتها منذ مليوني سنة
والانبعاثات مستمرة في الارتفاع. ونتيجة لذلك، أصبحت الكرة الأرضية الآن أكثر دفئًا بمقدار 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه في أواخر القرن التاسع عشر. وكان العقد الماضي (2011-2020) الأكثر دفئًا على الإطلاق. يعتقد الكثير من الناس أن تغير المناخ يعني أساسًا ارتفاع درجات الحرارة، ولكن ارتفاع درجة الحرارة ليس سوى بداية القصة، ولأن الأرض عبارة عن نظام، حيث كل شيء متصل، فإن التغييرات في منطقة واحدة قد تؤدي إلى تغييرات في جميع المناطق الأخرى.
تشمل عواقب تغير المناخ، من بين أمور أخرى، الجفاف الشديد وندرة المياه والحرائق الشديدة وارتفاع مستويات سطح البحر والفيضانات وذوبان الجليد القطبي والعواصف الكارثية وتدهور التنوع البيولوجي. كل زيادة في ظاهرة الاحتباس الحراري مهمة أقر آلاف العلماء والجهات المستعرضة الحكومية —في سلسلة تقارير أممية— أن الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية سيساعدنا على تجنب أسوأ التأثيرات المناخية والحفاظ على مناخ صالح للعيش. وإلى ذلك، وبناءً على خطط الوطنية الحالية للمناخ، فإن من المتوقع أن يصل الاحترار العالمي إلى ما يقرب من 3.2 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.
تأتي الانبعاثات التي تسبب تغير المناخ من كل منطقة من العالم وتؤثر على الجميع، لكن بعض البلدان تنتج أكثر بكثير من غيرها، حيث أن المائة دولة التي تنتج أقل قدر من الانبعاثات تولد 3 في المائة فقط من إجمالي الانبعاثات، بينما البلدان العشرة التي تنتج أكبر قدر من الانبعاثات تولد 68 في المائة من الانبعاثات. يجب على الجميع اتخاذ إجراءات بشأن المناخ، لكن البلدان والأشخاص الذين يتسببون في أكبر قدر من المشكلة يتحملون مسؤولية أكبر لمباشرة العمل بشأن المناخ.
3- نواجه تحديات كبيرة، ولكننا لدينا العديد من الحلول
يمكن أن تحقق عديد الحلول لتغير المناخ مناقع اقتصادية مع تحسين معايشنا وحماية البيئة. فضلا عن ذلك، أُبرمت كذلك أطر عمل واتفاقيات عالمية لتوجيه عملية التقدم المُحرز من مثل: أهداف التنمية المستدامة وكذلك اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ فضلا عن اتفاق باريس . وهناك فئات ثلاث عامة من الإجراءات اللازم اتخاذها، وهي: خفض الانبعاثات، والتكيف مع تأثيرات المناخ، وتمويل التعديلات اللازمة.
سيؤدي تحويل أنظمة الطاقة من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، إلى تقليل الانبعاثات المسببة لتغير المناخ. لكن علينا أن نبدأ الآن. يلتزم تحالف متنام من البلدان بالوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050، ومع ذلك يجب أن يتم خفض الانبعاثات بحوالي النصف بحلول عام 2030 للحفاظ على الاحترار بأقل من 1.5 درجة مئوية، ويجب أن ينخفض إنتاج الوقود الأحفوري بنسبة 6 في المائة تقريبًا سنويًا خلال العقد 2020-2030.
ومن جهة أخرى، فإن التكيف مع العواقب المناخية يحمي الناس والمنازل والشركات وسبل العيش والبنية التحتية والنظم البيئية الطبيعية، بحيث يشمل التأثيرات الحالية والتي يحتمل أن تحدث في المستقبل. يجب أن يتم التكيف في كل مكان، ويجب إعطاء الأولوية الآن للأشخاص الأكثر ضعفًا الذين لديهم أقل الموارد لمواجهة مخاطر المناخ، إذ أن معدل العائد قد يكون مرتفعًا. على سبيل المثال، أنظمة الإنذار المبكر للكوارث تنقذ الأرواح والممتلكات، وقد تمكن من تحقيق فوائد تصل إلى 10 أضعاف التكلفة الأولية.
4- يمكننا دفع الفاتورة الآن … أو دفع ثمن باهظ في المستقبل
يتطلب العمل المناخي استثمارات مالية كبيرة من قبل الحكومات والشركات، لكن التقاعس عن العمل المناخي يكلف ثمنا باهضاً. تتمثل إحدى الخطوات الحاسمة في وفاء البلدان الصناعية بالتزامها بتقديم 100 مليار دولار سنويًا إلى البلدان النامية حتى تتمكن من التكيف والتحرك نحو اقتصادات أكثر اخضرارًا.
كما يشير التقرير الذي نشرته اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغيرات المناخ التابعة للأمم المتحدة (Intergovernmental Panel on Climate Change-IPCC) في عام 2007 الى أن التغير في المناخ العالمي الناتج عن النشاط الإنساني قد بدأ فعلا وأن استمرار هذا التغير واحتمالات أن استجابة المجتمع الدولي له لن تكون سريعة – مما يجعل من تغير المناخ أكثر خطورة في المستقبل عما هو مقدر الأن، وتوقع التقرير مزيدا من الفيضانات والاعاصير القوية وارتفاع منسوب مياه البحار بما يصل إلى نحو 59 سنتيمترا خلال القرن الحالي، ويتوقع “معهد مراقبة العالم” Worldwatch Institute)) في تقريره عام 2007 أن 33 مدينة حول العالم ذات معدلات سكانية تصل الى قرابة 8 مليون نسمة، ستصبح مهددة بسبب ارتفاع مستويات البحار في عام 2015، من بينها 21 مدينة هي الأكثر عرضة لخطر ارتفاع سطح البحر، ومن بين تلك المدن مدينة الإسكندرية في مصر، وبالرغم أن مصر تم تصنيفها على إنها واحدة من خمس دول على مستوى العالم هي اكثر الدول تعرضا للآثار السلبية للتغيرات المناخية سواء بارتفاع سطح البحر أو غرق أجزاء من الدلتا وما يعكسه كل ذلك من أضرار اجتماعية واقتصادية فإن قضية تغير المناخ لم تؤخذ بجدية بعد في مصر.
وتشكل التغيرات المناخية إحدى اهم التهديدات للتنمية المستدامة على الدول الفقيرة أكثر منه على الدول الغنية، بالرغم من كونها لا تساهم بنسبة كبيرة من إجمالي انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، ويعود ذلك الى هشاشة اقتصاديات هذه الدول في مواجهة تداعيات التغيرات المناخية للضغوط المتعددة التي تضاف الى قدرات تكيف ضعيفة من جهة أخرى، ولازالت العديد من اقتصاديات العالم تعتمد بصفة رئيسية على قطاعات رهينة بالظروف المناخية، كالزراعة والصيد البحري واستغلال الغابات وباقي الموارد الطبيعية والسياحة، حتى ان موارد الطاقة كالبترول وغيرها والتي تعتبر شريان الاقتصاد، هي معرضة وبشدة الى التأثر بسبب تاثير التغيرات المناخية على حياه الإنسان وقدرته على الاستمرار في الحياة
التغيرات المناخية، وتؤثر التغيرات المناخية على حياه الإنسان وقدرته على الاستمرار في الحياة، حيث أن تغير المناخ يشمل الأبعاد الأربعة للأمن الغذائي من توافر الغذاء، وقدرة الوصول إليه، وقدرة استخدامه، واستقراره، وبالمقياس الكَمي لتوافر الغذاء فإن زيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الأجواء يُتوَقع أن تنعكس على انتاجية العديد من المحاصيل، ومن شأن تغير المناخ أن يزيد حدّة تقلبات الإنتاج الزراعي على امتداد جميع المناطق، مع التفاقم في تردد الأحداث المناخية الحادة، في حين ستتعرض أفقر المناطق إلى أعلى درجات عدم الاستقرار في الإنتاج الغذائي،
ومن المقدَّر أن تواكِب أسعار المواد الغذائية الارتفاع المعتدل في درجات الحرارة بزياداتٍ طفيفة في عام 2050. ثم ستتبدّل الصورة نتيجة الزيادات اللاحقة في درجات الحرارة، مما سيترتب عليه تناقصُ محسوس في طاقة الإنتاج الزراعي لدى الُبلدان النامية، وفيما سيستتبع ارتفاعات أعلى في الأسعار. ومن ناحية اخرى،
فإن تغيّر المناخ يحتمل أن ينطوي على تعديلات في ظروف مأمونّة المواد الغذائية وسلامتها مع تزايد ضغوط الأمراض المنقولة والوافدة عبر الحاضنات، والماء، وتلك المحمولة بواسطة الغذاء ذاته. وقد يترتب على ذلك هبوطٌ كبير في الإنتاجية الزراعية، وفي إنتاجية الأيدي العاملة وقد يفضي إلى تفاقم الفقر وزيادة معدلات الوفيات، ومن ملامح التغيرات المناخية التي تحدث في الوقت الراهن الجفاف الشديد الذي يجتاح بعض مناطق العالم والأمطار الغزيرة المسببة للفيضانات والسيول المدمرة في مناطق أخرى، والمسبب الرئيسي لهذه التغيرات يتمثل في الانبعاثات الكبيرة التي حدثت وتحدث والتي بدأت مع بداية الثورة الصناعية في أوروبا والمستمرة حتى الأن، الأمر الذى أدى إلى بروز ظاهرة الاحتباس الحرارى، وبالتالي حدوث تلك التغيرات المناخية العالمية،
والتي هي أهم ملامحها هو زيادة ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي وبالتالي زيادة منسوب مستوى المياه في البحار والمحيطات الأمر الذى ينطوي على احتمال غرق أجزاء من العالم خاصة المناطق المنخفضة، ومصر ليست ببعيدة عن ذلك، فمثل تلك التغيرات المناخية سوف تؤثر على الموارد الطبيعية المتاحة، خاصة على موردين أساسين تتميز مصر بالندرة النسبية فيهما، وهما موردا الأرض والمياه، الأمر الذى يؤدى إلى التأثير المباشر وبعيد المدى على قطاع الزراعة، وستؤثر تلك التغيرات المناخية على عرض الغذاء في العالم مما يقود إلى تصاعد أسعار الغذاء العالمية الأمر الذى يؤدى إلى زيادة فاتورة الغذاء المصرية، وبالتالي زيادة ضغوط على الموازنة العامة للدولة، وانكشاف مصر غذائيا للمخاطر الخارجية ، حيث تعتبر مصر مستوردا صافيا للغذاء.
كما نشرت “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” (IPCC) تقريرها التقييمي الخامس حول التغير المناخي، في نوفمبر عام 2014، وذكر أن “التدخل البشري في نظام المناخ واضح وان انبعاثات غازات الاحتباس الحراري هي في أعلى مستوياتها في تاريخ البشرية، وتعتبر المستويات المتزايدة لغازات الاحتباس الحراري “بشكل شديد الاحتمال” هي السبب الرئيسي للتغير المناخي، حيث ان الأنشطة البشرية تنتج نسبة كبيرة تصل إلى نحو 78٪ من غاز ثاني أكسيد الكربون من احتراق الوقود الحفري والاستخدامات الصناعية ونتيجة لذلك، يزيد حرارة الأرض الأرض، وتتقلص الأغطية والأنهار الجليدية، ويرتفع منسوب البحر،
وقد أثرت هذه التغيرات بشكل كبير على كلا النظامين البشري والطبيعي، كما ان الفترة (1983-2012) كانت أكثر دفئاً من أية فترة زمنية أخرى على الأطلاق، ومن المتوقع وفقاً لهذا التقرير استمرار انبعاثات غاز الاحتباس الحراري في الزيادة، ومن المحتمل أن يؤدي هذا بقوة إلى موجات حرارية أطول وأكثر تكراراً، وكذلك إلى زيادة وتكرار في غزارة المطر في الكثير من المناطق،
وسيستمر منسوب البحر في الارتفاع وسيصبح المحيط أكثر حمضية، ومن المحتمل أن تتسبب هذه التغيرات في تأثير حاد وكبير على الأنظمة البيئية والأفراد، وسيكون التلف الناتج عن التغير المناخي أكبر بالنسبة للأفراد والمجتمعات الفقيرة في العالم، بالإضافة إلى ذلك، تواجه العديد من النباتات، الثدييات الصغيرة والكائنات البحرية خطورة الانقراض المتزايدة، كما انه لا يمكن إيقاف التغير المناخي إلا أنه يمكن الحد منه،
وقد يحتاج هذا إلى تحقيق انخفاضات كبيرة ومستديمة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ولتحقيق ذلك، يجب أن يغير الأفراد من أسلوب حياتهم بشكل ملحوظ – خلاف ما يتم بالفعل – وذلك لتقليل الاعتماد على أنواع الوقود الحفري، الذي يعد المصدر الرئيسي لغازات الاحتباس الحراري. من المتوقع أن تكون مصر احدى الدول الأكثر تضرراً من الآثار الناجمة عن تغير المناخ.
وتشكل هذه الآثار ـ متمثلة في ارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط سقوط الأمطار، وارتفاع مستويات مياه البحار، وازدياد تواتر الكوارث ذات الصلة بالمناخ ـ مخاطر على الزراعة والأرض الزراعية وإمدادات المياه والأمن الغذائي، مما قد يسبب مشاكل وخسائر للإنتاج الزراعي والاقتصاد القومي، وبالتالي فإن قطاع الزراعة سيعاني من تبعات تقلبات درجات الحرارة وسقوط الأمطار ويلحق به خسائر كبيرة،
وقد عانت مصر من آثار التغير المناخي خلال موجة الحر في عامي (2010، 2015)، فقد تضررت بشدة عدة مزارع تتركز في وادي النيل والدلتا، والمناطق الجديدة مما أدى إلى زيادة حادة في الأسعار. كما تأثرت الإنتاجية الزراعية بسبب ارتفاع درجات الحرارة. ومن المتوقع ان يصل إجمالي المساحة المنزرعة في مصر إلى نحو 11.5 مليون فدان، وانخفاض متوسط نصيب الفرد من الموارد الأرضية الزراعية في مصر بنحو 3.7٪ بحلول عام 2030، بالمقارنة بنظيره في عام 2011، وأن هناك احتمال فقد ما بين نحو 12٪، 15٪ من مساحة الأراضي الزراعية عالية الجودة في الإنتاج في منطقة الدلتا نتيجة للغرق أو التملح مع ارتفاع منسوب سطح البحر بحوالي نصف متر فقط، مما سيكون له تأثير على الزراعة المصرية وكذا الأمن الغذائي المصري
الأهداف البحثية:
يستهدف البحث بصفة رئيسية الوقوف على الأثار المتوقعة للتغيرات المناخية على كل من الأراضي الزراعية وإنتاجية اهم المحاصيل الزراعية، وموارد المياه، وكذلك تستهدف البحث الوصول إلى أفضل سيناريو للتوقعات المحتملة لتأثير التغيرات المناخية على المساحة المزروعة والمحصولية في عام 2030، في محاولة لمعرفة الأخطار التي ستلحق بالزراعة المصرية وكذا الأمن الغذائي المصري، ومن ثم طرح الوسائل التي بإمكانها التغلب أو تخفيف هذه الأثار. من ثم يسعى البحث إلى تحقيق الأهداف الفرعية الأتية:
1- الوقوف على ظاهرة التغيرات المناخية وأبعادها العالمية والمحلية.
2- الوقوف على أثار التغيرات المناخية على إنتاجية اهم المحاصيل الزراعية، والموارد الطبيعية. 3
3- السيناريوهات المتوقعة لتأثيرات التغيرات المناخية على المساحة المزروعة والمحصولية في مصر، والأساليب المقترحة لتقليل أو التغلب على أثار التغيرات المناخية على بعض الجوانب المتعلقة بالقطاع الزراعي مثل الإنتاجية لاهم المحاصيل الزراعية بالإضافة إلى دور الزراعة في التغلب على الظاهرة.
4- التعرف على الجهود الدولية والمحلية المبذولة لمواجهة أثار التغيرات المناخية.
المبحث الثاني : التغيرات المناخية وتأثيرها في البيئة
مقدمة:
تؤثر التغيرات المناخية على صحة البيئة المحيطة، حيث من المحتمل أن ترتفع وتيرة حدوث الكوارث الطبيعية كالجفاف والفيضانات وغيرها، والتي قد تهدد سلامة وصحة الإنسان بصورة مباشرة وغير مباشرة، حيث أوضح عدد من الهيئات الدولية أن للتغيرات المناخية آثارًا صحية محتملة على الإنسان، من ضمنها انتشار الأمراض المنقولة بالنواقل، وعدد من الأمراض المعدية، والأمراض المنتقلة عن طريق تناول الماء، أو الغذاء الملوث، وقد تؤثر في صحة الأشخاص الذين يعانون الأمراض المزمنة كمرضى القلب والربو مثلًا، وتفاقم الحالة الصحية لهم.
التغيرات المناخية:
هو تغير واضطراب في الظروف المناخية المعتادة كالحرارة، واتجاه الرياح، ومنسوب تساقط الأمطار لكل منطقة من مناطق الأرض.
أسباب التغيرات المناخية:
إن وجود غطاء طبيعي من غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي يبقي على كوكب الأرض دافئًا بدرجة تكفي للحياة، كما نعرفها، ولكن انبعاث غازات الاحتباس الحراري التي تسبب فيها الإنسان جعلت الغطاء أكثر سُمكًا، بحيث يختزن السخونة ويؤدي إلى احترار عالمي. وأنواع الوقود الأحفوري هي أكبر مصدر منفرد لغازات الاحتباس الحراري التي تنجم عن الإنسان.
فحرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي يطلق بلايين الأطنان من الكربون كل عام، كانت ستبقى لولا ذلك مختبئة في الأرض، فضلًا عن كميات كبيرة من الميثان وأكسيد النتروز. وينبعث مزيد من ثاني أكسيد الكربون عند قطع الأشجار وعدم زرع أشجار مكانها. وفي الوقت ذاته، ينبعث من قطاعات هائلة من الثروة الحيوانية الميثان، وينبعث الميثان أيضًا من مزارع الأرز ومدافن النفايات، وينتج أكسيد النتروز عن استخدام الأسمدة.
وثمة غازات تعيش لفترة طويلة كمركبات الفلور الكلورية CFCs وكروبونات الكلور الفلورية المائية HFCs ومركبات الكربون البيرفلورية PFCs التي تستخدم في تكييف الهواء وفي التبريد، تنتج عن الصناعة وتدخل في الغلاف الجوي في نهاية المطاف.
العواقب المترتبة على التغيرات المناخية:
أشد المجتمعات فقرًا هي الأكثر تعرضًا لتأثيرات تغير المناخ. ومن المتوقع أن يرتفع متوسط سطح بحار العالم بما يراوح بين 28 و58 سنتيمترًا، نتيجة اتساع المحيطات وذوبان الأنهار الجليدية، وستحدث موجات ارتفاع في درجات الحرارة أكبر، وسيزداد الجفاف سوءًا في بعض المناطق، وستزداد شدة الهطول في مناطق أخرى.
ارتفاع درجات الحرارة، وتزايد المخاطر في جميع مناطق العالم.
التغيرات السلبية في الدورة الهيدرولوجية، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تسارع الدورة الهيدرولوجية، فالغلاف الجوي الأدفأ يختزن مزيدًا من الرطوبة، ويصبح أقل استقرارًا، وينتج عنه مزيد من هطول الأمطار على شكل زخات أمطار غزيرة. ويؤدي أيضًا إلى تسارع التبخر. وهذا قد يؤدي إلى انخفاض في كمية ونوعية إمدادات المياه العذبة في جميع المناطق الرئيسة.
ومن المرجح أن تتغير أنماط الرياح ومسارات العواصف، ومن المتوقع أن تزيد كثافة الأعاصير المدارية (لا مدى تواترها)، مع بلوغ سرعات الريح ذرى أكبر ومع هطول الأمطار بغزارة أكبر.
تزايد المخاطر الصحية:
ازدياد الوفيات الناتجة عن الارتفاع المتزايد في درجات الحرارة.
ازدياد حالات الإصابة بالربو، الحساسية التنفسية، وأمراض الجهاز التنفسي.
ازدياد الأمراض المنقولة بالنواقل والأمراض حيوانية المصدر.
أمراض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية.
الأمراض المنقولة بالغذاء والمياه.
الصحة النفسية واضطرابات التوتر.
بعض أنواع السرطان.
التهديدات للتنوع الأحيائي والحياة البرية.
ارتفاع مستويات البحر نتيجة اتساع المحيطات وذوبان الأنهار الجليدية، ما قد يؤدي إلى زيادة الفيضانات والتآكل الساحليين.
إصابة المجتمعات الأكثر قابلية للتأثر:
فالمجتمعات الأشد فقرًا هي الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ بالنظر إلى قلة ما لديها من موارد يمكن استثمارها في منع تأثيرات تغير المناخ والتخفيف منها. ومن بين بعض أشد الناس تعرضًا للخطر المزارعون، والشعوب الأصلية، والسكان الساحليون.
الدول الجزرية الصغيرة عرضة بوجه خاص للتأثر بتغير المناخ، فحجمها المحدود يجعلها أكثر تعرضًا للمخاطر الطبيعية وللهزات الخارجية، خصوصًا للارتفاعات في مستوى سطح البحر.
آثار التغيرات المناخية في البيئة:
الاحتباس الحراري:
هو ارتفاع درجة حرارة غلاف الكرة الأرضية نتيجة انبعاث الغازات الدفيئة (ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجـــــــين وغيرهما)، مما يؤدي إلى:
حدوث الكوارث الطبيعية (حرائق، فيضانات، أعاصير، جفاف).
ذوبان الجلــيـــــــد.
ارتفاع مستوى البحـار والمحيطات.
تساع ثقب الأوزون.
الأمطار الحامضية.
تأثير التغيرات المناخية على صحة الإنسان:
ازدياد الوفيات الناتجة عن الارتفاع المتزايد في درجات الحرارة.
ازدياد حالات الإصابة بالربو، الحساسية التنفسية، وأمراض الجهاز التنفسي.
ازدياد الأمراض المنقولة بالنواقل والأمراض حيوانية المصدر.
أمراض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية.
الأمراض المنقولة بالغذاء والمياه.
الصحة النفسية واضطرابات التوتر.
بعض أنواع السرطان.
بعض الحلول لتقليل التغيرات المناخية:
رفع الوعي البيئي لأفراد المجتمع كافة.
التشجيع على توفير الطاقة.
تقليل الملوثات قبل أن تنتشر في الغلاف الجوي.
تقليص اعتمادنا على النفط كمصدر أساسي للطاقة.
استغلال مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
مساعدة البلدان النامية على التقدم على مسار خفض انبعاثات الملوثات.
ابتكار مصانع وآلات صديقة للبيئة.
تمثل التغيرات المناخية عنصرا كبيرا في التأثير على جدوى واستدامة مشروعات التنمية، خصوصا في المنطقة العربية، حيث تتواجد العوامل الأساسية التي تؤثر في مناخ المنطقة العربية في نطاق خط العرض شبه المداري شمالاً، والذي يتأثر مناخه بأربعة من مراكز الضغط الجوي الدائمة، إضافة إلى أثنين من المراكز الموسمية، وهو ما يجعل جزء كبير من البلاد العربية تتأثر بالظروف المناخية المدارية صيفا، فتهب الرياح الموسمية على جنوب الوطن العربي جالبة معها الأمطار الصيفية في الجزء الجنوبي من الوطن العربي.
ويمتد تأثير هذا المناخ من موريتانيا حتى السودان مرورا بجنوب الجزائر وليبيا، في حين يتغير اتجاهه، وكذلك موقعه في الكتل الأرضية القارية بقارتي أفريقيا وآسيا. وتجعل هذه العوامل المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم حرارةً وسطوعاً للشمس، وتنخفض فيها معدلات الرطوبة انخفاضاً كبيراً، فقد تمر سنوات عدة دون سقوط لأي أمطار تذكر، باستثناء بعض المناطق بالشام والعراق والسودان وساحل البحر المتوسط، وعندما تسقط الأمطار فإنها تكون عادة في صورة انهمار قصير الزمن ومدمر أحياناً. أرتفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض خلال المائة عام الماضية بحوالي 0.74 درجة مئوية، وارتفعت أيضًا حدة وتواتر التهاطل والموجات الحارة على معظم مناطق اليابسة، كذلك ارتفع مستوى سطح البحر بمقدار 17 سم خلال نفس الفترة، وازداد تواتر الليالي الدافئة بين عامي 1960 و2015، وصاحبها انخفاض في تواتر الليالي الباردة. وكان للجفاف المستمر أبلغ الأثر على الإنتاج الزراعي في مناطق كثيرة، كما حدث في سوريا خلال موسمي 2000/1999 و2008/2007،
والذي أدى إلى انخفاض في إنتاج الحبوب. وكان من بين الـ 20 سنة الماضية (1995-2015) ثمانية عشرة سنة تعتبر ضمن أشد السنوات دفئاً منذ بدء تسجيل درجات الحرارة في 1850. كذلك ارتفعت مستويات البحار في أنحاء العالم بطريقة تتسق مع هذا الدفء، كما أظهرت بيانات الأقمار الصناعية المسجلة منذ سنة 1978 تقلص نطاق جليد بحر القطب الشمالي بنسبة 2.7 % خلال كل عقد، مع زيادة التقلص في فصل الصيف، وانحسرت القمم الجليدية ومتوسط الغطاء الثلجي في نصفي الكرة الأرضية. وكنتيجة للتغيرات المناخية، من المتوقع بحلول عام 2100، حدوث ارتفاع في متوسط درجة الحرارة قدره ثلاث درجات مئوية عالميا، وارتفاع سطح البحر بمقدار 18-58 سم، وبحلول عام 2050، ستواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفاض بنسبة 20% في غلة محصول القمح و30% للأرز و47% للذرة، وسيتغير شكل الهلال الخصيب عن شكله الحالي، وسينخفض التصريف السنوي لنهر الفرات بصورة ملحوظة (29-73%)
كذلك سيتغير تدفق مجرى نهر الأردن، ونهر النيل ليس ببعيد عن تلك التغيرات حيث سيتأثر إيراده بنسبة تتراوح ما بين 10% إلى 14%. إضافة إلى أن سواحل المنطقة العربية تبدي قابلية تأثر عالية بارتفاع منسوب سطح البحر؛ وحلت بعض الأماكن من المنطقة العربية مثل دلتا نهر النيل في المرتبة الثانية من حيث أعلى سكان المناطق الساحلية تضرراً،
وفي المرتبة الثالثة من حيث أعلى ناتج محلي إجمالي ساحلي تضرراً، وفي المرتبة الخامسة من حيث أكبر جزء من المناطق الحضرية تضرراً. وقد يتأثر ما يقرب من 15% (2,7 مليون نسمة) من سكان المناطق الساحلية بزيادة 10% في المعدل الحالي لتواتر هبوب العواصف البالغ مرة كل 100 عام، وستكون هذه الزيادة مصحوبة بارتفاع في منسوب سطح البحر بمقدار متر واحد.
ولتقييم تأثير التغيرات المناخية يوجد ما يزيد عن 25 نموذجا رياضيا عالميا، تحاكي مناخ الكرة الأرضية بسيناريوهات انبعاثات مختلفة، بناء على التوقعات المعروفة باسم سيناريوهات الانبعاث العالمية المستندة إلى “التقرير الخاص بشأن سيناريوهات الانبعاثات”. وتوفر نتائج هذه النماذج تقديرات بشأن الطريقة التي يمكن أن تتطور من خلالها المتغيرات المناخية الأساسية في المستقبل على المستويات العالمية أو الإقليمية.
وتمثل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بداية الالتفات لأهمية التخفيف من الآثار المترتبة على التغيرات المناخية، حيث صادقت 192 دولة على الاتفاقية، بما فيها الولايات المتحدة، بهدف خفض الانبعاث لمستوى اقل من الانبعاث في سنة 1990، وهو ما يسمي باتفاقية كيوتو.
وتتمثل أهداف هذه الاتفاقية المتعلقة بالمناخ في فرض الاستقرار على كمية الغازات الدفيئة في المجال الجوي على مستوى يقي من حدوث تغيرات خطيرة في المناخ تحدث بفعل الإنسان. وتخضع اتفاقية تغيير المناخ لإشراف الأمانة العامة لتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة والتي تتخذ من بون مقراً لها، وتشمل مهام الأمانة متابعة التطورات التي تقع على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في كل دولة.
وتتقاطع الآثار المترتبة على تغير المناخ والتدابير الضرورية للتكيف مع عدد من القطاعات، كما تنطوي التحديات على مصفوفة معقدة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والبيئية وغيرها من القضايا متشابكة القطاعات.
وبدأت الآن العديد من الدول في الدخول في عملية دمج استراتيجياتها للتنمية والمناخ. وتعتبر آلية التنمية النظيفة وتجارة الكربون أحد آليات تلك الاتفاقيات، وإحدى وسائل التخفيف من خلال اتباع أحدث الوسائل والتقنيات في العمليات الصناعية التي تهدف إلى التقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة، وتعمل على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون …الخ.
وتعتبر هذه الآلية شهادة للمشروعات المقامة، بحيث يحقق المشروع، لو تم تسجيله، عائدا ماديا للمؤسسة صاحبة المشروع من خلال بيع الكربون بالسعر العالمي في الأسواق العالمية المتخصصة بهذا المجال.
يؤثر تغير المناخ على المحددات الاجتماعية والبيئية للصحة- الهواء النقي، ومياه الشرب المأمونة، والغذاء الكافي والمأوى الآمن. يتوقع أن يسبب تغير المناخ، في الفترة من عام 2030 إلى عام 2050، نحو 000 250 وفاة كل عام بسبب سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري.
يقدر أن تتراوح التكاليف المباشرة للضرر على الصحة (أي دون احتساب التكاليف في القطاعات المحددة للصحة مثل الزراعة والمياه وخدمات الصرف الصحي) بين 2 و4 مليارات دولار أمريكي/ في العام بحلول عام 2030.
ستكون المجالات التي تفتقر إلى البنية التحتية المتينة في مجال الصحة- ومعظمها في البلدان النامية- أقل قدرة على التعامل دون الحصول على مساعدة من أجل التأهب والاستجابة.
يمكن أن يؤدي الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، من خلال تحسين خدمات النقل وخيارات الغذاء واستخدام الطاقة، إلى تحسن الصحة، ولا سيما من خلال الحد من تلوث الهواء.
المبحث الثالث : تغير المناخ- أكبر تهديد للصحة يواجه البشرية
يشكل تغير المناخ أكبر تهديد للصحة يواجه البشرية، ويعكف مهنيو الصحة في العالم بالفعل على التصدي للأضرار الصحية التي تسببها هذه الأزمة التي تتكشف معالمها.
وقد خلصت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن تفادي الآثار الكارثية على الصحة ودرء حدوث ملايين الوفيات المرتبطة بتغير المناخ يقتضيان من العالم أن يحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة مئوية. ونتيجة الانبعاثات السابقة، بات ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى مستوى معين والتغيرات الأخرى التي طرأت على المناخ أمرا محتوما. غير أن الاحترار العالمي حتى بمقدار 1.5 درجة مئوية لا يعتبر آمنا؛ وكل عُشْر إضافي في درجة الاحترار الحراري سيلحق أضرارا خطيرة بحياة الناس وصحتهم.
ورغم أن لا أحد يسلم من هذه المخاطر، فإن أول الأشخاص الذين تتضرر صحتهم على نحو أسوأ نتيجة للأزمة المناخية هم الأقل إسهاما في أسبابها، وأولئك الأقل قدرة على حماية أنفسهم وأسرهم من تلك الأضرار – سكان البلدان والمجتمعات المنخفضة الدخل والمحرومة.
وتهدد أزمة المناخ بنسف التقدم الذي أحرز على مدى الأعوام الخمسين الأخيرة في مجالات التنمية والصحة العالمية والحد من الفقر، وتهدد أيضا بزيادة توسيع أوجه التفاوت في الصحة في أوساط الفئات السكانية وفيما بينها. وهي تؤثر تأثيرا سلبيا على تحقيق التغطية الصحية الشاملة بطرق شتى ــ منها زيادة تعقيد الأعباء الحالية للأمراض ومفاقمة الحواجز القائمة أمام إتاحة الخدمات الصحية، وغالبا في الأوقات التي تشتد فيها الحاجة إليها. ذلك أن أكثر من 930 مليون شخص ــ نحو 12% من سكان العالم ــ ينفقون 10% على الأقل من ميزانية أسرهم لتغطية تكاليف الرعاية الصحية. ولما كان معظم أفقر الناس لا يستفيدون من تأمين طبي، فإن الصدمات والضغوط الصحية تدفع بالفعل نحو 100 مليون فرد إلى براثن الفقر كل عام، مع تفاقم هذا الاتجاه نتيجة لتأثيرات تغير المناخ.
مخاطر تغير المناخ على الصحة
يؤثر تغير المناخ بالفعل على الصحة بطرق عديدة، منها التسبب في الوفاة والمرض نتيجة الظواهر الجوية المتطرفة التي تزداد تواترا، مثل موجات الحر والعواصف والفيضانات وتعطل النظم الغذائية، وزيادة الأمراض الحيوانية المنشأ والأمراض المنقولة بالأغذية والمياه والنواقل، ومشاكل الصحة النفسية. وبالإضافة إلى ذلك، يقوض تغير المناخ العديد من المحددات الاجتماعية للصحة الجيدة، مثل سبل العيش والمساواة وإتاحة الرعاية الصحية وهياكل الدعم الاجتماعي. وتؤثر مخاطر تغير المناخ على صحة أكثر الفئات ضعفا وحرمانا، بمن في ذلك النساء والأطفال والأقليات الإثنية والمجتمعات الفقيرة ولمهاجرون أو المشردون وكبار السن، الأفراد الذين يعانون من ظروف صحية كامنة.
ورغم أن تغير المناخ يؤثر تأثيرا واضحا على صحة الإنسان، فإنه يظل من الصعب تقدير حجم وتأثير العديد من مخاطر تغير المناخ على الصحة على نحو دقيق. ومع ذلك فإن أوجه التقدم العلمي تتيح لنا تدريجيا نسب الزيادة في معدلات الاعتلال والوفيات إلى الاحترار الناتج عن أنشطة بشرية، وتحديد المخاطر التي تنطوي عليها هذه التهديدات الصحية ونطاقها على نحو أدق.
وفي المديين القصير والمتوسط، ستتوقف آثار تغير المناخ على الصحة أساسا على قابلية تأثر السكان وقدرتهم على التكيف مع المعدل الحالي لتغير المناخ، ومدى وسرعة التكيف. وفي الأمد الأبعد، ستتوقف التأثيرات بشكل متزايد على اتخاذ إجراءات فورية قادرة على إحداث التحول للحد من الانبعاثات وتجنب تجاوز عتبات درجة الحرارة الخطيرة ونقاط حرجة محتملة لا سبيل إلى تداركها. شهدت الشهور الماضية عدداً من الحوادث الكبرى المتتالية في عدة مناطق حول العالم، وعلى الرغم من اختلافها، اعتبرت جميعها نتيجة للتغيرات المناخية،
وعلى الرغم من أن الحديث عن التغيرات المناخية والعواقب الذي سيشهدها العالم لم تكن بالأمر الغريب، فإننا – خاصة في منطقة الشرق الأوسط – لم نشعر بها بهذا القرب من قبل. فحرائق الغابات في لبنان وسوريا وقبرص واليونان والجزائر، والفيضانات التي ضربت عدداً من الدول الأوروبية، مثل ألمانيا، وبلجيكا، وسويسرا، ولوكسمبورج، وهولندا، وكذلك موجات الجفاف ونقص المياه مثلما حدث في إيران، وأخيراً موسم الأعاصير في المحيط الأطلسي، فضلاً عن موجات الحرارة الشديدة والاستثنائية التي شعر بها الفرد العادي في كثير من الدول، والتي كان أشدها في أمريكا الشمالية وكندا، وأدت في بعض الدول إلى حدوث الفيضانات.. وغيرها، جميعها مظاهر تنذر بتغيرات استثنائية غير مسبوقة، وتشير إلى مجموعة التهديدات التي تفرضها التغيرات المناخية على البيئة والاقتصاد.
وتأتي تلك الأحداث على الرغم من تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي نتيجة وباء كوفيد 19، والأقاويل التي سادت في بداية الجائحة بانعكاسات الغلق الإيجابية على المناخ. فلم يحد من مستويات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي في واقع الأمر، حيث تسببت في ارتفاع درجات حرارة الأرض فوق مستوياتها السابقة، ومن المتوقع أن تبلغ درجة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية أو أكثر في المتوسط على مدى السنوات العشرين المقبلة . وهو ما أكدته نشرة “غازات الاحتباس الحراري لعام 2020” الصادرة عن برنامج مراقبة العالمية للغلاف الجوي التابع للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وتقرير حالة المناخ العالمي 2020 الصادر عن المنظمة ذاتها.
تغيرات استثنائية
يُعرف البرنامج البيئي التابع للأمم المتحدة التغيرات المناخية بأنها “أي تغير جوهري في مقاييس المناخ، ويمتد لفترة طويلة من الزمن. وفي هذا السياق، فقد تغير مناخ الأرض عدة مرات على مدار تاريخها، تراوحت هذه التغيرات بين عصور من الجليد، وفترات من الحرارة. وتاريخياً، وقفت عوامل طبيعية وراء تغير مناخ الأرض، مثل الانبعاثات البركانية، وكمية الطاقة المنبعثة من الشمس، ولكن بدايةً من أواخر القرن الثامن عشر ساهمت الأنشطة الإنسانية المصاحبة للثورة الصناعية في تغيير تكوين الغلاف الجوي وبالتالي أثرت على المناخ. ويعتبر أغلب الارتفاع في درجات الحرارة في العقود الأخيرة نتيجة للأنشطة الإنسانية وليس لأسباب طبيعية.
كذلك فإن هناك مظاهر أخرى لتغير المناخ، مثل التغيرات في نمط هبوط الأمطار في مناطق مختلفة، وازدياد الموجات الحرارية، والعواصف على العديد من المناطق، أيضاً التغيرات في الغطاء الجليدي، ومستوى سطح البحر، وانخفاض معدلات ملوحة المياه في المحيط الأطلنطي في المناطق القريبة من القطب الشمالي وغيرها. وتتوقع منظمة الأمم المتحدة، أن يكون متوسط درجات الحرارة العالمية للفترة 2016 – 2020 هو الأكثر ارتفاعاً على الإطلاق، بزيادةٍ تقارب 1.1 درجة مئوية فوق متوسط درجات الحرارة العالمية للفترة 1850 – 1900 أي ما قبل الثورة الصناعية، ومن المتوقع أن تبلغ درجة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية أو أكثر في المتوسط على مدى السنوات العشرين المقبلة. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه وفقاً للمسار الحالي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، من المتوقع أن ترتفع درجة الحرارة بمقدار 3 إلى 5 درجات مئوية بحلول نهاية القرن.
وقد أدت الغازات الدفيئة المنبعثة من الأنشطة البشرية إلى تغير مناخ الأرض بدرجة تفوق أثر التغيرات المعروفة في العمليات الطبيعية، مثل تغيرات الطاقة الشمسية والانفجارات البركانية. وقد ظلت تركيزات الغازات الدفيئة ثابتة نسبياً طوال الألفية السابقة على العصر الصناعي، إلا أن تركيزات الكثير منها زادت منذ ذلك الوقت نتيجة لتغير نمط الأنشطة البشرية. وقد استمرت تركيزات الغازات الدفيئة الرئيسة، وهي ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز في الزيادة في عامي 2019 و 2020. وستؤدي التخفيضات الإجمالية للانبعاثات في عام 2020 إلى انخفاض طفيف في الزيادة السنوية في تركيزات غازات الاحتباس الحراري طويلة المدى في الغلاف الجوي.
بالنسبة لغاز ثاني أكسيد الكربون CO2، فإنه يمكن القول إن الانبعاثات الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري وإنتاج الأسمنت وإزالة الغابات والتغييرات الأخرى في استخدام الأراضي إلى دفع غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الارتفاع الكبير في الغلاف الجوي لعام 2019 عن مستوى ما قبل الصناعة البالغ 278 جزءاً في المليون. أما عن غاز الميثان فقد ساهم بحوالي 16٪ من التأثير الإشعاعي الناجم عن غازات الاحتباس الحراري طويلة العمر. ينبعث ما يقرب من 40٪ من الميثان في الغلاف الجوي من المصادر الطبيعية (مثل الأراضي الرطبة والنمل الأبيض)، وحوالي 60٪ من مصادر بشرية (مثل المجترات، وزراعة الأرز، واستغلال الوقود الأحفوري، ومكبات النفايات وحرق الكتلة الحيوية). وارتفع غاز أكسيد النيتروز في الغلاف الجوي لعام 2019 عن مستوى ما قبل الصناعة البالغ 270 جزءاً في المليار.
مخاطر متصاعدة
ثمة تداعيات خطيرة للتغيرات المناخية تؤثر سلباً على اقتصادات الدول، لاسيما مع عدم التزام بعض الحكومات بما طرح من تعهدات للحد من مخاطر تغير المناخ في مؤتمر باريس للمناخ عام 2015، حيث تشير تقارير “البنك الدولي” إلى أن درجة حرارة الأرض قد ترتفع 4 درجات مئوية في نهاية القرن الجاري، الأمر الذي ستنتج عنه آثار مدمرة على الزراعة والموارد المائية وصحة البشر، والموارد الاقتصادية بشكل عام.
• ندرة الموارد المائية وزيادة موجات الجفاف: تغير المناخ قد يؤدي إلى زيادة انخفاض تدفق المجاري المائية بحوالي 10-30 % في كثير من البلدان التي تعاني إجهاداً مائياً ومنها، على سبيل المثال، بلدان منطقة وسط آسيا وجنوب أفريقيا وبلدان أخرى. ويزداد الأمر خطورة بالنسبة للقارة الأفريقية؛ حيث ستؤدي التغيرات المناخية إلى انخفاض مستوى جريان الأنهار في أفريقيا مما يؤدي إلى فقر المياه في بلدان شمال أفريقيا وبلدان جنوب أفريقيا.
ومن المتوقع أن تشمل تأثيرات تغير المناخ الواسعة النطاق في المحيطات إلى زيادة درجة حرارة سطح البحر، وتناقص سُمك الغلاف الجليدى، وتغييرات في درجة ملوحة مياه البحار والمحيطات وأحوال الأمواج ودوران المحيطات. فمن المتوقع بالنسبة للقارة الأفريقية ازدياد معدلات التصحر بصورة كبيرة بسبب انخفاض المتوسط السنوى لهطول الأمطار والجريان السطحي للأنهار ورطوبة التربة، لاسيما في جنوب وشمال أفريقيا وغربها. وازدياد نوبات الجفاف، والفيضانات، وغيرها من الظواهر المتطرفة، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة الإجهاد الواقعة على موارد المياه والأمن الغذائي وصحة الإنسان، والذي يصبح بدوره عقبة في طريق التنمية في القارة الأفريقية. • تضييق “الأراضي المأهولة”:
على الجانب الآخر تتمثل المخاطر التي تهدد المستوطنات البشرية بفعل تغير المناخ في ازدياد معدل حدوث الانهيارات الأرضية الناجمة عن شدة هطول الأمطار، إلى جانب ازدياد معدل حدوث الفيضانات بالمستوطنات القائمة على ضفاف الأنهار. ومع التوسع العمراني السريع في المناطق الساحلية المنخفضة عن سطح البحر – سواء في الدول النامية أو المتقدمة – وما يصاحبه من ارتفاع معدلات الكثافة السكانية والاستثمارات والبنية التحتية المصاحبة لهذا التطور العمراني في تلك المناطق، سوف تزداد قيمة الخسائر البشرية والمادية المتوقعة في تلك المناطق نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر والأعاصير الناجمة عن تغير المناخ.
تقدر قيمة الخسائر المحتملة في البنية الأساسية في المناطق الساحلية نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر بعشرات المليارات من الدولارات الأمريكية ببعض البلدان مثل مصر وبولندا وفيتنام. وفي القارة الإفريقية، سوف تتأثر المستوطنات الساحلية مثل خليج غينيا والسنغال وغامبيا ومصر والساحل الشرقي الجنوبي لأفريقيا نتيجة لارتفاع مستوى البحر وما ينتج عنه من غمر الأراضي وتآكل السواحل.
• ارتفاع أسعار “الغذاء”: ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى تغير التركيب المحصولي، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأغذية كنتيجة لتباطؤ زيادة الإمدادات الغذائية العالمية نسبةً إلى زيادة الطلب العالمي عليها. أي ستؤدي التغيرات المناخية إلى تناقص المحاصيل المختلفة،
مما يؤدي إلى انخفاض مستوى الأمن الغذائي، خاصة بالنسبة للدول المستوردة للغذاء. ويزداد هذا الأمر سوءاً نتيجة جائحة كورونا التي أثرت سلباً على سلاسل الإمداد العالمية للغذاء.
• اختلال الخريطة السياحية: ارتفاع درجة الحرارة سيسبب تراجعاً شديداً في مؤشر التصنيفات السياحية للعديد من الوجهات السياحية. على سبيل المثال، سيؤثر ابيضاض الشعاب المرجانية -الناتج عن ازدياد معدل درجات الحرارة وحموضة مياه البحر- على اقتصادات السياحة في بلدان حوض البحر الأحمر، وبالدرجة الأولى مصر والأردن.
كما سيؤثر تآكل الشواطئ وارتفاع مستويات البحار على المراكز السياحية الشاطئية، وبالدرجة الأولى في مصر، وتونس، والمغرب، وسوريا، والأردن، ولبنان، وتمثل السياحة في هذه الدول مصدراً مهماً للعملة الصعبة.
• اختلال النظام وانتقال الأوبئة: من المرجح أن تتعرض بعض أنواع النباتات والحيوانات لخطر الانقراض بنسبة 20 -30٪ تقريباً إذا استمر ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمي، من المتوقع انقراض العديد من النباتات والحيوانات وما يتبعه من آثار مادية نتيجة لتأثر الأنشطة الاقتصادية مثل السياحة والصيد والزراعة.
اتساع المدى الجغرافي لانتشار الأمراض المعدية وما يترتب عليه من تأثيرات ضارة على صحة الإنسان، خاصة في القارة الأفريقية.
أخيراً، لا خلاف على أن مواجهة تداعيات التغير المناخي تحتاج لجهود شمولية وتعاونية، فالحلول والرؤى معروفة وهناك العديد من الأبحاث والدراسات في هذا الشأن إلا أن ووجود الرؤية في حد ذاته ليس كافياً إن لم تحظ بالدعم والتبني من الدول كافة على مستوى العالم. وتتمثل أهم مرتكزات استراتيجيات التعامل مع التغيرات المناخية في دفع العالم إلى التحول إلى اقتصاد من نوع جديد، يعتمد على موارد جديدة للطاقة (الطاقة النظيفة)، وتكنولوجيا جديدة في الصناعة (الصناعة في ظل الثورة الصناعية الرابعة)، وممارسات مختلفة في الاستهلاك والحياة، وتوجه أكبر نحو الاقتصادين الأخضر والأزرق.
وكذلك الالتزام بسياسات التكيف والتخفيف وهي تعد من الاستراتيجيات التكميلية للحد من مخاطر تغير المناخ وإدارتها. ويمكن أن تؤدي التخفيضات الكبيرة للانبعاثات على مدى العقود القليلة القادمة إلى تقليل مخاطر المناخ في المستقبل، وتقليل تكاليف وتحديات التخفيف على المدى الطويل، والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
الخاتمة
إن طبيعة العمليات التي تتضمنها التغيرات المناخية لا تحتاج إلى أدلة واقعية أكثر مما يشعر به الكثير من سكان هذه المعمورة. وحتى وقت قريب جداً كانت وطأة المجتمعات البشرية على البيئة تميل لأن تكون محدودة جداً وموضوعية، إلاّ إن الملوثات الكيميائية التي تطلقها الأنشطة البشرية على الهواء والمياه قد أخذت حيزاً كبيراً من خلال المساهمة في القيام بعمليات الحت والتربة الزراعية، كما ان التبدلات التي انتابت طبقتي الجو السفلى والوسطى
قد اتسع نطاقها مما جعلها تكتسب صفة العالمية والتي انعكست آثارها على الصحة البشرية والتي جعلها هي أيضاً تأخذ صفة العالمية والعمومية، وأضحت تطال نطاقات واسعة ولمدة أطول على مقياس الزمن.
وإن ازدياد إدراك المتخصصين في هذا المجال حول تغير المناخ قد حفز المحاولات الجارية حالياً لتقدير تلك التغيرات وتأثيراتها على صحة الإنسان من خلال العلاقة القائمة بين المناخ والصحة البشرية. إذ لم تكن تغيرات المناخ في الماضي اهتماماً كافياً من قبل علماء الصحة البيئية مثلما لقيت أمور تلوث البيئة وتدهور التربة الزراعية من اهتمام،
ومن الجدير بالذكر ان الحلول الفعّالة يمكن أن تتم بشكل تدريجي نظراً لأن التغيرات المناخية العالمية التي تحدث الآن لها أصول قديمة مألوفة واكب تطورها مقياس النشاط الاقتصادي البشري الذي حفز هذه التغيرات،
وبالتالي فهي تحتاج إلى عمل مماثل متفق عليه بغية إيجاد حلول ناجعة لهذه التغيرات ممثلة بإعادة التوازن البيئي من خلال إعادة النظر في كمية ما يطرح من الغازات الملوثة مع الأخذ بالحسبان خيارات الاستجابة السياسية والاجتماعية لتلك التشريعات.
المصادر
(1) علي حسن موسى، التغيرات المناخية، دار الفكر للطباعة والنشر، دمشق، 1996، ص11.
(2) ياسين عبد الرحمن الشرعبي، الأسس العلمية للاحتباس الحراري، مجلة عالم الفكر، المجلد (37) العدد (2)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2008، ص20.
(3) المصدر نفسه، ص21.
(4) قصي فاضل الحسيني، مؤشرات التغير المناخي وبعض آثاره البيئية في العراق، أطروحة دكتوراه، جامعة بغداد، كلية الآداب، 2012، ص139.
(5) الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، التقرير التجميعي لتغير المناخ، الأساس العلمي، 2001، ص5.
(6) ياسين عبد الرحمن الشرعبي، مصدر سابق، ص23.
(7) قصي فاضل الحسيني، مصدر سابق، ص137.
(8) جهاد علي الشاعر، تغير المناخ وأثره في الصحة البشرية، مطبعة الداودي، دمشق، 2006، ص157.
(9) المصدر نفسه، ص160.
(10) ضاري ناصر العجمي، التغيرات المناخية وآثارها في البيئة، مجلة عالم الفكر، العدد (2)، المجلد (37)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2008، ص177.
(11) علي حسن موسى، المناخ والسياحة، ط1، مطبعة الشام، دمشق، 1997، ص42.
(12) جهاد علي الشاعر، مصدر سابق، ص308.
المبحث الرابع : أثار التغيرات المناخية على حقوق الإنسان
من أبرز القضايا التي شغلت الرأي العام الداخلي والدولي، نظرا لعدة أسباب نخص بالذكر منها ارتباطها بالوجود البشري، خصوصا في الدول الفقيرة التي باتت التكلفة البشرية فيها متزايدة سنة بعد أخرى، لدرجة أن سكان الدول الجزرية أصبحوا مهددين بفقدان أوطانهم بسبب ارتفاع منسوب البحار. وعليه يأتي البحث في محاولة لتسليط الضوء بعدسة حقوقية على موضوع طالما استأثر الجانب العلمي والاقتصادي بالأولوية في نقاشه وتحليله، معتمدين في ذلك على التصميم التالي:
أولا: الأثار المباشرة لتغير المناخ على حقوق الإنسان
ثانيا: الأثار غير المباشرة لتغير المناخ على حقوق الإنسان
لقد اعتادت نقاشات تغير المناخ التركيز على الجوانب العلمية والبيئية والاقتصادية، وبتطور الفهم العلمي لأسباب وتبعات هذه الظاهرة واتضاح تأثيرات ذلك على البشر وظروف المعيشة، اتسع نطاق تركيز النقاشات تدريجيا وباتت الأبعاد البشرية والاجتماعية لتغير المناخ تحظى باهتمام متزايد، توج بإصدار مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة عام 2008 قراره 23/07 ، نبه من خلاله إلى تأثير التغيرات المناخية وتهديدها الفوري والبعيد المدى على التمتع بالحقوق الأساسية، وعلى بقاء بعض الشعوب، تلته قرارات أخرى 15/29 عام 2009، 22/18 عام 2011، 27/26 عام 2014، 15/29 عام 2015، 35/20 عام 2018، 33/9 عام 2019، وكلها تصب في موضوع انعكاسات التغيرات المناخية على حقوق الإنسان، وضرورة التضامن الدولي لمواجهة هذه الآفة.
وبالإضافة إلى توجهات منظمات دولية أخرى تبنت نفس الطرح [1]، نجد أنفسنا أمام موضوع ذو أهمية بالغة نظرا لراهنيته من جهة، وبعده الحقوقي من جهة أخرى. فمع تزايد التكلفة البشرية بسبب تغير المناخ عاما بعد عام، نعتقد أنه أصبح من اللازم وضع حقوق الإنسان في صدارة نقاشات تغير المناخ، وبالتالي فهم هذا الأخير بعدسة حقوق الإنسان.
فتغير المناخ كما عرفته اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية الصادرة عام 1992 هو:” تغير في المناخ يعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري الذي يفضي إلى تغير في تكوين الغلاف الجوي العالمي والذي يلاحظ، بالإضافة إلى التقلب الطبيعي للمناخ، على مدى فترات زمنية مماثلة”[2].
انطلاقا من هذا التعريف يتبين أن تغير المناخ أو ما يسمى أيضا بالاحتباس الحراري، الإحترار العالمي، ظاهرة الدفيئة… كلها مصطلحات تشير بالرغم من الفروق العلمية بينها، إلى حقيقة واحدة هي: أن المناخ بدأ بالتغير وأصبح أكثر احترارا من أي وقت مضى. وهنا نشير إلى أن تغير المناخ قد يحدث نتيجة لعوامل طبيعية، إلا أن كافة الوثائق والتقارير والدراسات العلمية تؤكد على أن النسبة الكبيرة في هذا التغير ترجع بالأساس إلى الأنشطة البشرية[3].
ودليل ذلك هو أن تركيزات غازات الدفيئة تفوق بكثير مستويات ما قبل عصر الصناعة المسجلة في العينات الجوفية الجليدية القطبية قبل 650000 عام، علما بأن مصدر هذه الزيادة الرئيسي هو احتراق الوقود الأحفوري[4].
وعليه فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ماهي تجليات أثار تغير المناخي على حقوق الإنسان؟
قبل الشروع في الإجابة على التساؤل أعلاه وغيره من الأسئلة، لابد من الإشارة إلى أن الدراسات والأبحاث المتخصصة أجمعت أنه للتغيرات المناخية أثار وخيمة على حقوق الإنسان، تختلف درجة أثارها من حق لأخر، ومن مجموعة بشرية لأخرى، ومن بلد لأخر، فالتأثيرات المناخية على حقوق الإنسان في أوروبا مثلا ليست بالقدر ذاته في أفريقيا أو في أسيا نظرا لعدة عوامل.
وعليه فبهدف الإحاطة بمختلف جوانب التساؤل المطروح، سنعتمد خطة البحث التالية:
أولا: الأثار المباشرة لتغير المناخ على حقوق الإنسان
وفقا لتحذير وجهته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ(IPCC) للعالم في تقريرها الصادر عام 2018، فإنه ليس أمام العالم سوى عشرة أعوام فقط لخفض الاحتباس الحراري بمقدار 1.5 درجة مئوية، لمواجهة الآثار الكارثية للتغير المناخي.
ومن دون اتخاذ هذه الإجراءات السريعة فإن تغير المناخ وظواهر الطقس المتطرف وارتفاع مستويات سطح البحر، سيعرض حياة الملايين من البشر لمخاطر تشمل كافة حقوقه، ونخص بالذكر منها:
أ: الحق في الحياة
يعتبر الحق في الحياة أساس كل حقوق الإنسان، حيث يمكن أن نسميه حق الحقوق جميعها، إذ لا وجود لباقي الحقوق من دونه. وهو يتراوح بين مدلولين، الأول ضيق ويقصد به بقاء الفرد على قيد الحياة، والثاني أوسع يتمثل بالإضافة إلى المدلول الأول مختلف الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للفرد، من تمتعه بالكرامة والحرية والمساواة والملكية وحصوله على التعليم … .
ولقد تم النص عليه في مجموعة من الصكوك القانونية التي تشكل جوهر الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن منظمة الأمم المتحدة عام 1948، فالمادة 3 منه نصت على أنه : ” لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه”. كذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر عام 1966 فالمادة 6 منه نصت على أن: ” الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان وعلى القانون أن يحمي هذا الحق ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا”.
كما نصت المادة 2 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها التي أقرتها الجمعية العامة في 9 ديسمبر 1948 على معاقبة كل من ارتكب جريمة الإبادة الجماعية التي تعني: “التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه”.[5].
أيضا مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية الصادر عام 1972 الذي صدر عنه (إعلان إستكهولم)، تلاه مؤتمر ريو أو ما عرف باسم قمة الأرض عام 1992، مرورا باتفاق باريس 2015، وغيره من المؤتمرات الدولية والإقليمية، أخرها انعقد في سبتمبر الماضي والحديث هنا عن قمة الأمم المتحدة للعمل من أجل المناخ 2019، فكل هذه المؤتمرات أكدت بشكل أو بأخر على أن البيئة السليمة هي التي تسمح بحياة تتسم بالكرامة والرفاه. كما أن الحق في الحياة من الحقوق التي تفرض على الدول التزامات إيجابية لحمايته، من خلال اتخاذ كافة التدابير للحد من الوفيات الناتجة عن سوء التغذية أو انتشار الأوبئة وغيرها من الأسباب.
فإذا كان الحق في الحياة يحظى بهذه الأولوية؛ فإن الواقع يؤكد أن تغير المناخ سيؤثر عليه من خلال زيادة الجوع وسوء التغذية وما يتصل بذلك من اضطرابات[6]، لا سيما في العالم النامي.
وعلى سبيل المثال تفيد التقديرات بأن 262 مليون شخص تأثروا بكوارث المناخ سنويا خلال الفترة ما بين عامي 2000 و 2004، ويعيش أكثر من 97 في المائة منهم في بلدان نامية[7).
وتفيد التقديرات أيضا بأن مخاطر الأعاصير المدارية، التي تمس زهاء 120 مليون شخص سنويا، قد أودت بحياة 250000 شخص خلال الفترة ما بين عامي 1980 و2000[8].
وفي نفس السياق، فحسب دراسة جديدة تقدم بها باحثون من جامعة كارولاينا الشمالية (UNC)، عملوا من خلالها على تحليل البيانات المجمعة من أكبر نماذج تغير المناخ في العالم، وجدوا أن الضباب الدخاني القاتل سيؤثر على جميع المناطق في العالم، باستثناء إفريقيا. وبهذا الصدد، قال الدكتور جيسون ويست، الذي قاد الأبحاث في UNC : “إن تأثير تغير المناخ على تركيز ملوثات الهواء، يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية كبيرة في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى موت الملايين بسبب تلوث الهواء سنويا”.[9] وحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة فإنه يموت ما يقرب من 7 ملايين شخص حول العالم كل عام نتيجة لتلوث الهواء، حيث تحدث حوالي 4 ملايين من هذه الوفيات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.[10] نعتقد أن لهذه الأرقام المهولة دلالات واضحة على أن قضية تغير المناخ هي قضية وجود نظرا لكونها تؤثر على أحد أقدس الحقوق، مما يتطلب ضرورة التدخل وبشكل فوري لوقف حد لهذه الأفة. هذا على مستوى تأثير المناخ على الحق في الحياة ماذا عن اثره على باقي الحقوق؟
ب: الحق في الغذاء الكافي
تم النص عليه بشكل صريح في كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وبشكل ضمني في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري[11].
ويقصد به أي -الحق في الغذاء الكافي- توافره (بما في ذلك إمكانية أن يطعم الفرد ذاته من الموارد الطبيعية) والمتيسر لجميع الأفراد الخاضعين لسلطة دولة ما. ونفس الأمر ينطبق على هذا الحق فهو يندرج ضمن الحقوق التي تفترض التزامات إيجابية من طرف الدولة من خلال ضمانها التحرر من الجوع وأن تتخذ الإجراءات اللازمة للتخفيف منه، حتى في أوقات الكوارث الطبيعية أو غيرها[12]. وبسبب التغيرات المناخية تفيد التقديرات أن إنتاجية المحاصيل ستنخفض مما سيزيد من خطر الجوع وانعدام الأمن الغذائي في المناطق الفقيرة من العالم[13]، فالفقراء اللذين يعيشون في بلدان نامية معرضون بصفة خاصة للتأثر بحكم اعتمادهم المفرط في غذائهم وأرزاقهم على موارد تتأثر بالمناخ[14].
وحسب المقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء جان زيغلر في تقريره الصادر عام 2008 ، أكد على ازدياد تهديد الأحداث المناخية القاسية لموارد الرزق والأمن الغذائي، مما يتطلب إيلاء اهتمام خاص للفئات الضعيفة والمحرومة.
وحسب تقرير صادر عن منظمة الأغدية والزراعة عام 2015 حول ” حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم- تحقيق الغايات الدولية الخاصة بالجوع لعام 2015: تقييم التقدم والمتفاوت[15]، فإنه أربعة من كل خمسة من الفقراء يعيشون في بلدان معرضة للكوارث الطبيعية وذات مستويات عالية من التدهور البيئي. حيث تزداد صعوبة الأحوال المعيشية لأولئك المحرومين بفعل الفيضانات، وموجات الجفاف، والعواصف التي تدمر الأصول، والأراضي، والثروة الحيوانية والمحاصيل، والإمدادات الغذائية، وصعوبة الوصول إلى خدمات الصحة والإصحاح والتعليم، وكلها عوامل تسهم في خلق مشكلة الجوع.
ووفقا لتوقعات نفس المنظمة أي منظمة الأغذية والزراعة، فإن تغير المناخ قد يسفر عن خفض الناتج الزراعي بنسبة تصل إلى 30 في المائة في إفريقيا و21 في المائة في أسيا[16]. وتمثل الأثار على سبل العيش الزراعية الزيادة الرئيسية في الفقر الناجمة عن تغير المناخ[17].
كما تشكل التحولات البطيئة في المناخ والبيئة تحديات جسيمة طويلة الأجل. فالمواسم الزراعية أخدة بالتغير، مع تحول أنماط تساقط الأمطار والحرارة بطرق ذات أثار بالغة على المحاصيل والثروة الحيوانية. مما يؤثر بشكل مباشر على النظم الغذائية، ومن المحتمل بأن يؤدي تفاقم الأزمات الغذائية الممتدة حول العالم إلى خلق حالة من عدم الاستقرار تشكل بيئة ملائمة لانتشار النزاعات المسلحة.
وحتى هذا العام الجاري 2019، تفيد التقارير أن منطقة أسيا والمحيط الهادئ متعثرة في مسيرتها نحو تحقيق أكثر من نصف الأهداف، إذا لم تحرز تقدما سوى بقدر ضئيل أو لم تحرز أي تقدم في مجال القضاء على الجوع[18]. وكذلك لا يزال الجوع سائدا في أجزاء من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حيث سيعيش نحو 9 من كل 10 ممن يعيشون في فقر مدقع في العالم بحلول عام 2030[19].
فكل هذه المعطيات تؤكد أن العالم بات يعيش قاب قوسين أو أدنى من انهيار للأمن الغذائي مما يندر بكارثة إنسانية تلوح في الأفق.
ج: الحق في الماء
يعتبر الحق في الماء حقا لا يقل أهمية عن الحقوق الأخرى التي وردت في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
ويعرفه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ب : ” أن تتاح لكل شخص مصدر للمياه، ويشترط في هذه الأخيرة (المياه) أن تكون مأمونة، وبالقدر الكافي، وبالسعر المناسب، حتى يتمكن الشخص من العيش حياة صحية وكريمة ومنتجة، لكن مع الحفاظ في نفس الوقت على النظم الإيكولوجية المساعدة على إعادة إنتاج المياه”[20].
كما عرفته لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، بأنه حق كل فرد في :” الحصول على كمية من الماء تكون كافية ومأمونة ومقبولة ويمكن الحصول عليها ماديا وميسورة ماليا لاستخدامها في الأغراض الشخصية والمنزلية”[21].
وكما هو معلوم أن الحق في الماء كغيره من الحقوق تتربصه العديد من المهددات، نجد في مقدمتها التغيرات المناخية التي أدت إلى فقدان الكتل الجليدية، وتقلص الغطاء الثلجي، مما أدى حسب لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في تقريها الصادر عام 2006؛ إلى التأثير سلبا على ما يزيد عن سدس سكان العالم[22].
بالإضافة أنه سيحرم ما يقدر ب 1.1 مليار شخص في العالم من إمكانية الوصول المأمون للماء الشروب، مما سيشكل سببا رئيسيا من أسباب الاعتلال والمرض[23].
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل يتعداه إلى كون التغيرات المناخية التي بات يشهدها العالم تتفاعل مع مجموعة من الأسباب الأخرى التي تضغط على توافر المياه، مثل تدهور البيئة، الفقر، انعدام المساواة، نمو السكان[24].
وطبقا لمبدأ الاعتماد المتبادل بين حقوق الإنسان فإن تمتع الإنسان بحقه في الماء يزيد من إمكانية تمتعه بحقوقه الأخرى، في مقابل ذلك عدم تمكنه من حقه هذا سيخلق اضطرابا في حياته، وهو ما سيدفعه إلى القيام برحلات بحث عن هذا العنصر الحيوي، مما سيمس حقوقه الأخرى على غرار الحق في الصحة والتعليم والغذاء كما سبق وبينا، ناهيك إن لم يتحول عنده هاجس البحث اليومي عن الماء بالتنقل لمسافات طويلة إلى النزوح أو الهجرة (اللجوء) كما سنستعرض في الجزء الثاني من هذه الدراسة. ح: الحق في الصحة
تعرف منظمة الصحة العالمية الحق في الصحة بأنه:” حالة من الرفاه الجسدي، والنفسي والاجتماعي الكامل، لا تتحقق بمجرد غياب مرض أو عاهة”
وقد أكدت صكوك دولية عديدة على هذا المعنى الواسع للصحة، نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي نص في المادة 12 منه على: ” تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه”.
وفي نفس السياق أكد المقرر الخاص المعني بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية في التقرير الصادر في العام الجاري[25].
بأن الحق في الصحة لا يعني حق الفرد في أن يكون سليما، وإنما يشمل الحق في التمتع بظروف وخدمات تفضي إلى حياة كريمة تسودها المساواة وعدم التمييز في مجال الصحة.
هذا وقد تمت الإشارة إليه في العديد من المعاهدات الأساسية الأخرى لحقوق الإنسان، ويتضمن هذا الحق التمتع بالرعاية الصحية الملائمة والوصول إليها، وبصفة أعم، الوصول إلى السلع والخدمات والظروف التي تتيح للمرء أن يحيا حياة صحية.
لكن نظرا إلى التغيرات المناخية التي اجتاحت العالم يتوقع أن هذا الحق سيعرف العديد من المشاكل أبرزها زيادة سوء التغذية وانتشار الأمراض والإصابات جراء الأحداث الجوية القاسية، تفاقم مشاكل الإصابة بالأمراض التنفسية والمعدية[26]
. خصوصا في صفوف سكان الدول الفقيرة، وما تشهده دول أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب أسيا لدليل قاطع على هول تأثير التغيرات المناخية على الحق في الصحة. كما ذكرت نائبة المفوض السامي لحقوق الإنسان في حلقة النقاش المتعلقة بحقوق الإنسان وتغير المناخ التي عقدت في 3 أذار/ مارس 2016، أن تغير المناخ يهدد المحددات الأساسية للصحة على جميع المستويات ويؤثر بشكل غير متناسب على أولئك الذين لديهم أقل قدر من الممتلكات، أي النساء والأطفال وكبار السن والشعوب الأصلية والأقليات والمهاجرين والعمال الريفيين والأشخاص ذوي الإعاقة والفقراء، مما يؤدي إلى تفاقم المخاطر القائمة التي تهدد حياتهم وسبل عيشهم.
وفيما يتعلق بالمرض، أوضحت أن حالات تفشي الكوليرا تتزايد في ظروف مناخ متغير. فالحشرات وغيرها من ناقلات الأمراض حساسة جدا للحرارة والرطوبة وهطول الأمطار.
وقد أعطى تغير المناخ نطاقا جغرافيا واسعا جدا للضنك، وقد يفعل الشيء نفسه للملاريا. وبحلول عام 2050، يتوقع الخبراء أن يسبب تغير المناخ 250000 حالة وفاة إضافية كل عام، فقط من الملاريا والإسهال والإجهاد الحراري ونقص التغذية….وفي نفس السياق قالت وكيلة وزارة الصحة في الفلبين أن تغير المناخ أثر كثيرا على صحة الفلبينيين بطرق ملموسة تتجلى في ظواهر مناخية شديدة مدمرة وفي تغير أنماط الأمراض الحساسة للمناخ، وعلى إثر الفيضانات الهائلة التي سببتها العاصفة الاستوائية كيتسانا وإعصار بارما سنة 2009، ارتفع عدد حالات داء البريميات ارتفاعا حادا، وعرفت حالات الضنك تزايدا مستمرا مع مرور الوقت. مما يبرز أن أثر تغير المناخ بإمكانها محو مكاسب القطاع الصحي والتسبب في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
د: الحق في السكن اللائق
لقد تم النص على هذا الحق في العديد من المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، فمثلا المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصت على أنه :” لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة.
وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته”[27].
كما أكد الميثاق العربي لحقوق الإنسان أنه:” لكل شخص الحق في مستوى معيشي كاف له ولأسرته يوفر الرفاه والعيش الكريم من غذاء وكساء ومسكن وخدمات، وله الحق في بيئة سليمة، وعلى الدول الأطراف اتخاذ التدابير اللازمة وفق إمكانياتها لإنفاذ هذه الحقوق”[28].
هذا وقد شكل الحق في السكن اللائق قضية رئيسية عقدت لأجلها العديد من المؤتمرات الدولية نخص بالذكر منها مؤتمر السكن بإسطنبول عام 1996، ومؤتمر السكن عام 2001، كما أنشأ برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، لدعم الحق في السكن بالتعاون مع مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وقد عرف هذا البرنامج باسم ( الموئل) ويعتبر المنتدى العالمي الأهم في دعم الحق في السكن.. ففي مقابل الأهمية البالغة التي يتسم بها هذا الحق نجد أنه لتغير المناخ أثار سلبية وخيمة عليه، فحسب توقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالمناخ (IPCC) فسيكون لارتفاع مستوى البحر والعواصف تأثير مباشر على الكثير من المستوطنات الساحلية والمستوطنات الواقعة في الدلتا الكبرى المنخفضة[29].
والدليل على ذلك هو تأثر ملايين الأشخاص والمنازل بالفيضانات في السنوات الأخيرة، مما أصبح يهدد على المدى الطويل الوجود الإقليمي لعدد من الدول الجزرية الصغيرة، وهو ما يطرح تساؤلات عدة حول مصير هذه الفئات ( الشعوب)
وخلاصة القول هي أنه للتغيرات المناخية أثار مباشرة وخيمة تهدد حياة وسلامة البشر، بشكل فوري ومباشر بل إنها – التغيرات المناخية- باتت تشكل حسب ما تقدم قضية وجود بالنسبة لشريحة واسعة من المجتمع الدولي، خاصة الذين يعيشون في بلدان فقيرة أو جزرية.
ماذا عن الأثار غير المباشرة؟
ثانيا: الأثار غير المباشرة للتغيرات المناخية على حقوق الإنسان
إن المتأمل في انعكاسات التغيرات المناخية على الإنسان يستشف أنه بالإضافة إلى أثارها الفورية على مجموعة من الحقوق الجوهرية، تتعدى ذلك لتلحق أثارا مأساوية على المدى الطويل، من خلال محو شعوب بكاملها، وهدم مجتمعات برمتها.
فماهي تجليات هذه الأثار؟
للإجابة على هذا التساؤل سنركز في مناقشتنا على ثلاثة عناصر رئيسية نظرا لانعكاساتها الوخيمة على أي مجتمع في المدى الطويل، وهي كل من التشريد، واللجوء بسبب المناخ، والنزاعات المسلحة.
أ: التشريد
يعتبر التشريد أحد أبرز الآثار غير المباشرة على حقوق المتضررين، فحسب تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ الصادر عام 1990 فإن أكبر أثر في حد ذاته لتغير المناخ يتمثل في هجرة البشر، فقد يتشرد 150 مليون نسمة بحلول عام 2050، بسبب الظواهر المتعلقة بتغير المناخ، مثل التصحر، وزيادة ندرة المياه، والفيضانات والعواصف، ويتوقع أن يتم التشريد الناجم عن تغير المناخ أساسا داخل البلدان وأن يؤثر في المقام الأول في أفقر المناطق والبلدان.
ومما يجدر بنا الإشارة إليه هنا هو أنه غالبا ما يواجه المشردون[30] داخليا تحديات كبيرة في ما يتعلق بحمايتهم. والوصول الأمن إلى الغذاء والمياه وسبل العيش، ورد الممتلكات، ومن أكثر الأمور خطورة الهجمات على مواقعهم، وما يترتب على ذلك من عنف جنسي، بالإضافة إلى التجنيد القسري للأطفال المشردين في الجماعات المسلحة[31].
كذلك من بين الأمور التي تزيد من تعقيد وضعية المتشردين داخليا هي صعوبة الوصول إليهم خصوصا عند تواجدهم في مناطق خارجة عن سيطرة الحكومة[32]، مما يضعف دقة البيانات التي تستند عليها الجهات الحكومية بصفتها الجهات المسؤولة في المقام الأول، والجهات العاملة في المجال الإنساني لتحديد الاحتياجات الفورية والطويلة الأجل. ففي جمهورية الكونغو الديموقراطية مثلا: بسبب النزاع بين القبائل حول الأراضي عرفت البلاد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ومخالفات خطيرة للقانون الدولي الإنساني؛ أدت إلى إزهاق العديد من الأرواح بالإضافة إلى تشريد العديد من المواطنين[33].
وفي تشاد كذلك شرد حولي 160000 من الشاديين ومن ضمن أسباب هذا التشرد نجد حالات التوتر بين الطوائف المختلفة، التي تفاقمت بسبب التنافس للحصول على الموارد المحدودة، بما في ذلك المياه والأراضي الصالحة للزراعة[34].
ففي عام 2017، سجل نحو 18,8 مليون حادث من حوادث التشرد الناجم عن الكوارث، ووقع الكثير من هذه الحوادث على أشخاص كانوا قد تعرضوا للتشرد مرارا[35].
وبسبب أثار تغير المناخ، يعتقد أن ما بين 50 و250 مليون من الناس قد ينتقلون بحلول منتصف هذا القرن، إما في نطاق بلادهم، أو خارج حدودها، بشكل دائم أو مؤقت. وفي حين سيكون بعض هذه التحركات طوعيا، بدافع البحث عن حياة أفضل في مناطق لم تتأثر سلبا بالأثار المترتبة على تغير المناخ. سيجبر العديد على مغادرة منازلهم، بسبب الكوارث الجوية التي تقع بصورة فجائية، أو تدهور البيئة الذي يحدث ببطء. مما سيخلق تحديات كثيرة متعلقة بحقوق الإنسان.
وفي هذا الصدد نشير إلى المبادئ التوجيهية المتعلقة بالتشرد الداخلي الصادرة عن منظمة الامم المتحدة عام 1998[36]، فهي بمثابة الإطار المعياري الدولي الخاص بتوفير الحماية للمشردين، حيث تستعرض حقوقهم المحددة المتأصلة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والمستمدة منهما. ومن أبرز ما نصت عليه هو أن واجب مسؤولية توفير المساعدة والحماية في جميع مراحل التشرد تقع في المقام الأول على عاتق الدول[37]، من خلال منع التشرد وتوفير الحماية للأشخاص المشردين بسبب أثار تغير المناخ وإيجاد حلول دائمة لهم، ولا سيما الأشخاص الذين لا يمكن ان يسمح لهم بالعودة أو ليس لهم من المتوقع أن يعودوا إلى ديارهم أو أماكن إقامتهم المعتادة التي تعتبر خطيرة لا تخادها محلا للإقامة[38].
ومن شأن إخفاق الدول في حماية حياة مواطنيها أن يرقى ذلك إلى اعتباره انتهاكا لحقوق الإنسان؛ إذا علمت السلطات المختصة أو كان عليها أن تعلم بالخطر، وكانت لديها القدرة على اتخاذ تدابير لانقاد الحياة من إجلاء للسكان ونقلهم مؤقتا من مناطق الخطر.
ففي مقابل ذلك نجد أن بعض الدول لا تزال تتصرف بنوع من اللامبالاة مع كل هذه الحقائق المؤكدة وبالملموس، وخير مثال على ذلك ما أقدمت عليه إحدى أكبر الدول المساهمة في انبعاث الغازات الدفيئة، ألا وهي الولايات المتحدة الأمريكية، بإعلانها الانسحاب من أهم اتفاقية تتعلق بالمناخ، أو كما تعرف باتفاقية باريس التي اعتمدت بتاريخ 12 ديسمبر 2015، هذه الأخيرة التي حددت مسار زمني مدته 35 عام، كما اتسمت بمجموعة من النقاط الإيجابية نخص بالذكر منها: نصها على التزامات إجرائية وفق ما جاءت به اتفاقات كوبنهاجن- كانكون التي استندت إلى تعهدات التخفيف الطوعية والمحددة على الصعيد الوطني، وأليات الرصد المرنة وعدم وجود رقابة من العمل المحلي. مما يعني تكريسها لنظام مرن للتعاون بين الدول عكس الأهداف الإلزامية التي أقرها سابقا بروتوكول كيوتو[39].
فبالرغم من كل هذه المرونة التي تستهدف بالأساس فتح المجال أمام الدول لاتخاذ إجراءات تتماشى وقدراتها دون إلزام، تقوم هذه الأخيرة أي – الدول- بالانسحاب خدمة لمصالح شركات يبدوا أن أخر همها هو الجانب الإنساني. مما يطرح عدة تساؤلات حول مدى جدية المجتمع الدولي في التعاطي مع التغيرات المناخية التي لا تمس دولة بحد ذاتها بقدر ما تهدد الوجود البشري ككل.
هذا على مستوى التشريد _ النزوح_ ماذا عن عابري الحدود؟
ب: لاجئي المناخ والمنظومة الحقوقية
كما رئينا في الفقرة السابقة أنه بسبب التغيرات المناخية يضطر العديد من السكان إلى النزوح _ التشرد_ في حين أن هناك منهم من يعبر الحدود على أمل إيجاد مأوى يقيه من ضنك العيش، فحسب تقرير المقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء الصادر عام 2008، فإن ملايين الأشخاص يعبرون أو يحاولون عبور الحدود الدولية، ولاسيما من يعيشون في أفريقيا جنوب الصحراء، بهدف الوصول إلى البلدان الأوروبية هربا من الجوع المستشري، ويصل الكثير منهم في ظروف مزرية، غير قادرين على المشي أو حتى الوقوف من شدة الوهن، ويعانون من نقص في التغذية المزمن. ناهيك عن الذين قضوا نحبهم في الطريق. لدرجة أنه لا أحد يعرف كم هلك من ألاف الأشخاص وهم يحاولون القيام بتلك الرحلة، وكمثال حي على ذلك نستشهد هنا بما قاله ” ماركو نيسكالا” الأمين العام للاتحاد الدولي للصليب الأحمر السابق، حينما علق على فاجعة موت حوالي 100لاجئ غرقا في يوم واحد قبالة الساحل السنغالي بعد إبحارهم إلى إسبانيا، حيث قال: ” تقابل هذه الأزمة بتجاهل تام ذلك أن أحدا لا يهب لمساعدة هؤلاء اليائسين، بل لا توجد أي منظمة تقوم حتى بتجميع الإحصائيات التي تسجل هذه المأساة اليومية”[40].
في مقابل ذلك نجد أن الاتحاد الأوروبي باعتباره أحد أبرز الوجهات “لاجي المناخ” المهاجرين، قد اختار معالجة مشكل الهجرة بواسطة الجيش والشرطة من خلاله إحداثه لمؤسسة فرونتيكس “FRONTEX” هذه الأخيرة التي تعمل على طول حدود موريتانيا والسنغال والرأس الأخضر لاعتراض سبيل قوارب المهاجرين- اللاجئين وإجبارهم على العودة فورا إلى الشاطئ.
وحيث لا يسمح لمعظم الهاربين من الجوع بسبب التغيرات المناخية التي اجتاحت بلدانهم الفقيرة، دخول أراضي دول أخرى ولا توفر لهم أي حماية لأنهم لا يملكون حسب ادعاءات الدول المستقبلة صفة “لاجئ” بالمعنى التقليدي للقانون، كما تم تعريفه في اتفاقية اللاجئين الصادرة عام 1951 والبروتوكولها لعام 1967، نجد أن هناك فئة قليلة ممن أسعفهم الحظ في الحصول على بعض المساعدة مع التحفظ على إضفاء صفة اللاجئين عليهم.
فحسب ما تقدمت به مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة وغيرها من المنظمات الإنسانية أن وصف الأشخاص المشردين قسرا عبر الحدود لأسباب بيئية ب “لاجئين بسبب الظروف المناخية” أو ” لاجئين بسبب ظروف بيئية” فإن هاتين العبارتين تفتقران إلى الأساس القانوني الدولي للاجئين؛ وينبغي تفادي استعمالهما بغية عدم تقويض النظام القانوني الدولي لحماية اللاجئين. وعليه يتوجب معاملتهم على أساس أنهم ” مهاجرون اقتصاديون” غير نظاميين، وفي نفس السياق تقول رئيسة قسم الهجرة والبيئة والتغير المناخي في المنظمة الدولية للهجرة، السيدة “دينا إيونسكو” فإنه يجب الحديث عن “هجرة مناخية” لا “لجوء مناخي”، نظرا إلى أن اتفاقية اللاجئين لعام 1951 لم تشر لهذا المصطلح[41].
وبالتالي فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو ما مدى صحة هذا الإفتراض؟
قبل الشروع في مناقشة مدى صحة الافتراض أعلاه نشير إلى أنه لا يوجد حتى الان تعريف متفق عليه عالميا أو ملزم قانونيا لمصطلح ” لاجئو المناخ”. إلا أن الميثاق العالمي للاجئين، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية العام الماضي 2018، يقر بأن العوامل المناخية والكوارث الطبيعية تؤدي إلى تزايد حركات اللجوء.
فمن هذا المنطلق نعتقد أن الافتراض بأن الفارين من الجوع والمجاعة مجرد ” مهاجرين اقتصاديين” أي أنهم لم يجبرو على ذلك وإنما إختارو بإرادتهم البحث عن حياة أفضل أمر ينم عن عجز تام عن إدراك ما يهدد حياتهم من الأخطار. وهنا نقول أنه من باب العبث الافتراض بأن هؤلاء الهاربين من الجوع والمجاعة يفعلون ذلك “بمحض إرادتهم”. ونزكي طرحنا هذا بما تقدم به السيد “جان زيغلر” المقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء في تقريره الصادر عام 2009، حيث أكد على هذه النقطة بقوله أنه ” ينبغي عدم الخلط بين اللاجئين هربا من الجوع ومن هم ” مهاجرون إقتصاديون”. عندما يبحث مهاجر إقتصادي عن حياة أفضل بالهجرة إلى بلد أخر، فهو يفعل ذلك بمحض إرادته. أما اللاجئ هربا من الجوع فلا يتحرك بمحض إرادته بل بدافع “الضرورة”. إنه يجبر على الفرار”.
من خلال ما تقدم به المقرر الخاص المعني بالحق في الغذاء في رده على عدم منح صفة لاجئ للمشردين قسرا عبر الحدود بسبب التغيرات المناخية، مرورا بمقتضيات نص المادة الأولى من اتفاقية اللاجئين لعام 1951 التي نصت في الفقرة الثانية منها على أن اللاجئ هو: ” كل شخص يوجد بنتيجة أحداث وقعت قبل 1 كانون الثاني/ يناير 1951، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو أرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلى ذلك البلد”.
نخلص إلى أن مصطلح “لاجئ مناخ” لم يذكر فعلا كمفهوم قائم الذات في أهم اتفاقية خاصة بحماية حقوق اللاجئين، إلا أن استقراء واقع هذه الفئة الجديدة يخولنا القول أنها تتوفر على كافة الشروط المتعلقة بمنح صفة لاجئ، كما وردت في نص المادة الأولى من اتفاقية 1951. ونشير هنا إلى أن عبارة ” خوف له ما يبرره” الوارد في الفقرة الثانية من المادة الأولى من اتفاقية اللاجئين هي عبارة تنطبق بشكل تام على ما يعانيه اللاجئين بسبب الظروف المناخية.
نفس الأمر ينطبق حتى على العبارة الواردة في ختام المادة والتي تنص على أن اللاجئ هو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتاد…فهنا نتساءل حول وضعية سكان الدول الجزية التي أكدت التقارير أنها معرضة للزوال إذا استمر الوضع على ما هو عليه بسبب ارتفاع منسوب البحار. وفي هذه الحالة ما هو الوضع القانوني لسكان هذه الجزر؟
كذلك عندما تصيب المجاعة بلدا ما، -مثل المجاعة التي حصلت في منطقة الساحل من أفريقيا جنوب الصحراء عام 2005- لا يملك اللاجئون هربا من الجوع أي خيار أخر سوى الفرار عبر الحدود الدولية. فالجوع يشكل خطرا مباشرا على أرواحهم. فهم يفرون بدافع الضرورة، لا باختيارهم.
بالإضافة إلى كل ذلك فإن ميثاق الأمم المتحدة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وإعلان الحق في التنمية، وسائر الصكوك، تعزز عند قراءتها قراءة جماعية كون الدول تقع عليها التزامات في مجال حقوق الإنسان؛ تتمثل في التعاون وتعبئة وسائل التنفيذ اللازمة لضمان سلامة وكرامة جميع الأشخاص، بمن فيهم من يعبرون الحدود بسبب الأثار الضارة لتغير المناخ[42].
وبذلك نقول أن من حقهم التمتع بصفة لاجئ وبالتالي الحصول على الحماية طبقا لمقتضيات القانون الدولي للاجئين.
هذا على مستوى لاجئي المناخ ماذا عن أثر النزاعات المسلحة؟
ج: النزاعات المسلحة كأثر غير مباشر للتغيرات المناخية
وفقا لإحدى الدراسات فإن أثار تغير المناخ المتفاعلة مع المشاكل الاقتصادية والإجتماعية والسياسية ستولد احتمالا كبيرا لنشوب نزاع عنيف في 46 بلد يقيم فيها 2.7 مليار نسمة، وهو الأمر الذي بدأت معالمه تظهر بشكل جلي في عدة مناطق حيث أدى تغير المناخ فعلا إلى نشوب نزاعات مسلحة وأعمال عنف. فبسبب زيادة هطول الأمطار أو نقصانها في بعض الدول التي يعتمد إقتصادها على الموارد الطبيعية، لاسيما في المجتمعات الرعوية الإفريقية، كمنطقة الساحل الإفريقي مثلا، رأينا كيف ألحقت التغيرات المناخية أضرارا بالغة بالمجتمعات المحلية، ما دفع بعضها إلى الإنخراط في أعمال عنف ونزاعات مسلحة، ونفس الأمر حصل أيضا في منطقة التشاد بسبب تقلص المساحات القابلة للإستغلال نتيجة ارتفاع درجة الحرارة وعدم انتظام هطول الأمطار وما رافق ذلك من تصحر، ومما يجدر بنا الإشارة إليه هنا هو أن تغير المناخ لا يتسبب في نشوب النزاعات المسلحة فقط بل يؤدي إلى إطالة أمدها وبالتالي مفاقمة معاناة المدنيين إبان النزاعات المسلحة خصوصا النساء والأطفال والشيوخ[43].
وحسب ” منظمة الأغدية والزراعة التابعة للأمم المتحدة” ” الفاو” فإن السبب الرئيسي في ارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي يكمن في ثلاثة عوامل قد تتداخل أحيانا وهي: النزاعات المسلحة، والأزمات الاقتصادية، والتغيرات المناخية العميقة، لاسيما موجات الجفاف الطويلة التي تصيب بعض البلدان، نخص بالذكر منها نيجيريا، فبسبب نزاع مستفحل مند سنوات بين رعاة ماشية ومزارعين، قتل في السنوات 15 الأخيرة أكثر من 60 ألف شخص، وهذا النزاع ما هو إلا أنموذج للعديد من النزاعات التي تنشب بين الفلاحين في الدول الإفريقية القائم اقتصادها ككل على الموارد الطبيعية[44].
وفي نفس السياق أكد مدير معهد بحوث السلام باستوكهولم السيد ” دان سميت” على الارتباط بين التغيرات المناخية والأمن، حيث قال بهذا الخصوص أن: ” تأثيرات تحول المناخ تساهم مع عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية في خلق ظروف تتفجر فيها النزاعات”. كما حذر من انعكاسات تغير المناخ وما يسببه من جفاف وفيضانات ليس له تأثير محلي فقط، إذ أن انعكاسات ذلك وظواهر الطقس الحادة تؤثر على الأسعار العالمية للغذاء وتتسبب من خلال ارتفاع الأسعار في نزاعات، ” ففي كل مرة ارتفعت فيها أسعار الغذاء في الأسواق العالمية، تحدث مظاهرات وصدامات، وبالتالي عدم استقرار اجتماعي وسياسي في 30 حتى 40 بلدا في أن واحد”[45].
و تقدم منطقة الساحل الإفريقي[46] مثالا على الكيفية التي تفاقمت فيها الصراعات بفعل الأثار الناجمة عن تغير المناخ، فخلال العقود الماضية، انحسرت الأراضي القابلة للاستغلال مع تقلب مستويات هطول الأمطار وتقلص المواسم المطيرة. فمنذ أواخر 2018 يصنف ما يقدر بنحو 33 مليون شخص في منطقة الساحل بأنهم يفتقرون إلى الأمن الغذائي، ورصدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر كفاح هذه المجتمعات المحلية الفقيرة من أجل الحصول على خدمات رعاية صحية أمنة أو إيجاد مدارس لأطفالهم أو تأمين دخل أساسي. ولا تجد تلك المجتمعات أمامها بدا من خيارات صعبة في البحث عن سبل لإعالة أسرهم، من بينها الهجرة عبر طرق محفوفة بالمخاطر أو الانضمام إلى الجماعات المسلحة[47].
أيضا من بين أثار التغيرات المناخية نجد عسكرة مراكز موارد المياه، فبسبب التغير الطارئ على توفر الموارد المائية – ندرة الموارد وصعوبة بلوغها- جراء تغير المناخ قد أدى أيضا إلى استخدام الماء كسلاح من طرف الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية. فوفقا لدراسة حديثة أنجزها ماركوس كينغ” من جامعة جورج واشنطن ( الولايات المتحدة )، تعتبر الصومال معرضة بصفة خاصة إلى هذا الترابط بين المناخ والنزاعات وعسكرة مراكز الموارد المائية. ففي سنة 2011، عانت الصومال من حالات جفاف إقليمية تم ربطها بتغير المناخ، ولاحظ ماركوس كينغ أنه في تلك الأونة، قامت جماعة الشباب الجهادية، ” بتغيير خطة تحركاتها الميدانية وبدأت في عزل المدن المحررة عن موارد المياه، لتدل على نفودها وحضورها، مما انعكس على السكان الذين لم يتمكنوا من الحصول على المساعدات الإنسانية، وقد ترتب عن ذلك وفاة أكثر من 250000 نسمة وتشرد مئات الالاف من الأشخاص[48].
ومما يجدر بنا الإشارة إليه هنا هو أن هذا الوضع ليس جديد، لكنه بات يتطور بوتيرة أسرع، فمنذ عام 2008 حذر خبير علم النفس الإجتماعي ” هارالد الدفيلتسير” في كتابه بعنوان ” حروب المناخ” من انهيار أنظمة اجتماعية نتيجة لتغير المناخ.
وهو ما أكده أيضا الامين العام لحلف شمال الأطلسي ” ينيس ستولتنبرغ” عام 2016 من خلال حديثه عن البعد الأمني السياسي لتغير المناخ.