إذا تأملنا في مسيرة الحضارات السابقة، مثل المصريين القدماء التي لا تزال تعجز البشرية عن اكتشاف كثير من أسرارها، وحضارات العرب في اليمن مثل عاد وثمود والأحقاف، وأهل الحجر ومملكة بلقيس الذين كانوا ينحتون من الجبال بيوتا فارهين، ويقيمون السدود لحجز الماء لسقيا الزرع والبشر.
وحضارات الإغريق، والفينيقيين، نجد أن هذه الحضارات عندما وصلت إلى ذروتها، وتم تمامها بدأت في الانهيار حتى وصلت إلى الاندثار، وما ذاك إلا لأن هذه الحضارات قد دب فيها سوس الأمم، ممثلا في التحلل من الأخلاق والقيم والانحراف عن الفطرة السليمة مع استحلال الفسوق والفجور والاستماتة في الدفاع عنهما كما حدث مع قوم لوط حينما تحولت متعتهم من النساء اللواتي أحلهن الله لهم إلى الاستمتاع بالذكران، وحاول نبي الله لوط أن يردهم إلى الفطرة السليمة، ويدعوهم إلى الاستمتاع بما أحل الله لهم قائلا: – كما حكى القرآن عنه -: { هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} ولكن فطرتهم المريضة أبت إلا أن يستحلوا الرجال دون النساء، فكان لا بد أن ينزل الله عليهم سخطه، وينتقم منهم شر نقمة – كشأن أي حضارة ينحرف أصحابها عن فطرة الله التي فطر الناس عليها – فأهلكهم كما أهلك من كان قبلهم ومن أتى بعدهم من الحضارات التي خرجت عن منهج الله، وسيهلك كل حضارة تأتي ثم تخرج عن منهاجه، لأنها سنة كونية تسري على كل الحضارات التي انحرفت دون استثناء، وقد تحدث ربنا عن هذه السنة الكونية، فقال: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}، والحضارة الغربية التي يعيشها الغرب الآن بدأ يدب فيها سوس الحضارات عندما أخذت تنحرف عن الفطرة السوية، وتقنن للانحراف الأخلاقي، والفساد المجتمعي، فوضعوا قوانين تبيح الإجهاض، وأباحوا العلاقة الجنسية خارج الزواج ، وأخيرا وضعوا قوانين تسمح بالعلاقات المثلية بين الرجال والرجال، والنساء والنساء، ويعدون هذا من الحرية الشخصية التي لا يجب المساس بها، وليت أمرهم توقف عند شعوبهم وأوطانهم ولكنهم يحاولون من خلال الأمم المتحدة أن يفرضوا انحرافهم على الأمم الأخرى في بلادهم، وآخر ما حاولوا أن يفرضوه علينا أن ألمانيا حاولت أن يلعب فريقها القومي لكرة القدم في كأس العالم بقطر وهو يحمل شارات المثليين، ولما رفضت الدولة المضيفة وساندها الاتحاد الدولي لكرة القدم ( الفيفا ) نزل الفريق وكل أعضائه الملعب وهم يضعون أيديهم على أفواههم احتجاجا لأنهم منعوا من أن يعبروا عن رأيهم، كما نشاهد في تلك الصورة.
ولا أدري كيف وصل الخواء الفكري عند هؤلاء ؟!، وكأنهم لم يعد لهم قضية إلا إشاعة الانحراف الخلقي، ونشر الفساد والإفساد في مجتمعهم والمجتمعات الأخرى.
ولا أرى لفعلهم هذا مبررا إلا أن يكون إعلاما للناس بأن الله سينفذ في الحضارة الغربية سنته الكونية، {أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عميد كلية اللغة العربية بالقاهرة جامعة الأزهر السابق