في أوجِ نشاطي وارتياحي، تَزيّنتُ بأروعِ الثِّيابِ، تَعطّرتُ، لَبِستً خاتمي ذا الفصِّ الأرجوانيّ القاني ـ كان قد اشتراهُ لي منذُ زمنٍ مَضَى حِينَ أعجبنِي ـ استقلّيتُ سيّارتي الّتي طالما حاربتُ حتّى حصلت عليها؛ فمكانُ عملي بعيدٌ جدًّا عن بيتي، أدرتُ المِذياعَ ـ إذاعةُ القرآنِ الكريمِ تنعشُ صباحي ـ قهوتي بجانبي، أقودُ مبتسمةً، لأوّلِ مرّةٍ أشعرُ بفاصلٍ في حياتي.
يومي أصبح هادئًا جميلًا مستقرًّا لأكبرِ حدٍّ، فقد نسيتُ حقًا.
انْجلى الحزنُ من داخلِي، وفتحتُ بابًا على الحياةِ، تجاوزتُ عينيهِ الجريئتينِ اللامعتينِ الجذابتينِ، تجاوزتُ هيئتَهُ الوقورةَ، قامتَهُ الممشوقةَ، وعنفوانَ شبابِه.
تجاوزتُ كلماتِهُ، صوتَهُ، حنانَ قلبِه، ولمسةَ يديه.
تجاوزتُ الحضنَ الدَّافئ، الكلمةَ الّتي تخترقُ القلبَ، ونومتي على ذراعِه بأمانٍ تامٍّ.
عرفتُ بعد سنواتِ الحزنَ العميقَ، والألمَ الدَّفين ـ بعد تخلّيه عنِّي ـ أنَّني قادرةٌ على الحياةِ.
سيفُ تخلّيه عنَّي عَلَّمني أنّ الحياةَ لا تقفُ بوجه أحدٍ، أنّ خيباتِ عمري الّتي قضيتُ انتحبُها في المشفى؛ دواءٌ يقوّي ظهري، وأنّ جروحي الّتي لا يراها أحد؛ ترياقٌ اعادني للحياةِ.
وأنَّ سنواتٍ من الدُّموعِ قادرةٌ على شفاءِ قلبي المهترئ.
أنا الآن ذاهبةٌ إلى عملي وأنا في قمّةِ نشاطي، وأوجِ حرّيّتي؛ رُغمَ أنَّه معي داخلَ عملي أراهُ كلَّ يومٍ؛ إلّا أنّ عقلي لا يبصرهُ؛ هيكلٌ فارغٌ من الكلماتِ لا ترجمةَ له داخلَ عقلي، كتابٌ ليس له غلافٌ قد طُمست أحرفُهُ، ذكرٌ كباقي ملايينِ الذُّكورِ لا أعرفهُ، وفاصلةٌ منقوطةٌ عَبرت بي إلى شاطئِ سعادتي.