التغيرات السكانية وراء تضارب السياسات بين الدول ..!!
ارتفاع نسبة المسنين في العالم المتقدم .. وزيادة الشباب بالمجتمعات الفقيرة!
تحميل الدول “النامية” مسؤولية التغيرات المناخية .. مغالطة كبرى!!
الاستهلاك المفرط والإهدار والسُعار الرأسمالي .. سبب الأزمات !!
عدم المساواة في السلطة والثروة والوصول للموارد.. أساس التدهور البيئي
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
منذ أيام، أعلنت الأمم المتحدة أن عدد سكان العالم وصل إلى رقم قياسي بلغ 8 مليارات نسمة، وهو رقم مذهل.
كان القلق الشديد بشأن الزيادة السكانية قد جمع قادة العالم معًا في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية (ICPD) ، الذي عقد بمصر، عام 1994. ومع ذلك، فإن الدول اليوم مهتمة بمجموعة كبيرة من التغيرات الديموجرافية (السكانية).
على مدى العقود الماضية، شهد العالم تحسينات ملحوظة في متوسط العمر وانخفاض معدلات الخصوبة، وهو ما يفسر الزيادة السريعة لأعداد كبار السن وارتفاع نسبتهم في كل مكان.
تتركز الزيادة السكانية حاليًا في أفقر دول العالم، وهي لا تزال في مرحلة مبكرة من التحول الديموجرافي، بينما بدأت بعض الدول الأكثر ثراءً تشهد انخفاضًا في عدد السكان.
قال ويليام إتش فراي، عالم ديموجرافي أمريكي وزميل أول بمعهد بروكينجز، في تقرير للواشنطن بوست، إن الديموجرافيا، أو التركيبة السكانية، “تؤثر على كل شيء تقريبًا”.
هذا يفرض تضارب السياسات بين الدول، فوجود المزيد من الشباب يتطلب مزيدًا من المدارس؛ وتزايد أعداد المسنين يلزمه شبكة أمان موسعة وقوى عاملة شابة لرعايتهم؛ قد تحتاج الدول “المسنة” -التي ترتفع فيها نسبة المسنين -لإعادة تقييم سياسات الهجرة.
قال جون ويلموث، مدير قسم السكان بالأمم المتحدة، إن كل الدول، تتحرك “نحو أعمار أطول وأسر أصغر”. انتقل متوسط العمر من 20 عامًا في 1970 إلى حوالي 30 عامًا اليوم. لكن العالم لا يزال شابًا جدًا: 53% من سكان العالم أصغر من 33 عامًا.
عدد سكان العالم سيبلغ ذروته عند 10.4 مليار عام 2086، وفقًا لتوقعات الأمم المتحدة.
حتى مع تباطؤ النمو، تثير الزيادة السكانية أسئلة مهمة حول عدد من يمكنهم العيش على كوكبنا، خاصة مع تغير المناخ. معدلات المواليد تنخفض في معظم الدول الغنية، لكنها مرتفعة في المناطق الفقيرة من العالم، وهي المناطق الأقل جاهزية لإدارة الزيادة المستمرة.
شيخوخة القوى العاملة
بحلول 2050 ستشهد عشرات الدول انخفاضًا بنسبة 1% في عدد السكان، وفقًا لتوقعات الأمم المتحدة. ويساور المحللين القلق حول الآثار المترتبة على تقلص وشيخوخة القوى العاملة.
بول مورلاند، الخبير الديموجرافي ومؤلف كتاب “المد البشري: كيف شكل السكان العالم الحديث”، يقول: السكان الأكبر سنًا “أقل ديناميكية، وأقل احتمالية لتأسيس أعمال تجارية، وأكثر اعتمادًا على الدولة”.
أحد الحلول هو تغيير سياسات الهجرة. في الولايات المتحدة وكندا، مثلًا، يتم تعويض انخفاض المواليد باستقبال مزيد من المهاجرين.
وتقول فانيسا بيريز سيريرا، مدير المركز الاقتصادي العالمي بمعهد الموارد العالمية: يمكن للدول أن تضم كبار السن في أدوار خدمية مثل المعالجين أو موظفي المتاحف.
في 2050، سيزداد عدد السكان بمقدار 1.7 مليار نسمة. وسيكون نصف هذا النمو في ثماني دول فقط: جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومصر، وإثيوبيا، ونيجيريا، وباكستان، والفلبين، وتنزانيا، والهند. وبحلول العام المقبل، ستتفوق الهند على الصين كأكبر دولة في عدد السكان.
تقول الواشنطن بوست: تشكل الزيادة السكانية تحديًا للحكومات التي تسعى جاهدة لإنشاء بنية تحتية كافية. في بعض الدول، ينخفض النمو السكاني ومعدلات الخصوبة، ولكن ليس بالسرعة الكافية.
قال ويلموث: الأماكن “التي تشهد نموًا سريعًا غالبًا ما تكون أكثر فقرًا”، وهي أقل قدرة على مواجهة تغيرات المناخ. في باكستان، لقي 1000 شخص مصرعهم منذ يونيو بعد هطول أمطار غزيرة وفيضانات عارمة. وشهدت الهند حرارة قاتلة هذا الصيف أثرت على الملايين ممن يعيشون بدون مكيفات هواء.
توزيع الموارد
الخبراء اليوم يخشون حدوث أزمة غذائية: ليس سببها الموارد الإجمالية، ولكن بسبب التفاوت الشديد في توزيع الموارد.
قالت سيريرا: “هناك موارد كافية لإطعام السكان”. “لكنها ليست موزعة بالتساوي.” وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي، ينام حوالي 828 مليون شخص جائعين كل ليلة.
التوسع المستمر في النشاط البشري يؤدي للإخلال بالنظام الطبيعي، فقد تسبب الناس في تغيير 75% من الأراضي الخالية من الجليد، وفقًا لتقرير 2020 الصادر عن الصندوق العالمي للطبيعة World Wildlife Fund. خسر العالم حوالي ثلثي الثدييات والأسماك والزواحف والبرمائيات في الخمسين عامًا الماضية.
ويتساءل تقرير لموقع كونفرسيشن: كان عددنا 2.5 مليار فقط عام 1950، فهل لدينا ما يكفي من الطعام؟ ماذا يعني هذا بالنسبة للطبيعة؟ هل المزيد من البشر كارثة تسهم في تغير المناخ؟
الإجابات غير بديهية. الدول الغنية تستخدم قدرًا كبيرًا من الموارد والطاقة، وبالتالي فالتحول للأخضر والحد من الاستهلاك بهذه الدول يعد أكثر فعالية وإنصافًا من الدعوة إلى التحكم في عدد سكان الدول الفقيرة.
يمكننا إطعام 10 مليارات من السكان بشكل مناسب ومنصف بحلول عام 2050، كما يمكننا الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ومنع فقدان التنوع البيولوجي.
لكن، لماذا يتزايد عدد البشر؟ النساء اللائي يدخلن سن الإنجاب يتزايد عددهن، حتى مع انخفاض متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم كل امرأة. كما أصبحنا نعيش حياة أطول.
سياسات غير إنسانية
للخوف من الزيادة السكانية جذور قديمة. في عام 1798، حذر القس توماس مالتوس من أن السكان يتزايدون باطراد بينما لا تنمو الإمدادات الغذائية. وبعد حوالي قرنين، أثار كتاب بول وآن إرليش عام 1968 “القنبلة السكانية” موجة قلق جديدة. وقالا إنه مع ارتفاع أعدادنا بشكل صاروخي، سنصطدم حتما بجرف مالتوس ونفاد الطعام. سيتبع ذلك المجاعة والحرب. لكن ذلك لم يحدث.
ما نتج كان سياسات غير إنسانية. الكتاب -المليء بمقاطع مشحونة بالعنصرية عن “حي فقير” مزدحم في دلهي -أثر بشكل مباشر على سياسات التعقيم القسري في الهند في السبعينيات. كما نتجت سياسة الطفل الواحد الصينية من مخاوف مماثلة.
غالبًا ما يتم تحميل الدول منخفضة أو متوسطة الدخل مسؤولية معالجة الزيادة السكانية. ويتبنى ذلك أشخاص ينتمون للدول ذات الدخل المرتفع والاستهلاك المرتفع.
الدعوات التي أطلقها الباحثون الغربيون، لمعالجة التدهور البيئي عبر إبطاء النمو السكاني، تكرر نفس الكلام. وهي تركز على مناطق العالم التي لا يزال سكانها يتزايدون بشدة، في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأمريكا اللاتينية وبعض الدول الآسيوية.
الأكاديمي الباكستاني عادل نجم يرى أن هذه الدول “سئمت السياسة السكانية الدولية باسم البيئة”.
إن أغنى 1٪ في العالم مسؤولون عن 15٪ من انبعاثات الكربون. وهذا أكثر من ضعف انبعاثات أفقر 50٪ من سكان الكوكب، وهم الأكثر عرضة لأضرار تغير المناخ.
مثلًا، ربط الأمير ويليام النمو السكاني الأفريقي بفقدان الحياة البرية، رغم أن لديه ثلاثة أطفال وينحدر من عائلة ذات بصمة كربونية تزيد بنحو 1600 مرة عن متوسط بصمة الأسرة النيجيرية.
ماذا عن إنقاذ الحياة البرية؟ حجم الطلب من الدول الغنية هو المحرك الأكبر لفقدان التنوع البيولوجي. كيف؟ الإنسان الغربي يحصل على برجر اللحم البقري عبر حرق غابات الأمازون وتحويلها لمراعي للأبقار. الدول الغنية، كأستراليا، لها سمعة سيئة في عدم حماية الحياة البرية من الزراعة وتطهير الأراضي.
هذا لا يعني أن النمو السكاني في الدول منخفضة الدخل لا يستحق المناقشة.
بالنسبة لعلماء البيئة وصناع السياسات الغربيين، من الأفضل الابتعاد عن عقلية اللوم والسعي لمعالجة عدم المساواة بين الدول وفي داخلها. وتشمل المعالجة دعم تنظيم الأسرة، وتيسير تعليم الفتيات، وتحسين تنظيم الأسواق المالية العالمية، والهجرة الآمنة للباحثين عن عمل في الدول الغنية.
السُعار الرأسمالي
يتبادر السؤال مرة أخرى: علام، أو على من، تقع مسؤولية الأزمة.
التركيز على أعداد البشر يحجب عن أعيننا السبب الحقيقي لمشاكلنا البيئية. أي الإهدار والتفاوت الناتج عن سعار الرأسمالية الحديثة وتركيزها على النمو اللامتناهي وتراكم الأرباح.
تقول هيثر ألبرو في مقال لها بموقع كونفرسيشن: في عام 2018، شكلت أكبر الدول المسببة للانبعاثات على كوكب الأرض -أمريكا الشمالية والصين -حوالي نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. إن معدلات الاستهلاك المرتفعة بهذه المناطق تولد ثاني أكسيد الكربون بكميات أكبر بكثير من نظيراتها بالدول الفقيرة، لدرجة أن ثلاثة إلى أربعة مليارات شخص إضافي بالدول الفقيرة لن يؤثروا على الانبعاثات العالمية.
هناك أيضًا التأثير غير المتناسب للشركات. يرى البعض أن 20 شركة فقط من شركات الوقود الأحفوري ساهمت في ثلث إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الحديثة، رغم معرفة المديرين التنفيذيين للصناعة بعلم تغير المناخ في وقت مبكر منذ عام 1977.
إن عدم المساواة في السلطة والثروة والوصول إلى الموارد -وليس مجرد أعداد السكان -هي عوامل رئيسية للتدهور البيئي. ما يستهلكه أغنى 10٪ في العالم ينتج عنه 50٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الاستهلاك على كوكب الأرض، بينما يساهم النصف الأفقر من البشر بنسبة 10٪ فقط. ومع وجود 26 مليارديراً فقط يمتلكون ثروة أكثر من نصف العالم، فالأرجح أن يستمر هذا الاتجاه.
إن المشكلة تكمن في التفاوت الشديد، والاستهلاك المفرط للأثرياء في العالم، والنظام الذي يعطي الأولوية للأرباح على الرفاه الاجتماعي والبيئي. هذا هو الجانب الذي يجب أن نكرس فيه اهتمامنا.
تزايد المخاوف بشأن التحولات الديموجرافية
يقول مايكل هيرمان على موقع UN Chronicle، إن تزايد التنوع الديموجرافي يثير مخاوف متباينة بشأن التغيير في التركيبة السكانية، فبعض أفقر الدول تهتم بكيفية تلبية احتياجات عدد كبير ومتزايد من السكان، أما بعض أغنى الدول فيعتريها القلق حول كيفية تعزيز الخصوبة. لذلك، تنتهج الحكومات سياسات سكانية متباينة ذات أهداف متعارضة.
بعض الدول، عدلت سياساتها السكانية استجابة للواقع الديموجرافي الجديد. انتقلت من التركيز على خفض مستويات الخصوبة إلى سياسات مؤيدة للإنجاب. هذه التحولات تحركها المخاوف من التغيير الديموجرافي.
تتمثل المخاوف في أن شيخوخة السكان وتدهورهم يؤديان لنقص العمالة والمهارات، ويضعفان الإنتاجية والابتكار، ويبطئان النمو الاقتصادي والتنمية، ويفرضان ضغوطا مالية على الحكومات والشعوب، ويقودان لتحولات ثقافية وعرقية، ويضعفان من سياسة الدول وقوتها العسكرية.
كما تؤثر التغيرات الديموجرافية على الأهداف التي تشمل توفير السلع والخدمات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والماء والطاقة والإسكان والبنية التحتية والصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى التشغيل الكامل للعمالة وتحقيق مستويات معيشية أفضل وتخفيض الضغوط البيئية.
بناءً على أبحاث البنك الدولي، قدرت منظمة أوكسفام أنه في عام 2022، سيكون عدد الذين يعيشون في فقر مدقع 860 مليونًا. حتى الآن، لا يزال الملايين يعيشون في فقر ويعانون من الجوع، ولا يحصلون على الرعاية الصحية أو الحماية الاجتماعية، وليس لديهم عمل لائق، وغير قادرين على الحصول على التعليم الابتدائي والثانوي. الملايين من النساء يفتقرن إلى تكافؤ الفرص. يجب أن يقف العالم صفًا واحدًا ويضاعف جهوده لتنفيذ خطة عام 2030 وضمان التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة، وهذه هي الطريقة الوحيدة لترجمة قدرات 8 مليارات شخص إلى واقع.