الضغوط الاقتصادية على أوروبا والعقوبات على موسكو .. لم تغير شيئًا
أمريكا وفرنسا تطالبان بالانسحاب كأساس للتفاوض.. وروسيا ترفض
ماكرون وبايدن تقابلا في منتصف الطريق..بين الدبلوماسية والدعم العسكري لكييف!!
كيفن مكارثي بعد سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب:
لن نوقع شيكًا على بياض لزيلنسكي ..!!
اختبار جهود الرئيس الفرنسي في الحفاظ على الوحدة الأوروبية!!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، وسط أجواء ملبدة بالغيوم، فقد تمت على وقع دوي الانفجارات والقصف المتبادل بين روسيا وأوكرانيا، وبالتزامن مع اتفاق حكومات الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع –مع رفض روسيا -على وضع حد أقصى لسعر النفط الروسي المنقول بحرا وقدره 60 دولارا للبرميل، وتأهب دول الاتحاد لبدء سريان حظر واردات الخام الروسي اعتبارًا من أول أمس الإثنين.
كذلك جاءت الزيارة مع دخول الأطباء وعمال المختبرات الفرنسيين في إضراب تاريخي، على مستوى البلاد، لتحسين الأجور وظروف العمل، وإن كانت أزمة الأجور وارتفاع الأسعار والضغوط الاقتصادية تضرب القارة الأوروبية بأكملها، في ظل مخاوف شديدة من أزمة الطاقة التي تطل برأسها على القارة في الشتاء القارس.
يضاف لما سبق أن الزيارة جاءت وسط بوادر انقسام داخل حلف الأطلنطي حول التكلفة الباهظة لتمويل أوكرانيا وتوفير الأسلحة لها في مواجهة روسيا، وإن كان ماكرون قد أعلن عقب عودته من واشنطن عن تقديم مساعدات عسكرية جديدة لكييف.
كما خيم على الزيارة أجواء الخلافات بشأن الدعم الذي قدمه بايدن لصناعة السيارات الكهربائية الأمريكية، مما يؤثر سلبًا على شركات السيارات الأوروبية.
يقول روجر كوهين وزولان كانو يونجس، في تقرير للنيويورك تايمز، إنه أثناء الزيارة، قال الرئيس جو بايدن، وهو يقف إلى جانب الرئيس الفرنسي الذي دافع عن الحاجة إلى الحوار مع موسكو، إنه سيتحدث مع الرئيس فلاديمير بوتين، ولكن فقط بالتشاور مع حلفاء الناتو، وفقط إذا أشار الزعيم الروسي إلى أنه “يبحث عن طريقة لإنهاء الحرب “.
أعرب بايدن علنًا عن استعداده المشروط للوصول إلى بوتين وعن امتنانه للمسؤولين الفرنسيين وقدم دعمًا غير متوقع لتواصل ماكرون مع بوتين. وأشار بايدن إلى أن الرئيس الروسي لم يبد أي اهتمام حتى الآن بإنهاء غزوه، لكنه قال: إذا تغير ذلك، “فسأكون سعيدًا بالجلوس مع بوتين لمعرفة ما يدور في ذهنه”.
مع ذلك، ذكر موقع بي بي سي أنه بعدما أبدى الرئيس الأمريكي جو بايدن استعدادا للقاء بوتين، قالت موسكو إن رفض الغرب الاعتراف بـ “الأقاليم الجديدة” التي تم ضمها لروسيا من أوكرانيا، يجعل محادثات السلام أكثر صعوبة.
وقال الكرملين إنه منفتح على إجراء مفاوضات، ولكن ليس بشأن مطلب الغرب الخاص بالانسحاب من أوكرانيا.
وأمام إصرار الغرب على انسحاب بوتين من الأقاليم الأربعة ورفض الكرملين الاستجابة لهذا المطلب، يبدو أن الأزمة سيطول أمدها، خصوصًا وأن الناتو يؤكد عدم السماح بخروج روسيا منتصرة بينما يحقق الجيش الأوكراني بعض التقدم على جبهات القتال!
وتقول النيويورك تايمز إن ماكرون وبايدن التقيا في منتصف الطريق، حيث أظهر بايدن مزيدًا من الانفتاح على تسوية تفاوضية، كما أظهر ماكرون دعمًا لا لبس فيه للقضية الأوكرانية.
كان عرضًا مهمًا للوحدة عبر المحيط الأطلسي قبيل البرودة الجليدية لفصل الشتاء الذي سيشكل ضغطًا هائلاً على الشعب الأوكراني، فضلاً عن الضغط على الاقتصادات الغربية، وخاصة الدول الأوروبية التي تتدافع لإيجاد مصادر جديدة للطاقة مع ارتفاع الأسعار بشكل حاد.
ويشير تقرير لوكالة اسوشيتدبرس إلى أنه في واشنطن، يستعد الجمهوريين للسيطرة على مجلس النواب، حيث يقول زعيم الحزب الجمهوري كيفين مكارثي إن الجمهوريين لن يوقعوا “شيكًا على بياض” لأوكرانيا. وعبر المحيط الأطلسي، سيتم اختبار جهود ماكرون للحفاظ على أوروبا موحدة من خلال التكاليف المتزايدة لدعم أوكرانيا في الحرب التي استمرت تسعة أشهر وفي الوقت الذي تواجه فيه أوروبا ارتفاع أسعار الطاقة التي تهدد بعرقلة الانتعاش الاقتصادي بعد الوباء.
وصرح مسؤولون فرنسيون، بأنه خلال اجتماع مغلق استمر ثلاث ساعات، اتفق بايدن وماكرون على أن المزيد من المكاسب في ساحة المعركة الأوكرانية سيشكل عاملًا مهمًا في أي محادثات مع موسكو. ومن الناحية العملية، تبدو فكرة التفاوض بعيدة المنال، خصوصًا إذا لم يجد بوتين ما يمكن أن يسميه انتصارًا.
في وقت لاحق، وخلال مأدبة غداء على شرف ماكرون بوزارة الخارجية الأمريكية، أوضح أنتوني بلينكين، وزير الخارجية، إنه في هذا النضال، وقفت الولايات المتحدة وفرنسا جنبًا إلى جنب في الدفاع عن الحرية والمجتمعات الديمقراطية.
ورد ماكرون بوصف النضال في أوكرانيا على أنه كفاح لا تشعر به الولايات المتحدة وفرنسا إلا كجزء من “أرواحنا وجذورنا”، حيث يمثل “نضالًا من أجل الحرية والقيم العالمية”.
كانت لهجة ماكرون مختلفة عنها في بداية الزيارة، عندما انتقد بشدة توقيع بايدن قانون الحد من التضخم لأنه يمكن أن “يقتل” الوظائف الأوروبية من خلال دعمه الهائل للتصنيع الأخضر، مما يشير إلى أن هذه السياسة كان يمكن أن “تدفع الغرب للتشرذم.”
هذا التشرذم في التحالف مع دخول الحرب شهرها العاشر هو أكثر ما يهتم القادة الغربيون بتجنبه.
ويبدو أن مخاوف الرئيس الفرنسي قد تبددت. مرة أخرى، انفتح كل زعيم لاستيعاب انشغالات الطرف الآخر.
وقال بايدن إنه “لم يعتذر” عن قانون خفض التضخم ومليارات الدولارات من التمويل الحكومي لمبادرات الطاقة الخضراء. لكنه بدا حريصًا على تخفيف المخاوف الفرنسية، قائلاً إن مشروع القانون به “ثغرات” يمكن حلها.
ويقول تقرير النيويورك تايمز إن دفء الرئيسين تجاه بعضهما البعض، في الاحتفال بما أسماه بلينكين الصداقة “الثابتة” بين البلدين، يأتي بعد 14 شهرًا فقط من انهيار العلاقات بسبب اتهامات لاذعة حول صفقة بايدن وبريطانيا لمساعدة أستراليا في بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية.
ونظرًا لأن الصفقة أفسدت عقدًا فرنسيًا سابقًا لتزويد أستراليا بالغواصات التقليدية، فقد رأت فيها فرنسا مؤامرة “أنجلو ساكسونية” ضد مصالحها. واستدعى ماكرون سفيره بواشنطن إلى فرنسا، لكن العلاقات سرعان ما عادت للدفء مرة أخرى بعد أن وصف بايدن الإجراءات الأمريكية بأنها “خرقاء”.
كما قال الزعيمان إنهما سيركزان على الحاجة إلى تعزيز القدرة الدفاعية لأوروبا.
وقال بيان ماكرون -بايدن: “يدرك الرئيسان أهمية وجود دفاع أوروبي أقوى وأكثر قدرة يساهم بشكل إيجابي في الأمن عبر المحيط الأطلسي والعالمي ويكون مكملاً لحلف شمال الأطلسي وقابلاً للتشغيل المتبادل معه”.
قال ماكرون: “إن دعم الولايات المتحدة بقوة للأوكرانيين في ذلك الوقت أمر مهم للغاية ليس فقط للأوكرانيين، ولكن لاستقرار عالمنا اليوم”.
وفي مقال على موقع كارنيجي إندومنت، يستشهد كريستوفر س. تشيفيس وماثيو دروين بما حدث عندما وصف الرئيس الفرنسي الناتو، في عام 2019، بأنه “ميت دماغياً”، حيث “انفجرت الرؤوس في أروقة البنتاجون ووكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية”. وحين أعلنت إدارة بايدن عن خطط جديدة للتعاون العسكري مع أستراليا وبريطانيا في عام 2021، أصيب المسؤولون الأمريكيون بالذهول من توبيخ باريس الحاد.
كما أن إصرار ماكرون على إبقاء القناة الدبلوماسية مفتوحة مع موسكو بعد غزوها لأوكرانيا جعل دخان الغضب يندفع من آذان نخب السياسة الأمريكية. والأهم من ذلك كله، كان تشجيع ماكرون النشط من أجل “الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي” -والذي يعني أن أوروبا بحاجة إلى القوة الاقتصادية والعسكرية لتولي قدر أكبر من المسؤولية عن سياستها الخارجية -يثير قلق مؤيدي الناتو المتحمسين في أمريكا وفي أوروبا.
ويضيف تشيفيس ودروين أن الأمن في أوروبا تحطم بسبب غزو فلاديمير بوتين أوكرانيا، ويجب على أمريكا أن تريد أوروبا أقوى وأكثر اتحادًا حسبما يسعى ماكرون، خاصة وقد أصبح من المؤكد أن تكاليف ردع الصين في المحيطين الهندي والهادئ تتزايد. وبفضل وجود فرنسا وخبرتها في إفريقيا والشرق الأوسط، فإن باريس أيضًا مهيأة جيدًا لمحاربة الإرهاب وتعزيز الأمن في المناطق التي تنطلق منها الولايات المتحدة.
وتقود فرنسا الآن نهجًا أوروبيًا تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ من شأنه تعميق علاقتها مع الهند وإندونيسيا والإمارات العربية المتحدة. يمكن أن تخدم هذه العلاقات المصالح الإقليمية للولايات المتحدة أيضًا. وقد فرض ذلك على بايدن وماكرون وضع آليات للتواصل وتنسيق سياساتهما الإقليمية.
واتضح أن قناة ماكرون الدبلوماسية مع موسكو هي عين البصيرة، إذا ما تباطأ تقدم أوكرانيا وقرر بايدن الاستجابة للدعوات المتزايدة لإيجاد مخرج دبلوماسي من الحرب.
وحول سعي ماكرون لتحقيق الأمن الجماعي لأوروبا، يشير مقال لكل من ماري جوردان وسيليا بيلين، على موقع فورين أفيرز، إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا أكد، إلى جانب التلويح باستخدام الأسلحة النووية، أن الناتو لا يزال “الأساس والإطار الأساسي للأمن الجماعي لأوروبا”، حسبما وصفته حكومة ماكرون في المراجعة الاستراتيجية الوطنية التي نُشرت في نوفمبر.
كشفت الحرب في أوكرانيا عن مخاطر اعتماد أوروبا المفرط على الولايات المتحدة لتوفير الأمن.
لا تزال فرنسا تأمل في إقناع أوروبا بتحمل المزيد من المسؤولية عن دفاعها، ليس فقط من خلال بناء قدرات مصنوعة في أوروبا ولكن أيضًا من خلال إجراء المزيد من المهام المستقلة. بعد الخلاف حول اتفاق أوكوس بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، أصدر بايدن بيانًا مشتركًا مع ماكرون أكدا فيه على “أهمية وجود دفاع أوروبي أقوى وأكثر قدرة… بالتكامل مع حلف الناتو “. وبعد أكثر من عام بقليل، يسعى ماكرون الآن للحصول على تأكيد بأن الحرب في أوكرانيا لا تبطل هذا البيان بل تؤكده.
لقد أظهرت الحرب في أوكرانيا بالفعل كيف يمكن لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي أن يكمل كل منهما الآخر.
وأخيرًا .. تظل الأسئلة قائمة بلا إجابة:
إلى متى تستمر الحرب الأوكرانية؟؟
وهل تندفع إلى مسار غير مقصود، ينتهي بمواجهة مباشرة بين روسيا والغرب؟؟
هل يخضع بوتين للضغوط المتمثلة في الإمدادات العسكرية الغربية لأوكرانيا والعقوبات المتتالية ويقبل بالهزيمة والانسحاب المهين، خصوصًا وأن ماكرون تجنب الحديث عن عدم إذلال روسيا خلال زيارته الأخيرة لواشنطن؟
أم أن مياها أخرى تجري تحت السطح، قد تكشف عنها الأشهر المقبلة؟؟
عمومًا ..فلننتظر ونراقب!