الاخبارية – وكالات
تجري تونس الانتخابات البرلمانية يوم السبت، لكن في مدينة جرجيس الساحلية جنوب تونس، لا يجتذب هذا الاستحقاق اهتمام إسماعيل الشلاخي وشبان آخرين مثله.. كل ما ينتظرونه هو فرصة للمخاطرة بحياتهم على متن قارب مهربين متجه إلى السواحل الأوروبية.
بعد مضي أكثر من عشر سنوات على اندلاع ثورة تونس التي فجرت ما أصبح يعرف بالربيع العربي، تتزايد مستويات الفقر ويوشك الاقتصاد على الانهيار بينما يواجه النظام السياسي في البلاد أزمة حادة.
البرلمان الجديد الذي سيصوت لاختياره التونسيون يوم السبت لن يكون له أي تأثير يذكر وسيكون بلا مخالب في ظل الدستور الجديد الذي صاغه الرئيس قيس سعيد بنفسه خلال العام الجاري والذي ركز السلطة بين يديه. الدستور أقره لاحقا استفتاء شعبي شارك فيه حوالي 30 بالمئة من جمهور الناخبين.
في جرجيس، حيث تحمل جدران الشوارع صور 18 مهاجرا غرقوا وفقدوا في حطام سفينة في أكتوبر تشرين الأول بينما يُحمل سكان المدينة السلطات التونسية مسؤولية الحادث وعبر جميع من تحدثت إليهم رويترز عن نيتهم عدم المشاركة في الانتخابات.
وقال الشلاخي (19 عاما) والذي مثله مثل معظم أصدقائه العاطلين عن العمل “سأقاطع الانتخابات. لست مهتما بها. لماذا سأصوت؟ بلدي لم يعطني شيئا”.
حاول الشلاخي بالفعل عدة مرات الوصول إلى إيطاليا بشكل غير قانوني، وكاد يموت في إحدى المرات.
يتذكر وهو يروي لفريق رويترز عندما ساء الطقس خلال محاولته الأولى الفاشلة “كان ركاب من بينهم نساء وأطفال يبكون ويتوسلون إلينا للعودة ادراجنا إلى تونس… كانت الأمواج عالية جدا. كانت الأمواج شديدة السوء لمدة أربع ساعات على الأقل”.
وفي نهاية المطاف عاد القارب. لكن الشلاخي يقول إنه بمجرد أن يدخر ما يكفي من المال، فسيعيد المحاولة مرة أخرى مثل آخرين في المدينة.
وقال “أريد تحسين حياتي وتحسين حال عائلتي. سأذهب إلى أي مكان في أوروبا يستخدم العملة الصعبة”.
وتفاقم الاحباط في جرجيس، الواقعة على الساحل الجنوبي، بسبب الغضب من حادث سفينة المهاجرين التي غرقت، لكن في أماكن أخرى من البلاد تخسر تونس أبناء يشارون في رحلات الموت بحثا عن العمل وهربا من غلاء المعيشة والفقر وتفشي اليأس.
وانكمش اقتصاد البلاد بنسبة 8.5 بالمئة خلال جائحة كوفيد، وبينما تسعى الحكومة إلى الإنقاذ، أدى العجز المالي المتفاقم إلى رفوف فارغة في المتاجر. ويشكو السكان من فقدان السكر وزيت الطعام والحليب والزبدة ومواد أخرى.
ويقول المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو منظمة تعمل على الهجرة، إنه بحلول نوفمبر تشرين الثاني، وصل أكثر من 17500 تونسي إلى إيطاليا هذا العام وهو رقم لم يسبق له مثيل مقابل 15000 العام الماضي.
* “لا اتحمل رؤية البحر”
تعهد سعيد بفتح تحقيق في حادث غرق جرجيس لكن السكان المحليين لم يروا أي تغيير ويقولون إنهم يسمعون وعودا فقط.
ويقولون إن السلطات لم تطلق جهود إنقاذ كافية وإن الجثث التي انجرفت إلى الشاطئ دفنت، مجهولة الهوية، في مقبرة منعزلة لمهاجرين لم يتم الكشف عن أسمائهم.
وقال سليم زريدات الذي كان ابنه وليد البالغ من العمر 15 عاما من بين المفقودين “أتمنى ألا يشعر أحد بهذا الألم. لا أستطيع حتى أن اتحمل رؤية البحر. قلبي محطم”.
قام هو وعائلات أخرى بتفتيش المستشفيات والمشارح بحثا عن جثث الغرقى في محاولة للتعرف على ابنائهم.
يروي زريدات كيف أنه أصبح يعيش كوابيس كل ليلة بسبب كل تلك الجثث التي يراها لعدة أيام على أمل أن تكون جثة ابنه من بينها.
أثار الحادث احتجاجات على مدى أسابيع وما زالت العائلات الثكلى تعتصم أمام مقر للدولة.
وقال زريدات إنهم لن يصوتوا في انتخابات السبت لأنهم لا يعتقدون أن البرلمان يمكن أن يغير أي شيء.
ودُفنت الجثث مجهولة الهوية في مقبرة للمهاجرين بعيدة يمكن الوصول إليها عبر مسلك زراعي رملي طويل بين بساتين الزيتون.
وفي جرجيس مقبرة اخرى أنشأها قبل سنوات شمس الدين مرزوق وهو رجل تطوع لدفن غرباء غرقوا في حوادث الهجرة. المقبرة امتلأت بما يربو على 400 جثة وأصبحت لا تتسع للمزيد.
يتحدث مرزوق بحزن عن مصير مهاجرين تونسيين وأفارقة يضطرون لركوب قوارب الموت بحثا عن مستقبل أفضل مضيفا أن الرحلات زادت بشكل كبير في الآونة الأخيرة مع تزايد الاحباط واليأس وتفشي الفقر.
يقول مرزوق إن السبت ستكون المرة الأولى التي لن يصوت فيها منذ قيام الثورة.
ويضيف “الشباب الذين فجروا الثورة لم يستفيدوا منها. لا وجود لهم في السياسة. كانت ثورة شباب أفشلها كبار السن ونخبة سيئة من السياسيين”.
أما بالنسبة للشلاخي، فإن المستقبل الأفضل يبدو دون شك في الضفة الأخرى من المتوسط ويقول إنه لن يتخلى عن حلمه في الوصول إليه مهما كان الثمن.
عندما ذهب مع شقيقه وابن عمه لبدء رحلتهم الفاشلة قبل عام، كان الأمر بمثابة حفل زفاف بالنسبة له ولأصدقائه، ويقول إنهم كانوا في قافلة سيارات تطلق أبواقها فرحا بالهروب مما قال إنه “أصبح جحيما لا يطاق”.