وفي الزواج يستدل من الأخبار أنه كانت هناك مهور، يقدمها الرجل لمن يرتضيها زوجا، وأنها تتفاوت قلة وكثرة، حسب حالة الزوج، ومكان القبيلة من الشرف والحسب، وأنها كانت تصل إلى مائة من الإبل، ففي أخبار المرقش الأكبر أنه عشق ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك- وهو البرك- عشقها وهو غلام، فخطبها إلى أبيها، فقال : لا أزوجك حتى تعرف بالبأس، وكان يعده فيها المواعيد. ثم انطلق المرقش إلى ملك من الملوك، فكان عنده زمانا ومدحه فأجازه. وأصاب عوفا زمان شديد، فأتاه رجل من مرار أحد بني غطيف، فأرغبه في المال، فزوجه أسماء على مائة من الإبل. كما كانت هناك احتفالات تقام، وولائم تمد، تنحر فيها الجزر، وتذبح الغنم ويدعي العرب. وفي قصة زواج الحارث بن عوف أنه أراد الدخول ببهيسة حليلته بعد أن ارتحل بها عن ديارها، فقالت له : ” أكما يفعل بالأمة الجليبة أو السبية الأخيذة! لا والله حتى تنحر الجزر، وتذبح الغنم، وتدعو العرب، وتعمل ما يعمل لمثلي ” . وهناك من اشترطن لقبول الزواج شرطا يرتبط بصفات المتقدم، أو سلوكه؛ ففي خبر عمارة بن وليد أنه خطب امرأة من قومه فقالت لا أتزوجك أو تترك الشراب والزنا، قال: أما الزنا فأتركه، وأما الشراب فلا أتركه ولا أستطيع، ثم اشتد وجده بها، فحلف ألا يشرب فتزوجته. ومكث حينا لا يشرب. ومن هذا وغيره من الأخبار الكثيرة التي يستدل بها على استشارة الرجل العربي لبناته في أمر الزواج وكانت تفرد لهن فسحة من الوقت، لكي تعمل البنت عقلها، وتقلب رأيها، لتتخذ قرارها. ومنها أنه كان هناك تبرير وتعليل للقرار المتخذ قبولا أو رفضا.
وقد رفضت الخنساء الشاعرة دريد بن أبي الصمة لما خطبها من أبيها فقال أبوها : ” مرحبا بك يا أبا قرة! إنك للكريم لا يطعن في حسبه، والسيد لا يرد حاجته، والفحل لا يقرع أنفه.. ولكن لهذه المرأة في نفسها ما ليس لغيرها، وأنا ذاكرك لها وهي فاعلة. ثم دخل إليها وقال لها: يا خنساء، أتاك فارس هوازن، وسيد بني جشم دريد بن الصمة يخطبك وهو من تعلمين.. فقالت: يا أبت، أتراني تاركة بني عمي مثل عوالي الرماح، وناكحة شيخ بني جشم هامة اليوم أو غد؟!. وكان للمرأة حق اختيار من سيكون لها زوجا، إذ يروى أن ماوية بنت عفزر كانت ملكة، وكانت تتزوج من أرادت، وأنها بعثت غلمانا لها وأمرتهم أن يأتوها بأوسم من يجدونه بالحيرة، فجاءوها بحاتم. قد يقال إن هذا كان مقصورا على من كان مثل ماوية منزلة و شرفا؛ ولكن من يقرأ كتاب الأغاني يجد أن حق الاختيار كان مكفولا للمرأة العربية الشريفة بعامة.
الطلاق:
وكانت النساء – أو بعضهن- يطلقن الرجال في الجاهلية، وكان طلاقهن أنهن إن كن في بيت من شعر حولن الخباء، فإن كان بابه قبل المشرق حولنه قبل المغرب، وإن كان بابه قبل اليمن حولنه قبل الشام؛ فإذا رأى ذلك الرجل علم أنها قد طلقته فلم يأتها. ولعل السبب في هذا أن الخباء عند الساميين كان ملكا للمرأة، وهو عند أهل الوبر كالبيت عند أهل الحضر، أما الحضريات فكانت لهن طريقة أخرى في إعلام الزوج بالتطليق، تتمثل في أنهن لا يعالجن للزوج طعامه إذا أصبح. ومن هؤلاء اللائي امتلكن حق التطليق: سلمى بنت عمرو. وماوية بنت عفزر زوجة حاتم الطائي. وقد أبقى الإسلام حق المرأة في الطلاق وإلى ذلك ذهب أصحاب المذاهب الأربعة. وأباح لها الإسلام أن تختلع وأن تطلب التفريق لعيب في الزوج أو لامتناعه عن الإنفاق، أو لسوء عشرته، أو لغيبته الطويلة. على أنه من الملاحظ أن المرأة لم تستخدم هذا الحق استخداما سيئا؛ فلم تطلق زوجها حماقة أو هوى، وإنما كانت تحرص على رباط الزوجية؛ إلا إذا لم تجد بدا من فصمه. يدل على ذلك أن ماوية لم تطلق حاتما إلا بعد ما يئست من كفه عن التخريق في كرمه، ولخوفها على مستقبلها، ومستقبل بنيها. وله في الحديث عن كرمه أمام ماوية أبيات جميلة ذكرها صاحب الأغاني ومنها:
أماوي إن المال غاد ورائح
ويبقى من المال الأحاديث والذكر
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
وبمجئ الإسلام أبقى على بعض النظم العربية الصالحة في الطلاق، وأبطل بعض النظم، مراعيا ما يحقق سعادة الفرد والجماعة، فقد أبقى على جعل الطلقات ثلاثا وأضاف إلى ذلك أمورا منها أن زوجها أحق بردها إن أرادا ذلك وهو الأقرب لربط أواصر النفس والنسب وعدم تفسخ أمشاج المجتمع، وأبقى على التطليق ثلاثا دفعة واحدة، وإن اختلف الفقهاء في حكمه من حيث العدد، وأبطل الإيلاء على أنه طلاق؛ وحرم الظهار، وأعطى المرأة حقها في الطلاق إذا كانت قد اشترطت ذلك على زوجها.