ان موضوع تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية له أهمية بالغة تتمثل في مدى احترام الإدارة للأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي فيه وامتداد لاحترام دولة القانون وشرعية الدولة وهو مقياس لتصنيف الدول ، فلهدف من هاته الدراسة معرفة كيفية تنفيذ الأحكام القضائية الإدارية الصادرة ضد الإدارة ومعرفة الأليات التي من خلالها إجبار الإدارة على التنفيذ في حالة امتناعها والسبل التي تبناها المشرع ان الموظف الممتنع عن تنفيذ الحكم القضائي غالباً ما يدعي بأن امتناعه كان طاعةً لأمر رئيسه بغية التمتع بالحماية المقررة للموظف الذي يرتكب الفعل طاعةً لرؤسائه المقررة بالنصوص الجزائية والتي تعد فعله مباحاً في حال توافرت شروط الطاعة ومن اهمها ان يكون الأمر صادراً اليه من الرئيس المختص , وان يكون وفق الشكل المحدد قانوناً, ومشروعاً , ومتناسباً مع القدرة على تنفيذه.
ان قانون العقوبات وضع حالتين للطاعة التي تعد فيهما سبباً من اسباب الاباحة هما حالة العمل القانوني وحالة العمل غير القانوني , فبالنسبة للحالة الاولى فتتحقق بأن يطيع الموظف امر رئيسه المشروع ونادراً ما يكون امر الرئيس بعدم تنفيذ الحكم مشروعاً فغالباً ما يكون غير ذلك كونه يمس بمبدأ استقلال القضاء.
من المعروف أنّ الحكم القضائي ھو عنوان الحقيقة، وتنفيذه یعني تحویلھ من الواقع النظري إلى التطبيق العملي. وبما أنّ الأحكام القضائیة الصادرة عن القضاء الإداري تقوم في أساسھا على مبدأ المشروعیة الذي یفرض على الإدارة احترام الأحكام القضائیة وكفالة تنفیذھا، خاصةً إذا ما علمنا بأنّ سلطات الإدارة وامتیازاتھا المتزایدة قد یُغریھا للإخلال بإلتزامھا، وتمتنع عن التنفیذ،
بكفية مواجھة إمتناع الإدارة عن تنفیذ الأحكام القضائیة الصادرة بمواجھتھا.وحتى نستطیع أن نلج إلى الحدیث عن الوسائل التي یُمكن اللجوء إلیھا لمواجھة تعنت الإدارة وإمتناعھا عن التنفیذ، فلابُد أن نتكلم وباختصار عن المقصود بإمتناع الإدارة عن التنفیذ، وأسباب إمتناعھا،
وخاصة إمتناع الموظف عن التنفیذ والجزاءآت المترتبة على الإدارة والموظف في حال الإمتناع، كما وتمّ الحدیث عن إمكانیة القاضي وقدرتھ على توجیھ الأوامر للإدارة خاصةً في فرنسا ومصر والأردن، كما تمّ الحدیث عن وسائل مواجھة الإدارة عند امتناعھا سواءٌ بالوسائل التقلیدیة كالأسلوب الودي وغیره، كما قد یتم اللجوء إلى أسلوب الضغط المالي، كالإلتزام البدلي والفوائد التأخیریة، وأخیراً أسلوب الغرامة التھدیدیة. إن تحقيق العدالة بين الفرد والدولة على اختلاف إيديولوجياتها وأنظمتها السياسية تشكل حلقة اختلال بين الفرد ودولته مما أدى إلى تضافر الجهود وتكاثفها في القضاء والتشريع، كل من جانبه وفي حدود اختصاصاته سواء من خلال صياغة القوانين الوضعية أو من خلال الاجتهادات القضائية والأهم هو العمل على تنفيذ هذه القوانين والأحكام والقرارات الصادرة ضمانا وصونا للحقوق والحريات وتحقيقا لمبدأ المشروعية. إلا أن الأشكال الذي يثير نفسه غالبا لا يكون في أحكام النزاع العادي أمام القضاء العادي نظرا لان المشرع وضع القوانين الخاصة بتنفيذها مواجها بذلك كل الصعوبات والمشاكل العملية التي قد تحدث، إلا انه يظهر جليا في النزاعات الإدارية أين تكون الدولة احد أطراف النزاع باعتبارها في مرتبة أسمى من الأفراد نظرا للامتيازات والسلطات الممنوحة لها الشيء الذي يجعل الهدف الأساسي في النزاع الإداري هو إيجاد حلول فعالة وناجعة للتصدي للانحراف في استعمال السلطة الإداري
يعد واجب الطاعة من أهم الواجبات الوظيفية التي تقوم على أساس تنفيذ أمر الرئيس باعتباره واجباً وظيفياً ينبع من طبيعة الوظيفة وضروراتها التي توجب احترام المرؤوس لأوامر الرئيس بالإضافة إلى الخضوع للقانون عموماً وهذا الاحترام يجد أساسه في علاقة التدرج الوظيفي التي تقوم بين الموظفين , وفي مقابل هذه الطاعة هنالك ضمانة للمرؤوس تتمثل بالإعفاء من المسؤولية في مقابل تلك الطاعة , إلا أن هذا الإعفاء ليس مطلقاً وإنما مقيداً بشروط محددة لابد من الإتيان بها لتحقيق الغاية التي يبتغيها المشرع من مراعاة حسن نية المرؤوس وضمان سير العمل.
أما في حال ثبوت عدم مراعاة تلك الشروط اللازم توافرها في الطاعة أو كان تنفيذ الأمر يعد جريمة واضحة فلا يتمتع ذلك الموظف بالإباحة , وإذا كانت الطاعة تبدو واضحة في الجرائم الايجابية فهي تبدو أكثر صعوبة في الجرائم السلبية كجريمة امتناع الموظف المختص عن تنفيذ الأحكام القضائية التي يقتصر دور الموظف فيها بالإحجام عن التنفيذ دون أن يصاحبه نشاط ايجابي في حين أن ذلك الامتناع يعد مساساً بالأحكام القضائية وما تحوزه من حجية .
ان اغلب الجرائم هي جرائم ارتكاب يستلزم لتوافرها القيام بسلوك ايجابي , الا ان ذلك لا ينفي وجود عدد من الجرائم التي تتحقق بسلوكاً سلبياً ولاسيما ان السياسة الجنائية الحديثة تدعو إلى مد نطاق التجريم على هذا النوع من الجرائم
وتعد جريمة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية من الجرائم السلبية التي نصت عليها اغلب قوانين العقوبات لما تحمله هذه الجريمة من انتهاكاً واضحاً لحق من صدر الحكم لصالحة , ومساس باستقلالية القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات ولكونها ترتكب من الموظفون الذين يعدون عماد السلطة التنفيذية ورجالها , لذلك فقد احاطها المشرع بأحكام اجرائية خاصة من شأنها حماية مرتكبي هذه الجريمة قدر الامكان ورغبة منه في اللجوء إلى التنفيذ خلال المدة القانونية افضل من اللجوء للدعوى الجزائية , الا ان الموظف الممتنع شأنه شأن باقي الموظفين يتلقى اوامر من رؤساءه قد تكون بالقيام بالتنفيذ وقد تكون بالامتناع عنه سواء بشكلٍ صريح أو بأي صورة من صور الامتناع , على ان امتناعه هذا قد يكون مؤثراً على مسؤوليته الجزائية في حال كان وفق الطريق الذي رسمه القانون عليه سنقسم هذا المطلب إلى مطلبين نتناول في المطلب الأول التعريف بالامتناع , وفي المطلب الثاني نتناول الأحكام الإجرائية ال أرست محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية مبدأ قانونيا تاريخيا للحكم الرشيد، وقضت بأن الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية مسؤولية رئيس الدولة طبقا للدستور الجديد وعليه الأمر بالتنفيذ.
قالت المحكمة إن عدم تنفيذ الأحكام القضائية من أى جهة أو سلطة فى الدولة يمثل إخلالاً جسيما بمبدأ الفصل بين السلطات وهى مسؤولية رئيس الجمهورية فى المقام الأول، إذ يتوجب عليه بمقتضى المادة 132 من الدستور الجديد ـ باعتباره حكما بين السلطات ـ أن يأمر بتنفيذ هذه الأحكام ولا يجوز له أن يتنصل من هذه المسؤولية التى ألقاها على عاتقه المشرع الدستوري أيا كانت المبررات، فواجبه رعاية الحدود بين السلطات، كما أن احترام السلطة القضائية وتنفيذ أحكامها وصون استقلالها هى أولى مسؤوليات رئيس الجمهورية وأدق التزاماته، وهى تتواكب مع التزامه برعاية مصالح الشعب والحفاظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه وذلك هو المعيار الرئيسي الذى يجب أن يترسخ كأثر من مقتضيات الحكم الرشيد.