مكحلةٌ عيونك بالسهاد ِ
تحدِّق في الوجودِ وفي العِبادِ
تراقب رحلة المجهولِ بَدْءًا
من الوَهَجِ الشديدِ إلى الرمادِ
فذا قمرٌ بدا أَلقا سعيدا
يبادلُ نَجمة قُبَلَ الودادِ
و تلكَ سحابةٌ بيضاءُ تسعى
تزيِّن مِفرق الليل الرَّمادِي
وأمواجٌ بِمتنِ البحر تلهو
وتعبث بالشواطئ في اطِّرادِ
و مركب لذَّةٍ يَمضي ببطءٍ
تغازله النسائم في تَمادِي
وفوقَ المركبِ الموعودِ قومٌ
يصبُّونَ الصبابة باتئادِ
يُداوونَ الهموم بِفيضِ خمر
ويدعونَ النفوس لِخيرِ زادِ
و غانيةٌ تراقصهم بِشوقٍ
وتسقِي مِن شَذاها كلَّ صادِي
و في الأفقِ البعيدِ هناكَ قامت
جيوش عواصفٍ تَطوِي بلادي
تناطح بعضُها هاماتِ بعضٍ
وتبتلع المُسالِم و المعادي
فَحطَّمت الصفاء وبعثرته
ووشّحت المدينة بالسوادِ
و فر البدر مدحورًا حسيرًا
وهَرولت النجوم بِلا عِنادِ
وثار الموج في غَضَبٍ و أَمسى
جِبالاً ترتدي حلل الحدادِ
يدمدم كالرعودِ … يزيد عنفا
يجندل كل حي أو جمادِ
أَطاح بِمركبِ اللذاتِ فيه
وأَسلم ساكنيه فم النفادِ
سُويعاتٌ قلائلُ ثُمَّ ترضى
شياطين العواصفِ بالرقادِ
و تُطفَأ نارُها الظمأَى و تغدو
من الوَهَجِ الشديدِ إلى الرَّمادِ
و تبتلع الطبيعة ما غَشَاها
من الويلاتِ والفِتنِ الشِّدادِ
و يَشدو النورس الفجريُّ لَحنًا
يُردِّدُهُ الوجودُ على انفرادِ
و تُشرِق شمسُ حب من جديدٍ
يعانق نورها كل العباد
وتمرح في سلامٍ دونَ خوفٍ
سفائنُ بهجة خُضْرُ الأيادي
تلملم رزقَها والبحر يَسخـو
وربك حافظٌ والخير بادِي
لَـئن كانَ البلاء بشير خيرٍ
فَإنَّا عن يقينٍ في ازديادِ
أَخا الدُّنيا تَأنَّ فَلست إلاَّ
حقيرَ القدرِ مَسلوبَ العتادِ
أَتيت تبادِلُ الأيامَ عَدْوًا
بِمركبكَ المُسربَلِ بالحِدادِ
فَنادمت اللّذائذ بافتتانٍ
وأَسكنت الحياة دَمَ الفؤادِ
تَأَنَّ ولا تكن عَجِلاً جَهولا
فَمثلُكَ يا رفيقُ إلى نَفادِ
سَتأتيك المَنيَّة عن يقين
قريبًا في القيام أو الرُّقادِ
وترحل كالغريبِ بِغيرِ أَهلٍ
ولامالٍ ولا جاهٍ وزادِ
و ما يجديكَ مِن شيءٍ صديقي
سوى التَّقوَى و إتيانِ الرَّشادِ
سَتُطْفَأ نارُكَ الظَمْأى و تَغدو
من الوَهَجِ الشَّديدِ إلى الرَّمادِ