عندما كنت اتابع انجازات الموسيقار الكبير سليم سحاب في تدريب الموهوبين من الأطفال في “الموسيقا” بدءًا من البحث عنهم واختيارهم وتعهدهم بالتعليم والتدريب وانتهاءً بتقديمهم للجمهور في عمل رائع يدهش المشاهدين لما يرونه ويسمعونه من تَمَكُن وسيطرة على الآلة الموسيقية كأنهم ولدوا عازفين..أقول عندما كنت أرى ذلك كنت أتمنى في نفسي لو أننا فعلنا ذلك في كل مجالاتنا حتى يتغير واقعنا تغيرًا مدهشًا كدهشتنا لسليم سحاب وانجازاته.
وفي ختام المسابقة العالمية(٢٩) للقرآن الكريم فوجئت بما قرره الوزير الدكتور محمد مختار جمعة من إنشاء إدارة لرعاية الموهوبين في حفظ القرآن وتجويده وتلاوته بصوت حسن وفهمه.
هذه الإدارة كما قال لى الوزير بلا سقف محدد للإنفاق مهما بلغ عددهم ومهما احتاجوا من رعاية ..كانت مفاجأة طيبة لي سبق أن تمنيتها في كل مجالاتنا الحياتية، وكتبت حولها وهي تجربة قديمة في مصر عندما كانت فرق الابداع في ستينيات القرن الماضي تلف القري لتكتشف الموهوبين في مجالات شتى وبالفعل قدمت عباقرة في مجالاتهم إلا أن الأمر تراجع وغابت هذه التجربة وها هو وزير الاوقاف يعلن بعد لقائه الرئيس السيسي عما انتوته الاوقاف بشكل رسمي.
والحق أن الوزير قد بدأ هذه التجربة منذ فترة عندما أعاد فرق الانشاد الديني إلى الحياة ،وكانت قد ألغيت في بعض المؤسسات التي كانت ترعاها بل اختار منشدين جددًا من خلال مسابقات في مجالات كثيرة تتعلق بالصوت الحسن ليشاركوا في احتفالات المساجد التي تنقل على الهواء وتنشر في صفحات الاوقاف وموقعها على الشبكة العنكبوتية.
وكذلك عندما نوّع في فروع المسابقة الدولية للقرآن الكريم والمحلية، فأضاف إليها حسن الصوت ،وقدم أصحاب الأصوات الحسنة للإعلام وللإذاعة المصرية، ونشر ما سجلوه صوتا وصورة على مواقع الوزارة، ودعا الصحفيين والمسئولين في الإذاعة ليستمعوهم في جلسات اقتطع لها من وقته ومسئولياته، وافاض في الحديث عن أهمية تقديم هؤلاء للجمهور وأهمية أن تستعيد مصر عرش التلاوة والإنشاد ، بل وأهمية حماية هذه الأصوات والمواهب من الاندثار حسبة لله لأنها لاتجد من يرعاها ويأخذ بيدها . بل قدم بعض هذه المواهب للجان الاستماع في الإذاعة وأصبح بعضهم من المعتمدين فيها ،كما دعا البعض للمشاركة في احتفالات الاوقاف بالقراءة والإنشاد لتقديمهم للجمهور في حفلات تنقل على الهواء مباشرة، ثم تنشر على شبكات التواصل الاجتماعي
كما أضاف لمسابقة القرآن الكريم فرع “الأسرة القرآنية” ومنح الأسرة الفائزة جائزة كبيرة في دعوة للإقبال على القرآن حفظًا وتلاوة وفهمًا.
فكرة إقامة إدارة لاكتشاف الموهوبين والنوابغ فكرة مهمة واستثمار عظيم تأتي بثمارها الكبيرة والكثيرة والمتنوعة على المدى البعيد والقريب لأن إنشاء إدارة تعني الاستمرارية، وتعني تراكم الخبرات للقائمين عليها ،وتعني أن وجهة محددة يستطيع أن يتجه إليها من يرى في نفسه قدرات خاصة ،وتعني أن وزارات ومؤسسات أخرى قد تتجه هذا الاتجاه ليصبح صاحب القرار بعد ذلك سعة وهو يختار من بين متميزين كثيرين من يكلفه بمسئولية ما .بل تصبح مصدرا للنوابغ الموهوبين الجاهزين بالنسبة لكل دول العالم.
بقي أن نذكر رجلًا عظيمًا شاء رب العالمين أن يجعله ممن يحيى نبع القرآن الكريم في مصر بعد أن كان قد تراجع في ظروف ما ،وهو الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق رحمه الله وأرضاه ،فهو الذي أعاد الكتاتيب إلى الحياة بعد أن انصرف عنها الناس وقل عطاؤها، وكان البحث عن حافظ للقرآن مجيدًا له من الصعوبة بمكان، فلما أعاد الكتاتيب وتولاها بالرعاية منح جامعة الأزهر حفظة للقرآن يتخصصون في فهمه وتفسيره وفي الفقه بحيث يتسنى للأوقاف أن تختار من بينهم من يحمل رسالتها ومن يتحمل مشروعها التجديدي الذي تنوع وتطور في عهد الدكتور محمد مختار جمعة، بل أتاح للعالم أجمع أن يستعين بالحفظة والعلماء المصريين من جديد.