الاستمرار والتصعيد يهددان بمواجهة مباشرة بين روسيا والناتو!
ليس لدى موسكو ولا كييف القدرة على تحقيق نصر مطلق ..!!
تملمُل في المجتمعات الغربية .. بسبب حجم المساعدات المقدمة لزيلنسكي!
تراجع هولندا والدنمارك عن منح دبابات ليونارد للأوكرانيين ..!!
إلى متى يمكن للطرفين المتنازعين الصمود؟؟ حتى التفاوض أصبح مشكلة!!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
أنهى مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي يطلق عليه اسم دافوس الدفاع، أعماله يوم الأحد الماضي وسط دعوات لنظام عالمي جديد أكثر توازنا وعدلًا، حيث حضره رؤساء الدول والجنرالات ورؤساء المخابرات وكبار الدبلوماسيين من جميع أنحاء العالم.
ومع استمرار الحرب في أوروبا، أصبحت نخبة السياسة الخارجية في العالم على حافة الهاوية، وهيمنت الحرب الروسية في أوكرانيا على المناقشات.
حدد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نغمة المؤتمر الذي استمر ثلاثة أيام من خلال حث القادة الغربيين على التصرف بدلاً من التحدث، ودعا عبر رابط الفيديو لتسليم سريع للأسلحة والتحذير من تضاؤل الإمدادات في ساحة المعركة.
لكن مع حضور وفود من كل القارات، خارج أوروبا وأعضاء حلف شمال الأطلسي، كانت هناك قضايا جيوسياسية أوسع نطاقاً، سواء على منصة المؤتمر أو على الهامش.
وبغض النظر عن تفاصيل ما دار في المؤتمر، خصوصًا حول الصراع في أوكرانيا، فإن المسؤولين الغربيين يدركون جيدًا أن الحرب يجب أن تنتهي دبلوماسياً. لكن في كل مرة يسأل فيها أحد المراسلين سياسيًا غربيًا أو دبلوماسيًا رسميًا: كيف تبدو نهاية اللعبة؟ فإنهم دائمًا ما يقدمون نفس مجموعة الردود: الأمر متروك لأوكرانيا لتحديد شروط السلام (رغم أنه في حالة عدم وجود مساعدة خارجية، فمن المحتمل ألا يصبح الأوكرانيون غير قادرين على الصمود بمفردهم).
مؤسسة راند RAND الفكرية ذات التأثير الواسع، ومقرها واشنطن، نشرت مؤخرًا تقريرًا جديدًا يعترض على هذا الموقف، محذرًا من أنه يضع الولايات المتحدة على طريق صراع مفتوح يمكن أن يتصاعد بشكل أكثر خطورة. التقرير يحمل عنوان “تجنب حرب طويلة: سياسة الولايات المتحدة ومسار الصراع بين روسيا وأوكرانيا”، ويجادل التقرير بأنه كلما طال أمد الحرب، زاد احتمال التصعيد الذي قد يضع روسيا في صراع مباشر مع الناتو وربما نرى الكرملين ينشر أسلحة نووية في ساحة المعركة. وبدلاً من تمكين الحرب من التصاعد، ينبغي على القوى الغربية أن تفعل المزيد لدفع الأطراف المتحاربة نحو المحادثات، كما نصح التقرير.
هذه الحجة سبق أن طرحها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر. لكن تقرير مؤسسة RAND ربما يمثل الحالة الأكثر منهجية للتغيير في السياسة التي قدمتها مؤسسة فكرية في واشنطن، وقد أشادت الغالبية العظمى منه بالحرب في أوكرانيا باعتبارها معركة جيدة وضرورية، فضلاً عن كونها لحظة لإعادة تأكيد القيادة الأمريكية على المسرح العالمي. وفي خروج عن النص الغربي، لم يشر التقرير مرة واحدة إلى “الديمقراطية” أو “سيادة القانون” أو “القيم” الغربية.
بعبارات رصينة، أوضح كاتبا التقرير، وهما عالما السياسة صموئيل شاب وميراندا بريبي، العوامل الهيكلية المقلقة للحرب: ليس لدى روسيا ولا أوكرانيا فرصة لتحقيق “النصر المطلق” بالطريقة التي تراها…
ويقول ايشان ثارور وسامي ويستفول في تحليل للواشنطن بوست، إنه بغض النظر عن الخطاب السياسي، فإن حالة من الارتياب تلوح في الأفق حول المدة التي يمكن أن يستمر فيها الغرب في تقديم المساعدات والأسلحة إلى أوكرانيا. أظهر استطلاع جديد لمؤسسة بيو Pew أن هناك “تململًا” في المجتمعات الغربية وأن المزيد من الأمريكيين والأوروبيون يعتقدون بالفعل أن بلادهم تقدم الكثير لأوكرانيا، بينما يشير مؤلفو تقرير RAND إلى حقيقة أن الحرب الممتدة ستشهد المزيد من المعاناة الأوكرانية والمزيد من الفوضى الاقتصادية في أوروبا.
وفي تطور جديد، تراجعت كل من الدنمارك وهولندا عن قرارها تسليم دبابات ليوبارد لأوكرانيا، حسبما ذكرت صحيفة فيلت الألمانية، وأكده موقع صوت أوكرانيا الجديد.
يشير شاراب وبريبي إلى حقيقة خطر اندلاع “حرب ساخنة مع دولة لديها أكبر ترسانة نووية في العالم”. قد يؤدي تصعيد الأعمال العدائية لدفع دول الناتو إلى مواجهة مفتوحة مع روسيا. وكتبا: “الحفاظ على حرب بين روسيا والناتو دون العتبة النووية سيكون أمرًا بالغ الصعوبة، لا سيما بالنظر إلى الحالة الضعيفة للجيش الروسي التقليدي”. فإذا خلص الكرملين إلى أن الأمن القومي للبلاد معرض لخطر شديد، ربما يلجأ للتصعيد بشكل متعمد بسبب عدم وجود بدائل أفضل “.
كتب شاراب وبريبي: “كانت الحرب بالفعل مدمرة جدًا للقوة الروسية لدرجة أن المزيد من الضعف التدريجي لم يعد مفيدًا للمصالح الأمريكية مثلما كان في المراحل السابقة من الصراع”. “سوف يستغرق الأمر سنوات، وربما حتى عقودًا، حتى يتعافى الجيش والاقتصاد الروسي مما لحق به من أضرار؟”
ينصح مؤلفو مؤسسةRAND ، بأن تقدم الولايات المتحدة خريطة طريق لروسيا لما ستبدو عليه شروط تخفيف العقوبات في نهاية المطاف. يؤكد بعض المراقبين أن الشروع حتى في عملية غير كاملة ومتقطعة من النقاشات أو المحادثات حول التفاوض سيكون أفضل من قبول فكرة أن روسيا يمكن طردها بالكامل من الأراضي الأوكرانية.
من الجيد أن لو تستعيد أوكرانيا المزيد من الأراضي. لكن بأي تكلفة ولأي مكسب استراتيجي؟ حتى في حالة احتمال قيام الغرب بدعم أوكرانيا إلى أقصى حد لسنوات عديدة وإجبار روسيا على الخروج من جميع الأراضي الأوكرانية، فمن المحتمل أن تستأنف روسيا الحرب في مرحلة ما لإنقاذ مكاسبها المفقودة وسمعتها.
أقر شاراب وبريبي في مقدمتهما بأن “الأوكرانيين هم الذين يقاتلون ويموتون لحماية بلادهم من غزو روسي غير مبرر وغير قانوني ….” لكن هذا لا يعني بالضرورة أن مصالح أوكرانيا “مرادفة” للمصالح الأمريكية.
ومع قرب دخول روسيا وأوكرانيا العام الثاني من الحرب التي تحدت التوقعات، قامت مجموعة من خبراء مركز السياسات الاستراتيجية والدولية CSIS بدراسة العوامل الدافعة لمستقبل الصراع. يستعير هؤلاء الخبراء نهج محللي الاستخبارات، الذين يقيمون المسارات المحتملة للصراع بدلاً من وضع تنبؤات مباشرة تقيد الواقع بالنسبة لصانعي السياسات.
ترى إميلي هاردينج، نائب مدير وزميل أول، برنامج الأمن الدولي، أن نجاح أو فشل المجهود الحربي لكييف يعتمد على حقيقة واحدة، وهي أن أوكرانيا ليس لديها القدرة المحلية على تسليح نفسها لهذه المعركة.
استجاب الغرب رغم البداية البطيئة والمترددة، حيث كثف أعضاء الناتو جهودهم لتقديم أنظمة أسلحة فعالة وقوية بشكل متزايد.
ويشير استطلاع حديث، أجراه مركز التميز الأوروبي المختلط، إلى أن قطاعات من الجمهور في الدول الأوروبية الرئيسية بدأت تتساءل أيضًا عن سبب إرسال أوروبا الكثير من المساعدات لأوكرانيا. لا تزال هذه الشرائح من الأقليات، لكن لم يمر سوى عام واحد من معركة طويلة جدًا على الأرجح.
حلفاء الناتو أيضًا لديهم مخاوف هيكلية تتجاوز نزوات استطلاعات الرأي. كما جادل سيث جونز من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS في تقريره الأخير “سلال فارغة في زمن الحرب”،Impty Bins in a Wartime Environment ، فقد أدى الدعم المقدم لأوكرانيا إلى خفض مخزونات الولايات المتحدة من أنظمة الأسلحة الحيوية بشكل أسرع مما يمكن تجديده، في إيقاع الإنتاج الحالي في وقت السلم.
يقول التقرير: “العديد من حلفاء وشركاء الولايات المتحدة في أوروبا لديهم أيضًا قواعد صناعية دفاعية غير مهيأة لحرب كبرى، ويعتمدون بشدة على واشنطن، ويعانون من نقص مزمن في التمويل “. في مرحلة ما، سيبدأ المخططون العسكريون الأمريكيون والأوروبيون في الشعور بالضيق والتساؤل عما يجب أن يذهب إلى أوكرانيا وما يجب الاحتفاظ به احتياطيًا لمعركة مستقبلية محتملة، إذا تصاعد هذا الصراع بشكل كبير أو إذا رأت الصين فرصة للتحرك في المحيط الهادى .
لكن، هل يستمر الصمود الأوكراني؟
حتى 15 يناير، سجلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 18358 من الضحايا المدنيين في البلاد (7031 قتيلاً و11327 جريحًا). أصبح أكثر من ثمانية ملايين أوكراني لاجئين، ونزح ما لا يقل عن ستة ملايين آخرين داخليًا، ويحتاج ما يقرب من نصف السكان إلى المساعدة الإنسانية. انخرطت روسيا في حملة قاسية لتدمير البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك الكهرباء والمياه، في منتصف الشتاء. لقد عانى الأوكرانيون بشكل كبير وسيستمرون في المعاناة نتيجة تجاهل موسكو الصارخ للحياة البشرية.
وفي الوقت نفسه، يصعب حساب أعداد موثوقة من الخسائر العسكرية الأوكرانية؛ صنفتها الحكومة الأوكرانية على أنها سرية. ورغم الخسائر الهائلة في الأرواح، أظهر الجنود الأوكرانيون براعة وعزيمة وأوضحوا أنهم سيقاتلون لتحرير بلدهم طالما كان ذلك ضروريًا وبكل ما هو متاح، ويبقى التساؤل: إلى متى يستمر الصمود؟؟
هل هناك تماسك في الجيش الروسي؟
يقول بنيامين جنسن، زميل أول، ببرنامج الأمن الدولي: “في تناقض صارخ مع ضعف القوة الأوكرانية، ابتليت الجهود الروسية في أوكرانيا بخلل في المعدات، ونقص اللوجستيات ومن بينها معدات الشتاء، وتناثرت الأخبار عن المشاجرات والسكر داخل الخنادق. ماذا لو كانت التمردات المتوطنة في الثورات الروسية في عامي 1905 و1917 نذيرًا لمسار عام 2023؟ تتطلب القوة العسكرية منظمات قتالية متماسكة بقدر ما تتطلب الدبابات والطائرات. الجنود تنعكس عليهم الانقسامات والصراعات على السلطة في مجتمعاتهم. يمكن أن يؤدي الضغط المشترك للخسائر في ساحة المعركة والأزمات المتزايدة على الجبهة الداخلية إلى تقويض القوة العسكرية بسبب تآكل التماسك. يرتبط ذلك بعدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع. كلما كان المجتمع طبقيًا وغير متكافئ، زاد احتمال أن يكون أداء الجيش ضعيفًا بل وينهار.
ويرى جنسن أن الظروف متوفرة بالفعل لتمرد عسكري روسي واسع النطاق. ستستمر المعنويات المنخفضة والطقس البارد ومعدلات الاستنزاف المرتفعة إلى جانب الخطاب القومي والانحدار الاقتصادي على مدار الأشهر الثلاثة المقبلة.
هل سيستمر بوتين في توجيه تهديدات نووية؟
كتبت هيثر ويليامز مدير مشروع القضايا النووية بالمركز: “سواء استمرت الحرب في أوكرانيا لأشهر أو سنوات، ستظل الأسلحة النووية في الخلفية. لقد أصبح الرئيس بوتين يطلق التهديدات النووية.
يعتمد بوتين على التهديدات النووية لسببين رئيسيين. أولاً، يريد ردع الناتو عن التدخل المباشر في أوكرانيا. بينما زاد الغرب تدريجياً دعمه العسكري لكييف، يمكن القول إن جهود بوتين قد حققت بعض النجاح في منع التدخل العسكري الغربي المباشر خوفًا من التصعيد. سيظل إبقاء الناتو خارج أوكرانيا أولوية قصوى بالنسبة لبوتين. لكن السبب الثاني لتهديدات بوتين النووية أكثر خطورة. وهو بذلك يؤكد أيضًا التزامه بكسب الحرب في أوكرانيا بتكاليف متزايدة باستمرار. وفي حالة مواجهة روسيا للهزيمة في ساحة المعركة، قد يلجأ بوتين لاستخدام الأسلحة النووية التكتيكية في منطقة استراتيجية رئيسية، مثل خيرسون.
كيف تنتهي الحرب؟
إليوت كوهين، المحاضر بكرسي ألري ا. بورك Arleigh A. Burke في الاستراتيجية، كتب: الحكمة التقليدية تقول “مفاوضات” بالطبع. هذه هي النقطة التي أثارها في كثير من الأحيان رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي، والعديد من المسؤولين المدنيين في الحكومة الأمريكية.
هذا صحيح إلى حد ما: مجموعة من الرجال المرهقين يجلسون حول طاولة يختتمون معظم الحروب، ولكن يمكن أن يكون ذلك مفاوضات استسلام (وليس تفاوضًا كبيرًا)، أو ترتيبًا لوقف إطلاق النار (الذي يؤدي فقط إلى استراحة حتى اليوم التالي لبدء جولة قتال) أو مهرجان سلام كبير مثل فيينا 1815.
في هذه الحالة، من المرجح أن ما لن يحدث هو نوع التفاوض الذي يفكر فيه ميلي والآخرون، وهو التوصل لحل وسط حقيقي يحقق السلام. والشيء الأكثر ترجيحًا هو أن أحد الجانبين سينهار بسبب الإرهاق، وأن النتيجة هي وقف إطلاق النار في الوقت الحالي، وهذا هو أساس لصراع آخر.
إذا استمر تباطؤ الغرب في تسليح أوكرانيا، فقد تزحف كييف بضجر إلى الطاولة. لكن المرجح أن يكون الروس هم من يفعلون ذلك، إذا كان الدعم الخارجي قويًا، وحافظ الأوكرانيون على قدرتهم الهائلة على التكيف ومواصلة القتال، ورأت روسيا انهيارات في قوتها القتالية، مع احتفاظ الغرب بجبهة موحدة ترفض التهديدات النووية.