رغم أن غالبية العلماء لم يتفقوا على تاريخ محدد بالضبط حدثت فيه واقعة الإسراء والمعراج إلا أن الجميع اتفق أنها حدثت بعد الفجيعة التى أصابت الرسول صلى الله عليه وسلم فى عام الحزن. ذلك العام الذى فقد فيه سيد الخلق اثنين هما أكبر الداعمين له فى بداية بعثته ألا وهما زوجته ام المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد التى صدقته وطمأنته ودعمته منذ أول ليلة نزل فيها الوحى عليه, وعمه أبو طالب الذى حماه من بطش قريش التى كانت تعمل لأبى طالب ألف حساب, فقد كان المساس بمحمد معناه فتنة كبرى لا يأمن أحد عواقبها مما جعل كل القبائل تحجم عنها فى تلك الفترة ولم يتجرأ أحد عليها إلا بعد وفاة أبو طالب وبدء تحضير النبى للهجرة وما تبع ذلك من محاولة اغتياله على يد جميع القبائل حتى يتفرق دمه ولا تستطيع قبيلة بنى هاشم من الثأر.
ظنى ان حزن الرسول الكريم لم يكن فقط لفقده السيدة خديجة وعمه أبو طالب, فالرسول أول من يعرف أن الموت حق وأنه نهاية كل حى, لكن الحزن الحقيقى فى قلبه كان سببه أنه فقد من كانا من الأسباب المعينة له على الدعوة وعلى تبليغ دين الله لكل مشارق الأرض ومغاربها. لذا كان حزن الرسول شديدًا. ومع أن أبا طالب لم يؤمن بدعوة ابن أخيه ولم يتبعه حتى وفاته إلا أن الله سبحانه وتعالى جعله سببا من أسباب حماية سيدنا محمد من غدر قبائل قريش, كما أنه رغم عدم إسلامه إلا أنه لم يمنع محمدا من دعوته. وربما يكون من أسباب حزن سيدنا محمد الشديد أن عمه الذى كان يحبه ويحميه مات على الكفر ولم يهدأ حزن قلبه على عدم إسلام عمه غير عندما خاطبه الله سبحانه وتعالى قائلًا له: إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء (الآية 56 القصص).
ومع حزن الرسول الكريم وشعوره بالقلق على دعوته جاءت الطبطبة الإلهية. جاء الفرج من الله سبحانه وتعالى لرسوله بتلك المكانة التى لم يبلغها أحد غيره بأن يسرى عنه ويسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فى الرحلة التاريخية التى لم تتكرر مع أى نبى قبل خاتم الأنبياء والمرسلين والتى قام فيها سيدنا محمد بإمامة جميع الأنبياء الذين سبقوه. أراد الله سبحانه وتعالى أن يخفف من وطأة الحزن فى قلب نبيه وحبيبه محمد بأن يرفعه فى تلك الليلة ليريه من آياته الكبرى. ثم يعود الحبيب المصطفى من تلك الرحلة فيجد الإنكار من قريش ولا يصدقه أحد سوى الصديق أبوبكر الذى قال ردا على تهكم البعض وتشكيكهم فى الواقعة: إن كان قال فقد صدق فسمى الصديق رضى الله عنه وأرضاه.
رحلة الإسراء والمعراج التى جاءت للتسرية عن سيدنا محمد تحمل لنا جميعا رسالة ودرسًا هاما, ليس فقط لأنها الرحلة التى فرضت فيها الصلاة, ولا لمغزى المشاهد التى رآها سيدنا محمد وشرح سيدنا جبريل لها,ولكن للمعنى العظيم للعناية الإلهية لكل من ضاقت به السبل وعجزت أسبابه الدنيوية عن إيجاد الحل,ثق أن عناية الله ستتدخل فى الوقت المناسب. ذلك الوقت يحدده الله سبحانه وتعالى وليس أنت, عليك أن تثق أن اختيار ذلك الوقت من قبل الله رحمة لك حتى وإن بدا لك أن التدخل قد تأخر. فمهما كانت مشكلتك فلن ينساك الله ومهما كانت قوة من ظلمك فعدل الله أقوى,وحتى لو تآمر عليك الكون كله فلن يستطيع أحد أن يضرك بشيء لم يكتبه الله عليك. نم قرير العين يا كل مهموم.أرفع يدك لله عز وجل وانتظر رحلة منه سبحانه وتعالى ليسرى عنك ويرفع عنك حملك ويطبطب عليك بيده الحانية. رفعت الأقلام وجفت الصحف.