القضية الفلسطينية .. بين الصهاينة والسلطة الوطنية..!!
نتنياهو “الضعيف”.. فقد السيطرة على حلفائه المتطرفين !!
عباس يسعى جاهدًا لتعزيز موقفه..
بعد تضاؤل شعبيته واحتضار عملية السلام
الخطة الأمريكية لمحاربة المقاومة المسلحة..
تؤجج الخلافات الداخلية الفلسطينية!
تقرير – عبد المنعم السلمونى
كان تصاعد التطرف الإسرائيلى، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قضية حتمية لفترة طويلة، فالمشروع الصهيونى منذ قرن من الزمان قام على استعمار الأراضى الفلسطينية وإقصاء أصحاب الأرض الأصليين أو إخضاعهم.
ولم يعد بإمكان الفلسطينيين تحمل الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة من جانب المستوطنين الذين يهاجمون الأطفال والمزارعين، والسكان فى منازلهم والسائقين فى الضفة الغربية ويهددونهم، ولم يكن أمام الفلسطينيين سوى الرد بالحجارة والنيران والزجاجات الحارقة على الغارات العسكرية الإسرائيلية ضد مخيمات اللاجئين والمدن والقرى، ونتيجة لذلك، لقى حوالى 65 فلسطينيًا وحوالى 14 مستوطنًا مصرعهم فى أحداث العنف خلال الشهرين الماضيين فقط.
ويشير موقع “جلوبال ريسيرش” إلى أن اقتحام المستعمرين لمدينة حوارة الفلسطينية فى الضفة الغربية مؤخرًا وحرق منازلها كان مبرره العلنى هو “الانتقام” لمقتل شقيقين إسرائيليين، لكن ما يدركه الجميع أن إسرائيل تمارس سياسة التطهير العرقى ضد أصحاب الأرض، ولم يعد هناك خيار أمام الفلسطينيين سوى القتال دفاعًا عن وجودهم.
لقد تم انتخاب الحكومة الإسرائيلية الجديدة فى نوفمبر الماضى وهى الأكثر تطرفا فى تاريخ البلاد، وبالإضافة إلى حزب الليكود بزعامة نتنياهو، فإن الحكومة تضم حزبين متطرفين، هما شاس ويهودية التوراة المتحد، وحزب نعوم المناهض لمثليى الجنس والمتحولين جنسيًا، وحزب عوتسما يهوديت “القوة اليهودية” المعادى للفلسطينيين، وهو السليل الأيديولوجى لحزب كاخ الذي وصفته إسرائيل والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة بأنه جماعة إرهابية.
لكن الائتلاف الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، والذي يقوده نتنياهو منذ عامين انتهى به المطاف باضطرابات على عدة جبهات، وتقول صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، فى تقرير كتبه تال شليف، إن الإصلاح القضائى العدوانى، الذى يسعى إليه نتنياهو أدى لانقسام داخلى غير مسبوق، ووسّع الاستقطاب، وعمّق الانقسام الذى يتصاعد بشكل خطير، ويتهم البعض نتنياهو بأنه يسعى، من خلال هذا الإصلاح، لكبح جماح المحكمة العليا، كى يتهرب من محاكمته فى ثلاث قضايا تتعلق بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.
فى الوقت نفسه، تسببت المذبحة التى قام بها المتطرفون اليهود فى قرية حوارة الفلسطينية -التى تغاضى عنها أعضاء كبار فى الائتلاف، بل ودعموها- فى تقويض الوضع الأمنى أكثر وأكثر، وأثارت استياء دوليًا واسع النطاق.
كذلك تصاعدت حدة الخلافات الداخلية والسياسية والاقتصادية والأمنية والدبلوماسية، وعلى كل الجبهات.
فى الأسبوع الماضى، استقال آفى ماعوز، الممثل الوحيد لحزب نعوم المناهض للمثليين، من منصبه كنائب وزير بمكتب رئيس الوزراء “لعدم وجود نية صادقة لاحترام اتفاق التحالف” الذى وقعه مع نتنياهو.
لكن نتنياهو سعى لإقناع ماعوز بالعودة لمنصبه لأن وجوده فى منصبه كنائب وزير، يحول دون قيامه بالترويج لأى تشريع برلمانى خاص، لكن بصفته عضوًا فى الكنيست، يمكنه تحدى الحكومة بمشاريع قوانين استفزازية، وبالتالى يتحول ماعوز إلى صداع أكبر.
بعد أقل من 24 ساعة على استقالة ماعوز، وصل خطاب استقالة آخر لمكتب نتنياهو، هذه المرة، كان مئير بوروش من حزب يهدوت هتوراة، الذى أعلن استقالته من منصبه الحكومى كوزير للحج بعد خلافات حول المسؤوليات والسلطات مع وزارة الخدمات الدينية، بقيادة شاس.
ثم اتخذ زعيم حزب يهدوت هتوراه موشيه جافنى خطوة لجذب انتباه نتنياهو.. حيث قدم مشروع قانون للحد من أسعار الفائدة فى بنك إسرائيل، وقاطع أعضاء الكنيست من الحزب الجلسة العامة للتأكيد على استيائهم، ويقول تقرير جيروزاليم بوست إن جافنى، كرئيس للجنة المالية بالكنيست، يمكن أن يجعل حياة نتنياهو بائسة إذا لم يحصل على ما يريد.
كما نظم حزب عوتسما يهوديت احتجاجًا فى جلسة للكنيست بسبب عدم تنفيذ الاتفاقات الائتلافية، وأعرب وزير الأمن القومى عن غضبه من “احتواء” الارهاب واخلاء البؤر الاستيطانية وتجميد البناء الاستيطانى لمدة أربعة أشهر الذى اتفق عليه مبعوثو رئيس الوزراء فى القمة الدبلوماسية فى العقبة مؤخرًا.
وندد الحزب الصهيونى الدينى الذى يتزعمه بتسلئيل سموتريتش بتفاهمات العقبة لكنه امتنع عن توجيه أى إنذارات.
وتقول جيروزاليم بوست إنه استمرارًا لديناميكيات المفاوضات الائتلافية، يمتنع نتنياهو عن وضع حدود لشركائه المتطرفين ويبدو أنه يفقد السيطرة عليهم.
نتنياهو الآن يشرب من نفس الكأس الذى صنعه لنفسه من خلال تشكيل ائتلاف يمينى كامل، يكشف هذا الفعل عن الأصول الحقيقية لضعف وضعه السياسى، الذي أجبره على تشكيل كتلة موالية مع حلفاء متطرفين وأصوليين ومتعصبين.
وطالما لا يصدر نتنياهو أى بطاقات حمراء لحلفائه المتطرفين، فمن المحتمل أن يستمر الاضطراب الشامل.
الوضع الجديد للفلسطينيين
على الجانب الآخر، يجد حوالى خمسة ملايين فلسطينى أنفسهم اليوم تحت حكم عسكرى إسرائيلى مفتوح، محرومين، سواء من دولة خاصة بهم أو من نفس الحقوق التى يتمتع بها جيرانهم المستوطنون، وحذر الاتحاد الأوروبى من أن إسرائيل تعمل على ترسيخ واقع الدولة الواحدة المتمثل فى عدم المساواة فى الحقوق والاحتلال الدائم والصراع، ووصفت منظمات حقوق الإنسان الرائدة هذا بأنه فصل عنصري في العصر الحديث.
الائتلاف الحاكم – الذي تهيمن عليه حركة المستوطنين -جعل تسريع وتوسيع هذه السياسات أحد أولوياته القصوي. وقد أعلن عن إقامة المزيد من الوحدات الاستيطانية غير القانونية في الشهرين الأولين من هذا العام. بما يربو علي ما أقيم من وحدات استيطانية فى العامين الماضيين مجتمعين.
من هنا. فليس نتنياهو فقط الذى يعانى من الضعف.. حيث تسلط إعادة عسكرة أجزاء كبيرة من الضفة الغربية الضوء على ضعف الرئيس محمود عباس أيضًا وسلطته الفلسطينية، التى يتهمها العديد من الفلسطينيين بالتعاون مع إسرائيل لقمع مقاومة الاحتلال.
موقف عباس
ويري تقرير علي موقع المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية أنه مع تضاؤل الشرعية الشعبية وغياب الانتخابات الوطنية لما يقرب من عقدين من الزمن، وعملية السلام المحتضرة، يكافح عباس لإعادة تأكيد سيطرته، في ظل هذه الظروف، ستؤدى الخطة الأمريكية الرامية لتعزيز القدرة الأمنية للسلطة الفلسطينية بهدف محاربة المقاومة المسلحة إلى تفاقم التوترات الفلسطينية الداخلية، كل هذا يحدث على خلفية التنافس المتصاعد بين مسؤولى فتح لخلافة عباس كزعيم فلسطينى، وتزايد عزوف النشطاء على مستوى القاعدة عن قيادتهم في رام الله.
هذه الديناميكيات الفلسطينية تشير إلى تفكك أوسع لعملية سلام أوسلو فى الشرق الأوسط، ومع أن هناك عوامل محلية تلعب دورها، فإن هذه العوامل في نهاية المطاف هى تتويج لعقود من سياسة الاستيطان الإسرائيلية المصممة لعرقلة إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ودفع نموذج أوسلو للانهيار الكامل.
علاوة على ما سبق، يرى اليمين الإسرائيلى المتطرف أن رفض واشنطن التعامل بحزم مع حكومة بنيامين نتنياهو هو ضوء أخضر للتطهير العرقى.
فى يناير الماضي، وصل وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن إلى إسرائيل فى وقت بدت فيه احتمالات إحياء ما يسمى بعملية السلام أكثر قتامة من أى وقت مضى، وبالنسبة لإدارة بايدن، أتاح احتضان الحكومة الإسرائيلية غير المبرر لليمين المتطرف فرصة أمام بلينكن للارتقاء إلي مستوي الخطاب السامي بشأن حقوق الإنسان واستعادة الاحترام للدبلوماسية الأمريكية التي حطمتها إدارة ترامب، كانت فرصة للمطالبة بمساءلة القادة المسئولين عن تدهور الوضع.
لكن بدلاً من ذلك، تخلصت إسرائيل من المأزق وقيل للفلسطينيين، مرة أخرى، إنه يجب عليهم الانتظار ووضع ثقتهم فى عملية خانتهم منذ فترة طويلة، وأثناء وقوفه إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى القدس، كرر بلينكن الكلام السابق تكراره مرات عديدة.. مشيرًا إلى دعم واشنطن لـ “حل الدولتين” وناشد الجانبين استعادة الهدوء.
من خلال العودة إلى نقاط الحديث التى عفا عليها الزمن والتي تم التخلى عنها فى جميع المجالات، بما في ذلك من الرجل الذى يقف بجانبه، أثبت بلينكن أن حكومة الولايات المتحدة ليست فقط بعيدة عن الواقع، ولكنها ترفض الاعتراف به، والأهم من ذلك، أن الأحداث التى أعقبت زيارة بلينكن أظهرت للعالم أن استراتيجية واشنطن تأتى بنتائج عكسية بدلاً من الحفاظ على الوضع الراهن لاحتلال إسرائيلى مستقر مع الحد الأدنى من المقاومة من الفلسطينيين والمجتمع الدولى، فإن رفض إدارة بايدن العنيد محاسبة إسرائيل هو فى الواقع جعل هذا الوضع عرضة لانهيار العنيف.
بصفتها أقوى دولة فى العالم، تمارس الولايات المتحدة بانتظام نفوذها الدبلوماسى والاقتصادى والعسكرى فى جميع أنحاء العالم للحصول على ما تريد، إذا كانت الولايات المتحدة حقًا “الوسيط الصادق للسلام” كما تزعم منذ فترة طويلة، فهناك العديد من الخطوات التى يمكن أن تتخذها إدارة بايدن لإثبات ذلك.
على سبيل المثال، يمكن أن تضع واشنطن شروطًا لحوالى 3 مليارات دولار تقدمها لإسرائيل سنويًا، مثل التزامها بالقانون الدولى وإنهاء الاحتلال، ويمكنها أيضًا الاعتراف بجرائم الحرب الإسرائيلية، مثل مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، على أنها انتهاكات لقانون ليهى، الذى ينص على أن الأسلحة الأمريكية يجب أن تستخدم فقط لأغراض دفاعية.
كان يجب على واشنطن أن تلزم إسرائيل بنفس المعايير التى تطبقها على الدول الأخرى، وأن تتوقف عن حماية إسرائيل من المساءلة فى المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية.
ومع ذلك، لم تكن الولايات المتحدة يومًا وسيطًا نزيهًا للسلام، وأصبح من الواضح أن واشنطن تجنى الآن ما زرعته، لقد غذت الشيكات الفارغة والمعاملة الخاصة الغطرسة الإسرائيلية.
إن سلطات الاحتلال تضع حاليا الأساس لانتفاضة ثالثة، فالمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية تواصل التوسع فى جميع أنحاء الضفة الغربية، بما فى ذلك القدس الشرقية، وغزة لا تزال تحت حصار خانق، وقد أوضح قادة إسرائيل بجلاء أنه ليس لديهم مصلحة فى السماح بإقامة دولة فلسطينية.