منذ عدة أشهر، تعرض طبيب لاعتداء عنيف بأحد مستشفيات العاصمة أثناء تقديم عمله دخل على إثرها العناية المركزة وفي أخرى تعرض بلطجي للعاملين بالمستشفى مروعا لهم باستخدام كلب وآخرين اعتدوا على طاقم التمريض باستخدام كرباج وكثير من حوادث الاعتداءات والبلطجة وبدلا من أن تعالج الدراما تلك الأزمة المجتمعية وتدعم الفرق الطبية التي قدم بطولات وتضحيات أشاد بها القاصي والداني في أزمة كورونا وقدموا خدمات الاستشارات الطبية والعلاجية حتى للناس في البيوت.
بدلا من ذلك يطل علينا بطل أحد المسلسلات بدور بلطجي قوي ومهندم ويحترمه الجميع في مشهد يوجه فيه كلامه لطبيب قليل الوسامة يلبس نظارة وغير مهندم ومرتبك وهو يقول له مشيرا لمصاب ما ( خليك جنبه ولو مات هخليك تحصله) ثم في نهاية الأمر يجري الطبيب مرتعباً في مشهد مهين جدا.
الغريب أن المشهد خارج السياق الفني تماما ولا يخدم الخط الدرامي بأي شكل وكأن صانعه يحقق غاية في نفسه أو يقصد ما يمكن أن يفهمه أي طفل أو مراهق يشاهد هذا المشهد والذي لا يمكن بعد مشاهدته أن يتمنى أن يصير يوما مثل الطبيب بل سيعجب بشدة بهذا البلطجي القوي الغني ومهندم الملابس.
رسالة الفن هي إنسانية بطبيعتها، تحاكي آثار الجمال في حياة الإنسان وتحلم معه وتسمو بتطلعاته لكل شيء جميل وإيجابي.
وحتى في رصد الواقع، فالفن يرصد الواقع ليعرّف الإيجابي منه والسلبي والجيد منه والرديء وينتقد الواقع في صورته التي ينقلها حتى وإن كان الواقع لم يتعرف على هذه الجوانب بعد، فالفن يسبق بإبداعه.
والأصل في كل الفنون أن تحتفي بالنماذج الطيبة والفاعلة والعلماء والشهداء والأبطال من كل فئات المجتمع وكل مواطن يساهم في تطوير نفسه ومجتمعه وبلده ونحن نرى حولنا أن كل أمة تتسابق في كتابة سير العلماء والنبلاء والأبطال بها وإنتاج الأعمال الدرامية والفنية التي تقدم من خلالها القدوة والمثل خاصة للأطفال والشباب منها.
إما أن نرى دراما أو فنا يحتفي بالبلطجية ويصنع منهم أبطال ويقدم نماذج من الشارع لا بطولة عندها إلا الصوت العالي وإهانة الناس والنصب والفهلوة وكأن تلك الأمثلة هي الأصل وهي ما نرجو أن يكون عليه أبناؤنا، وتقديم صور نمطية عن نماذج فاعلة في المجتمع كالأطباء والعلماء ورجال الأعمال وغيرهم.
افهم أن يتم تقديم تلك النماذج في شكل نقدي أو تشجيعي أو غيره، لكن الإصرار على تقديمها في شكل استهزاء أو تنمر بمشاهد مقتحمة ودخيلة على السياق الدرامي أو بترويج لاتهامات وخرافات تحتاج للتصحيح كسرقة الأعضاء أو غير ذلك فهو شيء غير مفهوم وخارج إطار الإبداع الفني والنقدي ويدخل في إطار تكريس تلك الخرافات وليس أقل من ذلك حماية البلطجة وتبرير الاعتداءات والخروج على القانون.
بدلا من أن نكرس لمفهوم التعلم والدراسة والعلم وتقدير المثقفين والمتعلمين والفاعلين في المجتمع وبدلا من أن نقدم أمثلة لتقدير العلم وأصحابه، نقدمهم بهذا الشكل المهين الذي لا يقتصر على الطبيب فقط فالطالب المجتهد هو طالب دحيح ومنطوٍ اجتماعياً
والطبيب النفسي غير مستقر نفسياً والعالم العبقري مجنون أو مختل ورجل الأعمال العصامي فاسد وغيرها مما اعتدنا عليه.
يقول الله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ويقول تعالى في وصفه للمسيح عيسى عليه السلام: (وإنه لعلم للساعة) وكانت رسالته الإعجازية في إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وغير ذلك من الأسقام والأمراض المستعصية وكذلك كل نبي أرسل كانت رسالته العلم فهل يمكن لبعض صناع الدراما والإعلام أن يعملوا جميعا على معالجة حقيقية للمشاكل المجتمعية وأن يقدموا القدوة التي يتمنون أن يروا أبنائهم عليها يوما عسى أن نرى يوما مجتمعنا يزهو بالعلماء والأبطال من أبنائه؟؟
”الطريقة الأضمن لإفساد الشباب هي من خلال توجيهه لتقدير أولئك الذين يماثلونه في التفكير أكثر من تقدير من يفكرون بشكل مختلف عنه”- نيتشه
عضو مجلس النقابة العامة للأطباء