وسط خطابه احتفالًا بعيد العمال، توقف الرئيس عبد الفتاح السيسي لدقائق عن قراءة الكلمة المكتوبة، مؤكدًا أنه يتابع مواقع التواصل الاجتماعي، ويرصد بنفسه نبض الرأي العام، ولفت انتباهه تعبير الكثيرين عن مخاوفهم وقلقهم إزاء الأحداث الأخيرة التي تجري بالمنطقة، وهو ما عبر عنه بعضهم بسؤال من كلمتين: “إيه الحكاية “؟!.. وكان الشاغل الأساسي لآخرين: “هنعمل إيه”؟
بالثقة المعتادة، وبمنتهى الهدوء، كانت رسالة الطمأنة من الرئيس لهم، بل وللشعب المصري كله: ” كلمة هقولها لكم مبتتغيرش مهما كانت التحديات الموجودة في مصر، أو في المنطقة، أو في العالم كله، طول ما احنا على قلب رجل واحد، محدش يقدر يعمل معانا حاجة”.
تفاعُل الحاضرين الفوري، والذي عبروا عنه بالتصفيق الشديد، بمجرد سماعهم هذه الكلمات، كان في تصوري أشبه بترجمة عفوية لاحتياج نفسي إلى الاطمئنان، وهو ما وضح تمامًا حرص الرئيس السيسي على تلبيته، والتأكيد عليه، حين تابع قائلًا: ” في كل تحدي أو كل تطور تشوفوه، وتبقوا قلقانين منه، وتقولوا يا ترى هيكون تأثيره إيه علينا.. أقول لكم تأثيره علينا إيه.. ولا حاجة”.
فقط وباختصار، ما طلبه وشدد عليه السيسي، برغم كل هذه الأزمات والمشاكل التي يمر بها العالم، هو تماسك شعب مصر، وهو ما رآه ضمانة كافية لتجاوز أي تحد.
معنى التكاتف ذاته، وأهميته القصوى في الوقت الراهن، لم يغيبا كذلك عن كلمة الرئيس في الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني، والتي كانت بحق قوة دافعة لانطلاقه على أساس صحيح، ورؤية واضحة، وهدف محدد.
السيسي قالها نصًا، وبالحرف الواحد: “مصرنا الغالية، تمتلك من كفاءات العقول، وصدق النوايا، وإرادة العمل، ما يجعلها فى مقدمة الأمم والدول، وإن أحلامنا وآمالنا تفرض علينا أن نتوافق، ونصطف للعمل، ونجتمع على كلمة سواء”.. ولا حظوا معي كلماته الثلاث: “نتوافق، ونصطف، ونجتمع”.. هو هو المعنى المهم، وهو ذا المطلوب، كل المطلوب.
كلمات الرئيس كانت أوضح من الوضوح، وتشرح نفسها بنفسها.. وأثق في أن كل المشاركين في الحوار الوطني قد وعوها جيدًا، ومن ثمَّ وضعوها نُصب أعينهم، وبخاصة تلك الفقرة بالغة الدقة والحكمة: “أتطلع لأن يكون الحوار شاملًا وفاعلًا وحيويًا، يحتوى كافة الآراء، ويجمع كل وجهات النظر، ويحقق نتائج ملموسة ومدروسة”.
“الاختلاف في الرأي، لا يُفسد للوطن قضية”.. العبارة للرئيس، وهي في رأيي، إلى جانب أنها غاية في البلاغة الوطنية قبل السياسية، فهي تلخص ما ينبغي أن يشغل الذهن العام، وليس فقط فكر وأسلوب عمل المجتمعين معًا تحت سقف الحوار الوطني.
الرئيس يؤمن بأن التنوع، والاختلاف في الرؤى، يعززان بقوة من كفاءة المخرجات التي ننتظرها من هذا الجمع، الذي تتلاقى من خلاله كافة مكونات المجتمع المصري.
القول والفعل يعكسان ذلك.. ودعوته من الأساس لانعقاد هذا الحوار الوطني، ثم تهيئته كل الظروف كي ينجح، وأن يكون وطنيًا تتمثل فيه كل الأطياف والأطراف، تثبتان بالدليل والبرهان يقينه الراسخ بأن ملامح “الجمهورية الجديدة”، وخارطة الطريق نحو المستقبل الذي يليق بمصر، ويستحقه المصريون، لا بد وأن نرسمها جميعًا يدًا بيد، وتبدو عليها جليَّةً كل الألوان السياسية، ويضمها إطار قوي وواحد ومتماسك، يَثبُت أمام التحديات أيًا كان حجمها، ويُثبِت للعالم أن الديمقراطية على الطريقة المصرية أسلوب حياة، واختلاف لا يُغذي الخلاف، وبوصلة القيادة والشعب، باتجاه الوطن.
“مصرنا العزيزة الغالية، تستحق منا أن نبذل من أجلها الجهد والعرق والدم، وأن تجمعنا على حبها.. فهي الغايـــة دائمــــا”.. هكذا اختتم الرئيس السيسي كلمته في الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني، واعتقد أن هذا الختام كافٍ بذاته لأن يكون “العنوان العريض”، الذي يجب أن تُكتَب تحته، واتساقًا معه، كل مخرجات الحوار الوطني، من توصيات ومقترحات للمشاركين فيه، تصلح آليات للعمل في المرحلة المهمة المقبلة من عمر الوطن.
بقي أن نؤكد أنه إذا كانت الدولة قد قامت وتقوم بكل ما في مقدورها، وأدت ولا تزال تؤدي ما عليها، بل وتحمل نفسها بنفسها فوق طاقتها، فعلينا نحن أيضًا كشعب أن نكون على مستوى المسئولية.. ونظل “واحد صحيح”، بكل تنوعنا واختلافنا، من أجل بلدنا ومن أجلنا.
مهم ألا يغيب عنَّا أن مصر هي الهدف الأول، و”اللي عليه العين”، في منطقة تسكنها المؤامرة.. وندرك أبعاد الحرب النفسية الدائرة، ولا نقع فريسة للإحباط الذي يريدونه لنا، ولا تنال منا حملات التشكيك في الدولة، التي أفلتت من مخططهم، ويعاودون الكَرَّة علَّهم يستدرجونها من جديد إلى المجهول.
العاقل مَن اتعظ بغيره.. جولة ب “الريموت” على نشرات الأخبار، وبالعين المجردة على الخريطة من حولنا كافية لنتبين ما يجري.. ونعبُر معًا كل الأزمات، بصبر وبفهم.
mhamid.gom@gmail.com