كتب عادل يحيى
أكد الدكتور محمد فكري خضر، نائب رئيس جامعة الأزهر لفرع البنات، على أن الابتكار العلمي والتكنولوجي يعد دعمًا رئيسًا للتنمية الوطنية، وتحسينًا لمعيشة الشعوب في عصرنا الحديث، ولا يكون هذا الأثر على عصرنا الحاضر وفقط بل يتبعه إلى قادم العقود بفعل التطور الهائل في العلوم والابتكارات التي يمكن أن تساعدنا في تعزيز السلام، وحماية كوكبنا، ومعالجة الأسباب الجذرية للمعاناة في عالمنا في مجالات شتى، وفق نظم مغايرة وتقنيات متقدمة بفعل الذكاء الاصطناعي؛ لأجل ذلك ينبغي على الجميع تعزيز الشراكات والانفتاح والتعاون في العلوم والتكنولوجيا، واستكشاف طرق ووسائل لحلّ القضايا العالمية المهمة بشكل مشترك، من خلال الابتكار العلمي والتكنولوجي ومواجهة تحديات العصر لدفع السلام والتنمية عالميًّا.
وأعلن نائب رئيس الجامعة خلال كلمته في افتتاح فعاليات المؤتمر الدولي الثاني لكلية العلوم بنات جامعة الأزهر بالقاهرة، أننا بحاجة ماسة إلى الإبداع والتجديد، ولو نظرنا بشكل ثاقب سنجد أن الإبداع ليس أمرًا مستحدثًا بل هو قديم قدم الزمان ذاته؛ فمنذ بدء الخليقة والتاريخ والمجتمعات تزخر بأمثلة لا حصر لها عن دور الإبداع، ليس فقط في تمكين الإنسان من التكيف مع ظروف البيئة المتغيرة المحيطة به، وإنما في صنع ظروف جيدة جديدة تخدم الإنسان والبشرية، فكما قيل سابقًا: «الحاجة أم الاختراع» وأثر هذا الإبداع نجده جليًّا وواضحًا في البلدان التي قطعت شوطًا كبيرًا في التقدم والرقي، يقول: «ماسارو إيبوكا» : يكمن سر نجاح الشركات اليابانية في عدم تقليدها لأي شركة أخرى، فكل ما تفعله وتنتجه جديد ومبتكر؛ لذا كان الإبداع والابتكار هما أساس النجاح.
وأضاف خضر أن عقد مثل هذه المؤتمرات تتواكب مع الرؤية التي تتخذها الدولة لدعم الابتكار والرقي في العلوم والتكنولوجيا؛ إذ إن هذه المناقشات تدور في فلك الهدف الرابع من رؤية مصر 2030م والتي تراعي فيها القيادة السياسية آليات دعم المعرفة والابتكار عبر البحث العلمي؛ واعتبار ذلك ركيزة أساسية من ركائز التنمية، ليس هذا وفقط، بل تسعى الدولة المصرية في ضوء إستراتيجيتها ورؤاها الممنهجة إلى تدشين البرامج التي يمكن من خلالها تحقيق مستويات أعلى لإمكانات وقدرات كل من الأفراد والأجهزة والمؤسسات وصولًا إلى الهدف الأكبر من ذلك ألا وهو رفع مستوى المعيشة وتحقيق حياة أفضل للمواطنين، ويعبر عن ذلك بتنمية الابتكار بصورة وظيفية؛ إذ تؤكد على دعمه وترسيخ مقوماته والعمل المستمر لاستدامته ومواجهة تحدياته ومعوقاته.
وأشار خضر إلى أن الجامعة لم تكن لتغفل هذا الجانب أبدًا، بل كانت من أولى الجامعات التي اهتمت بدعم وخلق بيئة مشجعة ومحفزة على الابتكار والإبداع ونشر ثقافة ريادة الأعمال بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس؛ بهدف إعداد وتخريج أجيال جديدة بفكر رواد الأعمال مبتكرين ومؤهلين لسوق العمل في شتى المجالات والتخصصات؛ لذلك قامت الجامعة وبدعم كامل من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وفضيلة الدكتور محمد المحرصاوي، رئيس الجامعة السابق؛ بالموافقة على إنشاء وادي العلوم والتكنولوجيا والحاضنات والشركات الناشئة؛ تفعيلًا لقانون دعم حوافز الابتكار والتكنولوجيا رقم 27 لسنة 2018م؛ حيث تعد جامعة الأزهر أول جامعة تصدر قرارًا بإنشاء وادي العلوم والتكنولوجيا، كما قامت بعمل عديد من الاتفاقيات والمبادرات التي تدعم ذات الجانب فكانت مبادرة: «رواد النيل» التي يمولها البنك المركزي وتفذها جامعة النيل؛ لتحقيق التعاون والتكامل بين الجانبين في مجال نشر ثقافة الابتكار وريادة الأعمال والعمل الحر بين طلاب الجامعة وتحفيزهم على تأسيس مشروعاتهم الخاصة بعد التخرج.
ليس هذا وفقط بل تم إنشاء ثلاث حاضنات أعمال بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا والوكالة الأمريكية للتعاون الدولي، كما تم عمل نشر عديد من الأعمال الإبداعية المبتكرة التي تخدم المجتمع بشكل أكبر وتهدف إلى رفع اسم “جامعة الأزهر” خفاقة بين مثيلاتها من الجامعات فكان ما قام به طلاب الأزهر ومبدعوه من تقديم أفضل سبعة عشر مشروعًا هندسيًّا على مستوى جامعات مصر تحت شعار “صنع في الأزهر” دلالة على سعة الأفق والابتكار وأن هذه المؤسسة العريقة لم تكن لتنفرد بالتقدم في المجال الديني وفقط بل المجال العلمي ومواطن دعم التجديد والابتكار.
إننا وفي هذا الجانب لا يمكننا أن نغفل أبدًا تناول الدين ذاته لأهمية الابتكار والتكنولوجيا وتطور الأمم والطاقات الإبداعية؛ فإن استثمار الطاقات الإبداعية مطلب شرعي ومنهج نبوي وإن تطور الأمم وتقدمها متوقف على طاقات أهلها الإبداعية وسواعد أبنائها الفتية، قال صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) وهذا الحديث فيه تقوية للآمال ورفع للهمم وتحفيز على الابتكار والتجديد، ولو نظرنا في القرآن الكريم سنجده قد دعا إلى هذا الابتكار والابداع أيضًا من خلال الدعوة إلي التدبر والتفكير والتأمل وإعمال العقل قال تعالى: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾ وفيه إشارة إلى علوم الفلك وعلوم الأرض، وذلك يجعلنا نقول: إن القرآن فيه كل شيء قال تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾.
إننا يجب أن نفخر بديننا وعلمائنا الأفذاذ الذين وقفوا على هذه الحقائق الكبيرة والأمثلة على ذلك كثيرة، وأبرزها العالم الجليل أبي عبدالله محمد بن موسى الخوارزمي؛ فقد كان هو أول من وضع أساسًا علميًّا لما يسميه العلماء اليوم بالخوارزميات، والخوارزميات هي مجموعة الأسس التي يقوم عليها نظام عمل الكمبيوتر الحديث، ولا يمكن أن نتخيل عصرنا من دون التكنولوجيا الرقمية التي أصبحت أهم ما يميز القرن الحادي والعشرين؛ فالحاسبات الرقمية والاتصالات الرقمية والمراكب الفضائية والأقمار الاصطناعية، ووسائل النقل الحديث جميعها تعتمد في عملها على مبدأ واحد، ولولا التكنولوجيا الرقمية لم يكن من الممكن لكثير من الاكتشافات في علم الفلك والفيزياء والذرة والطيران وغيرها من العلوم أن تتطور كما هي عليه اليوم، لقد أسهم المسلمون في وضع الأسس العلمية للرياضيات الحديثة، فالأرقام العربية ونظام العد العشري والصفر وعلم الجبر وغير ذلك من علوم الرياضيات هي من إبداع علماء مسلمين عاشوا بين القرنين التاسع والرابع عشر للميلاد، ثم أخذ الغرب عنهم هذه العلوم واعتمدوا عليها كأساس في نهضتهم العلمية في العصر الحديث؛ لذا كنا نحن الأصل في الابتكار وهم الفرع على ذلك.
ودعا خضر إلى أهمية الوصول من خلال جميع المناقشات إلى اكتشاف وسائل وأفكار جديدة ننعم من خلالها بمزيد من الرقي والازدهار، وأن تصبوا مختلف القرارات والتوصيات الناتجة عن هذا المؤتمر إلى ما فيه النفع وإلى حجم المسؤلية الملقاة على عاتقنا جميعًا من أجل توفير بيئة علمية خصبة لشباب الباحثين، وخلق قطاع علمي كبير يعد نواة ومحورًا مسهمًا بشكل فعال في تشكيل المستقبل والتشجيع على الابتكار وتحسين وتقوية السمعة الاكاديمية والعملية لهذه المؤسسة العريقة وتقدمها في التصنيفات العالمية.