لم أشعر بأية مفاجأة عندما قرأت خبر العثور على كمية من الكوكايين فى أحد أجنحة البيت الأبيض مقر حكم الرئيس الأمريكى. أهم مطابخ السياسة فى العالم والذى يدير العالم كله تقريبًا سواء مجازًا أو واقعًا. كنت كلما مررت بالقرب من ذلك البيت– خلال زياراتى المتعددة لواشنطن– أشم روائح مختلفة من الأعمال غير المشروعة, لا أقصد طبعًا رائحة المخدرات سواء كان كوكايين أو غيره فأنا والحمد لله لا أتعاطاها وبالتالى لا أميزها وكل معلوماتى عن الكوكايين ما قاله سيد درويش فى موشح شم الكوكايين خلانى حزين, لكن يصعب على أى صاحب عقل أن يصدق ما يصدره ساسة أمريكا وأتباعهم عن مثالية ذلك البيت وطريقة العمل فيه. ذلك أن الإعلام الأمريكى الحر وكذلك عديد من المسلسلات والأفلام الأمريكية التى دارت أحداثها فى البيت الأبيض هى التى كشفت كثيرا من وقائع الفساد ليس فقط بين كبار موظفى البيت ولكن أيضًا ذلك الفساد السياسى الذى يوهم أرباب البيت الابيض أنهم وحدهم الذين يملكون الحكمة.
الكوكايين تم العثور عليه فى الجناح الغربى من البيت الأبيض والذى يضم عدة طوابق ويقع فيه المكتب البيضاوى فى البيت الابيض وهو مكتب مهم يستخدمه الرئيس الأمريكى فى عقد الاجتماعات الهامة والسرية مع مستشاريه. لا أدرى سر جاذبية ذلك الجناح لكل ما هو غير أخلاقى.لاحظ أنه نفس المكتب الذى شهد وقائع تحرش الرئيس الأسبق بيل كلينتون مع المتدربة مونيكا لوينسكى فى الفضيحة التى كادت تهز الكرسى من تحت مقعدة كلينتون قبل أن ينقذه اعتذاره بعد اعترافه بفعلته الشنيعة عندما كذب على الشعب الأمريكى رغم أنه أقسم على الدستور بألا يفعل. لو تمت الاطاحة بأى رئيس يكذب على شعبه لما بقى واحدا منهم على كرسيه ساعة واحدة.
أذكر فى عام 1994 وكانت أول زيارة لى لواشنطن ان دخلت البيت الأبيض ضمن وفود عديدة من الناس العاديين التى يسمح لها بذلك فى الويك إند باعتباره أجازة. كان كل مجموعة من الناس يصحبهم أحد المرشدين من داخل البيت خلال جولة ليشرح للناس كل ما يرونه. أذكر عندما اقتربنا من المكتب البيضاوى خرج علينا موظف كبير يطلب منا أن نخفض أصواتنا حيث إن الرئيس (كلينتون وقتها) فى اجتماع مهم, من يدرى ربما كان ذلك الاجتماع مع مونيكا. وعندما قرأت تفاصيل قصة العثور على الكوكايين عرفت أنه تم اكتشافه فى نوبة تفتيش على خزانة يستخدمها الزوار لوضع متعلقاتهم الشخصية قبل بدء الجولة.لم يكن قد تم اختراع المحمول فى 94 وكان كل الزوار يحملون كاميرات لتسجيل تلك الزيارة الفريدة لكن فوجئنا جميعا بأنه ممنوع علينا استخدام تلك الكاميرات. لم يطلب أحد تسليم الكاميرات لكن فقط نبهوا علينا بأن استخدامها ممنوع وقد امتثل الجميع للأمر احتراما لقواعد زيارة البيت الأبيض.
سرحت مع نفسى عندما قرأت خبر الكوكايين. فكرت هل هناك علاقة بين ذلك المخدر وبين تلك الحالة التى يظهر عليها الرئيس بايدن من عدم تركيز وتوهان وكوميديا تجعله فى كثير من الاحيان يخرج عن النص ويسأل عن أشياء غير موجودة مثلما سؤاله عن أمه المتوفاة منذ سنوات طويلة هل الأمر حالة خرف أم أن الكوكايين له دور فى تلك الحالة. ولأنى من بلاد متوافر لديها بكثرة نظرية المؤامرة أخذت اتقمص دور المحقق واسأل لماذا سارع البيت الأبيض قبل أن تنتهى التحقيقات لتؤكد أن الكوكايين تم العثور عليه فى خزانة يستخدمها الزوار, هل هناك رغبة فى التغطية على موظف كبير يكون هو من جلب الكوكايين.
دعونا كما يقول الأمريكيون وهم يطالبون بعدم التسرع فى إصدار الأحكام: ننتظر لنرى.
Hisham.moubarak.63@gmai.com