ارتفاعات قياسية جديدة هذا العام .. في درجات حرارة العالم ..!!
الطاقة الإضافية المحتبسة بالغلاف الجوي تعادل تفجير رأس نووي كل عشر ثوان!!
البوارج الحربية تفشل في تنفيذ المهام ..والموانئ الآمنة تغرق تحت البحر!!
البيت الأبيض: دراسة لحجب أشعة الشمس .. والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري!!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
مع الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة وتكرار هبوب الأعاصير والفيضانات المدمرة وحرائق الغابات وموجات الجفاف المهلكة للحرث والضرع وما يرتبط بذلك من انتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة، أصبحت التغيرات المناخية تمثل تهديدًا وجوديًا للبشرية كلها. وصلت خطورة هذه التغيرات إلى أن الطاقة الإضافية المحتبسة من الحرارة في الغلاف الجوي تعادل تفجير قنبلة نووية بطاقة واحد ميجا طن كل عشر ثوان، كما أن الأعاصير قد تتسبب في فشل البوارج الحربية في تنفيذ مهامها .. وأصبحت الموانئ الآمنة تغرق تحت سطح البحر الآخذ في الارتفاع بسبب ذوبان الجليد وتمدد حجم المياه، وغير ذلك الكثير.
في مقال مقتبس من كتابهما “عصر الخطر: الحفاظ على أمريكا آمنة في عصر القوى الخارقة الجديدة والأسلحة الجديدة والتهديدات الجديدة” يصف أندرو هوهن وتوم شاكر، مهمة عسكرية تقليدية ومباشرة، حيث كانت البوارج الحربية تنقل 1200 من مشاة البحرية إلى غرب المحيط الهادئ، لتهاجم جزيرة معادية. “مع تقدم السفن، تتبع خبراء الأرصاد الجوية عاصفة متجمعة على مسافة آمنة، حسب تقديراتهم. ولكن عندما وصلت الرياح إلى مستوى الإعصار الكارثي، كانت العاصفة قد غيرت مسارها، واصطدمت بالبوارج الحربية التي تناثرت وتباعدت كثيرا عن تشكيلها. جعلت العاصفة عمليات الإنقاذ الجوي مستحيلة. وانقطعت الاتصالات.
ازدادت آثار العاصفة سوءًا، لأن سكان الجزر المحليين، ما زالوا يتعافون من الانهيارات الطينية السابقة، وانقطاع التيار الكهربائي، واضطرابات البنية التحتية الناتجة عن الأعاصير الأخرى، ولا توفر الجزر أي منفذ آمن في هذه العاصفة.
حدثت هذه “المهمة” بعد سبع سنوات من الآن، في أكتوبر 2030، وكانت أول محاكاة لمناورة حربية على الإطلاق يجريها سلاح البحرية ومشاة البحرية لتقييم التحدي الذي يمثله تغير المناخ على قدرة الجيش على تنفيذ مهمته. لم تحظ المناورة، التي أجريت في يونيو 2022، باهتمام يذكر، لكنها بدت صاخبة في الجهات البحرية.
لا يملك الجيش رفاهية مناقشة تغير المناخ، الذي يمثل قوة شديدة لزعزعة الاستقرار علاوة على المناطق الهشة وغير المستقرة في العالم. عواصف المحيط، التي كانت تحدث مرة كل قرن، أصبحت تقع عدة مرات في كل موسم. يتسبب الجفاف في نقص الغذاء والاضطرابات المدنية والهجرة الجماعية. يمكن للدول الجزرية -التي كانت تعمل في السابق كموانئ آمنة -أن تختفي تحت ارتفاع منسوب سطح البحر. كل هذا يعقد جهود وزارة الدفاع، مع أن القوات المسلحة الأمريكية هي أكبر مستهلك للوقود الأحفوري في العالم.
قالت ميريديث بيرجر، مساعدة وزير البحرية للطاقة والمنشآت والبيئة، التي نظمت تمرين تغير المناخ: “يجب على سلاح البحرية ومشاة البحرية معالجة تغير المناخ خلال استعدادنا وعملياتنا من أجل الحفاظ على كل ميزة للقتال وتحقيق النصر.”
تم إجراء مناورة حرب المناخ بالتوازي مع فيلم أكبر عن الكوارث يتم عرضه في جميع أنحاء أمريكا والعالم. وهو أيضًا عرض واقعي.
لم تعد حرائق الغابات الكارثية تحدث فقط في فصل الصيف؛ أصبحت تشتعل قبله و تندلع أيضًا بعده. القواعد العسكرية تجد مدارجها غير صالحة للاستعمال؛ لم تحطمها ذخائر العدو، ولكنها أصبحت تغمرها مياه الفيضانات. تواجه القواعد الرئيسية على سواحل المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ تهديدًا شبه مؤكد بأن تغمرها مياه البحار المتزايدة. مع ارتفاع درجة حرارة الجو والرطوبة، تواجه الطائرات الحربية والمروحيات وقتًا صعبًا في الإقلاع، مما يتطلب منها حرق المزيد من الوقود الأحفوري للرفع. قد يؤدي ذوبان القمم الجليدية إلى إطلاق مسببات الأمراض المروعة.
في حين تأخرت وزارة الدفاع في الاعتراف بمخاطر تغير المناخ على منشآتها وعملياتها والتصرف حيالها، فقد بدأت تبحث عن حلول.
سوف يتطلب ذلك أموالاً لم يتم تخصيصها بشكل كافٍ بعد. سوف يتطلب إعادة التركيز على هذه المخاطر.
في 7 أكتوبر 2021، قدمت وزارة الدفاع أوضح بيان لها تعترف فيه بمخاطر تغير المناخ على الأمن القومي وقدرات الجيش: “يمثل تغير المناخ تهديدًا وجوديًا لأمن أمتنا “الولايات المتحدة”، ويجب على وزارة الدفاع أن تتصرف بسرعة وجرأة لمواجهة هذا التحدي والاستعداد للضرر الذي لا يمكن تجنبه”، حسبما قال وزير الدفاع جيه لويد أوستن الثالث.
تحدث أوستن بالتزامن مع إطلاق “خطة التكيف مع المناخ” الجديدة للبنتاجون. رغم التصريحات العلنية القوية، قال كبار المسؤولين لموقع “ديفنس وان” إن العديد من التفاصيل المحددة للخطة لا تزال بحاجة إلى العمل خلال الأشهر والسنوات القادمة.
أصدر مكتب الإدارة والميزانية تحذيراً من أنه خلال الفترة المتبقية من هذا القرن، يمكن للحكومة الأمريكية إنفاق 25 مليار دولار إضافية إلى جانب 128 مليار دولار كل عام للتعامل مع ستة أنواع من الكوارث المتعلقة بالمناخ: الإغاثة من الكوارث الساحلية، والتأمين ضد الفيضانات، والتأمين على المحاصيل، والتأمين الصحي، وإخماد حرائق البراري والفيضانات في المرافق الفيدرالية.
ومن غير شك، فإن التهديد الوجودي الذي تحدث عنه أوستن لا يقتصر على الولايات المتحدة فقط، بل يمتد ليشمل البشرية بأكملها، كما سيتضح فيما بعد.
حجب أشعة الشمس
أمام هذه المخاطر، قدم البيت الأبيض دعمًا محسوبًا لدراسة كيفية حجب أشعة الشمس ومنعها من الوصول لسطح الأرض كطريقة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وذلك ضمن تقرير صدر بتكليف من الكونجرس يمكن أن يجعل الأفكار التي كانت تقتصرعلى الخيال العلمي تدخل نطاق النقاش الواقعي.
يقول بعض العلماء إن المفهوم المثير للجدل والمعروف باسم تعديل الإشعاع الشمسي هو رد فعل فعال محتمل لمكافحة تغير المناخ، ولكن يمكن أن يكون له آثار جانبية غير معروفة مثل تغيير التركيب الكيميائي للغلاف الجوي.
يشير تقرير البيت الأبيض الذي صدر أول هذا الشهر إلى أن إدارة بايدن منفتحة على دراسة احتمالية أن يؤدي حجب ضوء الشمس إلى تبريد الكوكب بسرعة. لكنها أضفت ظلالًا من الشك، حيث قالت إنها لا تقصد أي قرارات سياسية جديدة تتعلق بعملية تسمى أحيانًا بالهندسة الجيولوجية.
“إن برنامج البحث في الآثار العلمية والمجتمعية لتعديل الإشعاع الشمسي (SRM) من شأنه أن يتيح اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن المخاطر والفوائد المحتملة لذلك التعديل كعنصر من عناصر السياسة المناخية، إلى جانب العناصر الأساسية للتخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتكيف معها،” بحسب تقرير البيت الأبيض. “يوفر نظام تعديل الإشعاع الشمسيSRM إمكانية تبريد الكوكب بشكل كبير على نطاق زمني لبضع سنوات.”
ومع ذلك، قال البيت الأبيض في بيان مصاحب للتقرير، “لا توجد خطط جارية لإنشاء برنامج بحثي شامل يركز على تعديل الإشعاع الشمسي”.
تم إصدار التقرير، الذي طلبه الكونجرس، في نفس الأسبوع الذي فتح فيه قادة الاتحاد الأوروبي الباب أمام المناقشات الدولية لتعديل الإشعاع الشمسي. كما جاء في أعقاب دعوة من أكثر من 60 من كبار العلماء لزيادة الأبحاث حول هذا الموضوع.
وذكر تقرير لموقع بوليتيكو أن الوثيقة المكونة من 44 صفحة تدرس بعض الطرق للحد من كمية ضوء الشمس التي تضرب الأرض، والتي قد يكون لها جميعًا عيوب كبيرة. تتمثل إحدى الطرق في مضاعفة كمية الغبار الجوي في طبقة الستراتوسفير بالغلاف الجوي لعكس أشعة الشمس بعيدًا عن الكوكب وهي عملية يمكن أن تحدث بشكل طبيعي بعد انفجار بركاني كبير. يشمل البعض الآخر إما زيادة الغطاء السحابي فوق المحيطات أو تقليل كمية السحب الرقيقة التي تحلق على ارتفاع عالٍ، والتي تعكس الإشعاع الشمسي إلى الأرض.
وقال التقرير إن هناك مخاطر مرتبطة بتعديل الإشعاع الشمسي، حيث يمكن أن يؤثر على صحة الإنسان والتنوع البيولوجي والجغرافيا السياسية. وذلك لأن تعديل ضوء الشمس يمكن أن يغير أنماط الطقس العالمية، ويعطل الإمدادات الغذائية ويؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة مفاجئ إذا تم نشر هذه الممارسة على نطاق واسع ثم تم إيقافها. كما أنه لن يعالج تلوث الهواء الناجم عن الوقود الأحفوري أو تحمض المحيطات، وهو تهديد رئيسي للنظم البيئية للشعاب المرجانية سببه الوفرة المفرطة للكربون في الهواء والبحار.
كانت أيام 3 و 4 و 5 يوليو هي الأيام الثلاثة الأكثر سخونة في تاريخ البشرية حيث سجلت ارتفاعات قياسية، وفقًا لبيانات معهد تحليل المناخ بجامعة مين. كما سجلت بيانات هيئة كوبرنيكوس لتغير المناخ، التي يديرها الاتحاد الأوروبي، نفس الارتفاعات الجديدة.
هذه البيانات تمثل تحذيرًا صارخًا من ارتفاع درجة حرارة الأرض وأن تغير المناخ الذي يسببه الإنسان يتسارع. وقد تمت الإشارة إلى شهر يونيو الماضي على أنه أكثر الشهور سخونة على الإطلاق، ولم تأت بعد أكثر أيام السنة حرارة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وبقية شهر يوليو وأغسطس بأكمله.
تفاقم الاحترار العام هذا العام سببه ظاهرة النينيو، وهي ظاهرة تعمل على ارتفاع حرارة سطح المياه في وسط وشرق المحيط الهادئ وتتسبب في ارتفاع درجات الحرارة خلال الأشهر أو السنوات التي تستمر فيها. ومن المتوقع أن تستمر الدورة الحالية في رفع حرارة نصف الكرة الشمالي خلال شتاء 2023-24.
تؤكد التقارير أن الطبيعة الفوضوية للإنتاج الرأسمالي تطلق مليارات الأطنان من غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي للأرض كل عام، مما يؤدي إلى حبس المزيد والمزيد من الحرارة ويتسبب في كوارث بيئية مروعة بشكل متزايد. بدأت درجات الحرارة العالمية ترتفع بشكل حاد في مطلع القرن التاسع عشر، بعد الاستخدام المكثف للفحم في توليد الطاقة للقطارات ولاحقًا أولى محطات الطاقة التي تعمل بالفحم. ولوحظ في 1912 أن حرق الفحم، وثاني أكسيد الكربون الناتج، “يجعل الهواء بمثابة غطاء أكثر فاعلية لكوكب الأرض ويرفع درجة حرارته.”
يمكننا مقارنة مقدار الطاقة الشمسية المحتجزة بواسطة غازات الاحتباس الحراري على كوكبنا الآن مقارنةً بعام 1750، أي قبل الثورة الصناعية وظهور الرأسمالية عالميًا. منذ ذلك الحين، ارتفعت درجات الحرارة بنحو 1.2 درجة مئوية، ويمتص الغلاف الجوي الآن 3.22 واط إضافية لكل متر مربع عبر سطح الأرض بأكمله مقارنة بما كان عليه قبل 273 عامًا.
ويقول موقع wsws إن كمية الطاقة الإضافية المحتبسة في الغلاف الجوي تعادل تفجير رأس نووي شدته واحد ميجا طن كل عشر ثوان.
كانت تأثيرات تغير المناخ فقط هذا العام مدمرة بالفعل. ارتفعت درجات الحرارة للغاية في الصين لدرجة أن الشوفان الذي يتم استزراعه بمقاطعة جوانجشي “احترق حتى الموت” أثناء وجوده في الماء، وفقًا لتقريرصحيفة ساوث تشاينا توداي. وفي الهند، مات حوالي 44 شخصًا بسبب ارتفاع درجات الحرارة. وتسببت موجات الحر بالمكسيك في وفاة 112 شخصًا هذا العام وحده.
يرتبط ارتفاع درجات الحرارة العالمية أيضًا بالحرق التاريخي لغابات كندا هذا العام، والذي غطى أجزاء كبيرة من كندا والولايات المتحدة بالرماد لأيام متتالية. تلوث الهواء هو أحد الأسباب الرئيسية للوفيات على مستوى العالم. أفاد موقع Our World in Data أن حوالي 6.7 مليون شخص ماتوا نتيجة لتلوث الهواء خارج المنازل أو داخلها عام 2019، أي حوالي 12% من جميع الوفيات على مستوى العالم.
الفيضانات التي اجتاحت باكستان العام الماضي مثال آخر على الطبيعة المتصاعدة لأزمة المناخ، حسبما ذكر تقرير لموقع wsws. كان هطول الأمطار على المقاطعتين الأكثر تضرراً، وهما السند وبلوشستان، أعلى بنسبة 75% مما يمكن أن يكون بدون الاحترار العالمي، وفقًا لتقرير صادر عن World Weather Attribution. نتج عن هطول الأمطار القياسي، والذوبان السريع للأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا، سيول جارفة قتلت أكثر من 1700 شخص، ثلثهم من الأطفال والشباب، ودمرت 2.2 مليون منزل، وأغرقت 4.4 مليون فدان من المحاصيل وخلفت 8 ملايين من الرجال والنساء والأطفال المشردين بشكل دائم. وبلغت الخسائر الإجمالية الاقتصادية 40 مليار دولار، وفي ذروة الفيضانات، كان ثلث البلاد مغمورًا بالمياه.
أدى التأثير الهائل لتغير المناخ إلى ظهور فئة خاصة من “لاجئي المناخ”. وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، يتم تشريد 21.5 مليون شخص في المتوسط كل عام نتيجة للكوارث المتعلقة بتغير المناخ. تقدر المفوضية أنه سيكون هناك 1.2 مليار من هؤلاء اللاجئين بحلول عام 2050، وغالبيتهم من أفقر مناطق العالم.