فى خضم الانقسام الداخلى الذى تعيشه إسرائيل هذه الأيام بسبب إقرار قانون التعديلات القضائية الذى يمنح الحكومة سلطة أكبر فى تعيينات قضاة المحكمة العليا، نشرت صحيفة ” نيويورك تايمز” الأمريكية مقالا يوم الاثنين الماضى للكاتب توماس فريدمان بعنوان ” هل ينقذ بايدن إسرائيل من نتنياهو؟ ” ناشد فيه الرئيس الأمريكى التدخل لحماية إسرائيل مما أسماه ” السياسات الرعناء لنتنياهو وحلفائه المتطرفين، الذين يعملون على انهيار إسرائيل من الداخل “، مؤكدا أن الشخص الوحيد الذى يستطيع وقف هذا الانهيار هو الرئيس جو بايدن.
ووصف فريدمان حكومة نتنياهو بأنها الأكثر تطرفا فى تاريخ إسرائيل على الإطلاق، وإذا نجحت فى خطة قانون التعديلات القضائية فسوف تتسبب فى كسر الجيش، وتقويض ليس فقط القيم المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة، ولكن أيضا المصالح الأمريكية الحيوية.
وأشار فى هذا الصدد إلى تحذير أكثر من 1100 طيار وفنى فى سلاح الجو الإسرائيلى من أنهم لن يطيروا من أجل الديكتاتورية التى يؤسس لها نتنياهو واليمين التطرف، وتمرد ضباط وجنود الاحتياط الذين يشكلون أكبر قوة فى جيش إسرائيل، وتوقيع العشرات من المسئولين الأمنيين السابقين خطابا يطلبون فيه من نتنياهو وقف قانون التعديلات، وتحذير منتدى الأعمال الأعلى فى إسرائيل من عواقب مدمرة لا رجعة فيها على الاقتصاد، والمخاوف من أن تؤدى هذه التعديلات فى النهاية إلى كسر تماسك وحدة المجتمع الإسرائيلى.
لكن.. هل بمقدور الرئيس بايدن أن يتدخل فى هذه الأزمة ؟ وكيف ؟
المعروف أن هناك خلافات عميقة مازالت تفصل بين بايدن ونتنياهو، بشأن قانون التعديلات القضائية ( التى يصفها بايدن بخطة الانقلاب على منظومة القضاء ) والسياسة التى تتبعها الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين فى الضفة الغربية المحتلة، والنمو المستمر للمستوطنات اليهودية، وتقويض حل الدولتين، وبسبب هذه الخلافات لم يوجه بايدن الدعوة لنتنياهو لزيارة البيت الأبيض منذ أن شكل حكومته قبل 7 شهور، ويتهم حكومته بأنها الأكثر تطرفا منذ جولدا مائير، وقال أكثر من مرة إنه دائما يحث نتنياهو وفريقه على الاعتدال والتغيير.
وفى الأسبوع الماضى أجرى بايدن مكالمة هاتفية مع نتنياهو بعد فترة طويلة من القطيعة، وذلك استجابة لطلب من رئيس إسرائيل إسحاق هيرتزوج الذى كان فى زيارة لواشنطن، وقال بيان أمريكى إن الاتصال ” لايعنى أن مخاوفنا قلت بشأن التعديلات القضائية، أو بشأن بعض الأنشطة والسلوكيات المتطرفة من قبل بعض اعضاء حكومة نتنياهو، بل إن هذه المخاوف لا تزال قائمة ومثيرة للقلق، وقد شدد بايدن على ضرورة اتخاذ إجراءات للحفاظ على قابلية إقامة دولة فلسطينية مستقبلية إلى جانب إسرائيل، وتحقيق أوسع إجماع ممكن حول التعديلات، مؤكدا أن القيم الديمقراطية المشتركة كانت دائما، ويجب أن تظل، سمة مميزة للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل”.
وبينما يرى جانب من الأمريكيين ضرورة نبذ نتنياهو وفريقه حتى يشعروا بالعزلة، ويتجاوبوا بشكل إيجابى مع رؤية واشنطن، يرى جانب آخر ـ منهم الرئيس بايدن ـ أن التأثير على نتنياهو سيكون أكبر عندما يحافظون على حد أدنى من العلاقة معه، وعندما يبدو الضغط لمصلحة إسرائيل وليس دفاعا عن الفلسطينيين، هذا فضلا عن أن بايدن مازال يذكر جيدا ما فعله نتنياهو برئيسه السابق باراك أوباما الذى اكتوى من تصرفاته، وكان بايدن آنذاك نائبا لأوباما، ورأى بعينه كيف كان نتنياهو يخطب فى الكونجرس دون إذن من البيت الأبيض، ويحرص على الظهور بمظهر من يمتلك شعبية فى أمريكا أكبر من رئيسها.
لذلك لا يريد بايدن تكرار التجربة القاسية، ويتحرك بحذر شديد فى ممارسة الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلى، مع العلم بأن المتظاهرين فى إسرائيل يطالبونه مرارا وتكرارا بممارسة الضغط، وجعلوا مقر السفارة الأمريكية فى تل أبيب ـ الذى مازال قائما وفعالا رغم انتقال السفارة رسميا إلى القدس المحتلة ـ محطة أساسية لمظاهراتهم، تحت شعار ( انقذوا أرواحنا sos (، مطالبين بالتدخل الأمريكى لحماية مايسمونه بـ ” الديمقراطية الإسرائيلية “.
لكن نتنياهو على الطرف الآخر يحرص على مقابلة أية محاولة من جانب بايدن بالتدخل، أو مجرد التعليق على المظاهرات، بردود خشنة رافضة، تغلق الباب تماما أمام بايدن، وتشير إلى عدم اكتراثه برؤية رئيس أكبر دولة حليفة وممولة لحكومته، وقد ذكر فى أكثر من مناسبة أن إسرائيل دولة مستقلة ذات سيادة، تتخذ قراراتها دون تدخل من الخارج بما فى ذلك أفضل وأقرب الأصدقاء.