رغم انتهاء شهر الله المحرم بما يحمله من معانى الهجرة النبوية، فإن الدروس المستفادة من تلك الهجرة أكبر من أن يحدها زمان أو مكان. من أكثر الآيات القرآنية الكريمة التى لا تفارقنى لارتباطها بالهجرة قوله تعالى: «إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا». منتهى الاطمئنان والسكينة حتى فى أحلك الظروف المحيطة بالرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، الذى أراد أن يطمئن الصديق أبا بكر عندما شعر ببعض القلق عندما شاهد أقدام الكفار عند باب الغار، فإذا به وهو من هو يقول للرسول: لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فيجيبه الرسول مطمئنًا: ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!
لم يمنع يقين الرسول (صلى الله عليه وسلم) الكامل بنصرة الله له، لكنه أخذ بالأسباب البشرية الأرضية كلها. كان من يريد الذهاب للمدينة يتجه من مكة المكرمة شمالًا، فخدع الرسول الكفار وسلك فى البداية طريق الجنوب، واستعان وصاحبه بأحد الأدلة ليرشدهما للطريق. كما زرع (صلى الله عليه وسلم) بين الكفار من ينقل له الأخبار، فقد ظل الكفار مرابطين فترة طويلة على مدخل الطريق الشمالى فى انتظار أن يسلمه الرسول وصاحبه فى الوقت الذى كانا فيه فى الغار. وعندما جاء الكفار للغار ظن أبو بكر الصديق أن الهجرة فى طريقها للفشل، كان يكفى أن ينظر أحدهم تحت قدميه ليرى المهاجر وصاحبه، لكن عندما يكون الصاحب هو رسول الله فلا تقلق. هكذا جاءت الرسالة لأبى بكر الصديق ولكل البشرية من بعده. فعندما تأخذ بكل الأسباب الإنسانية، وفى الوقت الذى تظن أن تلك الأسباب لم تأت بثمارها وأنك هالك لا محالة ستأتيك الأسباب السماوية والنصرات الغيبية، فقط ثق بالله ولا تحزن واجعله معك حيثما وأينما كنت. واقرأ معى بتمعن بقية الآية: «فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم».
لو أخذنا تفاصيل الهجرة النبوية نبراسًا لنا وتعاملنا مع كل مشكلة كما تعامل معها رسول الله فحتمًا سنجد الله معنا. لا أفهم مثلًا أن يؤنب والد ولده الذى لم يحالفه الحظ فى الثانوية العامة ويعايره بما صرفه عليه لدرجة تدفع الولد للانتحار رغم اعتراف الوالد نفسه بأن الولد لم يدخر جهداً فى المذاكرة. أى أنه أخذ بالأسباب لكنه لم يوفق فى الامتحان. كثير من الطلبة المتميزين دراسيًا لديهم فوبيا من أداء الامتحانات فتأتى نتائجهم غير متوقعة بالمرة. لا يجب أن يكون عدم التوفيق فى خطوة سببًا فى انهيار كامل للإنسان. ستأتيك فرص أخرى كثيرة، وربما قمت بتحويل مسارك بعد التعثر فى مجال ما إلى مجال آخر أصبحت فيه من المتميزين جدًا والأمثلة كثيرة، ولو انهار كل من تعرض لذلة فى الطريق لما رأينا آلاف العباقرة فى كل المجالات.
كل المطلوب منى ومنك أن نهجر غرورنا بأنفسنا، أن نتيقن أن توفيق الله عز وجل سيكون حليفك طالما أخذت بالأسباب كلها، حتى لو تعثرت مرة ومرتين وعشر مرات سيصيبك التوفيق والنجاح فى المرة الحادية عشرة. حتى لو أحاط بك كثير من الكارهين يتمنون لك كل فشل فكن على يقين أن المكر السيئ لن يحيق إلا بأهله. وكلما حدثتك نفسك بيأس من عدم فاعلية أسباب الأرض أو انتهائها فقل لها وأنت مصدق: يا نفس لا تحزنى إن الله معنا. ولحظتها فقط ستتدخل السماء بأسبابها لتنصرك.
hisham.moubarak.63@gmail.com