توقفت طويلا أمام تدوين لصديق على صفحته في شبكة التواصل الاجتماعي يتحدث فيه عن ضرورة التدخل في النص قطعي الثبوت قطعي الدلالة وهو يقصد نصوص القرآن الكريم فيما يتعلق بالميراث .جاء ذلك وهو يتحدث عن مناصرته لحقوق المرأة واستدل فيما ذهب بما فعله سيدنا عثمان بن عفان الخليفة الثالث لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أنه زار سيدنا عبد الرحمن بن عوف في مرض موته وعلم أن طلق زوجته تماضر طلقة بائنة حتى لا ترث فلما توفي سيدنا عبد الرحمن بن عوف قام سيدنا عثمان بن عفان بتوريثها ومنحها نصيبها كزوجة ..يقول الصديق هذا اجتهاد في النص الثابت القاطع ويتساءل : لم لا نفعل مثلما فعل هؤلاء الصحابة الكبار ؟ كأنه يريد أن يقول ما دام صحابي مثل سيدنا عثمان خالف النص فلا شك أن مخالفة النص لا شىء فيه.
والحق أن سيدنا عبد الرحمن بن عوف لم يطلق زوجته من تلقاء نفسه كي لا ترث وكذلك سيدنا عثمان لم يخالف نصًا قطعي الثبوت قطعي الدلالة لكن القضية تتمثل فيما وضعه الإسلام من أحكام تتعلق بتصرفات المريض مرض الموت وهي أحكام تتفق مع روح النصوص ومع منطوقها أيضا
والقصة أن السيدة تماضر طلبت من زوجها عبد الرحمن بن عوف أن يطلقها فطلب منها أن تعيد عليه الطلب بعد أن تحيض وتطهر حتى يلتزم بالسنة النبوية في الطلاق أي يطلقها على طهر ودون شك في حمل فانتظرت حتى حاضت وطهرت وأيلغته وكان قد مرض فطلقها فلما توفى في هذا المرض طبق سيدنا عثمان الحكم الشرعي الذي يخص تصرفات المريض مرض الموت حيث لا يؤخذ بقراراته التي قد تضر أحد ورثته أو الورثة جميعا حتى ولم يكن يقصد ذلك فلا يؤخذ بقراراته احتياطًا كأنه يقصد الضرر.
ومرض الموت كما يقول الدكتور عبد الوهاب خلاف في كتابه
“أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلام هو المرض الذي يعجز الرجل عن القيام بمصالحه خارج بيته. وينتهي بموته
وهو في ذلك لا يكون حرا في كل تصرفاته خاصة ما يتعلق بالماليات فكل تصرفاته المالية التي لا تضر ورثته ماليا تُجاز . أما التصرفات التي تضر ورثته فلا تجاز إلا إذا أجازها الورثة خاصة المتضرر منهم، فلو باع شيئا واشترى بديلا منه بثمنه فلا شىء في ذلك أما لو وهب أو أعطى أو باع ببخس أو طلّق زوجاته أو إحداهن ففيه شبهة الايذاء لورثته. كل ذلك ينطلق من القياس على هدي رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه: “لا يرث القاتل ” والمقصود هنا القاتل الذي قتل أباه أو أمه أو من يحق له أن يرثه بعد موته حتى يحصل على ميراثه فالرسول دعانا أن نعامله بنقيض قصده.
من هنا فقد عامل الخليفة الثالث تركة الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف أحد المبشرين بالجنة بالقاعدة الأصولية دون نظر إلى أن السيدة تماضر هي من طلبت الطلاق وأن سيدنا عبد الرحمن طلقها استجابة لرغبتها فليس هناك شبهة إيذاء لكن مادام الصحابي الجليل طلقها ثم مات فقد عامل الخليفة تركته وطليقته حسب القاعدة وورّثها .
بقي أن نقول إن ما يحفظ على الإسلام جوهره وثباته هي النصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة وما يجعل الشريعة الاسلامية مرنة تناسب كل زمان ومكان هي النصوص التي تتحمل الآراء المختلفة أي التي تتضمن عموميات تتحمل النظر العقلي ويأخذ منها المجتهد على قدر ما يفهم وما يناسب مقاصد الشريعة الكلية وحسب القواعد الفقهية الكلية .ومن هنا فإن خطر العبث بالنص القاطع خطر كبير يضيع الدين ويصبح المسلم لا يحمل من دينه وقيمه وقواعده الا اسمه