الخبراء اختلفوا .. حول نتائج تقليص أعداد البشر..!!
المؤيدون: يوفر الفرص.. يجعل البيئة أكثر صحة.. ويحفظ التنوع الحيوي!
الإفراط في الإنتاج والاستهلاك .. كارثة كبرى على كوكبنا..!!
المعارضون: شلل للاقتصاد العالمي..ندرة العمالة..ظهور مجتمعات الشيخوخة..!!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
رغم تجاوز عدد سكان العالم ثمانية مليارات في أواخر العام الماضي، تتوقع الأمم المتحدة أن عشرات الدول ستشهد تقلصًا في عدد السكان بحلول عام 2050. ونظرًا لعدم ازدياد أعداد الحيوانات الكبيرة الأخرى بنفس القدر أو السرعة أو التأثير المدمر الذي تسببه الكائنات الحية الأخرى، مثل البشر، يجب أن نحتفل جميعًا بتناقص أعداد سكان كوكبنا.
سيؤدي انخفاض عدد السكان إلى تخفيف الضغط الذي يمارسه ثمانية مليارات شخص على كوكب الأرض. تقول ستيفاني فيلدشتاين، في تقرير على موقع ساينتيفيك أمريكان: “بصفتي مدير السكان والاستدامة بمركز التنوع البيولوجي، فقد رأيت الآثار المدمرة لبصمة البشر المتزايدة باستمرار على النظم البيئية العالمية. لكن إذا استمعت إلى الاقتصاديين (وإيلون ماسك)، فقد تعتقد أن انخفاض معدلات المواليد يعني أن الدنيا ستختنق، لأن قلة عدد الأطفال يعني قلة العمال والمستهلكين الذين يقودون النمو الاقتصادي.
ولكن هناك ما هو أكثر من الدولارات، حيث يتسبب النموذج الحالي للنمو اللامتناهي والأرباح قصيرة الأجل في التضحية بالأشخاص المعرضين للخطر ومستقبل الكوكب. يمكن أن يساعد انخفاض عدد السكان في خلق مستقبل به المزيد من الفرص وعالم صحي غني بيولوجيًا. إننا في مفترق طرق وعلينا أن نقرر ما سيحدث بعد ذلك. يمكننا الحفاظ على الوضع الراهن ومواصلة السعي لتحقيق نمو اقتصادي بلا حدود على كوكب محدود الموارد. أو يمكننا الانتباه إلى الإشارات التحذيرية لكوكب وصل إلى أقصى حدوده، وعلينا كبح جماح كارثة بيئية، واختيار طريقة مختلفة لتحديد الازدهار الذي يرتكز على العدالة وعالم طبيعي مزدهر.
يحتاج كل شخص على هذا الكوكب إلى الغذاء والماء والطاقة ومكان يسميه الوطن. وإذا أردنا زيادة الإنصاف في الثروة ونوعية الحياة -كما ينبغي -فسوف تزداد الطلبات حسب عدد الأفراد، حتى مع أفضل سيناريو للتنمية المستدامة.
مثلًا، مع نمو عدد السكان والثروة في الصين، زادت مطالبها على هذا الكوكب. يبلغ نصيب الفرد من البصمة البيئية في الصين أقل من نصف بصمة نظيره في الولايات المتحدة، لكن البصمة البيئية الإجمالية للبلاد أكبر بمرتين، حيث تتسبب الدولة في 25% من إزالة غابات العالم بسبب وارداتها وثلث انبعاثات الاحتباس الحراري العالمية. ويعد خفض الاستهلاك في الدول ذات الدخل المرتفع أمرًا ضروريًا، ولكنه غير كاف بمفرده إذا استمر عدد سكان العالم في الارتفاع.
لكن عدد سكان الصين انخفض بعد عقود من النمو الهائل. هذا التحول الكبير في أكبر دول العالم سكانًا يمثل مكسبا كبيرًا، لكن الصين ليست الوحيدة في تناقص أعدادها.
أدى تضاعف عدد سكان الأرض على مدار الخمسين عامًا الماضية، لانخفاض عدد الحيوانات البرية بمعدل 69%. وقام البشر بتغيير حوالي 70% من أراضي الكوكب. تسببت أنشطتنا في خروج الحياة البرية من مواطنها، ودمرت النظم البيئية التي لا يمكن تعويضها.
يعد فقدان التنوع البيولوجي أمرًا مأساويًا في حد ذاته. إن عالمًا -خاليًا من الأفيال وملايين الأنواع الأخرى المعرضة للانقراض في العقود القادمة -سيكون في حالة فقر شديد. تثري النباتات والحيوانات البرية حياتنا وتحافظ على تماسك النظم البيئية الحيوية. المياه العذبة التي نحتاجها للبقاء على قيد الحياة، والنباتات التي نعتمد عليها في الغذاء والدواء، والغابات التي نعتمد عليها للتخلص من الكربون والحصول على هواء نقي، كلها نتاج تفاعلات معقدة بين أشكال الحياة التي تتراوح من الميكروبات والملقحات إلى آكلات اللحوم والقمامة. عندما يتم سحب خيط واحد من هذا النسيج، يمكن للنظام بأكمله أن ينهار.
بالنسبة لمن يولون اهتمامًا بالاقتصاد أكثر من الحياة على الأرض، يقدر البنك الدولي أن انهيار النظام البيئي قد يكلف 2.7 تريليون دولار سنويًا بحلول 2030. وقدرت شركة ديلويت للاستشارات المالية مؤخرًا أن الفوضى المناخية تكلف الولايات المتحدة 14.5 تريليون دولار بحلول عام 2070 بسبب الأضرار الجسيمة الناجمة عن تطرف الطقس وحرائق الغابات، وما تتعرض له المجتمعات والمزارع والشركات من الجفاف والطقس غير المتوقع. وبينما يفترض الكثيرون أن انخفاض عدد السكان سيضر حتما بالاقتصاد، وجد الباحثون أن انخفاض معدلات الخصوبة لن يؤدي فقط إلى خفض الانبعاثات بحلول عام 2055، ولكن سيزيد دخل الفرد بنسبة 10%.
تميل النساء الأفضل تعليماً لإنجاب عدد أقل من الأطفال. يؤدي هذا لإبطاء النمو السكاني ويساعد في تقليل انبعاثات الكربون. وعندما تتولى المرأة مناصب قيادية، يرجح أن تقدم مبادرات أكثر من الرجل لمكافحة تغير المناخ وحماية الطبيعة.
ولاى شك في أن انخفاض عدد السكان هو مجرد تهديد لاقتصاد هدفه النمو بلا حدود. سيساعد التحول إلى نموذج عالمي -يعتمد على تراجع النمو الاقتصادي والإنصاف، مع انخفاض معدلات الخصوبة -في مكافحة تغير المناخ وزيادة الثروة والرفاهية.
إذا انخفض عدد السكان، فستتكيف بعض الأماكن مع شيخوخة المجتمع. إذا اخترنا تناقصًا متعمدًا ناتجًا عن زيادة الرفاهية، فيمكننا حينئذٍ التخلص من الخوف من تنظيم الأسرة وصنع مستقبل أفضل للناس والكوكب.
علينا الاختيار بين السماح للاقتصاد القائم على النمو كي يحدد مصير كوكبنا، أو التوقف عن التظاهر بأن السكان والبيئة هما قضيتان منفصلتان.
الاقتصاد الذي يغذيه النمو السكاني بغير حدود يجعل معالجة الأزمات البيئية صعبًا. تكافح المجتمعات بالفعل في مواجهة حالات الجفاف المتفاقمة والطقس القاسي وعواقب أخرى لاضطراب المناخ. والضغط السكاني يجعل التكيف أكثر صعوبة. سيؤدي تزايد عدد السكان إلى زيادة الضغط على النظم البيئية المتضررة، مما يقلل من مرونتها ويزيد من مخاطر الأوبئة وتصحر التربة وفقدان التنوع البيولوجي.
أما التناقص البطيء للسكان وكل ما يصاحبه فيخفف ضغطنا على البيئة، ويساعد على التكيف مع تغير المناخ، وحماية الأماكن الكافية لتعافي الحياة البرية المعرضة للخطر.
ورغم فوائد الانخفاض السكاني الحتمي للناس والكوكب، فإن قادة العالم لم يفعلوا شيئًا يذكر استعدادًا لعالم يتجاوز نموذج النمو الاقتصادي اللامحدود. إنهم بحاجة للاستعداد لشيخوخة السكان مع إعادة تنظيم هياكلنا الاجتماعية والاقتصادية نحو تراجع النمو. ويمكن للهجرة أن تخفف بعض الضربات الديموجرافية وذلك بجلب الشباب إلى الدول التي تعاني من زيادة أعداد المسنين.
يجب على الحكومات الاستثمار في الرعاية الصحية ودعم من يقدمونها، ومساعدة وتشجيع من يرغبون في العمل لفترة أطول، وإعادة تصميم المجتمعات لتلبية احتياجات الإسكان والنقل والخدمات لكبار السن. نحن بحاجة إلى تحريك اقتصادنا بحيث يزدهر فيه الناس والطبيعة. وهذا يعني إدارة الاستهلاك، وتقديم الرفاهية الاجتماعية والبيئية على الأرباح. هذه الممارسات وغيرها موجودة بالفعل – في برامج المساعدة المتبادلة والتعاونيات المملوكة للعمال -لكنها يجب أن تصبح الأساس وليست الاستثناء.
ومن خلال معالجة الأزمات التي نواجهها، وتمكين الجميع من تقرير ما إذا كان سيتم إنجاب الأطفال ومتى، والتخطيط لتراجع عدد السكان، يمكننا اختيار مستقبل الوفرة المستدامة.
“القنبلة السكانية” لن تنفجر
لكن هناك من بقول إن “القنبلة السكانية” التي طال انتظارها قد لا تنفجر. ووفقًا لتقرير صدر في مارس الماضي فمن المنتظر أن يبلغ عدد البشر ذروته بأسرع مما كان متوقعًا في السابق، ثم يعود للتراجع.
وتتوقع دراسة، أجريت بتكليف من نادي روما، أنه وفقًا للاتجاهات الحالية، سيبلغ عدد سكان العالم 8.8 مليار قبل منتصف القرن، ثم ينخفض بسرعة. ويمكن أن تأتي الذروة في وقت أسرع إذا اتخذت الحكومات خطوات لرفع متوسط الدخل ومستويات التعليم.
التوقعات الجديدة هي أخبار جيدة للبيئة العالمية. بمجرد التغلب على الانفجار السكاني، يبدأ الضغط على الطبيعة والمناخ في التراجع، إلى جانب تراجع التوترات الاجتماعية والسياسية المرتبطة بذلك.
ويذكر جوناثان واتس، في تقرير للجارديان، أن مؤلفي الدراسة يحذرون من أن انخفاض معدلات المواليد وحده لن يحل المشاكل البيئية، وهي مشاكل خطيرة عند مستوى 8 مليارات وتنتج في المقام الأول عن الاستهلاك المفرط للأقلية من الأثرياء.
يمكن أن يؤدي انخفاض عدد السكان أيضًا إلى خلق مشاكل جديدة، مثل تقلص القوى العاملة وزيادة الضغط على الرعاية الصحية المرتبطة بمجتمع الشيخوخة، كما وجدت دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
قال بن كاليجاري الذي شارك في إجراء الدراسة، إن النتائج تدعو للتفاؤل، لكن هناك مشكلة. “هذا يجعلنا نعتقد بأن القنبلة السكانية لن تنفجر، لكننا ما زلنا نواجه تحديات كبيرة من منظور بيئي. نحن بحاجة لكثير من الجهد لمعالجة نموذج التنمية الحالي للإسراف في الاستهلاك والإفراط في الإنتاج، والذي يسبب مشاكل أكبر من الزيادة السكانية “.
ويحذر من أن هذا متأخر جدًا: “رغم أن السيناريو لا يؤدي إلى انهيار بيئي أو انهيار مناخي كلي، فإن احتمالية الانهيارات المجتمعية الإقليمية ترتفع على مدار العقود حتى عام 2050، نتيجة تعميق الانقسامات داخل المجتمعات وفيما بينها. الخطر حاد بشكل خاص في الاقتصادات الأكثر ضعفاً وسيئة الإدارة والضعيفة بيئياً “.
لكن تيم نيوكومب يرى، في تقرير له على موقع بوبيولار ميكانيكس، أن انخفاض عدد سكان العالم قد بدأ. وهذا يمكن أن يعيق النموذج الاقتصادي العالمي بأكمله، مما يؤدي إلى شلل دراماتيكي لاقتصادنا العالمي، كما يقول سيباستيان ديتميرز، الرئيس التنفيذي لشركة ستيبستون StepStone ومؤلف كتاب عن مستقبل سكان العالم.
في مقال رأي نشرته بيزنس إنسايدر، يقول ديتمرز: “النقص الكبير في أعداد الناس قادم، وسيؤدي إلى فوضى اقتصادية عالمية”.
يلاحظ ديتمرز أنه حتى مع اقترابنا من 8 مليارات شخص في هذا العالم، فإن “العوامل المؤدية إلى انخفاض عدد السكان تتحرك بالفعل”، ويتوقع انخفاضًا في عدد السكان في العقود الأربعة القادمة. ولا تلوموا الحرب أو الفيروسات أو الكوارث الطبيعية، فالفضل يعود إلى مستويات المعيشة البراقة لدينا وتقلص معدلات المواليد.
يقول ديتمرز: “الناس أصبحوا أكثر صحة، وأكثر ثراءً، وأفضل تعليماً، ويعيشون أطول، ولديهم عدد أقل من الأطفال”. “لكن هذا الانخفاض في البشر ليس سببًا للفرح، وإنما كارثة تلوح في الأفق لاقتصادنا. النقص الكبير في العمالة الناجم عن انخفاض عدد السكان سيشل اقتصادنا العالمي ما لم نجد طرقًا مبتكرة للحفاظ على سير الأمور.”
وفي حين أن انخفاض عدد السكان قد يقدم علامات مشجعة لمن يشعرون بالقلق نتيجة للاكتظاظ الذي يستنزف موارد العالم، يقول ديتمرز إن انخفاض معدل المواليد -مع حدوث أكبر انخفاضات في المجتمعات الأكثر ثراءً -يعني أنه لن يكون هناك عدد كافٍ من العمال الشباب لدعم تلك الزيادة في مستوى المعيشة.
ويتوقع، في تقرير نشرته بوبيولار ميكانيكس، أن ينخفض عدد سكان العالم بمقدار مليار شخص عن ذروته بحلول نهاية هذا القرن بناءً على بحث من مؤسسة جيتس، ويضيف أن العاملين في إيطاليا وإسبانيا واليونان سينخفضون بأكثر من النصف بينما ستخسر كل من بولندا والبرتغال ورومانيا واليابان والصين ما يصل إلى ثلثي قوتها العاملة.
يقول ديتمرز: “إن التراجع السكاني الذي يلوح في الأفق هو جرس إنذار”. “كان الناس أهم وقود للنمو الاقتصادي في القرون العديدة الماضية. وبانخفاض أعداد الناس، يمكن إنجاز عمل أقل.”
يضيف: “لمواجهة الكساد السكاني، لن يحتاج العالم إلا إلى ثورة في عقولنا”. “نحتاج إلى ابتكارات وأفكار جديدة: روبوتات وذكاء اصطناعي لأداء عملنا وإتاحة الفرصة للجميع كي يحصلوا على تعليم وتدريب جيدين.”