رغم غياب بوتين وشي
الهند تريد أن تصبح قوة عالمية .. بقيادة “مودي”!!
التوترات مع نيودلهي وتجنب لقاء بايدن.. سبب عدم حضور الرئيس الصيني
زيارة الرئيس الأمريكي للهند وفيتنام ودعم تايوان بالسلاح .. هدفه تطويق بكين
أفريقيا تطلب عدم التدخل في شؤونها وأن تكون جزءًا من نظام متعدد الأقطاب
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
اختتمت قمة مجموعة العشرين لأكبر الاقتصادات في العالم أعمالها في العاصمة الهندية دلهي، الأحد حيث سلّم رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، الرئاسة للبرازيل التي ستستضيف القمة المقبلة.
وكانت القمة قد شهدت حضور الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة وزعماء الدول الأعضاء، بينما غاب الرئيس الصيني شين جين بنج ونظيره الروسي فلاديمير بوتين المطلوب من محكمة الجنايات الدولية للاشتباه بارتكابه جرائم حرب في أوكرانيا.
وأثار الإعلان الصادر عن القمة انتقادات بسبب غموضه حول الحرب في أوكرانيا وفشله في الالتزام بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
وذكر تحليل لموقع بي بي سي نيوز أن الإعلان الذي توافقت عليه الدول بالإجماع تجنب إدانة روسيا بسبب الحرب التي شنتها على أوكرانيا، لكنه أبرز المعاناة الإنسانية بسبب الصراع ودعا جميع الدول للامتناع عن استخدام القوة للاستيلاء على الأراضي.
وأعربت أوكرانيا عن خيبة أملها من نص إعلان القمة حول الحرب.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، أوليج نيكولينكو، إن قمة العشرين “ليس لديها ما تفخر به”.
وترى أوكرانيا أن غياب أي إشارة إلى “العدوان” الروسي دلالة على أن داعميها الغربيين يفقدون حجتهم مع “الجنوب العالمي” حول كيفية توصيف الحرب.
أما روسيا فقد وصف وزير خارجيتها سيرجي لافروف القمة بأنها كانت ناجحة. وقال إنه بسبب الموقف الموحد للجنوب العالمي، تمكنت روسيا من ضمان ألا يخيّم الصراع في أوكرانيا على أجندة القمة.
وافقت روسيا على البيان المشترك حتى في غياب الرئيس بوتين. وكانت قد أرسلت وزير خارجيتها سيرجي لافروف بدلاً من الرئيس. وأفادت وكالة أنباء تاس الروسية أن الزعماء أقروا في البيان المشترك بوجود خلافات في الرؤى حول أوكرانيا.
وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان البيان بأنه “منعطف مهم” نحو “تصويت بالثقة بأن مجموعة العشرين يمكنها أن تجتمع لمعالجة بعض القضايا الملحة”.
أما رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، فقال إن الإعلان يتضمن “لغة قوية جداً”، تبرز تأثير الحرب في أوكرانيا على أسعار الغذاء والأمن الغذائي”.
بالنسبة لنيودلهي، فإن قمة مجموعة العشرين توفر الفرصة لإعادة صياغة العلامة التجارية العالمية للدولة. بعض الدعوات التي أرسلتها للزعماء لم يوقعها “رئيس الهند”، بل “رئيس بهارات” وهي تسمية يفضلها حزب بهاراتيا القومي الحاكم، جاناتا (BJP).
وقبل الحدث، حملت اللوحات الإعلانية صور رئيس الوزراء في أنحاء البلاد. والرسالة بسيطة، فباستضافة كبار زعماء العالم، أصبحت الهند قوة عالمية، بزعامة مودي.
استضافت الهند القمة في وقت مناسب، ففي العام الماضي، تفوقت على جارتها الصين لتصبح أكبر دولة من حيث عدد السكان. وسكانها أصغر سنا بكثير من سكان الصين، وتتوقع الحكومة نمو الاقتصاد بنسبة 7% هذا العام، متفوقا على الصين. وفي عهد مودي، نجحت الهند الشهر الماضي في أن تصبح أول دولة تهبط لها مركبة فضائية على القطب الجنوبي للقمر، وهذا يمهد الطريق لنوع جديد من سباق الفضاء
يقترن ما سبق بالانقسام الجيوسياسي المتزايد بين الولايات المتحدة والصين، والذي يجعل واشنطن تتقارب أكثر لنيودلهي، رغم مخاوف واشنطن من النزعة القومية لمودي.
اللافت هو غياب بوتين، وشي. لم يحدد بوتين سبب عدم حضوره. ورغم أنه يواجه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بسبب غزو أوكرانيا، فالهند ليست من الدول الموقعة على نظام روما الأساسي ولن يُطلب منها اعتقال الزعيم العالمي.
ويشير تحليل لآدم تايلور على موقع الواشنطن بوست إلى أن إدارة بايدن كانت تأمل في دفع الهند للمساعدة في عزل روسيا، لكن النفط والغاز الرخيصين من موسكو ظلا عامل جذب قويًا للهند، وكذلك صادرات الأسلحة الروسية.
وقد عادت التوترات بين نيودلهي وبكين للظهورمؤخرًا بعد أن نشرت وزارة الموارد الطبيعية الصينية خريطة تطالب بمناطق شمال شرق الهند كجزء من الصين. وهذه المناطق المتنازع عليها منذ فترة طويلة تسببت في اشتباكات دامية قبل ثلاث سنوات أسفرت عن مقتل 20 جنديا هنديا وأربعة جنود صينيين. واعترضت دول جنوب شرق آسيا والولايات المتحدة على التأكيدات الإقليمية للخريطة بشأن بحر الصين الجنوبي.
وبالنسبة لمودي، الذي يخوض انتخابات رئاسية العام المقبل، فإن اتخاذ موقف ضد الصين قد يكون هدفه استرضاء مؤيديه المحليين أكثر من الانضمام إلى تحالف ديمقراطي غربي.
وإذا تغير اسم الهند رسميا إلى بهارات، فقد يؤدي ذلك لإغضاب الأقلية المسلمة الكبيرة في البلاد، وأيضا المتحدثين بغير الهندية. وانتقد رئيس وزراء ولاية البنغال الغربية، ماماتا بانيرجي، علنًا استخدام الاسم في الوثائق الرسمية، ووصفه بأنه “محاولة لتشويه تاريخ البلاد”.
تغيب شي، رئيس ثاني أكبر اقتصاد في العالم، عن الاجتماع السنوي للمرة الأولى منذ توليه السلطة عام 2012، واكتفاؤه بإرسال رئيس مجلس الدولة لي تشيانج للاجتماع، يبعث برسائل إلى العالم.
لم تقدم بكين أي تفسير لهذا الغياب الذي يتزامن مع تصاعد التوترات التجارية والجيوسياسية مع الولايات المتحدة والهند، الدولة المضيفة، والتي تشترك معها في حدود طويلة ومتنازع عليها.
أشار تحليل للتلجراف إلى أن، عدم حضور شي أثار موجة من التكهنات، وقدم المحللون تفسيرات متضاربة لتغيبه، بدءا من التجنب المتعمد للاجتماع مع جو بايدن إلى تصاعد التوترات مع الهند.
ويقول محللون في تايوان إن غياب الزعيم الصيني شي جين بينج أثر على الجهود المبذولة لمعالجة القضايا العالمية الملحة مثل تغير المناخ وحرب روسيا في أوكرانيا.
وأضافوا إن قرار شي بعدم الحضور يثير تساؤلات حول الأولويات المتغيرة لأجندة السياسة الخارجية لبكين. ويوضحون أن ذلك يعني تفويت فرص التعامل مع زعماء العالم الآخرين وتحسين العلاقات.
ويضيفون في تحليل لشبكة فويس أو أمريكا، إن القرار يعكس أيضًا تغيير أجندة السياسة الخارجية للصين، والتي تعطي الأولوية للتواصل مع الدول النامية.
وقالوا: “[من] قمة البريكس والأحداث الدبلوماسية الأخرى، بما في ذلك قمة الصين وآسيا الوسطى في مايو ورحلة شي للشرق الأوسط، يمكن استخلاص أن أولوية السياسة الخارجية للصين تتركز على الجنوب العالمي.
“مجموعة العشرين ليست المنتدى الذي قد تستفيد تستفيد الصين منه كثيرًا. والأسهل إعطاء الأولوية لمنتدى الحزام والطريق القادم، حيث سيحتفلون بالذكرى العاشرة له في بكين الشهر المقبل.
وقال تشيكون تشو، خبير السياسة الخارجية الصينية بجامعة باكنيل، لإذاعة صوت أمريكا: “يُنظر إلى زيارة بايدن للهند وفيتنام على أنها محاولة لتطويق الصين، وتشعر بكين بالقلق من المساعدات العسكرية الأمريكية المتزايدة لتايوان”.
وتباينت ردود الفعل من جانب زعماء العالم على غياب تشي، حيث أعرب الرئيس الأمريكي عن خيبة أمله لعدم حضور الرئيس الصيني.
وبينما يقول بعض المراقبين إنها فرصة ضائعة، يعتقد آخرون أن عدم تعامل الصين مع دول معينة هدقه حملها على تغيير سلوكها.
ويقولون: “إذا كان الهدف هو تغيير سلوك الولايات المتحدة، فقد أرسلت واشنطن أربعة أعضاء بمجلس الوزراء إلى بكين منذ يونيو، ويرى البعض أن هذه علامة جيدة على مجاح الاستراتيجية الصينية”.
ويبقى أن نرى ما إذا كان النهج الصيني سيطب أيضًا على قمة منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ أبيك (APEC)، التي تستضيفها واشنطن بسان فرانسيسكو.
ويرى إيشان ثارور في تحليل للواشنطن بوست، إن غياب بوتين، وشي، أدى لإضعاف الأضواء الجيوسياسية على الحدث؛ ومع ذلك، فلم تهدأ الخلافات السياسية داخل هذه الكتلة المتنوعة حول تغير المناخ والحرب في أوكرانيا.
وتأتي اجتماعات مجموعة العشرين في أعقاب قمة البريكس الأخيرة في جنوب أفريقيا، حيث ظهر شي. ويبدو أن بكين تنظر إلى هذه الكتلة، التي لا تضم الولايات المتحدة والكثير من حلفائها الغربيين، كمنصة أكثر فائدة لأجندتها الدولية.
وقال مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “رغم أن الصين لا تستطيع الفوز في معركة ضد الكتلة التي تقودها الولايات المتحدة، فإن شي يبدو مقتنعا بأن بلاده يمكن أن تأخذ مكانها كقوة عظمى في نظام عالمي متعدد الأقطاب”.
وكتب ليونارد: “إننا في عالم تفتقر فيه القوى العظمى للنفوذ الاقتصادي أو العسكري أو الأيديولوجي الكافي لإجبار بقية العالم -وخاصة “القوى الوسطى” الواثقة-على اختيار أحد الجانبين”. ومن كوريا الجنوبية إلى النيجر إلى الأعضاء الجدد في مجموعة البريكس، تستطيع الدول تحَمُّل تكاليف تحقيق أهدافها ومصالحها الخاصة، بدلا من الولاء للقوى العظمى.
وكتب أليك راسل في مقالة للفايننشال تايمز: “مرحباً بكم في عالم المأكولات الانتقائية”. “بتلاشي العصر الذي كانت فيه أمريكا قوة عظمى وحيدة بعد الحرب الباردة ، يتحول العالم الآن إلى نظام أكثر مرونة”.
وقال إيفان كراستيف، عالم السياسة البلغاري البارز، للفاينشيال تايمز: “لا تتركز المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، لأنهما لن تكونا قادرتين على ضبط حالة التشظي العالمية، مثلما فعلت روسيا وأمريكا في الحرب الباردة”. “القوى المتوسطة ليست قوية بما يكفي لتشكيل النظام الدولي، لكنها تطمح لزيادة أهميتها”.
“من هذا الارتباك الجيوسياسي، هناك عالم جديد أكثر نضجًا ينطلق نحو الحركة.
ويقول المحللون إن تغيب شي عن مجموعة العشرين قد يشير إلى خيبة أمله في نظام الحكم العالمي الحالي والهياكل التي يرى أن النفوذ الأمريكي يهيمن عليها.
وقد أعربت بكين عن غضبها من علاقات نيودلهي المتنامية مع واشنطن، وخاصة مشاركتها في المجموعة الرباعية –وهي مجموعة أمنية تقودها الولايات المتحدة وانتقدتها بكين ووصفتها بأنها “حلف شمال الأطلسي الهندي والهادئ”.
وقال هابيمون جاكوب، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي: ” الصين ترى الهند في المعسكر المناهض لبكين، وبالتالي لا تريد إضافة قيمة إلى القمة الدولية التي تنظمها نيودلهي”.
وفي مارس، سافر شي إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتن ــ”الصديق القديم” الذي يشاركه عدم ثقته في القوة الأميركية. وفي الشهر الماضي، حضر قمة البريكس للدول الناشئة في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، حيث أعلنت الكتلة قبول ستة أعضاء جدد.
توسع البريكس، الذي وصفه شي بأنه “تاريخي”، يعد انتصارا كبيرا لبكين، التي سعت منذ فترة طويلة لتحويل هذا التجمع الاقتصادي إلى ثقل جيوسياسي موازن للغرب.
وقال جورج ماجنوس، الخبير بجامعة أكسفورد، لشبكة “سي إن إن” إن البريكس الموسعة هي مثال على هيكل الحكم البديل الذي تريد بكين بناءه فهو يشمل بعضًا من أهم الدول في الجنوب العالمي، مع قيام الصين بدور مركزي.
وأضاف إن مبادرات مثل الحزام والطريق، وبريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون -التي تعتبر بكين لاعبا رئيسيا فيها -تتمتع الآن بمكانة عالية في الصين.
“إنها أيضًا تبعث برسالة إلى بقية العالم -ليس فقط دول الجنوب العالمي ولكن أيضًا الدول المترددة في عالم الديمقراطية الليبرالية -مفادها أن هذا هو موقف الصين”.
فجر جديد مع الاتحاد الأفريقي
قال الرئيس الكيني ويليام روتو، الذي ترأس لجنة رؤساء الدول المعنية بتغير المناخ، في أوائل سبتمبر، “لقد تم تصنيفنا بشكل سلبي على أننا قارة المرض والحرب والفقر، لكننا نخرج لنقول إن أفريقيا موطن لـ 60% من أصول الطاقة المتجددة في العالم المهمة لتحقيق النمو التنموي اللازم”.
وفي قمة العشرين ينادي الزعماء الأفارقة، وفي مقدمتهم الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي حضر القمة، مطالبين بعدم التدخل في شؤونهم الداخلية، ويثيرون المخاوف بشأن الاستعمار الجديد ويستمرون في الدعوة للانضمام إلى منظمات مثل مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا).
وتتلخص رؤيتهم لعالم اليوم في أن أفريقيا يجب أن تكون جزءاً من نظام متعدد الأقطاب.