طفرة كبيرة يشهدها عالم الابتهالات والانشاد الديني في عالم اليوم ..وفي كل يوم يقطع ارضا جديدة مبشرة واصوات جديدة واعدة تحاول ان تجد لها مكانا خاصا ومميزا بالخروج من عباءة التقليد التى تسيطر على الساحة بقوة.. ومع ذكرى كل يوم لميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وفي المناسبات والاعياد الدينية ايضا يتالق المداحون والمبتهلون وتشرئب اعناقهم الى السماء ومعهم جمهرة المحبين للمصطفى عليه الصلاة والسلام..
ما يحدث على الارض على صعيد هذا الفن المحبب للقلوب والذي يلامس بقوة المشاعر ويهز الوجدان..احيا امالا كبيرة بان تستعيد دولة الانشاد في مصر مكانتها..وان تعود من جديد ونشاهد طبقة السميعة للفنون الجميلة وفي مقدمتها بالطبع الابتهالات والموشحات الدينية.. هذه الطبقة التى تاهت بل وتعاني من النشاز الطاغي على الساحة الفنية حتى يكاد يخيل للبعض ان هذه الطبقة قد اندثرت او على افضل تقدير انزوت في ركن قصي الى ان يأذن الله بانوار جديدة ..وهوما يبعث الامل في ان تعود الفنون الراقية الجميلة لممارسة دورها وقوتها الناعمة وتاثيرها الحيوي ليس في مصر فقط بل في العالم الاسلامي..
من الشواهد الجميلة على تمدد وارتقاء فن الانشاد ومعه التواشيح والابتهالات الدينية ذلك الاهتمام الكبير بتحفظة وتحفيظ القران الكريم ليس حفظا فقط بل تجويدا وبالقراءات العشر المشهورة ومع ظهور هذا الجيل المتقن للقراءات وعلم النجويد نما فن الابتهالا ت وهو يعتم اكثر ما يعتمد على اتقان المقامات الموسيقية وامتلاك الفدرة على الاداء المتنوع والمدهش ايضا مما يثير الاعجاب ويسمو بالنفس في عوالم نورانية وروحانية راقية بالغة السمو والرفعة ..
وكان من اللافت ايضا ان يدخل على خط المنافسة الفتيات والشابات ومنهن من حققن مراكز متقدمة جدا في المسابقات القرانية العالمية وحصدن جوائز المراكز الاولى سواء في مصر او غيرها من البلدان العربية والاسلامية ..
مما لا يخفى على احد ان وسائل التواصل الاجتماعي قد ساعدت على سرعة انتشار عدد كبير منهن ويمكنني القول انها زادت من حدة المنافسة بعد ان حققت المشاهد المصورة والمقاطع الخاصة بهن سواء في قراءة القران الكريم والابتهالات الدينية مشاهدات مليونية .. وكان من نتيجة ذلك ان اصبح هؤلاء الشباب والفتيات محط انظار واهتمام البرامج والقنوات الفضائية وغيرها.. بل وصل الامر ان الى البعض منهن دعي بالفعل للمشاركة في افتتاح فعاليات رسمية كبرى يحضرها كبار المسئولين وكانوا مثار اعجاب وتقدير..
وللتذكرة فان المرأة كانت حاضرة بقوة في عالم الانشاد والابتهالات والمدائح النبوية نذكر منهن على سبيل المثال خضرة محمد خضر وجمالات شيحة وفاطمة سرحان وفي الجيل القديم الحديث ياسمين الحصري..
الان الفضاء الالكتروني يعج بعشرات الفتيات وبعضهن من خريجي الجامعات المختلفة ويقدمن انفسهن للجمهور بكل فخر على انهن قارئات للقران ومنشدات .. وانهم ختمن القران وبعضهن يجدن القراءات المختلفة..
من الشواهد الحية التى يمكن رصدها وتسجيلها على صعيد تنامي فن الابتهالات والحركة الدائبة لبث الروخ فيه من جديد سواء على المستوى الرسمي او الشعبي..
ما تقوم به وزارة الاوقاف حاليا منجهود لدعم اجيال المنشدين والمبتهلين وما تقدمه من دورات تدريبية لهم سواء في اكاديمية الاوقاف وغيرها من مجالس الذكر بالمساجد الكبرى في القاهرة وغيرها ..
وزير الاوقاف فضيلة د. محمد مختار جمعة يولي القضية اهمية خاصة تششجيعا وتحفيزا ماديا ومعنويا ويستضيف المتميزين منهم في الحفلات الرسمية وفي المؤتمرات الدولية وفي العامين الاخيرين كان للمبتهلين والمنشدين حضور قوي في مؤتمرات المجلس الاعلى للشئون الاسلامية وقد لاقى الامر استحسانا واعجابا من كل وزراء الاوقاف والشئون الاسلامية والمفتين والعلماء الكبار الذين ابدوا تجاوبا وتفاعلا مع المدائح النبوية التى قدمها الشباب..وقد حظي بعضهم بالتكريم المادي ايضا. كما انهم يشاركون في الحفلات والامسيات الدينية المختلفةوالتى تبث غلى الهواء مباشرة في الفضائيات المختلفة..
**ايضا في وزارة الثقافة تم انشاء فرقة للانشاد الديني تابعة لدار الاوبرا المصرية وتقدم حفلات رائعة تحظى باقبال جماهيري كبير ..
** تم انشاء مدرسة للانشاد الديني بقصر الامير طاز وتم تخريج عدد من الدفعات من المبتهين والمنشدين ..ومن المنتظر ان يعلن عن نقابة خاصة بالمنشدين برئاسة المبتهل الشهير محمود التهامي ..
الذي اعرب عن امله في ان تخرج مدرسة الإنشاد الديني جيلا جديدا من المداحين والمُنشدين والمُبتهلين الذين لديهم القدرة على إخراج الإحساس والصوت النقي بعدما يتم تدريبهم علي اعلي مستوي.
اتفق تماما مع ماذهب اليه الدكتور اسامة الازهري في ان تأسيس مدرسة للانشاد الديني له ثمار عظيمة خاصة خريجيها الذين سيملؤون الدنيا مدحًا وصلاحًا ووطنية وبرًا ووفاء وشهادة وكرما وإلى غير ذلك من فنون الأخلاق المحمدية.
لان هذه المدرسة تستطيع أن تعيد لمصر مكانتها في الريادة في هذا الفن الذي خرج من مصر للعالم، حيث إن مصر كانت هي الرائدة والمعلمة لهذا الفن الأصيل.
مشيرا الى أساطين الانشاد في عصرنا الحديث من امثال الشيخ نصر الدين طوبار والشيخ عمران والشيخ الطوخي والنقشبندي و الفشني الذين لهم لهم ذكرى خالدة في وجدان المصريين ثم الشيخ ياسين التهامي ثم محمود التهامي الذي نذر حياته للمنشدين..
الشيخ اسامة الازهري يشير في هذا الصدد الى ان فن الانشاذ قديم ومنذ ايام الصحابة رضوان الله عليهم..وقال الأزهري إن الإمام الحافظ بن سيد الناس جمع كتاب في غاية الأهمية حشد فيه كل من عرف بمدح الجناب النبوي المعظم وكان عددهم 129 صحابيًا وهو كتاب مطبوع جمع فيه سيرة لكل واحد من الصحابة ونشرها ثم توالى من بعده أجيال تعلقوا بمدح الجناب النبوي وأيضًا كتاب المجموعة النبهانية في المدائح النبوية والذي فيه أجمل ماقيل من مدح في الجناب النبوي في 4 مجلدات كبار فيها 24 ألف بيت من الشعر.
ولم تفته الاشارة الى الامام شرف الدين البوصيري وقصيدته البردة الشهيرة التى هارضها كثير من الشعراء في العصور المختلفة وصدحالمبتهلون والمداحون بابياتها في كل زمان ومكان ..
** بعض الفضائيات لها دور مهم في تشجيع المبتهلين والمنشدين بان خصصت برامج لهم تشجيعا وتحفيزا وايضا لكسب شرائح من الجمهور العريض المحب لمدح المصطفى صلى الله عليه وسلم..
كما ان هناك قنوات خاصة بالمداح النبوية تبث على مدار السعاة حفلان وابتهالات وغيرها..
** ظهور فرق جديدة للانشاد الديني نقيم حفرتها في مختلف الاحياء الشعبية وغيرها ..
والاهم انتفال فرق متخصصة في الانشاد الديني الى مصر لعمل بها معتمدة على تاريخ مصر في هذا الفن وانها بلد الابتهالات بتعبير المنشد السوري محمد ياسين المرعشلي رئيس فرقة الرضوان للإنشاد الديني.. الطريف ان الفرقة بمجرد وصولها لمصر انضم اليها أشخاص جدد سوريين لم يختلطوا بطبيعة عملهم في سوريا مما تطلب تدريبا جديدا وبداية جديدة.
المرعشلي اشار الى نقطة مهمة وهي أن مصر تمتاز بحب مواطنيها لآل البيت النبوي الشريف مما يشجع على انتشار المدح النبوي مشددا على اهمية التجديد في الانشاد وضرب مثالا على ذلك بأنشود بحبك وأريدك والتى دخلت قلوب المصريين على حد قوله وفي كل العالم ووقال انه يتلقى رسائل من دول أجنبية يخبرونه بأنهم يتدربون عليها”.
** هناك فعاليات ثقافية مثل ساقية الصاوي واخواتها تفرد مساحات واسعة لعرض وتقديم فن الانشاد الديني ..
** هناك مهرجانات دولية للانشاد الدينى .. مثل مهرجان الفلعة .. او مهرجان سماع الدولي للانشاد الديني والموسيقى الروحية ..وايا ما تكن الاهداف المعلنة او غيرها فانه يعطي دفعة واهتماما كبيرا لاصحاب هذا الفن الجميل..
$$لابد ان نسجل تلك العودة الحميدة للمنشدين الى ليالي الافراح المصرية وهو امر يلقى استحسانا وترحيبا وفي الايام الاخيرة حضرت بنفسي بعض هذه الليالي في ليلة الحنة وكانت ممتعة للغاية .. وهي خطوة مهمة تكسر احتكار وتسلط الدي جي واشباهه ممن افسدوا الذائقة الشعبية وغيرها وشوهوا لياليى الافراح في كل مكان ..
** لقد ان الاوان ان ننظر بجدية لهذا الفن الراقي نعيد ه الاعتبار ونمكن له على الساحة الفنية والثقافية عموما لدوره في الارتقاء بالذائقة الفنية وتهذيب الوجدان العام وتطهيره مما علق به من ادران موجات الفن الهابط ومطربي التهريج والمهرجانات او اي شيئ يسمونهم به..
اظنني احسب موجة المد الحالية المتصاعدة لفن الابتهالات والتواشيح ما هي الا نوع من المقاومة الطبيعية في مواجهة حركة الاندفاع والسيولة غير المقبولة والمستفزة على مسرح العبث بالفن والذوق العام.. انها حركة التدافع الطبيعي العام في الارض والصراع بين الطيب والخبيث والضار والنافع وكما يقولون فان العملة الجيدة تطرد الرديئة ..
السؤال : وما المطلوب اذن؟
الجواب ببساطة :الغاء حالة التهميش لهذا القطاع المهم ومنحه ما يستحق من الرعاية على المستويين الرسمي والشعبي ..
تشجيع الكتابة على هذا الصعيد وخلق نوع من المنافسة والتشجيع لابتكار والابداع وتقدينم نصوص جديدة لائقة وقادرة على المنافسة..
وفتح قنوات اتصال مشتركة مستمرة دائمة بين الاطراف المختلفة للمبدعين كتاب وشعراء ومبتهلين وملحنين ايضا للنظر والبحث في نصوص جديدة ولائقة..يمكن ام يكتب لها الخلود .. وما ذلك على الله بعزيز ..
فلا تزال الدنيا حتى الان تردد ابتهال مولاي أحد أشهر الابتهالات الدينية للشيخ النقشبندي وولايزال يحقق كل يوم نجاحًا كبيرًا..من كلمات هذا الابتهالالرائع:
مَوّلاي إنّي ببابكَ قَد بَسطتُ يَدي..
مَن لي ألوذُ به إلاك يا سَندي؟
أقُومُ بالليّل والأسّحارُ سَاهيةٌ أدّعُو
وهَمّسُ دعائي
بالدُموُع نَدى بنُورِ وَجهِكَ
إني عَائدٌ وجلُ
ومن يعد بك لن يَشّقى إلى الأبدِ..
.. والله المستعان..
megahedkh@hotmail.com