أن فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسهم حركة حماس ليسوا لوحدهم ممن يشعلون جبهة الضفة الغربية، بل هناك عوامل عديدة دفعت الفلسطينيين بأن يشكلوا حواضن قوية لفكرة المقاومة، وقيادة فعل ميداني يشار له بالبنان.
المجتمع الدولي لا يحترم الضعفاء وخطابات الاستجداء، ويمقت الخطابات المكررة الفارغة من مضمونها، فهي بلا طعم ولا لون ولا رائحة. أصبحت المقاومة اليوم هي الخيار الاستراتيجي للشعب الفلسطيني، وتشكل الحاضنة الشعبية عموده الفقري، الذي يظهر جليًا اليوم في الحالة الثورية الممتدة من أقصى الضفة الغربية إلى أقصى جنوب فلسطين. إن التصعيد الخطير وتدهور الوضع على الأرض يستدعي تحركا دوليا فوريا، على خلفية التطورات الميدانية المتلاحقة في مدينة ومخيم جنين.
أن المقاومة لم تتعرض لضغوط إقليمية لمنعها من الرد، وهي ليست في وارد مقايضة أمن شعبها بامتيازات ومكاسب معينة.
إن حديث البيت الأبيض الأميركي -عن دعم العدوان الصهيوني- على مخيم جنين “يمثل عدوانا على شعبنا ومشاركة للاحتلال في حربه”. فالعالم ما زال بعد 80 عاما على جريمة اغتصاب فلسطين لا يرى سوى الكيان الصهيوني والشعب اليهودي يستحقون الدعم والحياة والحماية والمساندة، وها هو الرئيس الأميركي جو بايدن لا يخجل من تكرار كلامه أمام العالم أجمع قائلا: “لا بد أنكم سمعتموني أقول عدة مرات إنه لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان علينا اختراع واحدة. وأنا أعني هذا الكلام”. لكن المؤسف أن الرئيس بايدن، مثل سابقيه من الرؤساء الأميركيين، لا يلقي بالا لهذه الكتلة البشرية الهائلة، ولا ينشغل بقضاياها واحتياجاتها وظروفها إلا بقدر ما تتطلبه المصلحة الأميركية، بل يشغله تحقيق أحلام الكتلة اليهودية المهيمنة على القرار الأميركي، حيث قال في كلمته أمام نتنياهو “غالبا ما أردد عبارة استخدمها أول رئيس وزراء إسرائيلي دافيد بن غوريون منذ 75 عاما بعد إعلان استقلال إسرائيل،
لقد قال: سيتحقق حلم أجيال إذا وقف العالم إلى جانب إسرائيل، حلم أجيال، وها هما الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان معا منذ وقت طويل لتحويل هذا الحلم إلى حقيقة”، مشددا على أن التزامه بمصلحة إسرائيل التزام راسخ، وأنه لن يكون أي يهودي في العالم بأمان دون وجود إسرائيل.
هذا الانحياز الأميركي المفرط تجاه دولة الكيان الصهيوني ليس جديدا، وهذه المراهنة على استرضاء الكتلة اليهودية لصالح الانتخابات الرئاسية والنيابية ليس جديدا، ولكن الجديد الذي استوقفني في هذا الحديث هو تناقضه الفاضح مع الشعارات والمطالبات التي ساقها الرئيس بايدن في ثنايا كلمته أمام زعماء العالم في الأمم المتحدة في اليوم السابق للقائه بنتنياهو، والذي لم يعد ينطلي إلا على حلفائه وشركائه: يتحدث الرئيس بايدن عن الآمال المشتركة التي تربط البشرية جمعاء، وكيف يمكن للخصوم أن يصبحوا شركاء، وعن قدرة العالم على تغيير مسار التاريخ، وعن سعي الولايات المتحدة لإيجاد عالم أكثر أمنا وازدهارا وإنصافا لجميع الناس،
وعن مبادئ النظام الدولي المقدسة ممثلة في ميثاق الأمم المتحدة، وكأن هذه المسائل لا تعني القضية الفلسطينية في شيء، فهي بالنسبة للإدارات الأميركية قضية الكيان الصهيوني والشعب اليهودي فحسب، دون أن تنسى -فيما يشبه المزاح- الإشارة إلى حل الدولتين، وضرورة أن يتمتع الشعب الفلسطيني بدولته المستقلة، فالسنوات تتوالى ثقالاً على كاهل الشعب الفلسطيني دون أن يتحقق له من الوعود الدولية والأميركية شيء، ولا يوربما يكون إحجام الدول الإسلامية والعربية عن القيام بهذه المحاولة بسبب يأسهم من ذلك، فقد سبق أن حاولوا مرارا من قبل وطالبوا بتطبيق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية، ولكن دون جدوى، وهذا الوضع المزري يفرز جملة من المؤشرات، من أهمها:
أن القضية الفلسطينية باتت بعيدة كل البعد في سلم أولويات دول العالم الإسلامي، فلم تعد أكثر من مجرد مناشدات وإدانات ومقترحات ثابتة تذيّل بها بياناتها الرسمية في مثل هذه المناسبات. وقد أصبحت قضية تأمين الاستقرار الداخلي، والانخراط في خطط التحّول والمشروعات الاستثمارية المرتبطة بها، تمثّل الأولويات القصوى لدى هذه الدول.
أن الدول العربية أصبحت منشغلة كليّا بالشأن المحلي، ومثقلة بالأزمات الأخرى التي تقدمت في حدّتها ونتائجها على القضية الفلسطينية، وأصبحت الأولويات المحلية تتقدم على نظيرتها الإقليمية أو القومية، وأصبح التفاعل الإيجابي مع الخطط والتوجّهات الأميركية في المنطقة والعالم إحدى الضمانات الأساسية لتعزيز استقرار السلطة، والمشاركة في مشروعات التحول الشرق أوسطية، وإظهار التجاوب مع القيم الغربية الحديثة ومخططات التنمية المستدامة.
أن القوى الفلسطينية لم يعد أمامها سوى الاعتماد على نفسها وعلى شعبها لإعادة بناء وحدتها الوطنية، وضبط بوصلتها السياسية من جديد بما يضمن لها تحقيق أهدافها ورفع المعاناة عن شعبها، مهما كلّفها الأمر.
لم يكن “طوفان الأقصى” مجرد عملية مقاومة كغيرها من العمليات التي سبقتها، ولن تكون ردود فعل الاحتلال الصهيوني المدعوم أميركيا وغربيا كسابقاتها من الردود، إلا أن الظروف المعقدة الفلسطينية والعربية والدولية التي تمرّ بها القضية الفلسطينية منذ عدة عقود، ستجعل من هذا “الطوفان” وردود الفعل المتوقعة عليه نهايات مؤلمة فوق العادة، وبدايات جديدة مفتوحة على كل الاحتمالات.
ورغم أن الانفعال هو سيد الموقف حاليا على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي، فإن السؤال الذي يجب أن يرن دوما في أسماع مع يهمه الأمر هو: ما المشروع السياسي الذي يخدمه “طوفان الأقصى”؟ وكيف سيتم استثماره لصالح تغيير الواقع الداخلي الفلسطيني؟ جد أمامه سوى نفق المعاناة القاهرة الذي لا يريد أن ينتهي.
واتخذت الشرطة الإسرائيلية في جنوب البلاد وضعا قتاليا لمواجهة هجوم مفاجئ شنه مسلحون من حركة حماس، إذ وافق وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت على استدعاء جنود احتياط بشكل واسع لأداء مهام مطلوبة في مجموعة متنوعة من الوحدات، وفقًا لاحتياجات الجيش الإسرائيلي بحسب ما جاء عن مكتب وزارة الدفاع.
وأعلنت الجبهة الداخلية الاسرائيلية حالة الطوارئ الشاملة في محيط ثمانين كيلومترا من محيط قطاع غزة، قبل جلسة طارئة يعتزم المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية الإسرائيلي عقدها ظهر اليوم لمتابعة التطورات الأمنية.
كما دعت مجموعة عرين الأسود الفلسطينيين إلى الخروج في مسيرات ضخمة وعارمة في كل الميادين، تضامنا مع إعلان كتائب القسام إطلاق عملية عسكرية ضد إسرائيل صباح اليوم.
ودعا الحراك الشبابي في مدينة رام الله للتجمع والخروج في مسيرة لمساندة “المقاومة الفلسطينية” وسط المدينة ظهر السبت. كما شهدت الأراضي الفلسطينية احتفالات كبيرة وتوزيع للحلوى “ابتهاجاً” باقتحام المسلحين الفلسطينيين إلى المدن الإسرائيلية.
وكان القائد العام لكتائب القسام، الذراع المسلح لحركة حماس، محمد الضيف، أعلن بدء جولة عسكرية ضد إسرائيل تحت اسم “معركة طوفان الأقصى”، رداً على ما وصفه “بالجرائم الصهيونية بحق المقدسات والمعتقلين”.
من المرجح أن يكون هذا أسوأ إخفاق استخباراتي منذ حرب عام 1973، فالتوقيت ليس من قبيل الصدفة، بعد مرور 50 عاما تقريبا، كما أنه نادرا ما تفقد إسرائيل السيطرة على مدنها.
إن المشاهد من سديروت وغيرها من المناطق المحيطة بقطاع غزة، حيث يبدو أن المسلحين الفلسطينيين تجولوا في الشوارع كما يشاءون، واختطفوا وقتلوا مدنيين، من شأنه أن يرسل أعمق موجات الصدمة في شتى أرجاء إسرائيل.
وهذا بالطبع هو بيت القصيد، لاسيما بعد أن اختبرت حماس العديد من التكتيكات في الماضي، من تفجيرات انتحارية إلى حفر أنفاق تصل إلى إسرائيل.
بيد أن المسلحين المتمركزين في غزة لم يجربوا أي شيء بهذه الجرأة من قبل، ووفقا لمعاييرهم، كان هذا عملا متطورا إلى حد مذهل، ووحشيا أيضا، من أعمال الحرب التي تضمنت استخدام مئات الصواريخ كمقدمة لاختراق جماعي في نقاط متعددة على طول السياج المنيع.
ويتعين على المدنيين في غزة الآن أن يستعدوا لرد إسرائيل حتمي، وما هي الضربات الجوية إلا مجرد مقدمة.
ويعرف سكان غزة ما سيأتي، لأنهم رأوه مرات عديدة من قبل. ولكن مع قول البعض في إسرائيل إن الوقت حان للقضاء على حماس تماما، فإن الجميع يعلم أن الأيام أو الأسابيع المقبلة ستكون صعبة للغاية.