باللهجة المصرية كوبري ويقولون إن هذه الكلمة من أصول تركية.
أحيانا نلجأ إلى اللهجات بدل لغتنا الفصحى لنعبر عن حالة خاصة.
وكم أحببت كلمة كوبري للتعبير عما اريد وصفه هنا .
كم جميلة هي لهجة اخواننا المصريين لأنها احيانا تعبر تعبيرا دقيقا عن واقع الحال.
الحال الذي يصنع منك (كوبري)
جسر يعبر عليه الآخرون إلى الضفة التي يطمحون اليها.
او التي تكون لهم بر الأمان في الأزمات.
ستقضي معظم سنواتك وانت تلعب دور الجسر…لعائلتك .اصدقائك..أولادك وكل من يحيط بك.
لأنك ببساطة (giver) هكذا خلقت، لاتستطيع ان تقف متفرجا تجاه المعارك التي يمر بها كل من حولك. أنت مخلوق ب (software) يعمل للعطاء فقط وان اجبرت نفسك على فعل العكس سيصاب دماغك بالعطب ، نعم كما أقول لك ، أنت ولدت في هذه الحياة ببصمة شخص معطاء ، تتجدد كريات دمه الحمراء والبيضاء حين يمد يد الحنو والمساعدة لأحدهم ، تنتشي حين ترى ابتسامة على شفاه محروم ، تشعر أنك تقضي إجازة في جزر المالديف فقط لكونك أديت خدمة ما لقريب أو غريب .
تتعطل ساعتك البيولوجية حين يصاب أحدهم بالحزن ، أنت هكذا يملؤك احساس بأنك المسؤول عن سعادة هذا العالم ، (قلب والدة ) هكذا يقولون بلهجتنا العراقية حين يصفوا لنا شخصا حنونا معطاء .
حتى لو امتلأت راحة يدك بالأشواك ، حتى لو قوبلت بالغدر، الخيانة، الجحود، لن تتمكن من تبديل جلدك.
لقد أخبرتك إن حاولت فعل مايعاكس طبيعتك من باب سوء الظن من حسن الفطن ستتلف ال (software) الذي صممه شريطك الجيني.
أنت تشعر بالسعادة حين يسعد غيرك ، هكذا تفهم خلايا دماغك معنى السعادة ، هكذا تترجمها لك ، خلاياك العصبية تخبرك وتهمس لك (مرحبا.. هيا نريد ان نفرح قليلا . هلم بنا لنساعد أحدهم ) .
إذا كنت واحدا من تلك الجسور لاتسال لماذا يتخذك الآخرون معبرا لهم
وقد لايلتفتون لصنيعك هذا بعد انتهائهم من العبور…لاتسأل
لأنك انت من يمتلك تلك الصفة المطاطية.
فتكون جسرا بصفات مطاطية …يمتد خلال ثوان في اي مكان تكمن الحاجة فيه إليه.
أنت من يمتلك حب العطاء والمساعدة والأحساس العالي بالغير.
وتذكر أن لا احد يجد أمامه جسرا ممدودا لينقذه مما هو فيه ولايلتفت اليه ويولي إلى جهة معاكسة..لا أحد .
لكن ان كنت واحدا من تلك الجسور أرجوك لا تبتئس.
لا تبتأس حين تجد نفسك في نهاية الرحلة خالي الوفاض.
بينما تمتلأ قراب العابرين عليك وتتزاحم الأشياء في احضانهم.
فأشيائهم تلك حاجات ملموسة مادية لابد لها من الفناء.
اما انت..فما قدمته لا يمكن لمسه لأنه نور يضيئ العتمة .
فالعطاء والبذل لا يلمس باليد ولا يخزن في المصارف والبنوك.
لكنه باق الى مالانهاية …لايفنى..
كما الأوكسجين النقي الذي لاغنى عنه .
فلاتشعر بالخذلان إن وجدت زوادة سفرك خالية…وقربتك فارغة ..لأنك سبق وان اطعمتها للآخرين.
ولاتنس إن الجسور تكون خالية في الليل ..او في ظهيرة صيف قائظ..بعد ان يتركها جميع العابرون. لذا لاتحزن إن سلموك لوحدتك.
لكن انتبه.
لو لا وجودك ك (كوبري)..في حياة كل من حولك لما وصل احد منهم إلى مبتغاه.
لولا وجود هؤلاء الناس من امثالك لما دارت الأرض ولا اشرقت عليها شمس.لأنك من عمار الأرض .
وعمار الأرض هم أناس ينثرون الحب من حولهم أينما حلوا
إنهم يمسكون بيد الغريق لإنقاذه دون أن يطلبوا منه مقابل لتلك الحياة الجديدة التي بفضلهم وهبها الله له.
لا تبتأس ولاتنزعج ان كنت جسرا
فإن أنكر العابرون صنيعك لن ينساه الله
وستكون زوادة سفرك محفوظة لك في يوم طويل سنقف جميعا بانتظاره .
فسلاما على كل من افنى حياته بالعطاء.
سلاما على كل من كان ومازال وسيبقى جسرا ممدودا أينما حل.