حوار د. عبد العزيز السيد
اسمح لي أولا أن استعمل كلمة «الحقّ الفلسطينيّ» بدلا من «القضية الفلسطينية»؛ لأنَّ لفظ القضيَّة قد يوحي بأنَّها عرضةٌ للمفاوضة أو أنَّها قابلةٌ للرِّبح والخسارة!
ولئن كان الإعلام يتناولها تحت هذا الاسم، فإنَّها بلغة المؤمنين بالله، والمؤمنين بحقِّ الشُّعوب في تقرير مصيرها «حقٌّ فلسطينيٌّ ثابتٌ لا تغيِّره الاعتداءات ولا التَّجاوزات».
وهذا الحقُّ الفلسطينيُّ لم يغب يومًا عن الأزهر ولا رجاله، بدءًا من إمامه الأكبر ومرورا بعلمائه وطلابه، وخاصة بعد أن كشفت الصهيونية عن وجهها القبيح ونيتها الخبيثة للاستيلاء على هذه البقعة المقدسة وطرد أهلها ومحاولات تغيير الهوية الجغرافية والتاريخية والدينية لصالح هذا الكيان الصهيوني.
وموقف الأزهر الشريف تجاه هذا الحق الفلسطيني ثابت لم يتغير منذ بداية الاحتلال الغاشم، ولو تتبعنا التاريخ لوجدنا مواقف مشرقة مشرفة وثابتة أيضا، وربما يحفظ لنا التاريخ أن اليهود عام 1929م اصطدموا بالمسلمين عند حائط البراق الذي يسمونه زورا حائط المبكي، وكانت فلسطين حينئذ تحت الانتداب البريطاني، فحذر الشيخ محمد مصطفى المراغي، شيخ الأزهر في هذا الوقت، السلطات البريطانية هذا الاعتداء وما قد يترتب عليه.
وفي يناير عام 1935م أصدر الأزهر الشريف فتواه الشهيرة بتحريم بيع الفلسطينيين أراضيهم للصهاينة، وأصدر هذه الفتوى اثنان من علماء الأزهر الشريف، وهما: الشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ أمين الحسيني، وذلك بعد اجتماعهما مع العلماء في مؤتمر علماء فلسطين الذي عقد بالمسجد الأقصى، وكان هذا في وقت مبكر، المر الذي يعني أن الأزهر لم يتأخر عن دعم الحق الفلسطيني.
وتتابعت أنشطة الأزهر ومواقفه المساندة والمؤيدة لهذا الحق، فعقدوا المؤتمرات، وألفوا الكتب، وأصدروا الفتاوى، وأطلقوا الحملات والمبادرات، وغير ذلك من أنشطة.
وكان من آخرها بيانات الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية بشأن أحداث غزة التي تعرضت لعدوان سافر من محتل عنصري لا يرقب في إنسان إلا ولا ذمة
-ما الجهود المبذولة في دعم صمود الشعب الفلسطيني؟
تنوعت جهود الأزهر الشريف في دعم صمود الشعب الفلسطيني على مدى تاريخ هذا النضال الحر، فأصدر الأزهر بياناته الواضحة في إدانة هذه العدوان، ومساندة الشعب الفلسطيني الصامد.
وعقد المؤتمرات والجلسات الخاصة من اجل فلسطين والقدس؛ ففي عام 1965م عقد الأزهر المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية، وفي عام 1968م عقد الازهر مؤتمره الرابع وأوصى في هذين المؤتمرين الخاصين بفلسطين بعدة وصايا، كان من بينها: أن قضية فلسطين هي قضية المسلمين جميعا لارتباطها بدينهم وتاريخهم، وأن قيام الأمة بحماية مقدساتها يعد فريضة من فرائض الدين.
وكان آخر هذه المؤتمرات عام 2018م الذي عقد من أجل نصرة القدس.
-كيف يرى الأزهر الدور الذي يلعبه الغرب والكيل بمكيالين والتعامل مع شهداء الجانب الفلسطيني؟
الحقيقة لقد كشف الغرب أن نداءاته المتكررة التي تحمل شعارات الحرية وحقوق الإنسان ما هي إلا خدعة كبرى؛ لأنها تتعامل مع بني الإنسان بشكل انتقائي، وتستخدم الحقوق المكفولة بالوثائق والأديان لكل الناس بشكل نسبي، يحضر حينا ويغيب أخرى، ويستقر في مجتمعات ويغيب عن أخرى، ويعترض على ممارسات ويسكت عن أشباهها!
وحول الغرب بهذه الطريقة التي تكيل بعدة مكاييل الإنسانية وحقوقها والحرية ومقتضياتها إلى سلعة قابلة للبيع والشراء والمساومة والمفاوضة، فلماذا يكون من حق الصهاينة الدفاع عن أنفسهم، ولا يكون لفلسطين الدفاع عن أرضهم وعرضهم وتاريخهم واضطهادهم وسلبهم حقوقهم؟
ولماذا يكون من حق الصهاينة السلام والأمن، ولا يكون من حق الأطفال المستهدفين والرجال المعذبين والشباب المحرومين أن يعيشوا بأمان وسلام وأن يفرحوا بحياتهم كغيرهم؟
-وما الرسالة التي يجب توجيهها إلى شعوب العالم الإسلامي والعربي للتوعية بالقضية الفلسطينية ؟
اليا
-وما أهم المساعدات التي يجب تقديمها لقطاع غزة بعد محاصرة أهلها؟
جواز إخراج الزكاة لهم، وتوجيه قوافل مساعدات، وليس هذا من باب الفضل ، بل هو واجب تقتضيه الأخوة
-كيف يرى الأزهر ما يقوم به الاحتلال من قتل النساء والأطفال وكبار السن في غزة ؟
هي جرائم جديدة تضاف إلى السجل الحافل بكل خزي وعار للمحتل الغاصب، وهو بهذه الجرائم الوحشية الإرهابية يقدم دليلا مؤكدا أنه لا يريد السلام ولا يريد الأمان لأحد، إضافة إلى أن هذه الاعتداءات مخالفة للمواثيق الدولية والمعاهدات الأممية والتعاليم السماوية.
ومن أجرى مقارنة سريعة بين ما يفعله الإجرام الصهيوني وبين تاريخ الإسلام سيجد أن الفرق كبير جدا، والآداب الموجودة لدى المسلمين غائبة لدى الصهاينة.
-كيف يرى المسيرات التي تسود بلدان العالم للتنديد بما يحدث في غزة؟
نوع من يقظة الضمير الإنساني، وإن كانت متأخرة، وهذا يقودنا إلى أهمية التواصل العالمي لوصول صوت الحق لهم، ولتصحيح الصورة المغلوطة لديهم، فقد استطاع الصهاينة أن يصفوا المسلمين والفلسطينيين بأنهم وحشيون ودميون ومن ثم أوجدوا نوعا من الرفض الوجداني لما يطالبون به، فيحن تصل الصورة بشكل صحيح إلى العالم، فلا بد أن يكون لها رد فعل شعبي عالمي، وهذا دور المؤسسات الإعلامية العالمية التي يجب أن يستيقظ ضميرها وأن تبصر الحق وتثبته لأهله.
-ما أبرز الجهود التي يقوم بها الأزهر لتوعية النشء بأهمية الوطن وضرورة الحفاظ عليه؟
لأن الأزهر لا يتبنى ثقافة الصراخ، وإنما يمشي بخطوات مدروسة وعملية، يستهدف الازهر توعية المواطنين بهذا الحق، وخاصة الشباب والنشء الصغير، ومن أجل ذلك ألحق بعض الدروس في المقررات الدراسية، في المراحل المختلفة، وأضاف درسا شاملا عن تاريخ النضال مع هذا المحتل في كتاب الثقافة الإسلامية.
فضلا عن عديد من الكتب التي وضعها خاصة لهذا المعنى، والتي تجوب كثيرا من المعارض الدولية للكتاب في القاهرة والإسكندرية، ومعارض الجامعات.
وهنالك الكتب الملحقة بمجلة الأزهر الشريف، والتي يطبع منها 70 ألف نسخة، وهذه الكتب الهدايا مع المجلة تطبع تباعا، وخلال الشهر القادم سيكون مع المجلة ملحقان عن فلسطين والقدس.
وأخيرا أطلق الأزهر حملة عالمية بعنوان: حديث البقاء والصمود، دعما لإخوتنا في فلسطين، ومحاولة لإيصال رسالة للعالم بأحقية العرب والمسلمين في فلسطين، وكشف القناع عن الصهاينة الذين أجرموا في البلاد.
ويقوم على هذه الحملة الأخيرة وعاظ الأزهر الشريف في كافة ربوع مصر، لقاءات مباشرة، ولقاءات افتراضية على الإنترنت.