ظَلَّ اعتقادُ الشُّعَراءِ العَرب في العصر الأمويِّ _ مثل أهل الجاهليَّة _ بِفكرةِ أنَّ الشِّعرَ تُوحيهِ قُوى غيبيَّةٌ تُدعى ( شَيطان الشِّعر ) أو ( الجنّ) أو ( الرِّئي ) ، _ وقد كانَ هذا هو اعتقاد شُعراء الأغريق القدماء أيضًا _ ، يَقُولُ الرَّاجزُ ( أبو النَّجم العِجليّ ) _ من أهل الكوفة ، وكانتْ فيهِ فُكاهةٌ _
- إِنِّي وَكُلَّ شاعِرٍ مِنَ البَشَرْ
شَيطانُهُ أُنثى ، وشَيطانِي ذَكَرْ !
- فَما رَآني شاعِرٌ إِلَّا استَتَرْ
فِعلَ نُجومِ اللَّيلِ عايَنَّ القَمَرْ !
………….
وَأمَّا ( الفرزدق) فَينسبُ شِعرَهُ إِلى أَسلافِهِ مِنَ الشُّعراء إِذ يَقُول في قصيدتهِ ( الفيصل ) :
- وَهَبَ القَصائِدَ لِي النَّوابِغُ إِذْ مَضَوا
وَأَبُو يَزيدَ ، وَذُو القُرُوحِ ، وَجروَلُ !
- والفَحلُ علقَمةُ الَّذي كانَتْ لَهُ
حُلَلُ المُلُوكِ ، كلامُهُ لا يُنحَلُ !
- وَأَخُو بَني قَيسٍ ، وَهُنَّ قَتَلنَهُ
وَمُهلهِلُ الشُّعَراءِ ، ذاكَ الأَوَّلُ !!
- والأَعشَيانِ كِلاهُما ، وَمُرَقِّشٌ
وَأَخُو قُضاعَةَ ، قَولُهُ يُتَمَثَّلُ !
- وَأَخُو بَني أَسَدٍ عَبيدٌ ، إِذْ مَضَى
وَأَبُو دُؤادٍ ، قَولُهُ يُتَنَخَّلُ !
- وابنا أَبي سُلمى زُهَيرٌ ، وابنُهُ
وابنُ الفُرَيعةِ ، حِينَ جَدَّ المِقوَلُ !
- والجَعفَريُّ ، وكانَ بِشْرٌ قَبلَهُ
لِيْ مِنْ قَصائِدِهِ الكِتابُ المُجمَلُ !
- وَلَقَد وَرِثتُ لِآلِ أوسٍ مَنطِقًا
كَالسُّمِّ خالَطَ جانِبَيهِ الحَنظَلُ !
9.وَالحارِثيُّ، أخُو الحِمَاسِ، وَرِثْتُهُ
صَدْعاً، كما صَدَعَ الصَّفاةَ المِعْوَلُ
10يَصْدَعنَ ضَاحيَةَ الصَّفا عن مَتنِها
وَلَهُنّ مِنْ جَبَلَيْ عَمايَةَ أثْقَلُ
11.دَفَعُوا إليّ كِتابَهُنّ وَصِيّةً
فَوَرِثْتُهُنّ كَأنّهُنّ الجَنْدَلُ
12.فِيهِنَّ شَارَكَني المُسَاوِرُ بَعْدَهُمْ
وأخُو هَوَازِنَ وَالشّآمي الأخطَلُ (*)
……………..
أمَّا أنا فَأَقُولُ _ مُطابِقًا ( الفرزدق ) في أنَّ الشِّعر هُوً ( موهبةٌ) وَ ( تعليمٌ ودراسةٌ ) وَ( تَثقيفٌ) و ( تَمرينٌ) على يَدً فُحُولَ الشُّعراءَ السَّابقينَ _ :
١.الشِّعرُ لَيسَ بِإِيحاءِ الشَّياطِينِ !
الشِّعرُ نَبعٌ لِتَثقِيفٍ وَ تَمرينِ !
٢.فَالشِّعرُ عِلْمٌ ، وهذا العِلْمٌ مُقتَبَسٌ
مِن التُّراثِ بِأنواعِ العَناوِينِ !
٤.لا بُدَّ أَن يَتبَعَ الماضِينَ شاعِرُنا
لا بٌدَّ مِن بَعضِ تَقلِيدٍ وَ تَلقِينِ !
٥.فالشِّعر لَيسَ بِخَلْقِ الشَّيْءِ مِن عَدَمٍ !
لكِنَّهُ خَلْقُ شَيْءٍ بَعدَ تَكوينِ !
٦.الخَلْقُ مٍنْ صِفَةِ الخَلَّاقِ مُنفَرِدًا
-سُبحانَهُ – خالقِ الإِنسانِ مِنْ طِينِ !
٧.وَ لَستُ أُنكِرُ إِبداعًا لِمَن نَظَمُوا
أَجلَى القَصائِدِ في أحلَى الدَّواوِينِ !!
…………………………
تنويه :
*شرح أسماء الشُّعراء :
النوابغ أراد( نابغة بني ذبيان)، و(الجعدي،) و(نابغة بني شيبان)، و(أبو يزيد المخبل)، واسمه (ربيعة بن مالك بن ربيعة بن قتال بن أنف الناقة)، و(ذو القروح ):امرؤ القيس بن حجر، و(جرول): هو الحطيئة.
والفحل علقمة الذي كانت له … حلل الملوك كلامه لا ينحل
ويروى كلامه يتمثل، علقمة بن عبدة وإنما سمي الفحل لأن في بني عبد الله بن دارم علقمة الخصي
فلذلك قال الفحل.
وأخو بني قيس وهن قتلنه … ومهلهل الشعراء ذاك الأول
أخو بني قيس طرفة بن العبد، وهن قتلنه يعني القوافي، ومهلهل بن ربيعة ابن الحارث بن زهير
بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب.
والأعشيان كلاهما ومرقش … وأخو قضاعة قوله يتمثل
الأعشيان يعني أعشى بني قيس وأعشى باهلة، وقال بعضهم: هو الأسود بن يعفر. وأخو قضاعة
أبو الطمحان القيني.
وأخو بني أسد عبيد إذ مضى … وأبو دؤاد قوله يتنحل
عبيد بن الأبرص بن جشم، وأبو دؤاد جارية بن حمران.
وابنا أبي سلمى زهير وابنه … وابن الفريعة حين جد المقول
يعني بابن الفريعة حسان بن ثابت، وزهير بن أبي سلمى، وابنه كعب.
وأوس : هو ابن حجر التميمي . والمساور : هو ابن هند بن قيس بن زهير العبسي.