تأتي استراتيجية التنمية المستدامة بعد ثلاثة أنـواع رئيسية معروفة من استراتيجيات التنمية: أولها، استراتيجية التوجه إلـى الـداخـل وتعني فـي المقام الأول ضـرورة الاهـتـمـام بحاجات الـداخـل. وقـد قامت على ركيزتين، الحماية الجمركية وتشجيع الاستثمار المحلي ضمن إطار من التوجه إلى الداخل «وفتح :ً استراتيجية التحرير الاقتصادي ضمن إطار سياسات «توافق دورا ً رئيسيا للدولة والاستثمار العام»؛
وثانيا ،ً الاستراتيجية التنموية والتي عبرت عنها تجارب اليابان والشرق الأقصى (كوريا، تايوان، واشنطن». وثالثا عـن حـاجـات المجتمع الـدولـي مـن حيث ولاحـقـا الـصـيـن).
وقـد جـاءت الأهــداف الإنـمـائـيـة للألفية لتعب الـقـضـاء عـلـى الـفـقـر الـمـدقـع والـجـوع، وتعميم التعليم الأسـاسـي الـشـامـل، وتـعـزيـز الـمـسـاواة بـيـن الجنسين وتمكين الـمـرأة، وتقليل وفـيـات الأطـفـال وتحسين الـصـحـة الإنـجـابـيـة، ومـكـافـحـة الأمــراض المتوطنة مثل الإيدز والملاريا وغير ذلك من الأهداف
مـن الـمـلاحـظ على معظم الاستراتيجيات السابقة أن الـمـحـور الأسـاسـي لها أو الـمـبـدأ الأصـلـي لها يتجمع حـول إحـداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية بصرف النظر عـن حـق الأجـيـال الـقـادمـة فـي العيش بـكـرامـة. بمعنى أخـر بـدون الاهـتـمـام بـالـمـحـافـظـة عـلـى الـمـوارد الاقـتـصـاديـة الـقـائـمـة لـكـي تـقـوم بـدورهـا في خدمة الأجيال القادمة.
ومن هنا كان تكتل العالم ً ممثـلا في الأمم المتحدة للتوجه إلى هذا النوع الجديد مـن الاسـتـراتـيـجـيـات «اسـتـراتـيـجـيـة الـتـنـمـيـة الـمـسـتـدامـة» كـي يـضـمـن بـقـاء الـعـالـم وتـطـوره. وقـد جــاءت هـذه الاستراتيجية بثلاثة محاور أساسية لا بد من العمل عليها مجتمعة وهـي: المحور الاجتماعي، والمحور الاقتصادي، والمحور البيئي. وقد تفرعت عن المحاور الثلاثة السابقة عدد من الأهداف تمثلت باثني عشر ً هدفا وهي: التعليم، والابـتـكـار والـمـعـرفـة والـبـحـث الـعـلـمـي، والـعـدالـة الاجـتـمـاعـيـة، والـشـفـافـيـة وكـفـاءة الـمـؤسـسـات الـحـكـومـي، والتنمية الاقتصادية، والتنمية العمرانية، والـطـاقـة، والثقافة، والبيئة، والسياسة الداخلية، والأمـن القومي، السياسة الخارجية، الصحة، ً وأيضا كفالة الاستدامة البيئية.
ويتم كل هذا من خلال تطوير الشراكة العالمية للتنمية كأحد العوامل الهامة لتحقيق الأهداف سالفة الذكر. ومن أهم عيوب هذه الاستراتيجية – على الرغم من منطقها الجيد – إلا أنها ً أولا صعبة التنفيذ لعدم توافر الـمـوارد المالية لـدى الـدول توافر القوة المادية اللازمة لإرغـام دول العالم على التنفيذ. وثانيا النامية لعملية وضع أولويات الاستراتيجية موضع التنفيذ في ظل محدودية الموارد الاقتصادية «المتاحة»؛ حيث يبدو أن هذه النظرية لم تركز جل اهتمامها على عملية التنمية الاقتصادية وتحريك الموارد والإسراع بعجلة التنمية بقدر اهتمامها بالجوانب الاجتماعية والبيئية وهو ما يناسب الـدول المتقدمة والتي انتهت غالبا من عملية التنمية الاقتصادية
وانـتـقـلـت مـصـر إلـى مـرحـلـة جـديـدة مـن أداء الاقـتـصـاد الـوطـنـي بـعـد حـرب أكـتـوبـر عـام ،1973 غلب عـلـيـهـا طـابـع الـلـيـبـرالـيـة الاقـتـصـاديـة والـتـحـول إلـى اقـتـصـاد الـسـوق، وتـشـابـهـت إلـى حـد كـبـيـر مـع سـيـاسـات ومـبـادئ استراتيجية الـنـمـو غـيـر الـمـتـوازن مـن حـيـث انـسـحـاب الـدولـة مـن الـحـيـاة الاقـتـصـاديـة والإبـقـاء على الضغوط الاقتصادية وعـدم التناسب واخـتـلال الـتـوازن، واعتمدت فـي ذلـك على قـوة الترابطات الأمامية والخلفية للنمو. ومـن ثـم تـحـددت أولـويـات الاستثمار أو القطاع القائد على أسـاس مـا يحدثه الاستثمار من جملة آثار الدفع إلى الخلف وإلى الأمـام بهذا القطاع. كما أهملت هذه الفترة دور التخطيط وتركت قرارات الاستثمار لرجال الأعمال والمبادرات الفردية، وشجعت الدولة القطاع الخاص ودعمته بأساليب عديدة وانحصر دور الدولة في التشجيع وتصحيح المسار وقد تم تسميتها مرحلة «الانفتاح الاقتصادي»
. وعلى الرغم من النجاح الذي تحقق في هذه الفترة من تخفيف الضغط المالي على الدولة نتيجة إعادة فتح قناة السويس أمام الملاحة الدولية، وزيادة نشاط حركة السياحة إلى مصر وانتعاش اقتصادات البلدان العربية النفطية واستيعابها لأعداد هائلة من قوة العمل المصرية حيث انعكس على ارتفاع معدلات النمو السنوي الـتـي بلغت 9 بالمئة فـي المتوسط ً سـنـويـا.
إلا أن الـوضـع الاقـتـصـادي قـد تغير مـع منتصف ، نتيجة لتغير الظروف الدولية من ناحية من أمثلة انهيار أسعار النفط، ونتيجة لعدم تناسب الثمانينيات) الاستراتيجية التي اتبعتها الدولة لظروف وطبيعة الاقتصاد المصري في ذلك الوقت. ونتيجة لكلا العاملين السابقين فقد ارتفعت المديونية الخارجية لمصر من 3 مليارات دولار عام 1970 إلى 18 مليار دولار عام ،1980 بل واستمرت في الزيادة حتى وصلت 48 مليار دولار عام ،1990 وانخفض معدل النمو السنوي إلى 2 بالمئة ً سنويا. وقد ارتفع متوسط معدل التضخم إلى 18 بالمئة ً سنويا، وعجز الموازنة العامة للدولة إلـى 20 بالمئة كنسبة مـن الـنـاتـج المحلي الإجـمـالـي. وقـد استمر هـذا الـوضـع الـبـائـس حتى انـدلاع حرب
الخليج الثانية عام .1990 وفي هذه الفترة، حصلت مصر على مساعدات مالية من بلدان الخليج العربي تقدر بنحو 3.5 مليار دولار وقامت الـدول النفطية الأخـرى بإسقاط ما لها من ديـون على مصر بالإضافة إلى إسقاط الديون العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية
كما وافقت دول نادي باريس على إسقاط نـصـف مـا عـلـى مـصـر مـن ديـون شـريـطـة أن تـلـتـزم مـصـر بتنفيذ اتـفـاقـيـات الإصــلاح الاقـتـصـادي مـع كـل من صندوق النقد والبنك الدوليين. وتتضمن هذه الاتفاقيات ثلاثة برامج رئيسية: برنامج التثبيت الاقتصادي، بـرنـامـج التكيف الهيكلي، وبـرنـامـج البعد الاجـتـمـاعـي.
وعـلـى الـرغـم مـن جـودة الآمـال والأهــداف التي رسمت لهذه البرامج إلا أن السياسات التي تضمنتها لم تناسب طبيعة المرحلة التي كان يمر بها الاقتصاد . الوطني. ونتيجة لذلك فقد انعكس تنفيذ هذه البرامج بالسالب على أداء الاقتصاد والمجتمع
اعـتـمـدت اسـتـراتـيـجـيـة التنمية الـمـسـتـدامـة – فـي الاقـتـصـاد الـوطـنـي – عـلـى «رؤيــة(15) الـقـيـادة السياسية لمصر عام ،2030 حيث يتوقع أن يتحول الاقتصاد المصري إلى اقتصاد تنافسي متنوع يقوم على المعرفة والابتكار والتوظيف الأمثل لمفردات وعناصر المكان وقـدرات وعبقرية الإنسان. إن ً اقتصادا يقوم على هـذه الـرؤيـة الـجـديـدة وبـمـكـونـات وعـنـاصـر الإنـتـاج الـسـعـريـة وغـيـر الـسـعـريـة سـيـصـل ً حـتـمـا إلـى الاسـتـقـرار الاقتصادي الكلي من خلال تلاقي قوى العرض والطلب في المجتمع في إطـار من الانفتاح والتنافسية والـتـنـوع، وتـعـظـيـم الـقـيـمـة الـمـضـافـة فـي كـل الـقـطـاعـات الاقـتـصـاديـة وعـلـى وجـه الـخـصـوص فـي قـطـاعـات الـخـدمـات والـصـنـاعـة التحويلية والـقـطـاع الـزراعـي مـمـا ينعكس عـلـى مـحـتـوى الإنـتـاج المحلي بانخفاض الـمـكـون الأجـنـبـي وزيـــادة الـمـكـونـات الـوطـنـيـة فـي الـمـرحـلـة الأولــى وارتــفــاع قـيـمـة الــصــادرات مـن الـسـلـع الصناعية والزراعية في المرحلة الثانية
وكذلك صادرات الخدمات في المراحل التالية. ويستمر الاقـتـصـاد الـوطـنـي فـي الـرقـي والـتـقـدم بـإتـمـام الإصـلاحـات الاقـتـصـاديـة وتـحـديـث القطاعات الإنتاجية والبيئية التشريعية وبيئة ممارسة الأعمال وتوفير مصادر النمو وتأكيد القوة التنافسية والصعود في مدارج الترتيب الدولي للاقتصادات الناشئة على مقاييس التنافسية الدولية. وتـنـعـكـس هـذه الـتـطـورات الإيـجـابـيـة عـلـى مـكـونـات وقـطـاعـات الـمـجـتـمـع حـيـث تـنـخـفـض مـعـدلات البطالة وترتفع معدلات التوظف والإنتاجية، ويزيد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي تدريجيا حتى يصل إلى ّ مصاف الدول ذات الدخل المتوسط.
تتبنى استراتيجية التنميـة المستدامة “رؤيـة مصـر 2030” مفهـوم التنميـة المستدامة كإطـار عـام يهدف إلى تحسـن جـودة الحيـاة في الوقـت الحـاضر بما لا يخـل بحقـوق الأجيال القادمـة في حيـاة أفضـل، ومـن ثـم يرتكـز مفهـوم التنميـة الـذي تتبنـاه الاستراتيجية عـلى عدة محاور:
الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري وتحسين مستوى معيشته: الحد من الفقر بجميع أشكاله والقضاء على الجوع، توفير منظومة متكاملة وشاملة للحماية الاجتماعية، تعزيز الإتاحة وضمان جودة وتنافسية التعليم، تعزيز الإتاحة وضمان جودة الخدمات الصحية المقدمة، تعزيز الإتاحة وتحسين جودة الخدمات الأساسية (المياه والصرف الصحي، الكهرباء، تدوير المخلفات، المواصلات، والإسكان)، تحسين البنية التحية (الطرق والمرافق وغيرها) ورفع معايير السلامة والأمان بها، تحسين جودة البيئة العمرانية والارتقاء بالمظهر الحضاري، تحسين نوعية البيئة المحيطة بالمواطن المصري، ضبط النمو السكاني وتحسين الخصائص السكانية، إثراء الحياة الثقافية، تطوير البنية التحتية الرقمية.
العدالة والاندماج الاجتماعي والمشاركة: تحقيق المساواة في الحقوق والفرص، تحقيق العدالة المكانية وسد الفجوات التنموية الجغرافية، تمكين المرأة والشباب والفئات الأكثر احتياجًا وضمان حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، دعم المشاركة المجتمعية في التنمية لكافة الفئات، تعزيز روح الولاء والانتماء للهوية المصرية وتنوعها الثقافي، تعزيز الشمول الرقمي.
اقتصاد تنافسي ومتنوع: تحقيق نمو اقتصادي مرتفع احتوائي ومستدام، رفع درجة مرونة وتنافسية الاقتصاد، زيادة معدلات التشغيل وفرص العمل اللائق، تحسين بيئة الأعمال وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال، تحقيق الشمول المالي، إدراج البعد البيئي والاجتماعي في التنمية الاقتصادية، تحقيق الاستدامة المالية، التحول نحو الاقتصاد الرقمي والاقتصاد القائم على المعرفة.
المعرفة والابتكار والبحث العلمي: الاستثمار في البشر وبناء قدراتهم الإبداعية، التحفيز على الابتكار ونشر ثقافته ودعم البحث العلمي، تعزيز الروابط بين التعليم والبحث العلمي والتنمية.
نظام بيئي متكامل ومستدام: مواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية، تعزيز قدرة الأنظمة البيئية على التكيف، تعزيز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر والكوارث الطبيعية، الاعتماد المتزايد على الطاقة المتجدّدة، صون الطبيعة وحماية مواردها والتنوع البيولوجي، تبني أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة، تحقيق أفضل استخدام للموارد الطبيعية، حوكمة مؤسسات الدولة والمجتمع والإصلاح الإداري وتحسين كفاءة وفاعلية الأجهزة الحكومية، ترسيخ الشفافية ومحاربة الفساد، دعم نظم الرصد والمتابعة والتقييم وإتاحة البيانات، تعزيز الشراكات بين كافة شركاء التنمية، تعزيز المساءلة وسيادة القانون، وتمكين الإدارة المحلية.
السلام والأمن المصري: ضمان الأمن الغذائي والمائي وأمن الطاقة المستدام، ضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ضمان الأمن المعلوماتي (السيبراني)، تأمين الحدود المصرية ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
تعزيز الريادة المصرية: تعزيز مكانة مصر وتعزيز الشراكات إقليميًا ودوليًا عبر أطر السياسة الخارجية المصرية في المنظمات الإقليمية والدولية ومن خلال العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف مع القوى الاستراتيجية لدعم عملية التنمية المستدامة في مصر على مستوى السياسات والبرامج التنفيذية في جميع المجالات.