ذات مساء كنت على عجلة من أمري أريد إكمال عدة أعمال كانت تشغلني ، وكان لابد لي من تسجيل بعض الملاحظات على جهاز الآي باد خاصتي، فقمت بإدخال الرمز السري كي تفتح لي شاشة الآي باد أبوابها وتستقبلني مرحبة كضيفة محببة لكن بسبب تلك العجلة أخطأت في كتابة الرمز السري لمرتين متتاليتين فما كان من الآي باد إلا أن قام بإنذاري وطلب مني إدخال الرمز لكن بشرط مرور دقيقة كاملة فإذا اخطأت مرة ثالثة ستعلن شاشته الحداد وتغلق ابوابها في وجهي لعدة ساعات عقوبة لي على خطإ غير مقصود .
وقفت مطيعة أنتظر مرور تلك الدقيقة ، وخلال انتظاري هذا ذهبت مخيلتي في رحلة طويلة جبت فيها نصف جغرافية الأرض، مر شريط الذكريات السعيدة والحزينة أمام عيني، فكرت في كل الأعمال المنزلية التي تنتظرني، أحصيتها، وضعت لها جدولا زمنيا لإنهائها، قمت بأكل قطعة من الشوكولاتة، ولم تنتهي الدقيقة!!.
عجبا ماذا يحدث ألم تكن دقيقة ليس إلا!!!
ستون ثانية، ما الذي جعلني أشعر بكل ذلك الضجر والملل كأنها سنة كاملة!!
هل لأنني كنت اقطع دقيقة من الشعور بال (انتظار)؟!!
هي ليست سوى ستين ثانية! ، نفسها تلك التي كانت تتسرب بسرعة الضوء عندما كنت أتحايل على الوقت صباحا لأكسب غفوة قصيرة قبل أن أجبر على النهوض ليوم عمل طويل ،
دقيقة رائعة من الإحساس بالمتعة (متعة النعاس).
إنها نفس تلك الستون ثانية التي أقضيها في المصعد الكهربائي وأنا أحبس انفاسي (خوفا) من حدوث خرق لميكانيكة عمل المصاعد فيقع بمن فيه في سرداب مظلم نمارس فيه الاختناق ببطء بانتظار وصول فرقة الإنقاذ ،
إنه شعور بال (خوف) ، القائمة تطول شعور بال فرح ،حزن ، غضب ، خجل ، بكل شيء إنها ستون ثانية لها صفة مطاطية تطول وتقصر، قد تكون لحظات أو ساعات وربما سنوات على حسب ما نشعر به، إنه الـ (شعور)، لكن لماذا لم يضع لنا آينشتاين بعدا خامسا ألا وهو الشعور ؟!!
كما وضع بعده الرابع (الوقت)
والذي قلب الأوساط العلمية حينها وهو يخبرنا إن تلك النجمة الجميلة التي ترونها لامعة في قلب السماء الآن ربما هي ليست سوى (ماضي نجمة) وإن ماترونه هو صورتها قبل آلاف السنوات التي قطعها الضوء للوصول إليكم بينما هي الآن ، في الوقت الحاضر، تكون قد اضمحلت وتلاشت أو تحولت إلى ثقب أسود مخيف.
لكن لماذا لم تضع لنا ياصاحب الشعر المنكوش بعدا خامسا ألا وهو الشعور!! هل كان مارك أكثر عبقرية منك حين وضع لنا على الفيس بوك حالة (بماذا تشعر)؟!!
أشعر بالفرح ، بالحزن، بالإحباط، بالخيبة ، بالندم، الخ.
إننا نتحسس الوقت من خلال الشعور، إنه عمر الشعور، فأنا أعرف كثيرا ممن قضوا نحبهم وهم في الخامسة والعشرين لكنهم لم يدفنوا إلا في الخامسة والسبعين، لي قريبة أعرفها ماتت منذ وقت طويل إنها امرأة ميتة (شعوريا) لكنها ماتزال تتنفس وتأكل وتمشي (بايولوجيا).
عمرنا يا رفاق هو عمر الشعور
ستون ثانية من الحب والفرح أو ستون سنة من الألم ، نحن من يقرر كم هو عمرنا على هذه الإرض وكم سنبقى خالدين في (شعور)البعض بعد أن نرحل عنهم .