١. أروي لَكُمْ قِصَّةً تُروَى لمُعْتَبِرٍ
فِيها الكَثيرُ مِنَ الأمثالِ وَالعِبَرِ
٢. أروي لَكُمْ قِصَّةً تَروي لِسامِعِها
بَعضَ الذي نالَ بَعضَ النَّاسِ بِالضَّرَرِ
٣. فِيها اتِّعاظٌ وَ تَحذيرٌ وَ تَذكِرَةٌ
لِكُلِّ مَنْ سارَ أو أشفٕى على خَطَرِ
٤. حِكايَةٌ سَوفَ أرويها مُفَصَّلَةً
عَنِ امرِئٍ كانَ مِلءَ السَّمعِ وَ البَصَرِ
٥. قَد كانَ رَبًّا لِأطفالٍ وَ عائِلَةٍ
يَعِيشُ عَيشًا هَنِيئًا غَيرَ ذِي كَدَرِ
٦. وِ كانَ يَحضنُهُمْ حَضنًا بِرَأفَتِهِ
في الطَّارئاتِ وَفي الأسفار وَالحَضَرِ
٧. وَ كانَ كَالمَثَلِ الأعلى لِزَوجَتِهِ
تَبهى بِهِ بَينَ أهلِ البَدوِ وَ الحَضَرِ
٨. أضلاعُهُ نُسِجَتْ حُبًّا لِأُسرَتِهِ
دِرعًا تَقيهِمْ مِنَ الأرزاءِ وَ الغِيَرِ
٩. وَ كانَ مُحتَرَمًا ما بَينَ جِيرَتِهِ
وَ كانَ بَينَ ذَوِيهِ جِدَّ مُعتَبَرِ
١٠. إذا بَدَا تَخطَفُ الأبصارَ هَيبَتُهُ
وَ إن تَكَلَّمَ ألقَى أثمَنَ الدُّرَرِ
١١. ِوَ كانَ بَرًّا وَدِيعًا هادِئًا خَفِرًا
كَأنَّهُ نَسَماتُ الفَجرِ وَ السَّحَرِ
١٢. فَكُلُّ ما فِيهِ مَوزُونٌ وَ مُنتَظِمٌ
لَكِنَّهُ كانَ يَشكُو وَخزَةَ الضَّجَرِ
١٣. وَ القَلبُ يَنْخُرُ فِيهِ ما يُسَوِّسُهُ
بِمِثلِ ما تُبْتَلى الأسنانُ بِالنَّخَرِ
١٤. فَكانَ يَشكُو انقِباضاتٍ تُعاوِدُهُ
كَأنَّما قَلبُهُ في كُفِّ مُعتَصِرِ
١٥. وَ كانَ يَشكُو اغتِرابًا بَينَ مُجتَمَعٍ
يَراهُ يَهتَمُّ بِالأشكالِ وَ الأُطُرِ
١٦. أفرادُهُ في سِباقٍ غَيرِ مُنقَطِعٍ
مِثلَ الأرانِبِ إذْ تَسعَى إلى الجَزَرِ
١٧. وَ لَيسَ يَهتَمُّ بالإنسانِ ، تَسْكُنُهُ
رُوحٌ ، وَ يَنمازُ بالآراءِ وَ الفِكَرِ
١٨. وَ لَيسَ يُعنَى بِأخلاقٍ وَ فَلسَفَةٍ
تُنِيرُ عَقلًا وَ تُحيِي نَفسَ مُحتَضَرِ
١٩.قَدْ عادَ فِيهِ حَبِيسًا،مَنْ يُحَرِّرُهُ ؟!
وَكَيفَ يَعلُو على الأسوارِوَالجُدُرِ ؟!
٢٠. وَ لَم يُلاقِ اهتِمامًا مِنْ( مُنَظَّمَةٍ )
تُزيحُ عَن صَدرِهِ شَيئًا مِنَ الوَحَرِ
٢١. تُعِينُهُ في مُعاناةٍ وَ تُرْشِدُهُ
إلى النَّجاةِ بِلا عِيٍّ وَ لا حَصَرِ
٢٢. لِذا غَزَتْهُ جُيُوشُ الغَمِّ كاسِحَةً
غَزوَ المَغُولِ لِ(بَغدادٍ) مَعَ التَّتَرِ
٢٣وَكانَ يَسألُ ما مَعنى الوُجُودِ وَ
ما
مَغزَى الحَياةِ وَ مَأوانا إلى الحُفَرِ ؟!
٢٤. هَمزُ الشَّياطِينِ لا يَنفَكُّ يَطرُقُهُ
حَيثُ الوَساوِسُ مِثلُ الشَّوكِ وَ الإبَرِ
٢٥. وَ لَم يَرُحْ بِهُدى الإيمانِ مُشتَفِيًا
وَ لَم يَلُذْ بِحِمى الآياتِ وَ السُّوَرِ
٢٦. وَ مَرَّةً قَد شَكَا هذا لِصاحِبِهِ
وَكانَ صاحِبَ سُوءٍ كاذِبَ الخَبَرِ
٢٧. فَلَمْ يُفَكِّرْ بِعُقبى ما يَقُولُ لَهُ
إذْ راحَ يَنصَحُهُ بِالسُّكْرِ وَ الخَدَرِ
٢٨. وَ قالَ:إنَّ عِلاجَ ( الإكتِئابِ ) هُوَ
( المُخَدِّراتُ ) فِفِيها لَذَّةُ السَّمَرِ
٢٨. إذا تَذَوَّقتَها تُعلِيكَ نَشوَتُها
حَتَّى كَأنَّكَ أعلى مِن يَدِ القَدَرِ !
٢٨. وَ سَوفَ تَلقَى حُبُورًا لا حُدُودَ لَهُ
كَأنَّما أَنْتَ في نَصرٍ وَ فِي ظَفَرِ
٢٨. وَ تَقتُلُ الهَمَّ وَ الآلامَ قاطِبَةً
حَتَّى كَأنَّكَ فَوقَ الشَّمسِ وَ القَمَرِ
٢٩.وَمُنذُ أنْ جَرَّبَ(الأفيُونَ) مُنْجَرِفَا
حَطَّتْ عَلَيهِ مَآسِيهِ وَ لَم تَطِرِ
٣٠.وَ مُنْذُ أنْ جَرَّبَ(الأفيُونَ)في غَرَرٍ
قَدْ راحَ يَغطسُ في مُستَنقَعٍ قَذِرِ
٣١. وَ راحَ يَلعَبُ في أحوالِهِ خَدَرٌ
سُدًى كما تَلعَبُ الأقدامُ بِالأُكَرِ
٣٢. وَ راحَ يَحيَا بِأوهامٍ وَ أخيِلَةٍ
أمْسَتْ تُمَزِّقُهُ بِالنَّابِ وَ الظُّفُرِ
٣٣. وَ باتَ يُبصِرُ في ظَلمائِهِ شَبَحًا
يَأتيهِ مِنْ عِندِ قَبرٍ أزرَقَ الشَّعَرِ
٣٤. وَ راحَ يَسمًعُ أصواتًا مُمازَجَةً
زَأرَ الأُسُودِ على ثَغْيٍ مِنَ البَقَرِ
٣٥. وَ زالَ مِنهُ حَياءٌ كانَ مئزَرَهُ
الضَّافي الَّذي كانَ فِيهِ خَيرَ مُؤتَزِرِ
٣٦. وَ راحَ يَشكُو فُتُورًا في عَزيمَتِهِ
وَ قَد غَدَا جِسْمُهُ في قِمَّةِ الخَوَرِ
٣٧. وَعادَ في كُلِّ شَيءٍ غَيرَ مُكتَرثٍ
كَأنَّما هُوَ مِنْ صَخْرٍ وَمِنْ حَجَرِ
٣٨. فَذِهْنُهُ في شُرُودٍ غَيرِ مُنْقَطِعٍ
في كُلِّ وَقتٍ تَراهُ زائِغَ النَّظَرِ
٣٩. لِذاكَ قَد طَرَدُوهُ مِنْ وَظيفَتِهِ
لَمَّا رَأوْهُ بِلا ظِلٍّ وَ لا ثَمَرِ
٤٠. وَ صارَ بينَ جَميعِ النَّاسِ قاطِبَةً
فَردًا كَريهًاوَشَخصًا جِدَّ مُحتَقَر
٤١. وَ دَبَّ في كُلِّ أعضاءٍ لَهُ هَرَمٌ
كَأنَّهُ باتَ يَحيَا أرذَلَ العُمُرِ
٤٢. وَصارَ في كُلِّ شَيءٍ غَيرَ متَّزِنٍ
إذا تكلَّمَ لا يَحكِي سِوى الهَذَرِ
٤٣. رَثُّ الثِّيابِ عَلَيهِ الذُّلِّ مُنْطَبِعٌ
تُعَدُّ صُورَتُهُ مِنْ أبشَعِ الصُّوَرِ
٤٤. وَ أَنفقَ المالَ في الإدمانِ أجمَعَهُ
ما كانَ مُدَّخَرًا ، أو غَيرَ مُدَّخَرِ
٤٥.أحاطَهُ الدَّيْنُ مِنْ شَتَّى جَوانِبِهِ
كَما تُحِيطُ مِياهُ البَحرِ بِالجُزُرِ
٤٦. وَ حِينَما وَجَدَ التَّسدِيدَ أعجزَهُ
باعَ الأثاثَ وَ ما أبقَى سِوى السُّرُرِ
٤٧. وَ بَعدَها باعَ بَيتًا كانَ يَملُكُهُ
حَتَّى غَدَا ساكِنًا في أردَأِ الحُجَرِ
٤٨. حَيثُ الثَّعابِينُ وَ الجِرذانُ تأْلَفُها
سُقُوفُها لا تَقِيهِ من أذَى المَطَرِ
٤٩. وَ طَلَّقَ الزَّوجَ وَالأطفالَ شَرَّدَهُمْ
وَ باتَ يَحيَا بلا مَلجىً وَ لا وَزرِ
٥٠. حَتَّى رَأَوْهُ ذَبِيحًا ذَبْحَ مُديَتِهِ
في جَيبِ سُترَتِهِ أوراقُ مُنْتَحِرِ
قَد خطَّ فِيها”أنا المَسؤولُ عَنْ قَدَري
وَ قِصَّتي عِظَةٌ كُبرى إلى البَشَرِ
٥٢. أنا الَّذي سُقتُ نَفسِيْ لِلهَلاكِ أنا
أنا الَّذي عُدتُ بَعدَ العَينِ في الأثَرِ
قَد كُنتُ في جَنَّةِ الفِردَوْس مُغتَبِطًا
فَصِرتُ مِن بَعدِها أصلَى لَظَى سَقَرِ
٥٤. إنِّي بِكُلِّ ذُنُوبي ،اليَومَ ، مُعتَرِفٌ
جُرمي عَظِيمٌ وَ ذَنبي غَيرُ مُغْتَفَرِ
٥٥. جُرحِي عَمِيقٌ بَلِيغٌ غَيرُ مُلْتَئِمٍ
كَسري شَنِيعٌ فَظِيعٌ غَيرُ مُنْجَبِرِ
٥٦. تَبًّا لِزارِعِ ( أفيُونٍ ) وَ بائِعِهِ
فَإنَّهُ شرُّ سُوقِ ، شُرُّ مُتَّجَرِ
٥٧. وَ إنَّهُ لَوَقُودٍ من أبالِسَةٍ
مِنهُ تَطايَرَ كُلُّ الشَّرِّ وَ الشَّرَرِ
٥٨. خَسِرتُ دُنيايَ فِيهِ ثُمَّ آخِرَتي
وَ لَيسَ عِندِيَ مِن عُذْرٍ لِمُعتَذِرِ ” !