كيف ترى الحياة…
من أقوال الرسام الهولندي العالمي فنسنت وليم فان خوخ الفنان التعس وهو يروى قصة حياته في كتابه” شهوة العمر كله” إنني اكرهها… اكرهها… فلم أجد فيها لحظة تستحق الحياة. ونجد في موضع آخر قول الشاعرة والكاتبة المسرحية الأمريكية، إدنا سانت فنسنت ميلاي : “أيتها الدنيا الجميلة، ليتني استطيع ان احيطك بذراعي واضمك إلى صدري، وأنعم في احضانك برائحة ترابك ولسعة شمسك ولحن رياحك في الشتاء! “.أن الحياة التي عاشها الاثنان واحدة.. وهي ذاتها التي كرهها الفنان، وتغزلت الشاعرة بجمالها أيضا واحدة. الفرق بين الاثنين أن الفنان المسكين لم يرَ بهجة الحياة. فمن يفتقد مباهج الحياة يفتقد كل الحياة، هكذا قال روبرت لويس بلفور ستيفنسون الروائي والشاعر وكاتب المقالات الأسكتلندي. بينما نرى العكس مع الشاعرة ادنا… فهي احست في تلك اللحظة التي جلست تصف فيها جمال الحياة من حولها بكل شيء حي.. أوراق الشجر.. الزهور وعبقها والسحب فوق رأسها فانطلقت تصف لنا بقلمها روعة الحياة التي تعيشها. أرى بأنه ليس هناك اتفاق على رؤية الحياة فكل شخص يصف لك الحياة حسب الظروف التي تحيط به في ذلك الوقت. يذكر لنا عالم النفس أبراهام ماسلاو : أن بهجة الحياة تأتي عندما لا نهرب منها.. وعندما نتعلم كيف نعيش احزانها.. ونخوض معاركها بنفس القوة التي نستقبل بها افراحنا وبعد أن ندرك هذا المفهوم سنعلم حينها أن هناك نهاية لكل شيء. في احد الايام ركب شخص القطار فكان مكانه في العربة الاولى في الصف الثاني رأى رجلاً كان يجلس بجوار النافذة يدخن سيجارته بهدوء وكانت عيناه من وراء الزجاج تتنقلان سريعا بكل شيء يمر به القطار رغم السرعة الهائلة. لقد بدأ كما لو كان يبحث عن شيء… ولكن ما هو على وجه التحديد؟ هل هي تلك الشجرة البعيدة ام هذه القريبة، ربما يدقق على صفوف المنازل، او وجوه الأطفال الذين جاءوا من الريف ليراقبوا القطار الجديد تمنوا لو انهم كانوا بين الراكبين، أو كان ينظر للسحاب التي بدأت تتجمع في السماء وتنذر بهطول المطر. ثم لا يلبث أن يعود إلى سيجارته وإلى الصحيفة التي كان يضعها على ركبتيه فيقرأ فيها قليلا ويعود مرة أخرى إلى النافذة يكمل رحلته مع الحياة. لم يتمالك نفسه فقال له ” المنظر جميل أليس كذلك” أجاب بكل هدوء نعم، ثم أشار إلى عربة نقل كبيرة كانت تحمل حبوب القمح…. قال :من هنا يأتي غذاؤنا.. فهم يكدحون، ونحن ناكل ثمار كدهم دون أن نحس بهم. ما أجمل صور الكفاح من أجل العيش والرزق ولعل اروعها على الاطلاق تلك التي لا نراها إلا مصادفة. بدأ القطار يبطئ من سرعته.. وقف الرجل يعد نفسه ويستعد للنزول في المحطة القادمة وحمل حقيبته الصغيرة ووضعها عند قدميه.. قال هنا بيتي في هذه المدينة الصغيرة حيث اعيش مع زوجتي وأطفالي الثلاثة. سوف يسعدون كثيراً لعودتي بعد غيبة استغرقت أسبوعاً كاملاً.. إنها المرة الأولى التي افترق فيها عنهم. لأنني اضطررت للذهاب لأعرض نفسي على أخصائي، فأنا أعاني من آلام حادة في معدتي! لقد عرفت سر العلة… انهم لم يحاولوا إخفاء الحقيقة عني.. إنني مصاب بالسرطان ولن اعيش لأكثر من ستة أشهر. ومنذُ تلك اللحظة التي عرفت بأن رحلة حياتي على الأرض قد اقتربت من نهايتها. بدأت احس بهذا الجمال الذي ارى من حولي كل شيء بدا جميلاً جداً , يبدو بانه قد صحا فجأة من نوم عميق دام لأكثر من أربعين عاماً.. هي كل عمره على الأرض.. ما أقسى الحياة وما أجملها في ذات الوقت. ولكن بعض الناس لا يرون فيها غير جانبها المظلم.. والبعض لا يكادوا يمرون بالظلام حتى ينتقلون بسرعة إلى النور وفي هذا الجانب المضيء تتغير نظرتهم للحياة.. ولكل ما فيها وما عليها. فيها تنبض القلوب بالحب وتمتلئ بنشوة الحياة. ولهذا تبين لماذا عَرّف الفنان والشاعرة الحياة تعريفين مختلفين تماماً . الحياة مثل الرواية لكل يوم فيها صفحة جديدة ,فان كانت الصفحة حزينة لا تقلقوا فقط اقلبوا الصفحة واستمتعوا بالحياة وتوكلوا على الله .