إن ما يشاهده الناس وما يقرءوه أو ما يستمعون إليه وما يرتدونه وما يأكلونه والأماكن التى يذهبون إليها وما يتصورون أنهم يفعلونه كل ذلك أصبح وظائف يمارسها جهاز إعلامى يقرر الأذواق ، والقيم التى تتفق مع معاييره الخاصة التى تفرضها وتعززها مقتضيات السوق . وبعملية استقراء واقعية لإعلامنا ، سنجد أن الإعلام الأمريكى الأخطبوطى قد سيطر على وسائل إعلامنا المختلفة ، وبالذات عن طريق جهاز تلفزيونى يلهث دائماً وراء البرامج والأفلام والمسلسلات الأمريكية التى لا يكتفى ببثها ليل نهار ، ولكن يجعل منها المثل والقدوة والمقياس الذى يحتذى به فى إعداد برامجه وإعلاناته ومسلسلاته وأفلامه حتى اقتحمت المفاهيم والقيم منازلنا وعقولنا ، وتربعت واستراحت فى ضمائرنا . إن وجود التليفزيون فى كل بيت وكذلك بأقصى القرى المصرية بعداً عن التمدن – ليس فقط ترويج سلعى للرأسمالية الغربية ، ولكن أهم من ذلك بكثير أنه زرع لرأس أفعى من أفاعى الأخطبوط الإعلامى الأمريكى – الذى يكاد يسيطر ببرامجه المتعددة على إعلامنا – يتحكم من خلالها فى توجيه أو بكلمة أدق فى تصنيع عقول أبسط أبناء شعبنا بالطريقة التى يريدها . والحقيقة إن سيل المسلسلات الأمريكية التى تستعرض سلوكيات الحياة اليومية للأمريكيين ؛ لكفيل بنقل القيم البراجماتية التى تقوم عليها هذه السلوكيات إلى عقلية المتفرج المصرى الذى يعمل إعلامه جاهداً على إبهاره بكل ما هو أمريكى .
إن أمريكا تصنع الأحداث فى حالات ، ولكنها أيضا بارعة فى توظيف واستغلاب الأحداث والأوضاع فى جميع أنحاء العالم ، وفى عالمنا العربى الظروف متهيئة للانفجار فى كل لحظة منذ سنوات بسبب التسلط والتخلف فى الحكم والقيادة ، ومما عقد الأمور الانسداد السياسى الذى استمر لعقود دون تحرك وإصلاح من الأنظمة الماسكة بالحكم والسلطة .
والعجيب فى الأمر أن دولاً كبرى كالصين واليابان رفضت عرض مسلسل أمريكى على شاشات تلفزيوناتها ، وفى بريطانيا منظمة علمية تحمل اسم مجلس الإرشاد الأسرى أعلنت بعد دراسات عديدة أن المسلسل كفيل بإفساد القيم الأسرية والإجتماعية لدى المجتمع البريطانى المحافظ ، وأن العائلة التى تحمل اسم المسلسل تظهر قيماً وسلوكيات ضارة ، فالأسرة تتعامل مع الزواج وكأنه سيارة مستعملة مشتراه من سوق السيارات القديمة . فإذا سئم المرء موديلاً معيناً سهل عليه التخلص منه لشراء سيارة أخرى مستعملة أيضاً . وخطورة هذا المسلسل تكمن فى أن الناس يتعايشون مع شخصيات المسلسل ويتشربون قيمهم وأحكامهم تجاه المواقف من خلاله وهذا يعرض القيم البريطانية للخطر . أقرأتم العبارة الأخيرة إنهم أبناء حضارة واحدة ومع ذلك يخشون من بعض المسلسلات الأمريكية التى تعرض القيم البريطانية للخطر ، فما بالكم بمجتمعنا نحـن ؟!! أما نظام الإعلان المصرى الاستفزازى فإنه يمارس عملية برمجة براجماتية كاملة يشكل بها من جديد – وتحت الضغط الشديد – ذهن المجتمع المصــرى . إن المشاهد ليس عليه فقط أن يحطم حمامه القديم – كما يقول أحد الإعلانات .. لكى يشترى الحمام الترفى الجديد ، ولكن عليه أن يحطم ذاته القديمة وحضارته ، وقيمه الدينية أيضاً . أما الأفلام فتكاد أن تكون الأفلام الأمريكية هى المسيطرة على دور العرض العربية بوجه عام ، وبالإضافة لتقديمها للنماذج السلوكية الأمريكية وقيمها على أنها النموذج الذى يجب الاقتداء والاقتضائية فإنها من خلال سلسلة الأفلام الجديدة . وعلى هذا المنوال تمضى الكثير من الأفلام المصرية وعليه أيضاً تمضى الكثير من المواد الإعلامية الأخرى حتى صار الحديث طبيعياً ومألوفاً عن المنفعة والمصلحة الشخصية وعن كونها المقياس الذى تتحدد على أساسه العلاقات بين البشر حيث هى الهدف الوحيد الذى يجب أن يسعى إليه الجميع أياً كانت الطرق المؤدية إليه حيث يبدو أن كل من لايفكر بهذه الطريقة غبى ومتخلف وموهوم ورومانسى وعاطفى يعيش فى الأحلام بعيداً عن الواقع ، أما إن كان متديناً فهو متطرف حنبلى ( نيكدى) معقد لا يفهم الدين لأن الدين يسر لا عسر . وكان طبيعياً أن ابتسم بمرارة وأنا أسمع صوت المغنى الشعبى وهو يقول .. الدنيا مصالح ومنافع . وأتوجه لمن هم فى موقع القيادة فى عالمنا العربى ، وأقول لهم عليكم أن تعرفوا أن أمريكا لن تنفعكم ولن تحميكم ، فالحماية لا تأتى إلا من الشعوب ، ولكم عدة أمثلة من شاه ايران إلى صدام إلى القذافى والقادة فى قطر والكثير من القيادات والساسة فى جميع أنحاء العالم الذين استغلتهم وتستغلهم الإدارة الأمريكية ، وبعد انتهاء مهامهم وصلاحياتهم رمتهم رمى الكلاب بكل إهانة واحتقار ورفضت مجرد استضافتهم على أراضيها وتوفير الحماية لهم ، ولكن هل من معتبـر .